مقال قانوني حول الرقابة القضائية على دستورية القوانين في السعودية

القضاء

يعدّ القضاء من المسائل ذات الأهمية الكبيرة في المجتمعات الدوليّة، وبرهانًا على ذلك فقد وجد القضاء منذ القدم، حيث كان الحاكم هو الذي يحكم الخلافات التي تقع بين أفراد دولته، أما في الإسلام فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- مَن يحكم أمور المسلمين، ويقوم بحل الخلافات التي كانت تقع بينهم، وعندما تولى أبو بكر الخلافة في عصر الخلفاء الراشدين كان لا بد من وجود شخص يحل أمور المؤمنين، فاختار عمر بن الخطاب في ذلك الوقت الملقّب بالفاروق؛ لأنه كان يفرق بين الحقّ والباطل، أما في العصور الحالية فقد وجدت سلطة قضائية مستقلة معنية بتنظيم أمور الدولة وحل الخلافات الناشئة بين الأفراد، وفي الآتي سيتم توضيح الرقابة القاضئية على دستورية القوانين، والانتقادات التي وجهت لهذه الرقابة، وطرق الرقابة القضائية على دستورية القوانين.

الرقابة القضائية على دستورية القوانين

في الحقيقية لا يمكن لأيّ مجتمع أن يوجد بلا قضاء؛ لأنه سيؤدي ذلك إلى تفاقم الخلافات به ويعمه الفوضى وتؤكل به حقوق الأفراد، فالقضاء هو الحل الوحيد لتنظيم أمور الدولة والسمو بها، فالقضاء العادل أينما وجد تزهو به الأمة وتتقدم، وكما يسعى القضاء إلى حل النزاع بين أفراد المجتمع، فإنه يقوم بفحص مدى ملائمة القوانين لأحكام الدستور، وإن عملية الرقابة القضائية على دستورية القوانين هي عمل قانوني بحت، هدفها الأساسي التأكد من مدى ملائمة القوانين الموجودة في الدول مع أحكام الدستور، والتحقق من مدى التزام السلطة التشريعية بحدود اختصاصتها وعدم تجاوزها ذلك، حيث إن السلطة القضائية تتمتع بضمانات عديدة ومنها الحيدة والإستقلال، وأنّ أفراد المجتمع يثقون دائمًا بأشخاص الهيئة القضائية؛ لما يتمتعون به من خبرة قانونية عالية، ومؤهلات علمية تمكّنهم من المحافظة على حقوق الأفراد.[١]

بالتالي، فإن من الأجدر أن تتولى الهيئة القضائية هذه الرقابة؛ لأنّها دائمًا تسعى إلى التأكيد على سموّ الدستور على غيره من القوانين وتكفل احترام أحكام الدستور، ورغم أن الدول لم تتفق على أساليب الرقابة القضائية إلا أن الدول العربية والغربية أخذت بهذه الرقابة مع تنوع أساليبها.[١]

انتقادات للرقابة القضائية على دستورية القوانين

رغم أن الرقابة على دستورية القوانين هي رقابة فعالة ومجدية، إلا أن البعض من الفقهاء القانونيين عارض مثل هذا النوع من أنواع الرقابة علر دستورية القوانين، وذلك استنادًا إلى حجج وبراهين عديدة، ومن هذه الانتقادات التي وجهت إليها ما يأتي:[٢] عندما تفرض الهيئة القضائية رقابتها على دستورية القوانين، فإنّ ذلك يعدّ تدخلًا في أعمال السلطة التشريعية، ومخالفةً لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، لكن الرد على ذلك أنه لا يوجد فصل تام بين السلطات، بل لا بد من وجود نوع من أنواع التعاون بين السلطات حتى تتمكن من تحقيق أهدافها، إضافةً إلى أن البرلمان إذا كان ملتزمًا بتطبيق أحكام الدستور فلن تضره مثل هذا النوع من الرقابة.

إن مثل هذه الرقابة تخرج القاضي عن إطار وظيفته الأساسية، وهي تطبيق القانون وليس فحصه، وينشغل عن حل المنازعات، ممّا يفقد الأفراد ثقتهم بالمرفق القضائي، لكن الرد على هذا القول أن هناك دولًا أنشأت محكمة خاصة لمثل هذا النوع من الرقابة. عندما يقوم القضاء بمثل هذه الرقابة فإنّه يتعدّى على أعمال البرلمان الذي بدوره يعدّ نائبًا عن الأمة، وبذلك يعد مخالفة لمبدأ سيادة الأمة، ولكن الرد على هذا الانتقاد أن القضاء الذي يقوم بهذه الرقابة هدفه إعلاء إرادة الأمة وحماية حقوقها وسيادتها طرق الرقابة القضائية على دستورية القوانين تعدّ الرقابة القضائية على دستورية القوانين من أفضل الطرق فعاليّةً للرقابة على عدم عدم مخالفة أي قانون للدستور، وتعد الهيئات التي تقوم بهذه الرقابة ذات طبيعة قضائيّة، وتتم هذه الرقابة بطريقتين، إما عن طريق رقابة الإلغاء أو عن طريق رقابة الإمتناع، وفيما يأتي توضيح ذلك:[٣] رقابة الإلغاء تعني هذه الرقابة أن يرفع الشخص صاحب الشأن الذي خوّلَه دستور الدولة ذلك دعوى يطالب من خلالها بإلغاء القانون الذي يخالف أحكام الدستور، وقد تكون رقابة الإلغاء سابقةً على صدور القانون، إذا كان هناك شرط لعرض القانون على الهيئات القضائية للتأكد من عدم مخالفته الدستور، وتقوم بهذه الرقابة هيئة قضائية عامة دون الأفراد، ومن الممكن أن تكون رقابة الإلغاء لاحقة على صدور القانون، بحيث يمكن الطعن بهذا القانون أمام الهيئات القضائية المختصة لعدم دستوريته.

رقابة الامتناع تُسمّى بالدفع، بحيث يكون هناك نزاع قائم بين الخصوم حول أمر ما أمام الهيئات القضائية، فيقوم أحد الخصوم بالدفع بعدم دستورية القانون المراد تطبيقة على النزاع محل الدعوى، وعندها يتعين على القاضي إيقاف النظر بالدعوى والنظر بموضوع الدفع، فإذا تأكد من عدم دستوريته لا يتم تطبيقه على النزاع المعروض، ولكن هذا لا يعني عدم تطبيقه على واقعة أخرى، وفي كل الحالات يبقى القانون قائمًا إلى حين صدور قانون آخر يحلّ محلّه.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت