قصر الترافع على المحامين
يوسف الفراج
لست بحاجة إلى تعداد ما يردده الكثير من مختصين أو غيرهم فيما يرونه عيوبا في نظامنا القضائي، سواء منها ما يتعلق بالنظام أو يتعلق بتطبيقه، بداية من اختيار القضاة وتدريبهم والتفتيش على أعمالهم وتواضع كادرهم، وانعدام الحوافز لهم، وضعف كفاءة العاملين معهم، وعدم توافر البيئة المناسبة لعملهم من منشآت وتجهيزات وتقنيات، أما أهم تلك الملحوظات فعدم تدوين « تقنين» الأحكام، وتأخر الفصل في القضايا، وهم في ملحوظاتهم هذه يسعون أو يفترض فيهم ذلك إلى الرقي بالعملية القضائية على اعتبار أن إصلاحها أصل في تحقيق العدل والأمن، وهما العاملان الرئيسان في دعم المناشط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها.

وبغض النظر عن مدى صحة ما ذُكر أعلاه، وبالتأكيد فبعض ما ذكر صحيح – وسبق أن علقت عليه في هذه الزاوية -, إلا أن من الأسباب التي يغفل عنها الكثير في سياق حديثهم عن تقييم العملية القضائية والسعي إلى رفع كفاءتها : ما يتعلق بالمستفيدين من هذه العملية ووعيهم بالأنظمة واحترامهم لمواعيد الجلسات وطلبات المحكمة، فهل سمعتم يوما بمن يعترض على الحكم وهو صادر لصالحه بقصد دعم القاضي أمام محكمة التمييز من خلال مذكرة الاعتراض، ومن يرد على هاتفه أثناء الجلسة بل ومن ترضع ابنها وهي تدعي على زوجها في سلسلة من التصرفات اليومية والتي لا يمكن حصرها، ناهيك عن سوء أدب بعضهم مع القضاة وعدم احترام تعليمات المحكمة والتهديد والتشنيع، والتفنن في تأخير الجلسات وإطالة أمدها، أما الجهل بأحكام الترافع والمدد والمواعيد، وضعف أسلوب صياغة المذكرة – إن كان هناك مذكرات- فكثير، أما أحكام الاختصاص فحتى بعض المختصين يجهل بعضَ أحكامه.

وكأني بالبعض يقول إن التقصير من المحكمة فلا بد أن تكون إيجابية تجاه هذه المظاهر السلبية و تتعامل معها بشدة، وهذا كلام صحيح ، و مطلب في محله لكن بعض هذه المظاهر للأسف تُستغل استنادا للنظام، مما تقف معه المحكمة عاجزة عن اتخاذ أي موقف، كما أن الكثير منها يرجع إلى الوعي العام من صدق وأمانة وحفظ الحقوق وردها، وهو منظومة أخلاقيات وسلوكيات لا يمكن بحال المراهنة على صلاحها في مدة قصيرة، أو أن تكون شدة المحكمة وحزم قضاتها العامل الأساس في إصلاحها. ومع قناعتي بأنه من الصعب إلغاء الترافع الشخصي أو الترافع من خلال الوكيل غير المحامي كليا، لطبيعة المرحلة وقلة عدم المحامين وعدم توزعهم في كل المدن والقرى، ولوجود بعض القضايا في المحاكم لا يلزم لها الكثير من المهنية والاطلاع على الأنظمة مثل الانهاءات – حصر الورثة والإعالة والولاية ونحوها – ،

إلا أنني أرى أن من موجبات الرفع من كفاءة العملية القضائية : قصرُ مهنة الترافع أمام القضاء في بعض المحاكم والقضايا ومن بعض الأطراف على المحامين، ففي المدن الكبيرة والمليئة بالمحامين يُفترض ألا يترافع في القضايا التجارية أو العقارية مثلا إلا المحامون، كما أن الشركات الكبيرة يُفترض ألا يُقبل منها الترافع إلا من خلال المحامين أيضا، وإكمالا لهذا الرأي فلا بد من توسيع نظرية التعويض عن مصروفات الدعوى وأجرة المحامين وتحميلها الطرف الخاسر، ولو بنص نظامي منهي للاجتهادات المختلفة. لست جاهلا ولا بعيدا عن مخالفات المحامين فقد كنت رئيسا للجنة تأديبهم- هو النص النظامي، وأُفضلُ : محاكمتهم – لمدة ست سنوات، إلا أنهم بالتأكيد أعرف بالأنظمة وأكثر فهما وخبرة، وأرقى تعاملا، ومن أهم معاوني القضاة، ويحملون ترخيصا يسعون للمحافظة عليه.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت