إعلام الزوجة عند التعدد لا يكفي

بقلم المحامي الدكتور معتز قفيشة

بقلم المحامي الدكتور معتز قفيشة عميد كلية الحقوق جامعة الخليل أعتقد، كما ذكرت أمام رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الفلسطيني بتاريخ 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2013 أثناء زيارته لكلية الحقوق في جامعة الخليل، أنه لا يكفي الاقتصار على إلزام الزوج بإعلام الزوجة في حالة رغبته بزواج جديد.

بل يجب أن يتاح المجال للزوجة أن توافق على زواج زوجها مجددا، لأن الزواج الجديد يضيع العديد من حقوق الزوجة، مثل الميراث والمعاشرة الزوجية والحماية النفسية والنظرة المجتمعية الاحتقارية.

كما أن عقوبة الزواج مجددا دون إعلام (أي الزواج خارج الإطار الرسمي) هي خفيفة وغير رادعة؛ فما قيمة الغرامة مائة دينار أردني أو السجن مدة أسبوع؟! على القضاء الشرعي أن يدخل بندا في عقد الزواج، ضمن “الشروط الخاصة”، تشترط بموجبه الزوجة على زوجها بأن لا يتزوج عليها، وأن يكون هذا الشرط ضمن الشروط النموذجية لعقد الزواج المطبوع والمعد مسبقا من قبل الدولة، أي إدارات المحاكم.

وهنا يجب أن يترك الخيار للزوجة أو للعروس أن تتنازل عن هذا الشرط، إما حين الزواج أي وقت “كتب الكتاب” أو في أي وقت من الأوقات، كون أن هذا الشرط هو حق لها. قد يقول قال: يمكن للزوجة أن تشترط ذلك عند العقد. هذا صحيح من الناحية الكلامية. لكن في الواقع تخجل النساء وأهلهن من إدخال هذا الشرط لأنه قد يوتر الأجواء في وقت الفرحة، ولكن عندما تحدث المشاكل ويرغب الزوج في تعميق شهواته الحيوانية، نقول “يا ريت”.

وبالتالي، فلا معنى من الناحية الفعلية لفتح المجال للزوجة أن تشترط بأن لا يتزوج زوجها مجددا دون إيجاد ضمانة جدية تكفل رغبة الغالبية العظمى من النساء بأن لا يتزوج زوجهن غيرهن. لا يجوز لأحد أن يحتكر تفسير الدين. فكل له رأيه، حتى عامة الناس وحتى غير المسلمين.

ولا يجوز أن نخدر الناس بحجة أن الدين يقول كذا. فالنصوص أكثرها ظنية المعنى ولا يمكن أن تطبق حرفيا. والدولة والناس لهم الحق في التفكير والتحليل واختيار الأنسب. فالدين مرن وهنالك آراء في كل مسألة، والمجتمع له الحق أن يدلي برأيه من أجل أن يتجدد الدين ويتألق. ولا يجوز أن ينحصر تقسير الدين في المتزمتين والرجعيين.

فإذا لم يتجدد الدين وتتطور أحكامه فإن تأثيره يقل، بل قد يتلاشى هو نفسه. فالمتشدون هم في الحقيقة أعداء الدين. فما معنى القاعدة التي تقول “لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان”؟

تشير الإحصائيات إلى أن عدد النساء في فلسطين وفي العالم العربي أقل من عدد الرجال.

المجتمع لا يحترم المرأة التي يتزوج عليها زوجها. عادة الأشخاص الأقل تعليما هم الذين يتزوجون أكثر من واحدة. في أغلب حالات التعدد، إن لم نقل فيها جميعا، لا يتوفر العدل. بل تخرب البيوت وتتضرر العلاقات الأسرية وينحرف الأولاد.

الرأي الفقهي الأرجح، وهو موقف معظم قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية بما فيها فلسطين، يجيز للمرأة أن تشترط ألا يتزوج زوجها غيرها. فلماذا نعتبر خطوة اتخاذ إجراء جدي يضمن هذا الحق في الاشتراط بعدم التعدد (مثل وضعه كشرط ثابت في عقد الزواج الرسمي يمكن للمرأة أن تتنازل عنه) شيئا مخالفا للدين؟ العكس هو المخالف للدين عند التدقيق.

لا يجوز أن يترك “العدل” بيد الشهوانيين والجهلة من الرجال، كما هو الحال الآن. كل الحالات التي أعرفها من التعدد لا يتوفر فيها العدل. بل أتحدى أن نجد حالة واحدة فيها عدل، لا في المأكل ولا في الملبس ولا في المسكن ولا في المضجع. “ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”.

وكل الآيات التي ذكرت في التعدد يمكن تقسيرها في ضوء ظروفها وسياقها، التي تدل على أن الأصل هو عدم التعدد والتعدد استثناء، ووفقا المقاصد العليا للدين: وهي العدل وحماية الأسرة وعدم التعسف في استعمال الحق. الدولة هي التي يجب أن تحدد ماهية العدل من خلال القانون.

التعدد، إن سمح به (وأنا بالطبع أعارضه من حيث المبدأ لكن هذا رأيي الشخصي) يجب أن يكون في حالات استثنائية محددة على سبيل الحصر في القانون، وأن يتاح للمرأة الحق في طلب التفريق عند رغبة الزوج في التعدد مع احتفاظها بكافة حقوقها المذكورة في عقد الزواج وبالنفقة مدى الحياة وبالبيت الذي كانت تسكن فيه قبل التفريق وبحضانة الأولاد وأن يدفع لها زوجها تعويضا عن السنوات التي قضتها معه وعن الأموال التي قد تكون أنفقتها لصالح الأسرة، وأن تتاح لها طرق إثبات الأموال التي صرفتها بكافة طرق الإثبات.

فلا يعقل، بل ويحرم، أن تبني المرأة بيتا لزوجها ثم يتزوج غيرها في ذات البيت، كما يحدث بالفعل. في حالة الزواج دون موافقة الزوجة، يجب أن يكون العقد باطلا وأن يتعرض الزوج وكل من له صلة بالعقد الثاني (مثل الكاتب والشهود والولي والوسيط وكل من يتستر) لعقوبة جنائية رادعة، مع احتفاظ الزوجة الأولى بكافة حقوقها، كما ذكرت.

مثل الدين، يجب أن يراجع القانون وأن تتغير كثير من أحكامه. القوانين في فلسطين كثير منها يحتاج إلى تغيير، مثل قانون العقوبات وقانون العمل وقانون التجارة وقانون التأمين وقانون الإيجار، بل والقانون الأساسي.

هنا أقولها لأعزائي طلبة القانون ولزملائي الأساتذة والباحثين والمحامين: لا يكفي أن نحفظ ونطبق القانون، بل يجب علينا أن نصنع القانون. فهدف القانون، أي قانون، يجب أن يكون تحقيق العدل.

فإذا ترتب على أي قانون الظلم، فقد القانون معناه ويجب أن يتغير. والتغيير قد يكون من قبل المشرع كالبرلمان والرئيس أو من قبل القاضي عند التطبيق من خلال التفسير أو من قبل المجتمع الذي يجب أن يطالب بالتغيير من خلال المدارس والجامعات والإعلام وجمعيات حقوق الإنسان والفيسبوك!