مقال عن استعراض رمزي لقوة البحرية الإيرانية في المحيط الأطلسي

أعلنت طهران في شهر شباط /فبراير بأنها أرسلت سفينة تموين إلى المحيط الأطلسي الشمالي ، حيث سيقتربون من الحدود البحرية الأمريكية ، وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الإيرانيون نيتهم عن نشر السفن بالقرب من الولايات المتحدة . وفي أعقاب الإعلان الأخير قال الأميرال الإيراني أفشين رضائي حداد قائد الأسطول الشمالي في البحرية إن الأسطول الإيراني يقترب من جنوب المحيط الأطلسي قبالة سواحل جنوب أفريقيا .

ووفقا لستراتفور فان القرار الإيراني بنشر سفن حربية إلى الشمال من المحيط الأطلسي يحمل رمزية كبيرة إذ أنها لا تشكل أي خطر عسكري حقيقي وستستخدم إيران هذا التحرك لإظهار قوتها بطريقة لا تحمل في ثناياها تهديد ، فهي تسعى لاسترضاء المتشددين والذين يشككون بجدوى المحادثات النووية بينها وبين الولايات المتحدة .

ونظرا للمفاوضات النووية الجارية بين إيران ومجموعة الخمسة + واحد ( الدول الخمس الدائمة العضوية مع ألمانيا ) ، فان تحرك البحرية الإيرانية يأتي في سياق ظروف سياسية حساسة . إن عقودا من العداء بين الولايات المتحدة وإيران قد خلقت جماعة من المتشددين في كلا البلدين يجب التعامل معها بعناية لأنها من الممكن أن تعطل أي مسعى جدي لأي اتفاق محتمل .

إن الخطاب السياسي الذي يلف المحادثات يظهر في بعض الأحيان تباين في المواقف إذ أن مع كل انفراج في المفاوضات يقابله تحذيرات مؤداها أن أي من الطرفين لن يقدم الكثير من التنازلات ، بالنسبة للولايات المتحدة فان هذا الخطاب غالبا ما يترجم بتفعيل العقوبات وبإزاء ذلك تقوم إيران بإعادة تنشيط برنامجها النووي الذي رفضت التخلي عنه . ويرغب كلا الجانبين أيضا بتذكير بعضهم البعض الآخر بان الخيارات العسكرية دائما مطروحة على الطاولة . ومن هنا فان تحرك الأسطول الإيراني في المحيط الأطلسي مع الدعاية لذلك التحرك يأتي في سياق تبادل الرسائل بين طهران وواشنطن . ومن غير الواضح ما إذا كان الإيرانيون يعتزمون بالفعل الذهاب إلى شمال الأطلسي ، لكن من المهم أن نلاحظ أن هذا الانتشار يأتي بالتأكيد ضمن حدود قدرتها . فالبحرية الإيرانية تمتلك زوارق دورية صغيرة تحمل صواريخ هجومية وهي مناسبة جدا للعمليات على طول الخليج إلا أنها لا تستطيع القيام بعمليات بعيدا عن إيران إلا أن الأخيرة تمتلك أيضا أربعة سفن مماثلة للفرقاطة المشار إليها تمكنها من القيام بمهمات لمسافات طويلة كما هو الحال في الأطلسي .

ولفتت الدراسة النظر إلى أن قدرات إيران البحرية للمسافات الطويلة في المياه ( غير الساحلية ) محدودة ، فالسفن البحرية يجب أن تكون مصحوبة بسفينة متخصصة ولاسيما عندما تبحر لمسافات بعيدة بقدر مسافة غرب الأطلسي ، والوسيلة الأخرى التي يستعملها الإيرانيون لإبراز قوتهم البحرية هي سفينة شحن توفر الوقود والغذاء والمياه العذبة والذخيرة عندما تمارس قطعاتها لمهام بعيدة . ووفقاً للدراسة فان هذه السفينة من الطراز القديم تم صنعها في المملكة المتحدة في أواخر السبعينات من القرن المنصرم وتم تسليمها إلى الإيرانيين في العام 1984 , ومن دون هذه السفينة فان العدد الصغير المتبقي من الفرقاطات الإيرانية غير قادر على القيام بمهمات لمسافات طويلة من دون إسناد القوارب الصغيرة على طول الطريق ، ومن هنا لا يمكن للإيرانيين الاعتماد عليها لمهمات في المحيط الأطلسي . ومن هنا ترى الدراسة أن ما تنشره وسائل الإعلام الإيرانية بخصوص سفنها التي تبحر عبر محيطات العالم يراد منها غرس الكبرياء الوطني داخل إيران . فطهران غالبا ما يكون استعراض براعتها العسكرية مبالغ فيه ، فهي تهدف لردع الأعداء ولإغراض الدعاية المحلية إذ أن نشر القطعات البحرية الإيرانية في المحيط الأطلسي ، ولاسيما بالقرب من المياه الإقليمية للولايات المتحدة ، هو وسيلة جيدة لإثبات قدراتها البحرية. وتبدوا أهمية ذلك بشكل خاص إذا ما علمنا أن العديد من المتشددين الإيرانيين ما يزالون في حالة هيجان بسبب وجود البحرية الأمريكية في الخليج لزعزعة الاستقرار فيه. ومع ذلك فان نشر الأسطول الإيراني إلى شمال الأطلسي يمكن أن يكون أكثر جدوى بكثير في التحشيد الوطني من الخطر الأمريكي . ولفتت الدراسة النظر إلى حقيقة لا جدال فيها وهي : إن نشر السفن الإيرانية لا يشكل أي تهديد للولايات المتحدة ، وان الإبحار بعيدا عن المياه الإقليمية الإيرانية هي أكثر عرضة للخطر في المياه المفتوحة للمحيط الأطلسي ، والبحرية الإيرانية لا أمل لها في المنافسة في هذه المياه مع البحرية الأمريكية حتى أفضل القطع البحرية الإيرانية فهي لا تقارن مع تلك التي تمتلكها الولايات المتحدة من حيث التسليح والسرعة والتدابير المضادة لمواجهة هجمات معادية، وان التهديد الحقيقي الذي تشكله البحرية الإيرانية لا يتجاوز تعطيل الملاحة البحرية في الخليج ولاسيما مضيق هرمز الاستراتيجي ، وان استعراض القوة البحرية الإيرانية في المحيط الأطلسي يسلط الضوء على حقيقة القوات المسلحة الإيرانية وهي أنها على الرغم من كونها قديمة جدا إلا أن الإيرانيين يواصلون الحفاظ على ما لديهم واتخاذ التدريبات على محمل الجد ، في أي مهمة طويلة يتم فيها استخدام سفن قديمة فهناك مخاطر كبيرة ، فهي من المرجح أن تنهار.

وانتهت الدراسة إلى التأكيد على أن نشر السفن الحربية الإيرانية في المحيط الأطلسي يحمل في ثناياه أغراضا رمزية لاستعراض القوة أمام الولايات المتحدة فيما تعمل في الوقت نفسه لاسترضاء القوى المحلية المتشددة .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت