مكافحة الفساد.. حلول ثورية أم إصلاحات جذرية

القاضي عامر حسن شنته

يتسم الحديث عن مكافحة الفساد في هذه الأيام بحماسة كبيرة، ويتردد صداه في مختلف الأوساط الحكومية والتشريعية والإعلامية والشعبية، وذلك أمر حسن فشيوع الرفض لظاهرة الفساد يمثل دعامة أساسية لإسناد الأجهزة المعنية بمكافحة تلك الآفة، ويمثل في الوقت ذاته ضغطا عليها لإحراز تقدم ملموس في هذا الملف.

وإذا كان الإجماع الوطني (ظاهراً) قد انعقد على أن المعركة القادمة هي معركة القضاء على الفساد فأن السؤال الجوهري الذي يطرح في هذا الصدد هو عن ماهية تلك المعركة وآلياتها ومن هم الشخوص المستهدفون؟

ويكاد يتفق الجميع على أن الأسلوب الثوري المتمثل بالإطاحة برؤوس الفساد وزجهم في السجون هو الخيار الأمثل والأنجع. وهو أسلوب له بريق في أوساط الناس كافة. كيف لا والجميع ينتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر.

غير أن المختصين في مجال مكافحة الفساد يعلمون جيداً إن الأسلوب الثوري لوحده لن يجدي نفعاً. ولا يمكن تطبيقه في الكثير من الحالات.

ذلك أن المعركة ضد الفساد تختلف اختلافاً جوهرياً عن المعركة ضد الإرهاب، فالجماعات الإرهابية جماعات لها كيانات مادية ملموسة ولها قيادات معروفة وتتمركز في مناطق معينة، وكل ذلك يجعلها في متناول قواتنا البطلة.

أما مافيات الفساد فليست على ذلك النحو من الوضوح إنها جماعات تستتر خلف واجهات دينية وسياسية واقتصادية، ولها عناوين مجتمعية بارزة. وأية محاولة للإطاحة بها (ثورياً) دون توفر أدلة واضحة سيطبع جهود مكافحة الفساد بطابع الاستهداف السياسي. نعم يتخذ الأسلوب الثوري والحازم في التعامل مع المفسدين (بعد كشفهم) أهمية قصوى في ردعهم وإعادة بناء الثقة مع المجتمع، ولكن شريطة أن تسبق ذلك إصلاحات جذرية تطال مؤسسات الدولة كافة وأهم تلك الإصلاحات هو الإصلاح السياسي والاقتصادي ،وضرب كل نشاط اقتصادي غير مشروع للأحزاب والجماعات الدينية والسياسية، وإعادة النظر في النظام المصرفي في العراق، وتحديث نظام التعاقدات العامة وضرورة الالتزام به وإلغاء المحاصصة في إشغال المناصب العليا في الدولة، وتفعيل قانون مجلس الخدمة.وخلق الثروة وفرص العمل، وتقليل معدلات الفقر في البلاد، ورفع كفاءة الجهاز الإداري في الدولة.

وإسناد وتنمية القطاع الخاص، وتحسين نظام الأجور والتأمينات وجعلها أكثر عدالة .وتفعيل المشاركة الشعبية في مكافحة الفساد، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في تقديم الخدمات للجمهور للفصل بين مقدم الخدمة ومتلقيها، بغية تقليل حالات الابتزاز والرشوة. وبخلاف ذلك لن تتحقق أهداف هذه المعركة .فزج مجموعة من الفاسدين في السجون مع بقاء البيئة التي أنتجتهم لن يحل من الأمر شيئاً.

إن نجاح هذه (الحرب المقدسة) ضد الفساد يتطلب توافر شروطاً موضوعية.

أهمها التنسيق العالي بين الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد كافة، وان يؤدي كل منهم دوره المرسوم له وفق القانون. وتتسع خارطة تلك الأجهزة والجهات لتشمل جهاز الادعاء العام وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين ومنظمات المجتمع المدني وغيرها والتي تنتظرها العديد من الملفات المهمة التي تحتاج إلى تكثيف الجهود، خاصة في القطاعات التي تشهد خروقات كبيرة والتي منها ملفات تهريب النفط والكمارك والمنافذ الحدودية وقطاع المصارف وغير ذلك لتقدم للقضاء ملفات ناضجة قانونياً ومتوفرة على أدلتها تمكنه من إصدار الأحكام بيقين لايعتريه شك.

وبغير ذلك فأن الحرج الأكبر سيقع على القضاء حين تقدم له ملفات ضخمت إعلامياً وصدرت فيها أحكام مسبقة من الشارع تحت تأثير صناعة الرأي العام دون أن تتوفر تلك الملفات على أسبابها وأدلتها القانونية المعتبرة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت