المطالبات القانونية لا تنفذ إلا وقت الأزمات!

(متى يتم تدارك الاحتياجات القانونية والأخذ بها.. وصدور قرارات تتجه نحو التعديل في الجهات الحكومية هو امر جيد، ولا يعارض عليه أحد، لكنه في نفس الوقت هو أمر محزن، إذا نظرت اليه من جانب آخر. ففي اسقاط القضية التي شغلت الاوساط المحلية بوفاة المواطن المطيري، نتيجة تعذيبه، نجد ان التجاوب السريع بتعديل بعض الجهات الحكومية، ونقلها الى السلطة القضائية هو أمر جيد، لكننا اذا راجعنا المطالبات القانونية السابقة، نجد ان هناك سنوات طائلة طالما طالب فيها كثير من القانونيين وبعض النواب بنقل ادارة التحقيقات الى النيابة العامة، لكنها لم تجد أي آذان صاغية.
وهذا الأمر يطرح عديدا من التساؤلات: هل القرارات لا تصدر الا بوجود أزمات ثقيلة يجبر البعض على التجاوب معها؟ ثم هل يستمر مسلسل عدم الاستماع للمطالبات، وبالأخص المتعلقة بالشؤون القانونية التي هي أهم شيء يجب الاهتمام به، وعدم تشكيل لجان خاصة لمتابعة التطورات القانونية، واهم التعديلات على النظام القانوني الحالي؟

فعلى سبيل المثال نجد ان طلب نقل ادارة التحقيقات التابعة لوزارة الداخلية حاليا، والتي تم السماح بهذه التبعية كاستثناء قد تم تقديم طلب بضمها ورجوعها الى الأصل، وهي السلطة القضائية، وتم تقديم هذا الطلب امام مجلس الامة السابق، الا انه لم يتم اعادة هذا الطلب مرة اخرى على ادراج مجلس الامة، مما يعطي مؤشرات على ان هناك كثيرا من المطالبات التي تحتاج الى دراسة عاجلة، ووضعها على الطاولة سريعا، نظرا للحاجة الماسة اليها.
ولعل مثل قرار نقل التحقيقات الى السلطة القضائية يذكرنا بمطالبة السلطة القضائية بزيادة الرواتب الذي تم الاضطرار للاعلان عن رفع دعوى ضد الحكومة، الامر الذي تم تداركه وبالتالي تمت زيادة رواتب القضاة ووكلاء النيابة.

مراجعة

ومن اهم الامور التي يجب مراجعتها والاخذ بها هو فن ادارة القرارات، على ان تولد في كل الاوقات وليس في وقت الازمات فقط، لان ذلك له حلول ايجابية الا ان الادارة بهذا الامر لا تحتوي الحلول الكاملة للازمات.
ان خلاصة الحديث المستفاد هي ان القرارات يجب ان يكون لها مقدمات، وليس مقدمة واحدة تجبر على اتخاذ القرار، ويجب الا يستهان بالمطالبات التي تصدر من اهل الاختصاص لانها مؤشر لوقوع اي ازمة في المستقبل، لذلك يجب تنفيذ جميع المطالبات القانونية ومنها استقلال السلطة القضائية اداريا وماليا.
وبالنسبة لاسباب اتخاذ قرار نقل التحقيقات وربما ما يتبعها من الادلة الجنائية وادارة الطب الشرعي لتكون تحت مظلة السلطة القضائية، فهي ولدت بسبب قضية تعذيب المواطن المطيري، لكنها في النهاية، هل ستقوم باجتثاث مثل هذه الافعال في المستقبل؟ ام ان هناك امورا سيتم اتخاذها لاحقا للقيام بمعالجة الخلل؟ ربما تحدثنا مرارا وتكرارا، ان هناك امراً خطيرا وقد يكون اخطر من تعذيب المتهمين، وهي ان وزارة الداخلية تقوم وبنفسها بتبرئة المتهمين وبعضهم ممن يرتكبون ابشع الجرائم في المجتمع، لان ثبوت التعذيب بحق المتهمين هو طريق براءتهم، لذلك فان الداخلية متهمة باعادة المتهمين الى الحياة الطبيعية مع ابناء المجتمع الصالح، وذلك بالقيام بالتخبط في تنفيذ الاجراءات القانونية وطريقة التعامل مع بعض المتهمين.

قانون

وهناك تساؤلات قانونية كثيرة عن عدم اقرار قانون السلطة القضائية الذي مرت عليه سنوات طويلة بالرغم من مطالبة المجلس الاعلى للقضاء بهذا الامر، فالحاجة اليوم أصبحت ضرورية لإقرار مثل هذا القانون، ولا ننسى أن الجهاز القضائي هو أكثر مؤسسات الدولة في الإيرادات المالية، فما هو المانع من رفع ميزانيته المالية مباشرة على الحكومة للمصادقة عليها؟
فاليوم نرى أكبر المكاتب وأفخمها الخاصة بأعضاء السلطة التشريعية قد تم تشييدها دون الحصول على موافقة وطلب يتقدم به مجلس الأمة لإقرار ميزانية لهذه المكاتب، فما بالنا بالسلطة القضائية وهي السلطة صاحبة الجهاز الحساس، والتي طالب سمو امير البلاد مرارا وتكرارا بعدم المساس بها، لما لها من أهمية في تحقيق العدل بين افراد المجتمع، فهل يعقل أن السلطة التي تفصل في منازعات السلطتين التنفيذية والتشريعية لا يتم الاستجابة لمطالباتها، وتبقى دائما بحاجة الى مراسلات لمن هو الخصم في الدعاوى بأن يحقق مطالبها؟

مطالبات

اذا كانت السلطتان التشريعية والتنفيذية لم يضعا قانون استقلال السلطة القضائية ضمن اولوياتهما، فهذه تهمة تنسب، وقد لا تكون تهمة يحاكمون بسببها، الا انهم يدركون اهمية مطالبات السلطة القضائية.

الهيمنة المالية

الهيمنة المالية على السلطة القضائية يجب ان تتم مناقشتها كما تمت مناقشة الاقتراح بقانون في شأن تعديل القانون رقم 23 لسنة 1990، في شأن تنظيم القضاء والذي جاء فيه أنه بعد الاطلاع على الدستور وعلى القانون رقم 17 لسنة 1960 بإصدار قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية والقوانين المعدلة له وعلى القانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء والقوانين المعدلة، على ان يتم نقل الاختصاص بشأن الادلة الجنائية والطب الشرعي والمعمل الجنائي الى وزارة العدل.