أخلاقيات مهنة الصحافة والتكوين القانوني للصحفي

جاء في وثيقة عهد الشرف الصحفي الدولي الذي وضعته لجنة حرية الإعلام وأقره التقرير الإقتصادي والإجتماعي لهيئة الأمم المتحدة عام 1959 مايلي :” تتطلب المزاولة الشريفة للمهنة الصحفية الإخلاص للمصلحة العامة ، لذلك يجب على الصحفيين أن يتجنبوا السعي وراء منفعتهم الشخصية أو تأييد المصالح الخاصة المتعارضة مع المصلحة العامة أيا كانت الأسباب والدوافع ، فالإفتراء والتشهير المتعمد والتهم التي لا تستند إلى دليل وإنتحال أقوال الغير كل ذلك يعد أخطاء مهنية خطيرة ” .

لقد ظهرت أوائل تطبيقات مواثيق أخلاق المهنة منذ أزيد من ستين سنة ، وإنتشرت اليوم فيما يناهز أكثر من ستين دولة ، ومن المسلم به أن تختلف أشكال وأبعاد ومحتويات المواثيق الأخلاقية من بلد لآخر ، لكن مايميزها على العموم هو صدورها في معظم الأحيان عن المهنيين أنفسهم ، ويعد المغرب من ضمن هذه الدول .

فتماشيا مع المواثيق الدولية ، وكذا بسبب ما أصبحت تعرفه مهنة الصحافة والحقل الإعلامي بشكل عام من خروقات وتجاوزت لاأخلاقية ، تأسست الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير التي وضعت ميثاقا للآداب وأخلاق مهنة الصحافة ، يستمد مقوماته من المبادئ العالمية لحقوق الإنسان ، ومن بنود الدستور الذي ينص على حرية الرأي والتعبير .

بناء على الميثاق ، يتعهد الصحفيون المغاربة بمزاولة مهنتهم بكامل الدقة والموضوعية وكذا الإلتزام بالمبادئ المنصوص عليها في هذا الميثاق واحترام مقتضياته التي هي ضوابط أساسية لممارسة الوظيفة الإعلامية ، في شروط تضمين الإستقلالية المهنية وفي نفس الآن تحمي الصالح العام .

هذه الشروط جاءت في الميثاق مقسمة إلى واجبات وحقوق ، سوف نقتصر نحن ، لما له من إرتباط بموضوع بحثنا ، على الحديث عن الواجبات الأساسية التي على الصحفي الإلتزام بها لضمان سير عمله بشكل جيد.هذه الواجبات حددها الميثاق في إثني وعشرين بندا ، نورد مضمون أهمها كالتالي : يلتزم الصحفي بالبحث عن الحقيقة إحتراما لحق المواطن في إعلام نزيه وصادق كما أن على الصحفي أن يحافظ على سرية مصدر معلوماته إلا في الحالات التي يقر القانون بوجوب الكشف عنه فيما يخص الإثبات . فليس للصحفي أن ينشر إلا الأخبار والوثائق والصور الموثوق بها ، ويجتنب المعطيات غير الدقيقة خصوصا التي من شأنها الإستخفاف بشرف الأشخاص أو المساس بالمؤسسات العمومية أو الخاصة ، وأيضا المساس بإحترام الحياة الخاصة للأشخاص وتفادي القذف والتجريح .

أما في التقارير الإخبارية والإستطلاعات التي تعالج الشؤون القضائية ، يجب مراعات قاعدة ” البراءة هي الأصل “. وكذا يجب مراعاة مشاعر عائلة الشخص المعني بالأمر في حالة إدانته ، إضافة إلى وجود حماية الضحايا وإحترام الكرامة الإنسانية .
كذلك على الصحفي ان يتجنب إستغلال المعطيات والأخبار المتوفرة لديه، بغرض الإثارة خارج السياق .
خلاصة هذه الواجبات ، أنه يجب على الصحفي أن يحترم أخلاق وآداب مهنته ، وأن يعترف لها بالسلطة المعنوية التي يجب أن تحظى بها خاصة على المستوى الأخلاقي ، بالتالي فكل تجاوز لأخلاقيات المهنة يخول للهيئة إتخاذ القرارات المناسبة في هذا الشأن .

جدير بالذكر هنا أن ميثاق أخلاقيات المهنة هو مجرد نص ليس له قوة القانون ، فالأمر يتعلق بمدونة أخلاقية، تقررها لنفسها الهيئة الإعلامية ، وتعلن الرجوع إليها قصد تحديد ممارستها وضبطها والدفاع عنها من كل ما يسئ إليها .

غير أنه بالنظر لمجمل بنوده . يلاحظ أنه يغرف من بعض المواد القانونية الواردة سواء في قانون الصحافة وفي القانون الجنائي ، وبالتالي فتفصيل و إحترام مقتضياته – صحيح لن يعد بديلا لوظيفة القضاء أو التشريع – ولكنه سوف يرتب رقابة ذاتية على عمل الصحفي وكما جاء على لسان الأستاذ الطيب لزرق في مداخلة له بشأن اللقاء الذي نظمته النقابة الوطنية للصحافة المغربية يوم 27 أكتوبر 2004 عن المتابعات القضائية في وسائل الإعلام وأخلاقيات المهنة . مايلي ” … إن دورها الأساسي والجوهري وحماية وتحصين الأداء المهني في أمرين إثنين هما الحرية في الممارسة والإلتزام بأخلاقيات المهنة . أما دورها المباشر فيتمثل في رد الإعتداء عن المستهدفين لكل تصرف مهني مخل بميثاق أخلاقيات المهنة وآدابها .”
إذا كانت خروقات وتجاوزات أخلاقيات المهنة ، تغضب القارئ والقانون على وجه التحديد فإنها بالدرجة الأولى تمس بسمعة الصحافيين المهنيين الممارسين، الذين يتضررون من ممارسة زملائهم وفي أحايين كثيرة دخلاء على المهنة ، إذ غدا عمل الصحفي مهنة من لا مهنة له .

وفي هذا السياق ، وفي إطار أيضا تفعيل مقتضيات ميثاق أخلاقيات المهنة، قامت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بتوجيه رسالة مرفقة بالميثاق إلى جريدة ” التجديد ” ، تنبهها فيها إلى خرق مقتضياته في المقال الذي آثار جدلا واسعا على الساحة الإعلامية والوطنية بشكل عام ، بخصوص كارثة ” تسونامي ” وتجلى خرق الجريدة للميثاق في عدم إحترام الضحايا والكرامة الإنسانية بصفة عامة ، وعدم إحترام تعدد الآراء والمواقف .

وأيضا ، قامت النقابة الوطنية للصحافة المغربية ، في تقرير سنوي لها حول أوضاع الصحافة والصحفيين بالمغرب، برصد تجاوزات و خر وقات لآداب المهنة، إستاء لها جل الصحفيين المتمرسين .
تجلت هذه التجاوزات بالخصوص في الإشاعة. إذ أدى نشر بعض الإشاعات إلى التشكيك في مصداقية الجريدة وسمعة العاملين بها . وتبرز هذه الظاهرة في سلوكات بعض الصحف الأسبوعية المعروفة ” بصحافة الرصيف ” التي تختلق الإشاعة وتصطنع الإثارة، لجذب أكبر نسبة من القراء .
 القرصنة : خصوصا الترجمة التي لا تراعا فيها أدنى قواعد وأصول الترجمة ، وحقوق التأليف وكذا السطو على مجهود الغير عن طريق توقيع مواد هي في الأصل مبثوثة من طرف وكالة الأنباء .

إن كل أو جل هذه الخروقات والتجاوزات ، تنبع ، في تقديرنا الشخصي –عن عاملين أساسين ، أولاهما تلك الحرية الواسعة في إصدار الصحف وإنشائها ، إذ أدى عدم وضع ضوابط تنظيمية في إصدار الجريدة ، إلى تعدد كمي في الصحف ، أغلبها لا تراعي آداب المهنة ، وتسمح لكل من هب ودب بنشر ما يريد بهدف الربح والتجارة متجاوزين بذلك كل أعراف أو قوانين ، هذه الفئة من الأشخاص لا تكون لهم أدنى علاقة بحقل الإعلام أو التكوين الصحافي ، هذا التكوين أو بالأحرى إنعدامه ، هو العامل الثاني المسبب للتجاوزات الأخلاقية والخروقات للقانون ، إذ نلاحظ طغيان وغلبة الصحفي غير المتمرس على الساحة الإعلامية ، في مقابل تقلص عدد الصحفيين المهنيين المحترفين ، هؤلاء الذين يكونون قد تلقوا تكوينا أكاديميا يؤهل لولوج المهنة . ويبرز بالخصوص هنا التكوين القانوني ، فخريجو المعهد العالي للإعلام مثلا ، نجد أنهم طوال سنوات دراستهم ، يتلقون إعدادا قانونيا عن طريق تدريسهم أهم المواد القانونية التي تكاد ” توازي ” تلك المدرسة في كليات العلوم القانونية ، كالمدخل لدراسة القانون، القانون الدولي الخاص ، الحريات العامة، قانون الصحافة ……

أما الصحفي غير المتمرس ، فلا يكون له أدنى تكوين أو دراية بالقانون ، فإنعدام أو قلة التكوين القانوني، يساهم مباشرة في تفشي ظاهرة الوشاية وتجنح بالمحرر إلى ذكر أوصاف وتعاريف غير قانونية ، وأحيانا أخرى نسبة أفعال لم يعترف بها الشخص المتابع ، أو وردت في شكل إستنتاج ، وقلما تلجأ الصحف إلى إشتراط تكوين قانوني لدى مراسليها ، لا سيما المكلفين بالمقالات القانونية والقضائية .
الأدهى والأخطر من ذلك ،أن هذه الممارسات إلى جانب تنافيها مع آداب وأخلاقيات مهنة الصحافة ، هي أفعال يجرمها القانون بنصوص محددة وواضحة – كما سيأتي تفصيل ذلك لاحقا – ورغم هذا نجد بعض الجرائد تفشي محاضر الضابطة القضائية وتنشر وثائق الإتهام إلى غير ذلك …..

لذا ينادي رجال القانون والإعلام معا من أجل صحافة حرة ونزيهة ، بتكريس سياسة التكوين المستمر للصحفيين والإعلاميين ، وفي المادة القانونية على الخصوص للحد من الممارسات اللأخلاقية والتجاوزات .

إذ أن العمل اليومي أظهر أن تسطير الصلاحيات والواجبات وصياغاتها في قوالب قانونية أو وضع بنود مواثيق أخلاقية لا يكفي ، خاصة في بعض الأحيان والظروف التي تتوفر فيها العلاقة بين السلطة وبين قطاع معين ، لذا برزت فكرة الضمانات القانونية والواقعية من أجل التطبيق السليم والاحترام الحقيقي للحقوق والواجبات الصحفية .
خصوصا وأن مهنة الصحافة، ليست كباقي المهن الأخرى التي تؤطرها نفابات وهيئات، كنقابة الصيادلة وهيئة المحامين ….. ففي الهيئة الصحفية ، لا تتعدى العقوبات بشأن مخالفات ميثاق أخلاقيات المهنة، الإستفسار أو الزجر وفي أقصى الحالات ، رفض النقابة التعامل مع الصحفي أو الجريدة المعنية بالأمر . لذا فإن إعمال القانون في هذا الشأن ، إجراء ضروري وأساسي فقانون الصحافة أيضا شأنه ميثاق أخلاقيات المهنة ، لا تخلو قواعده القانونية من قيم أخلاقية مثلى، تضمن حسن سير العمل الصحفي وحماية مصالح الأفراد والدولة معا.
علاوة على ذلك هذه القواعد هي ضوابط يجب الإلتزام بها، وعدم مخالفتها أو تجاوزها ، لأنه في هذه الحالة فتتجاوز هذه المخالفات مستوى أخلاقيات المهنة إلى مستوى جنايات أو جنح معاقب عليها بنصوص قانونية وهذا ما سنحاول تناوله بالتفصيل في الفصل الموالي .