التفسير الواسع لمواد القانون الداخلي

إن تفسير المجلس الدستوري “ضيق فيما يخص الدستور الذي يقوم بتقليص حمولته، وعلى النقيض واسع حيال الأنظمة الداخلية التي يبحث فيها عن جميع النتائج المترتبة”:

إن مراقبة دستورية القوانين تستتبع كذلك تفسيرا للنص المراد تقييمه،ويبدو أنه يشترك مع الدستور في خضوعه لنفس الشدة،لكنها مطبقة بطريقة مختلفة تقوم على
التفسير الموسع لنصوص القانون الداخلي،أي أنه بعكس مايعامل به الدستور، يتوقع جميع الآثار التي قد تستنتج من النص ومن مقتضياته ويعطيها معنى يكون أحيانا
بعيدا جدا عن إرادة واضعيه.
لقد ذهب المجلس الدستوري وفق نفس المنهجية عندما اعتبر غير مطابقة للدستور المادة 304 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تضمنت صيغة “النواب المعينين
من قبل مجلس النواب أعضاء في المجلس الدستوري…” بدلا من المعينين من قبل رئيس مجلس النواب، وذلك خشية أن يكون النظام الداخلي ينقل الإختصاص
إلى المجلس بدل رئيسه.

لقد ذهبت الغرفة الدستورية جازمة في إطار بحثها عن النتائج التي قد تترتب عن المقتضيات إلى ماورد في الفصل 90 من النظام الداخلي لسنة 1963 من
أن يستدعي “يستدعي المجلس الأعلى للإنعاش الوطني والتخطيط لاستفساره عما يتعلق بمهمتي التخطيط والإنعاش المنوطتين به “مخالف للدستور” والسبب
في ذلك هو الذهاب في تفسيرها إلى احتمال استدعاء جلالة الملك،لذلك نجدها تصرح بأن هذا المجلس “يرأسه صاحب الجلالة الملك المعظم نصره الله…
وحيث أن الفصل 23 من الدستور ينص على أن شخص الملك مقدس لاتنتهك حرمته” وإذن فلا يمكن استدعؤه…

ومن الأمثلة كثيرة الدلالة في هذا الإطار ماصرحت به الغرفة بشأن الاستقلال المالي لمجلس النواب،فقد نص النظام الداخلي في فصله التاسع عشر على أن المجلس
لايتمتع بالاستقلال في وضع وتسيير شؤونه المالية، وبدل أن تبقى الغرفة حبيسة الدلالة المباشرة لهذا المقتضى قامت بعملية بحث وتوقع للنتائج التي قد
تترتب عنه فصرحت :”يستفاد من مضمونها” أي الفقرة،”أن مجلس النواب يصبح متمتعا بالاستقلال المالي والاستقلال في التسيير”،ونتيجة هذه العملية طبعا
هي التصريح بعدم دستورية المقتضى بناء لا على مدلوله المباشر بل على أساس ما قد يترتب عنه من نتائج قد تمس بالمبادئ الدستورية، لذلك صرحت بما يفيد
الاستنتاج،”فهي مخالفة للدستور”.

إن اتباع هذا الأسلوب في التفسير لايبقى دون نقد، ويسجل البعض بهذا الشأن أن هذه الصرامة تقود المجلس الدستوري إلى إثارة الشكوك الزائدة وغير ضرورية،
ويشير إلى تصريح المجلس الدستوري الفرنسي، بشأن المادة 153 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية والمتعلقة بملتمس الرقابة،بعدم مطابقتها للدستور لمجرد أنها
لاتحيل على كافة المواد الدستورية التي تنظم هذه الآلية،ونلاحظ نفس الحذر من مقتضيات النظام الداخلي في المغرب من خلال موقف المجلس الدستوري المغربي
الذي اعتبر غير مطابق للدستور تعبير “قراءة جديد لقانون” مادام أن “طلب القراءة الجديدة يتعلق بمشاريع ومقترحات القوانين لا بالقوانين”.

وإذا كان تفسير النظام الداخلي الذي يتخذ غاية له الحيلولة دون التوسع في تفسيرها قد قاد إلى إعمال تقنية التحفظ، فإن نفس الانشغال قاد كذلذ إلى إصدار
توجيهات على البرلمان اتباعها لتصبح مواد نظامه الداخلي مطابقة للدستور، ومن ذلك أن يرشد المجلس البرلماني إلى ما يجب حذفه أو مايجب الإكتفاء بالنص عليه،
بل وتعليق التصريح بدستورية إحدى مواد النظام الداخلي على “تصحيح اسم “المجلس الأعلى للإنعاش الوطني وفق ماينص عليه الفصل 32 من الدستور
“أي المجلس الأعلى للإنعاش والتخطيط”

اعادة نشر بواسطة محاماة نت