الدعاوى الكيدية وهدر الوقت والمال

ظاهرة تحتاج إلى وقفة حازمة واعدة هي ظاهرة الدعاوى الكيدية واستغلالها لابتزاز المواطنين، وتبرز هذه الظاهرة اليوم بشكل مخجل من خلال الاعتداء على الأراضي خصوصا، ثم رفع شكاوى لمختلف المسؤولين في مختلف مواقعهم يتم من خلالها الادعاء بالباطل على أصحاب تلك الأراضي سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ويهدف المعتدي إلى أخذ تعويض من مالك تلك القطعة مقابل إزالة اعتدائه وشكواه ضده، والمشكلة أن أصحاب تلك الدعاوى الكيدية يجدون من يساعدهم على تحقيق أهدافهم من ابتزاز لحقوق الناس، خصوصا داخل بعض المؤسسات الحكومية من خلال عدم الحزم والشدة في منع الاعتداء أو قبول الدعوى الكيدية أو تنفيذ ما يصدر من أوامر وتوجيهات بردع المدعي بالباطل وعدم تمكينه من استغلال أصحاب الحق وابتزازهم.

هذه الظاهرة بدأت تتطور خلال الأعوام الماضية البسيطة بحيث أصبحت صناعة وتجارب وثقافة لدى هؤلاء المعتدين وأصبحوا يفاخرون بها وبأعمالهم المشينة ويحضون الآخرين على تقليدهم، ويوضحون لهم مميزاتها وسهولة الحصول من خلالها على الأموال دون عناء، يساعدهم على ذلك تعاون أصحاب الحق معهم من خلال تحقيق رغباتهم وتسليمهم الأموال دون وجه حق.

إن تعاون أصحاب الحق مع أصحاب الباطل هو ما يؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة الإجرامية الخطيرة التي تؤدي إلى الاعتداء على أحد أهم الضروريات الخمس التي أوجب الإسلام حمايتها والحفاظ عليها، وفي ظل غياب تطبيق نظام السجل العقاري الذي بدئ في إعداده منذ عام 1405هـ واعتمد عام 1423هـ وحتى تاريخه لم يطبق بما يضمن الحقوق ويحميها ويحد من هدر الوقت والمال والجهد.

إن المتابع لهذه الظاهرة الإجرامية الخطيرة التي وصلت بالبعض إلى الجرأة بالاعتداء على الملك الخاص والبناء فيه واستثماره وصاحب الحق يهرول بين الدوائر الحكومية لإنقاذ حقوقه، وقد تذهب السنون وهو ما زال يمشي مرة ويهرول أخرى ويموت في نهاية المطاف دون الحصول على حقه، وفي المقابل لا تلام أحيانا وأنا هنا أقول أحيانا، وأحيانا في حالات بسيطة الجهات الحكومية في عدم القدرة على الفصل في التنازع لغياب المعلومات وتداخلها وأهم من كل ذلك المرجعية الجغرافية الرقمية التي تحدد الملك بشكل دقيق وصريح دون مجاملة لأحد أو خوف منه.

إن الاعتداء على الأراضي واستغلال نظام الدعاوى الكيدية غير الرادع للمعتدي، وما يسببه ذلك المعتدي من ظلم وسرقة لحق الغير وإرهاق وإضاعة وقت وجهد الجهات الحكومية المعنية بالمراجعة والمراقبة والإزالة، وأهم من ذلك إضعاف السلطة الحكومية وإيضاح عدم قدرتها على حماية حقوق الناس، ومنها حماية ممتلكاتهم، وهذا يؤدي إلى إضعاف هيبة الدولة ويجعل أصحاب المصالح الخاصة يسعون نحو حماية حقوقهم بطرقهم المشروعة وغير المشروعة، وبهذا ندفع أنظمتنا وهيبتها واحترامها نحو ما يسمى نظام الغابة.

إن تطوير وتفعيل نظام محاربة الدعاوى الكيدية والحرص على تطبيقه بكل حزم سيقلل كثيرا من المشكلات والاعتداءات اليومية، ويأتي على رأسها إيقاف الاعتداء على حقوق وأعراض وممتلكات الناس، ثم إن الإجراء الآخر المهم هو سرعة تطبيق نظام التسجيل العيني للعقار الضابط والموثق لحقوق الناس العقارية.

إن نظام التسجيل العيني للعقار صدر بالمرسوم الملكي رقم 6/2 بتاريخ 1423/2/11هـ ويهدف إلى تحديد العقار المملوك للأشخاص أو الجهات بشكل دقيق يمنع تداخل الصكوك أو أخطاء التطبيق ويكون للتسجيل العقاري قوة إثبات مطلقة، وبعد التسجيل والتوثيق لا يمكن ولا يجوز الطعن في بياناته، وهذا يشمل كل قطعة أرض بما عليها من بناء وغرس وغير ذلك، وهنا يضمن كل صاحب حق حماية حقه وعدم تعرضه للاعتداء والدعاوى الكيدية أو الابتزاز – كما يحدث الآن.

إن السرعة في تطبيق النظام سيقلل من حجم المشكلات التي تشغل وتؤرق مختلف المسؤولين والعاملين في الأجهزة الحكومية وتفقد الحكومة ثم الدولة مصداقيتها في حماية الحقوق، خصوصا أن حماية الأملاك من الضروريات التي أوجب الإسلام حمايتها والحفاظ عليها، وبما أن الأرض أحد أهم عناصر الاستثمار في السعودية، فهي عديلة الروح كما نقول “”المال عديل الروح””، ولهذا فإن التأخر في تنفيذ السجل العقاري وازدياد الاعتداء على الأراضي الحكومية والخاصة وانتشار ظاهرة عصابات الاعتداء على الأراضي وإذلال أصحابها وإرباك العمل في مختلف مؤسسات الحكومة أولا ثم الدولة.

إن المرحلة التنموية الحالية والقادمة التي نعيشها وسنعيشها في المملكة تتطلب سرعة تطوير عديد من الأنظمة من جهة وسرعة تفعيل الأنظمة المعتمدة حتى نواكب تطلعات المواطنين من جهة ونلحق بركب الأمم المتقدمة من جهة أخرى. وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.