أساليب الترافع في المحاكم

من أساليب المرافعة الارتجال والتلاوة والارتجال المكتوب والتسميع، ويجب أن تكون المرافعة دائماً بأسلوب مشوق، يشد انتباه القاضي طوال المرافعة، ويكون ذلك بتنوعه أساليب المرافعة، فمرة خطابي وتارة استفهامي وأخرى استنكاري.

أولا : أسلوب التلاوة :
بأن يقوم المحامي بتلاوة المرافعة من ورقة مكتوبة وهو أسوأ أنواع المرافعات بل لا يصح أن تسمى تلك التلاوة مرافعة لأن المترافع يكون مقيداً بالألفاظ التي كتبها فلا يشعر بالحرية في التعبير ولا يجد في نفسه القدرة على الخروج من المأزق الذي يرى نفسه فيه أمام سؤال من القاضي أو اعتراض من محامي الخصم أو الإدعاء العام وإذا أجاب ضاعت عليه سلسلة مرافعاته المكتوبة، مما يجعله مضطرباً وهو ما يظهر عجزه ، فالمرافعات التي تتلى أو بالأصح المذكرات التي تتلى ، تفقد قوة التأثير التي يكسبها المتحدث من النظر لمن يتحدث إليهم ومن إشاراته لهم وهو لا يستطيع ذلك لأن نظره يكون موجهاً دائماً إلى الأسطر المكتوبة، كما أن الصوت لا يتفق فيها مع الموضوع ولا مع ما يقال.

ثانيا : أسلوب التسميع :
فالمرافعة التي تكتب وتحفظ عن ظهر قلب لتسمع بعد ذلك أمام المحكمة هي مرافعة سيئة لأن القاضي لا يلبث أن يمل الإصغاء ويتسلل إليه الملل لأنه يشعر أن المترافع إنما يتلو عليه المرافعة من الذاكرة، كما أن المرافعة التي يقولها المترافع بعد أن يكون قد كتبها ونمقها وحفظها لا يمكن أن تكون حرة تنساب إلى الآذان بسهولة، وينتقل بها قائلها من موضوع إلى موضوع، يختصر في الحجة إذا رآها مقبولة بغير حاجة لإطالة، ويزيد في الشرح إذا رأى المستمعين في حاجة لتلك الزيادة، ويجئ بأولها في وسطها وبآخرها في الأول إذا رأى ذلك العكس في الترتيب أصلح للإقناع.

ثالثا : أسلوب الارتجال المكتوب في المرافعة :
وذلك حيث لا يكون لدى المترافع ملكة الارتجال، حيث لا يسعف المترافع لسانه على الارتجال، فيميل إلى إطالة التفكير في موضوع مرافعته، حتى إذا تجسمت في نفسه طريقتها ورتبها في فكره، جلس إلى مكتبه وتناول قلمه ثم أخذ يكتب مرافعته بسرعة عفو الخاطر كما لو كان يترافعها بحضرة القاضي، فلا يبدل لفظاً بلفظ ولا حجة بحجة، ثم يقرأ المرافعة بعد ذلك عدة مرات ويتركها جانباً فإذا وقف مترافعاً أمام القاضي قال مرافعته لا بألفاظها بل بشيء من الإضافة والتعديل، ولكن مرافعته تكون خالية من التعمق وسبق التحضير.

رابعا : أسلوب الارتجال :
حيث يرتجلها المترافع في ساعتها، لأنها تكسب المترافع عطف القاضي كما لو رأيت من أمامك يجهد نفسه في ابتكار المعاني والحجج والأسانيد وتقديمها له في ثوب من التعابير الشيقة الجميلة. فالمترافع المرتجل يعد مرافعته بحضرة المستمعين إليه، قضاة ومحامين وجمهور يطلعهم على جهوده فيصغون إليه ويزدادون إعجاباً بتعابيره وحججه وترتيبه لها وعطفاً عليه وتشجيعاً له. ولا يقصد بالارتجال أن يقف المترافع من غير أن يكون عارفاً لما سيقوله ولا كيف يقوله ثم يندفع متكلماً يتلقف الأفكار والألفاظ التي تأتيه كيفما يتأتى، وإنما المقصود بالارتجال ارتجال اللغة والصيغة والألفاظ التي سيعبر بها المترافع عن الحجج والأفكار التي أعدها ورتبها وتذوقها في سكون مكتبه وهدوئه، فالمترجل يعد قضيته جيداً ويستعد لها ولكنه لا يعد مرافعته أبداً.

وميزة الارتجال الكبرى أنه يسمح للمترافع بغير إعداد سابق بأن يعبر عما يريده بخطاب واف متغير، خفيف الظل، غنى بالاستعارات والتشبيهات، ترد ألفاظه على لسانه في الوقت المناسب وبغير تكلف أو إرهاق ، والارتجال في المرافعة ملكة قد لا تكون لدى كثير من الناس، حيث أنها تتطلب أن يطمئن المرتجل إلى أن لسانه سيسعفه، ويمكن للمترافع بشيء من الاعتياد والدراسة إذا أسعفه خيال يقظ وروح سريعة التأثر أن يملك هذا الفن البديع فيخرج للسامعين في لحظة واحدة ثمار التفكيرات الطويلة السابقة والقرارات الكثيرة السالفة والوقائع والخيالات التي سبق أن فكر فيها واستوعبها، فلا تكاد تمر الفكرة على خاطره حتى تضع لها اللفظ المناسب والتعبير المعقول.

بذلك نجد أن الارتجال في المرافعة هو أفضل الأساليب، فعلى المترافع ألا يمسك بورقة بين أصابعه ولا ينظر بعينيه إلى سطور مخطوطة ولا يقيد تفكيره بالذاكرة التي قد تخونه، بل عليه أن يكون حراً طليقاً، وهذا يستلزم أن يكون مستعداً بحججه، مستعداً بطول تكفيره في الموضوع الذي ينوي المرافعة فيه، مستعداً ببحثه مرات عديدة عن أفضل صيغة يصيغ بها حججه، مستعيناً بمجموعة من الجمل والتعابير أطال التفكير فيها وأعدها ليقولها في مناسباتها.

المحامي الدكتور / عبدالكريم بن إبراهيم العريني .
مستشار شرعي وقانوني ومحكم دولي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت