أهمية حق المحامي في الحصول على صور المستندات
د.خالد النويصر
المحاماة مهنة حرة نبيلة، فالمحامي يعتبر شريكاً للقاضي في إقامة العدالة وتأكيد سيادة الشرع والنظام والمحافظة على حقوق وحريات الأفراد باعتبار أن كلاً منهما يبحث دائماً عن الحقيقة والعدل، فإذا كان لا بد للناس من قضاة يحتكمون إليهم في منازعاتهم فلا بد لهم أيضاً من محامين ينوبون عنهم في الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم.

هذه الغاية النبيلة التي تضطلع بها مهنة المحاماة، التي وضع أسسها نظام المحاماة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/38) وتاريخ 28/7/1422هـ متضمناً كيفية ممارسة المهنة والشروط الواجب توافرها في المحامي من حقوق وواجباتٍ وآداب، إضافة إلى عديد من الأمور المهمة الوارد ذكرها في كتب الشريعة والفقه، التي تخص مهنة المحاماة والعاملين فيها. وتتعدد الحقوق المكفولة للمحامي، فهي قد تكون حقوقاً خاصة له أو حقوقاً مرتبطة بممارسة أعماله نيابة عن موكله أمام الجهات الحكومية، ومنها القضائية وغيرها، أو إلى أي من الحقوق الأخرى التي تُمنح للمحامي وهي الحقوق المقررة لموكله باعتباره نائباً عنه.

ومن أهم هذه الحقوق حقه في لقاء موكله حال إيقافه أو سجنه وحقه في حضور التحقيق أمام الجهات المختصة، وحقه في الدفاع عن موكله بالقبول أو الرد والدفاع في القضايا الموكلة إليه وهو ما يسمى (الإثبات والنفي)، كذلك حقه في الحفاظ على معلوماته وأسراره المهنية، وحقه في المرافعة عن موكله مع إنابته غيره عنه إذا ما رغب في ذلك، وخلو ساحته حال ترتب المسؤولية عن الدعوى التي يباشرها، وحقه في الحصول على المقابل المالي الذي يناسب جهده أو ما تم الاتفاق عليه مع موكله مع ملاحظة أن هذه ليست كل الحقوق المقررة للمحامي، بل إن هناك حقوقاً كثيرة أخرى لا مجال لسردها كلها.

ومن الأهمية بمكان الالتفات إليها، وهي في حقيقة الأمر في حاجة، إما إلى نص وإما تفعيل لها، ومن أهمها حقه في الاطلاع على أوراق الدعوى ومستنداتها، سواء أكانت هذه الدعوى في مرحلة التحقيق أو في مرحلة المحاكمة، إذ يجب أن يفعّل هذا الحق، خاصة إذا كانت الدعوى في مرحلة التحقيق أمام السلطة المختصة، لأنه لا يوجد مستند في حكم النظام يُعد سراً على المحامي يحول دون اطلاعه عليه نيابة عن موكله، وذلك طبقاً لما تم النص عليه في المادة (19) من نظام المحاماة التي تضمنت ”على المحاكم وديوان المظالم واللجان المشار إليها في المادة الأولى من هذا النظام والدوائر الرسمية وسلطات التحقيق أن تقدم للمحامي التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه، وأن تمكنه من الاطلاع على الأوراق وحضور التحقيق، ولا يجوز رفض طلباته دون مسوَّغ مشروع”.

إن حق اطلاع المحامي على كامل مستندات الدعوى يُعد من ضروريات الحقوق التي يجب المحافظة عليها، ويتطلب معه حثُّ جميع الجهات التي يتعامل معها المحامي نيابة عن موكله بتفعيل وتأصيل هذا الحق استناداً إلى الغاية التي قُرر من أجلها وهي إحقاق الحق والعدل، ولأن المحامي لن يتمكن من الدفاع عن موكله من دون الاطلاع على أوراق الدعوى كاملة وذلك للوصول إلى محاكمة متكافئة بين طرفي الخصومة، حيث يتطلب الأمر دراسة ومعرفة أدلة الإثبات والنفي المتوافرة فيها، وأن يكون المحامي ملماً بمراحل التحقيق وأقوال الشهود وما دوّن في التقارير.

ولا بد من الإشارة إلى أن حق المحامي في الاطلاع على مستندات الدعوى أصبح أمراً غير كافٍ حالياً، نظراً لأن أغلب الدعاوى يتوافر فيها عديد من هذه المستندات التي قد تكون كثيرة ومتعددة، ومنها ما يتطلب إعادة بحثه وعرضه على أكثر من شخص، إضافة إلى المحامي، لذلك فإنه يتطلب أن يحصل المحامي على صور من هذه المستندات لإطلاع الفريق الذي يعمل معه عليها، حيث يستحيل عليه الإلمام بها حال الاطلاع عليها في مكان وجودها على النحو المنصوص عليه في التعليمات، وإنما يجب أن يُعطى الحق للمحامي في الحصول على صورة ضوئية أو رسمية من هذه المستندات التي منها التحقيقات التي تجريها جهات التحقيق المختصة والمحاكم حتى يعمد المحامي إلى دراستها دراسة متأنية بعيدة عن نطاق جهات التحقيق والمحاكمة.

إن هذا الحق المتمثل في حصول المحامي على صورة رسمية أو ضوئية من كامل ملف الدعوى قد نص عليه عديد من النظم القانونية الإقليمية والدولية، وإعماله يؤكد ترسيخ العدالة وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان وأخصها حقوق المتهم على النحو المنصوص عليه في المواثيق العربية والدولية المعنية بحقوق الإنسان والمصادق عليها من المملكة، كما أن ذلك يُسهل دور المحامي في الدفاع عن موكله ويكرس التعاون بين المحامين والجهات الرسمية.

كما أن هذا الأمر يتطلب تعديل الفقرة (د) من المادة (19) من لائحة نظام المحاماة السعودي التي ورد نصها على أنه ”يُمكن المحامي من الاطلاع على الأوراق وفق الضوابط التالية…. دــ عدم تمكين المحامي من تصويرها، أو إعطائه صوراً منها، ولا يمنع من كتابة ما يرغب كتابته منها لتعارض ذلك بما تطالب به” كما أنه لا يكتفى بما تم النص عليه في المادة (161) من نظام الإجراءات الجزائية التي تنص على أن ”توجه المحكمة التهم إلى المتهم في الجلسة، وتُتلى عليه لائحة الدعوى وتُوضح له ويُعطى صورة منها ثم تسأله المحكمة الجواب عن ذلك” إذ يتطلب الأمر ألا نكتفي بتسليم المتهم صورة من صحيفة الدعوى فحسب، وإنما يجب تسليمه صحيفة الدعوى وما أُرفق معها من مستندات وتحقيقات وتقارير فنية أو إجرائية قامت بها سلطة التحقيق.

وعلاوة على ما سبق، فإن من فوائد تمكين المحامي من الحصول على صور من مستندات الدعوى تسهل الوصول إلى الحكم السليم، وذلك عن طريق إظهار الحقيقة مما يبسط في نهاية المطاف مهمة القضاء، مع العلم أنه يوجد عديد من الأمور الأخرى التي في حاجة إلى تنظيم أو تعديل في نظام المحاماة لتفعيل دور المحامين وجعلهم شركاء حقيقيين للقضاة في إقامة العدالة تحقيقاً للغاية النبيلة التي تهدف إليها مهنة المحاماة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت