مناقشة قانونية حول جريمة خيانة الأمانة

المستشار شريف النجار

هناك بعض الجرائم التي يظن بعض مرتكبيها بأنها جرائم بسيطة لا تتجاوز عشرات الدنانير ، بينما هي في الواقع جرائم قد تصل عقوبتها إلى سلب الحرية الشخصية . و من هذه الجرائم جريمة خيانة الأمانة ، و التي يظن البعض عقوبتها تقتصر على الغرامة المالية فقط ، بينما هي جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس نص القانون على انه يعاقب بالحبس من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو سندات أو أي مال آخر منقول إضراراًبأصحاب الحق متى كان قد سلم إليه على وجه الوديعة أو الإجارة أو الرهن أو عارية الاستعمال ، أو الرهن الحيازي ، و أخيراً الوكالة ، و يكون ذلك باعتداء الجاني سبق تسليمه أو تهدده بالخطر على هذا الحق ذو القيمة الإقتصادية المملوك لغيره ، و الذي يدخل في دائرة التعامل الإقتصادي متضامناً في تكوين الذمة المالية .

بيد أن الجاني المرتكب لهذه الجريمة اعتقد أو خاله الظن بأن القانون لا يجرم هذا السلوك ، و على عكس ذلك ففي الواقع يعتبر تصرفه جريمة قانونية لأن حيازته لهذا الشيء المؤتمن عليه هو حيازة ناقصة و ليست كاملة . و تقتضي كذلك ركناً مادياً قوامه أحد الأفعال التي حددها القانون يتمثل في الإختلاس في التبديد أو الاستعمال الذي يترتب عليه ضرر حال أو محتمل للمالك ، و تتطلب ركناً معنوياً يتمثل في القصد الجنائي الذي يفترض فيه المتهم أن يسلك إزاء الشيء مسلك المالك .

أولاً : الركن المفترض :

يتمثل هذا الركن في سبق تسليم المجني عليه للجاني المال موضوع الجريمة ، و عليه يتحلل هذا الركن إلى عناصر ثلاثة هي التسليم ، موضوع التسليم ، سند التسليم .

أ.التسليم :
يجب أن يتم تسليم المال موضوع الجريمة إلى الجاني من المجني عليه ، و يكفي أن يحدث التسليم من وكيل المجني عليه إذا كان مفوضاً في ذلك ، كما هو الحال بالنسبة لصراف المحل التجاري أو محصله الذي يحصل أموالاً من عملاء المحل ثم يختلسها ، و يجب أن تكون إرادة المجني عليه سليمة عند التسليم ، فإن كانت مشوبه بإكراه وقع من الجاني كانت جريمة سرقة .

و يستوي أن يكون التسليم مادياً أو معنوياً ، و يجب أن يكون المقصود من التسليم هو نقل حيازته المؤقتة من المستلم ، أي تخويله صفة قانونية على المال بحيث يلتزم برده أو استعماله في أمر معين لمصلحة المسلم أو من يحدده.

أما إذا كان المقصود من التسليم هو نقل الحيازة الكاملة فلا جريمة مطلقاً .

ب. موضوع التسليم :
ينصب التسليم على مال مادي منقول مملوك لغير الجاني ، فيجب أن يكون موضوع التسليم مالاً ، و يجب أن يكون هذا المال طبيعة مادية ، و يجب كذلك أن يكون هذا المال منقولاً . و أخيراً فإنه يشترط أن يكون هذا المال مملوكاً لغير الجاني حتى تتحقق الحكمة من التجريم فإن كان مملوكاً له فلا جريمة .

ج. سند التسليم :
يجب أن يكون تسليم المال إلى الجاني قد حصل استناداً إلى عقود الأمانة الخمسة المنصوص عليها في قانون العقوبات و هي 1- الوديعة . 2- الإيجار . 3- عارية الاستعمال . 4- الرهن الحيازي . 5- الوكالة . فإن كان عقداً آخر فإن الجريمة لا تعد قائمة ، و يرجع ذلك إلى القاضي ، و التنقيب عن قصد المتعاقدين تمهيداً لإسباغ الوصف القانوني الصحيح على العقد ، و لا عبرة بعد ذلك بما إذا كان عقد الأمانة صحيحاً أو باطلاً ، فالجريمة تقوم بأيهما حتى لو كان الأخير باطلاً بطلاناً مطلقاً .

ثانياً : الركن المادي :

لا يعاقب المشرع على أي سلوك يصدر عن الأمين ينطوي على مخالفته لشروط عقد الأمانة ، و إنما يستلزم أن يكون هذا السلوك أن يكون منطوياً على إهدار لملكية المال و الاستئثار به و إنكار حقوق صاحبه عليه . و قد تصور المشرع في ذلك أحوال ثلاثة هي الاختلاس و التبديد و الاستعمال ، و استلزم حصول الضرر بالمجني عليه .

ثالثاً : الركن المعنوي :

يتخذ الركن المعنوي في هذه صورة القصد الجنائي الذي ينهض على عنصرين هما العلم بكافة مكونات الجريمة و اتجاه إرادته على إتيانها .

فينبغي أن يعلم الجاني أن المال الذي اختلسه أو بدده أو استعمله استعمالاً استنزف به قيمته مملوك للغير ، و إن يده هي يد أمينة ، و ليس له يد المالك ، فإذا يعتقد حالة كونه مستعيراً للمال أو إن ماله قد وهبه ذلك المال ، فتصرف فيه على هذا الأساس كان القصد الجنائي منفياً في حقه .

و يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى كل ما سبق تفصيله ، فإن كان قد غارف فعلته تحت ضغط أو إكراه أو كان يعتقد بملكية المال فإن القصد يعد غير قائم لديه .
“المُستشار شريف”