مرحلة التغييرات التنظيمية داخل الشركات
هنريك جريف
يعزو كثير من الشركات التي تبرز أو تنمو عقب وصولها إلى اكتشافات تكنولوجية مهمة نجاحاتها تلك -بشكل كامل أحيانا- إلى القسم الهندسي. وبالمقابل تمنح مهندسيها امتيازات عدة، منها رسمية “المنصب” وغير رسمية “التقدير”.

أما اليوم، أصبحت الاختراعات التكنولوجية سريعة التقادم، ولا سيما مع تلاشي عناصر الإبهار التقني الذي يميزها، ما دفع الشركات إلى تحويل تركيزها الأساسي من الإنجازات التقنية إلى تحسين الأداء السوقي.

وبالتالي فإن القسم الهندسي يعجز عن القيام بذلك بينما قسم التسويق يستطيع. فهل تستطيع الشركات أن تسحب السلطة والمكانة من القسم المسؤول عن نجاحاتها، لمصلحة مسار جديد يحقق غايتها؟ غالبا ما يكون الجواب بالنفي كما رأينا سابقا في بعض الشركات التي قدمت ابتكارات تكنولوجية تجاهلت فيها تحديات التسويق الجديدة ــــ كما حدث مع شركة سوني التي استمرت في تطوير مشغلات الموسيقى التي تعتمد تقنية الأقراص الصلبة، متجاهلة بذلك التقنيات الأحدث “الفلاش ميديا” التي مكنت الشركات من تطوير مشغلات مدمجة، كالآي بود. على الرغم من ذلك نرى نجاعة هذا الأسلوب في بعض الحالات.

والمقال التالي من مجلة “العلوم الإدارية الفصلية”، لإميلي ترولاف وكاثرين كيلوج “من معهد ماساتشوستس لعلوم الإدارة” يوضح لنا إحدى هذه الآليات. قام الباحثان بمتابعة إحدى شركات تأجير السيارات “نظام المشاركة” التي أجرت تحولا استراتيجيا نحو التسويق، عقب النجاح الباهر الذي حققه القسم الهندسي بالاعتماد على الابتكارات التخريبية.

وهي ليست إلا حالة نمطية لشركة يهيمن عليها القسم الهندسي الذي سبق وحقق إنجازات مهمة وأثبت مهنية عالية بعيدا عن قسم التسويق. كان لديه جميع المقومات للمقاومة، وهو ما حدث بالفعل في البداية حتى بدأوا فجأة بتقديم تنازلات. فما السبب الكامن وراء هذا التغيير؟ يضم القسم الهندسي مجموعة من المهندسين منهم المعتدلون وآخرون متشددون في آرائهم حول الصلاحيات “السلطة” التي يجب أن يتمتع بها القسم ونوع الإنجازات المطلوبة.

يعمل الفريق المتشدد في الشركة منذ بداياتها، متمسكا برأيه الداعم بأن مواصلة الاستثمار في التكنولوجيا وتحديدا العمل على تطوير الأنظمة الخلفية وتقديم تقنيات جديدة، هو أفضل سبيل للنمو. أما المهندسون الجدد والمتوسطو القدم، الذين لم يشاركوا في بناء البنية التحتية التقنية التي كانت سببا في نجاح الشركة منذ البداية، كانوا أقل تمسكا بإنجازات القسم الهندسي السابقة، وبالتالي أسهل انقيادا نحو تقبل استراتيجية جديدة.

ومن جهة أخرى، ضم قسم التسويق أيضا أشخاصا متشددين في آرائهم وآخرين معتدلين، ولكن خلافا للمهندسين فقد كانت العلاقة بينهم طول فترة عملهم في الشركة تتناسب عكسيا مع مقدار تشددهم. فموظفو التسويق الجدد هم من كانوا أكثر تشددا وهم من كانوا يدفعون بقوة لدحر مقاومة القسم الهندسي للاستراتيجية الجديدة، بينما كانت المجموعة القديمة معتدلة أكثر، حيث يعدون أنفسهم موظفين في الشركة أولا ثم يأتي قسم التسويق لديهم

ثانيا. ساد التوتر ما بين القسمين لشهور عديدة، ومن دون رادع، ما بدأ ينعكس على سير العمل في الشركة، حيث كان القسم الهندسي يماطل في تلبية طلبات قسم التسويق. تغير ذلك كله عندما بدأت توقعات الإيرادات بالانخفاض، ما دفع بالأخبار السيئة، وتفشت حالة من القلق بين القيادة. استغل موظفو التسويق المتشددون هذه الفرصة. ووجد المهندسون أن قيام أحد المتشددين بقسم التسويق بتقديم نقد لاذع بكتابته عبارة “أنا هنا لأنجز عملي وليس لكسب إعجاب الآخرين” بمنزلة تحد علني… .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت