تجميع قانوني هام للقواعد الفقهية المدنية

أ/ احمد فاروق علي

القاعدة الأولى : الأمور بمقاصدها
الشرح

الأمور جمع أمر ، وهو : لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ، ومنه قوله تعالى إليه يرجع الأمر كله ) ، ( قل أن الأمر كله لله ) ، ( وما أمر فرعون برشيد ) ، أي ما هو عليه من قول أو فعل . ( ر:مفردات الراغب) .

ثم أن الكلام على تقدير مقتضى ، أي : أحكام الأمور بمقاصدها لأن علم الفقه إنما يبحث عن أحكام الأشياء لا عن ذواتها ، ولذا فسر أمر المجلة القاعدة بقبولها : (( يعني أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ماهو المقصود من ذلك الأمر )) .
أصل هذه القاعدة فيما يظهر قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( إنما الأعمال بالنيات )) .

—————————–

القاعدة الثانية : العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني ، لا للألفاظ والمباني
الشرح

[ ((العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني )) ] في الباب الموفي أربعين من معين الحكام لكن بلفظ في التصرفات بدل العقود ، وهو أعم من التعبير بالعقود ، فيشمل الدعاوى كما سيأتي عن أصول الكرخي : (( ولذا يجري الرهن في بيع الوفاء)) .

هذه القاعدة بالنسبة للتي قبلها كالجزئي من الكلي ، فتلك عامة وهذه خاصة فتصلح أن تكون فرعاً منها .
والمراد بالمقاصد والمعاني : ما يشمل المقاصد التي تعينها القرائن اللفظية التي توجد في عقد فتكسبه عقد حكم آخر كما سيأتي قريباً في إنعقاد الكفالة بلفظ الحوالة ، وانعقاد الحوالة بلفظ الكفالة ، إذا إشترط فيها براءة المديون عن المطالبة ، أو عدم براءته .
وما يشمل المقاصد العرفية المرادة للناس في إصطلاح تخاطبهم ، فإنها معتبرة في تعيين جهة العقود ، فقد صرح الفقهاء بأنه يحمل كلام كل إنسان على لغته وعرفه . ( ر: رد المحتار ، من الوفق عند الكلام على قولهم : وشرط الواقف كنص الشارع ) .
ومن هذه القسم ماذكروه من إنعقاد بعض العقود بألفاظ غير الألفاظ الموضوعة لها مما يفيد معنى تلك العقود في العرف ، كانعقاد البيع والشراء بلفظ الأخذ والإعطاء . ( ر: مادة/ 169 و / 172 / من المجلة ) ، وكذا إنعقاد شراء الثمار على الأشجار بلفظ (( الضمان )) في عرفنا الحاضر .

————————————
القاعدة الثالثة : اليقين لايزول بالشك
الشرح
اليقين لغةً : العلم الذي لاتردد معه ، وهو في أصل اللغة : الاستقرار ، يقال : يقن الماء في الحوض إذا أستقر . ( ر: تعريفات السيد ) . ولا يشترط في تحقق اليقين الاعتراف والتصديق بل يتصور مع الجحود ، كما قال تعالى : (وجحدوا بها وأستيقنتها أنفسهم ) .

واليقين في اصطلاح علماء المعقول هو : الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الثابت . فخرج بالقيد الأول ، أعني الجازم ، الظن وغلبة الظن ، لانه لاجزم فيهما . وخرج بالقيد الثاني ماليس مطابقاً للواقع وهو الجهل وهو ان كان صاحبه جازماً . وخرج بالقيد الثالث إعتقاد المقلد فيما كان صواباً ، لأن إعتقاده لما لم يكن عن دليل كان عرضة للزوال . فكل ذلك ليس من اليقين في شيء .

لكن المناسب هنا تفسير اليقين بالمعنى الأول اللغوي ، لأن الأحكام الفقهية إنما تبنى على الظاهر ، فكثيراً ما يكون الأمر في نظر الشرع يقيناً لايزول بالشك في حين أنَّ العقل يجيز أن يكون الواقع خلافه ، وذلك كالأمر الثابت بالبينة الشرعية فإنه في نظر الشرع يقين كالثابت بالعيان ، مع أن شهادة الشهود لاتخرج عن كونها خبر آحاد يجيز العقل فيها السهو والكذب ، وهذا الإحتمال الضعيف لايخرج ذلك عن كونه يقيناً لأنه لقوة ضعفه قد طرح أمام قوة مقابله ولم يبق له اعتبار في نظر الناظر . ( ر: ما سيأتي قريباً ) .
والشك : التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما عن الآخر ، فإن ترجح أحدهما على الآخر بدليل ووصل ترجيحيه إلى درجة الظهور الذي يبنى عليه العاقل أموره لكن لم يطرح الإحتمال الآخر فهو الظن . فإن طرح الإحتمال الآخر ، بمعنى أنه لم يبقى له إعتبار في النظر لشدة ضعفه ، فهو غالب الظن ، وهو معتبر شرعاً بمنزلة اليقين في بناء الأحكام عليه في أكثر المسائل إذا كان مستنداً إلى دليل معتبر ، وذلك كما إذا رأى إنسان عيناً في يد آخر يتصرف بها تصرفاً يغلب على ظن من يشاهده أنها ملكه ، وكان مثله يملك مثلها ، ولم يخبر الرائي عدلان بأنها ملك غيره ، فإنه يجوز له أن يشهد لذي اليد بملكها. ( ر: الدر المختار وحاشيته رد المحتار ، آخر كتاب الشهادات ) .
ومن غير الأكثر بعض مسائل لا تعتبر فيها غلبة الظن ، بل لابد فيها من اليقين :
(أ) منها ما لو عقد الرجل على أختين بعقدين متعاقبين ونسي الأول فإنه يفرق بينه وبين الإثنتين ولايجوز ترجيح أولية عقد أحدهما على الأخرى بغلبة الظن ، بل لابد من العلم ، لأن العلم لايجري في مسائل الفروج . ( ر: الدرر ، كتاب النكاح ، محرمات النكاح ) .
(ب) ومنها ما لو طلق واحدة معينة من نسائه ثم نسيها فإنه لايجوز له أن يطأ واحدة منهن إلا بعد العلم بالمطلقة ، ولايكفي التحري أو تغليب الظن ولايسع الحاكم أن يخلي بينه وبين نسائه حتى يتبين ،لأن التحري إنما يجوز فيما يباح عند الضرورة ، والفروج لاتحل للضرورة . ( ر : الأشباه والنظائر ، القاعدة السابقة منه ) .
(جـ) ومنها الحبل ، فإنهم يعتبرو ظهور علاماته دليل جازماً على وجود الحمل ولم يبنوا عليه الأحكام الجازمه وإن كان يغلب على ظن كل من رأى المرأة أنها حامل . إنسان للحمل بشيء أو وقف لاتصح الوصية له أو الوقوف عليه إلاّ إذا ولد لاقل من ستة أشهر من وقت الوصية أو الوقوف لكي يتقن بوجوده وقتهما . ( ر: الأشباه والنظائر ، القاعدة الرابعة منه ) .
ومثل الولادة لأقل من ستة أشهر ، فيما يظهر ، ما لو مات أبوه قبل الوصية له والوقوف فإنه تصح الوصية له والوقوف ، فقد قال في جامع أحكام الصغار ، في كتاب الشفعة : (( قال محمد رحمه الله تعالى في (( الأصل )) : والحمل في إستحقاق الشفعة والصغير والكبير سواء ، فإن وضعت لأقل من ستة أشهر منذ وقع الشراء فله الشفعة ، وأن جات به لستة أشهر فصاعداً منذ وقع الشراء فإنه لاشفعة له إلا أن يكون أبوه قد مات قبل البيع وورث الحمل فحينئذٍ يستحق الشفعة ، ومن جاءت به لستة أشهر فصاعداً )) .
نعم جعلوا ظهور علامات الحبل إمارة رجحو بها قول المرأة أنها ولدت عند إنكار الزوج للولادة ووقفوا بها الميراث للحمل . ولينظر فيما علم وجود الحمل قبل الوصية أو الوقف بالمشاهدة بواسطة الأشعة المخترعة حديثاً المسماة (( أشعة رونتجن )) ، وكانت المشاهدة بطريق مشروع كالتداوي ، ثم ولدته لاكثر من ستة أشهر من وقت الوصية أو الوقف ، فهل يعتبر ذلك موجباً لصحة الوصية والوقف للتيقن بوجود الحمل أو لايعتبر ؟.
والظاهر عدم إعتباره ، فلابد من الولادة لأقل من ستة أشهر ، لا شكاً فيما أظهرته الأشعة ، بل لأنها إذا ولدت لأكثر من ستة أشهر لا يتيقن حينئذٍ بأن المولود هو الحمل الذي كان شوهد بالأشعة ، لجواز أنَّ المشاهد أسقط ثم حصل بعده حمل جديد .
أما إذا كانت غلبة الظن غير مستندة إلى دليل فلا كلام في عدم أعتبارها مطلقاً ، كما لو غلب على ظن الغاصب حل العين المغصوبة له بناءً على احتمال جعل المالك إياه في حل منها ، وكما لو ظفر إنسان بمال الغير فأخذه على احتمال أن مالكه أباحه لمن يأخذه ، فإنه يكون ضامناً ولا يعتبر غلبة الظن هذه مهما قويت ، لأنها غير مستنده إلى دليل ، أنه من مجرد التوهم ، ولا عبرة بالتوهم . ( ر: المادة / 74/من المجلة ) .
إن هذه القاعدة من أمهات القواعد التي عليها مدار الأحكام الفقهية ، وقد قيل أنها تدخل في جميع أبواب الفقه ، والمسائل المخرجة عليها ، من عبادات ومعاملات وغيرها يبلغ ثلاثة أرباع علم الفقه .
ومعناها أن ماكان ثابتاً متيقناً لايرتفع بمجرد طروء الشك عليه لأن الأمر اليقيني لايعقل أن يزيله ما هو أضعف منه بل ما كان مثله أو أقوى .
هذا ، ولافرق بين أن يكون اليقين السابق : (1) مقتضياً للحظر ، (2) أو مقتضياً للإباحة ، فإن العمدة عليه في كلتا الحالتين ، ولا يلتفت إلى الشك في عروض المبيح على الأول ، وعروض الحاظر على الثاني.
فمن القسم الأول : ما لو غاب إنسان غيبة منقطعة بحيث لا يعلم موته ولا حياته ، فإن المعتبر اليقين السابق ، وهو على حياته ، إلى أن يعلم موته بالبينه أو بموت جميع أقرانه وأن كان إحتمال موته قائماً في كل لحظة ، فلا يجوز قسمة ماله بين الورثة ، ولو كان له وديعة عند آخر فيجب على المستودع حفظها ، فلو أعطاها للورثة يكون ضامناً .

———————————-
القاعدة الرابعة : الأصل بقاء ما كان على ما كان
الشرح
(( الأصل بقاء ما كان على ماكان ، حتى يقوم الدليل على خلافه )) لأن الأصل إذا أعترض عليه دليل خلافه بطل . ( ر : رد المحتار ، كتاب الدعوى ، آخر دعوى الرجلين ، نقلاً عن الزيلعي ) .

الأصل في اللغة : أسفل الشيء ، وفي الاصطلاح يطلق على معان كثيرة ، منها أن يستعمل بمعنى القانون والقاعدة المنطبقة على جزئياتها . ( ر : كليات أبي البقاء )، وهو المراد هنا .

ومعنى هذه القاعدة أنه إذا جهل في وقت الخصومة حال الشيء وليس هناك دليل يحكم بمقتضاه ، وكان لذلك الشيء حال سابقة معهودة ، فإن الأصل في ذلك يحكم ببقاءه وإستمراره على تلك الحال المعهودة التي كان عليها ، حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك فيصار حينئذ إليه .
وذلك الدليل أحد أربعة أشياء : البينة ، والإقرار ، والنكول ، والأمارة الظاهرة ، على أن النكول يرجع إلى مجرد القرينة الظاهرة ، ( ر: ما سيأتي عن الحكام أثناء الكلام على القاعدة الثامنة : (( الأصل براءة الذمة )) ). فأما البينة والإقرار والنكول فأمثلتها واضحة معلومة ، وأما الأمارة الظاهرة فتحكيم الحال الآتي قريباً في الكلام على النوع الثاني من نوعي الاستصحاب .
إن هذه القاعدة ليست من القواعد الكلية التي ليست داخلة تحت غيرها بل هي ـ وما بعدها من القواعد الآتية حتى المادة / 13 / ـ من فروع المادة الرابعة المتقدمة وهي (( اليقين لايزول بالشك )) وداخلات تحتها .
—————————————
القاعدة الخامسة : القديم يترك على قِدمه
الشرح
[(القديم يترك على قِدمه )] إلا إذا قام الدليل على خلافه ، كما في المادة /1224 / من المجلة .
القديم : هو الذي لايوجد من يعرف أوله . ( ر: المدة / 166/ من المجلة ).
ومعنى هذه القاعدة أنَّ التنازع فيه إذا كان قديماً تراعى فيه حالته التي هو عليها من القديم ، بلا زيادة ولانقص ولا تغيير ولاتحويل .
وإنما لم يجز تغيير القديم عن حاله أو رفعه بدون إذن صاحبه لانه لما كان من الزمن القديم على هذه الحالة المشاهدة فالأصل بقاؤه على ما كان عليه ، ولغلبة الظن أنه ما وضع إلا بوجهه الشرعي ( ر: الفتاى الخيرية ، فصل الحيطان ) .

فلو كان لأحد جناح في داره ممدود على أرض الغير ، وكان ذلك الجناح أو المسيل أو الممر قديماًً لايعرف من الحاضرين مبدأ لحدوثه ، فأراد صاحب الأرض أن يمنع صاحب الدار من مد الجناح أو التسييل أو المرور في أرضه ، أو أراد أن يحول المسيل أو الممر و يغيره عن حاله القديم فليس له ذلك إلا بإذن صاحبه ( ر: المواد / 1224 و1225 و1229 / من المجلة ) .
وكذا ليس لصاحب الحق نفسه أن يحوله من جهة إلى جهة ، أو يصرف الممر مثلاً إلى دار أخرى له ،إلا إذا أذن له الآخر ، وللآذن ولورثته من بعده الرجوع عن هذا الأذن وتكليف صاحب الحق بإعادته إلى الحالة الأولى . ووجه جواز الرجوع ، كما في الخيانة ، أنَّ ذلك الإذن من قبيل الإعارة ، وهي غير لازمة . بخلاف ما لو بنى صاحب الأرض بناءً في الممر بإذن صاحب حق المرور فإنه يسقط حق مروره ولا يكون له بعد ذلك المخاصمة مع صاحب الأرض لاستعادته ، لأن إذنه ذلك إسقاط لحقه ، إلا إذا كان صاحب الحق مالكاً لرقبة الطريق فلا يمنع من المخاصمة واستعادته بعد إذنه بالبناء ، لأن الملك لايسقط بالإسقاط ، قال في فصل الأنهار من الفتاوى الخانية : (( ولو قال صاحب المسيل : أبطلت حقي في المسيل ، فإن كان له حق إجراء الماء دون الرقبة بطل حقه ، وأن كان له رقبة المسيل لا يبطل ذلك بالإبطال )) .
وكذلك لو كان نهر ، بين قوم ، يأخذ الماء من النهر الأعظم ، فمنهم من له فيه كوتان ومنهم من له ثلاث ، فقال أصحاب الكوى السفلى لأصحاب العليا : إنكم تأخذون من الماء أكثر من نصيبكم ، لأن كثرة الماء ورفعة يكون في أعلى النهر فيدخل في كواكم شيء كثير ، ونحن لا نرضى بهذا ، ونجعل لكم أياماً معلومة ونسدّ في أيامكم كوانا ولنا أياماً وانتم تسدون فيها كواكم ، فليس لهم ذلك ، بل يترك على حاله كما كان . وكذا لو أختصم أهل النهر فادعى بعضهم زيادة لم يكن ذلك إلا بحجة . والأصل في جنس هذا إن ما كان قديماً يترك على حاله ولايغير إلا بحجة ( ر : الفتاوى الخانية ، فصل الأنهار ) .
لايشترط في إعتبار التصرف القديم أن يكون ما يتصرف به قائماً في يد المتصرف إلى حين الخصومة ، بل يكفي أن يثبت المدعي وجوده في يده قبل الخصومة ، وأن المدعي عليه أحدث يده عليه ومنع المدعي منه ، فأنه يحكم به للمدعي ، لأن اليد الحادثه لاعبرة بها بل العبرة لليد الحقيقية ( ر: البحر الرائق ، شرح كنز الدقائق ، كتاب الدعوى ، أوائل دعوى الرجلين ، ج7 /256) .
وقد نصوا أنه لو كان لرجل نهر يجري في أرض غيره لسقي أراضيه وهو في يده يكريه ويغرس في حافتيه الأشجار مثلاً فأراد صاحب الأرض أن لا يجري النهر في أرضه فليس له ذلك بل يترك على حاله لأن من هو في يده يستعمله بإجراء مائه ونحوه فعند الاختلاف القول قوله فلو لم يكن في يده ولم يكن جارياً وقت الخصومة فإن كان يدعي رقبة النهر فعليه أن يثبت أنه له وإن كان يدعي حق الإجراء في النهر فعليه أن يثبت أنه كان يجري ما لقديم لسقي أراضيه فيحكم له حينئذ بملك رقبة النهر في الصورة الأولى وبحق الإجراء في الثانية وبمثل ذلك يحسم الاختلاف إذا وقع في حق المرور أو حق التسييل في أرض أو على سطح أو في دار أو في طريق خاص أو بين علو وسفل ( ر الهداية وشروحها والملتقى والتنوير فصل الشرب والمادة 1177 من المجلة ) . هذا ثم إذا جهل حال المتنازع فيه ولم يعرف هل هو قديم أو حادث فالأصل فيه أنه إن كان في طريق خاص يعتبر قديماً حتى يقوم الدليل على يدخلوها عند الزحام وهذا التفسير يأتي في جميع الأحكام التي تذكر في غير النافذة ( ر جامع الفصولين الفصل الخامس والثلاثين صفحة 263 نقلاً عن خواهر زاده ) خلافه وإن كان في طريق العامة يعتبر حديثاً فللإمام أن ينقضه ( ر شرح المادة 224 من مرآة المجلة ) .
والمراد بالطريق الخاص في قولهم فالأصل فيه أنه إن كان في طريق خاص يعتبر قديماً هو ما كان مملوكاً رقبة لقوم وليس للعامة فيه حق أصلاً كما إذا كانت أرض مشتركة بين قوم بنوا فيها مساكن وجعلوا بينهم منها طريقاً حتى كان مملوكاً لهم على الخصوص فأما إذا كانت السكة مختطة من الأصل فحكمها حكم طريق العامة ولو غير نافذة إذ هي ملك العامة ألا يرى أن لهم أن يدخلوها عند الزحام وهذا التفسير يأتي في جميع الأحكام التي تذكر في غير النافذة ( ر جامع الفصولين الفصل الخامس والثلاثين صفحة 263 نقلاً عن جواهر زاده ) .
اختلف الإفتاء في اعتبار التصرف القديم في الحقوق فأفتى المرحوم خير الدين الرملي في سؤال رفع إليه بما يفيد عدم اعتباره وأنه لا بد من إقامة البينة على الحق المدعى به بخصوصه وتمسك بمسائل نصوا عليها وهي أن من ادعى حق المرور أو رقبة الطريق وأقام بينة شهدت له بأنه كان يمر في هذه لا يستحق بذلك شيئاً وأن الشاهد إذا فسر للقاضي أنه يشهد بالملك بناء على معاينة اليد لا تقبل شهادته واستشهد له المرحوم ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية بما نصوا عليه من أن الوقف إذا كان على القرابة وادعى رجل أنه من القرابة وأقام بينة شهدت أن الواقف كان يعطيه كل سنة مع القرابة لا يستحق بهذه الشهادة شيئاً وكذا لو شهدوا بإعطاء القاضي له مع القرابة كل سنة لا يكون إعطاء القاضي حجة انتهى وكل هذه الفروع لا تصلح للتمسك لأن الدعوى والشهادة فيها ليست من قبيل دعوى التصرف القديم المفسر بما تقدم ولا من قبيل الشهادة به كما هو ظاهر كيف وكتب المذهب والفتاوى ناطقة بلزوم اعتباره وقد أفتى باعتباره حامد أفندي العمادي في محلات عديدة من فتاويه ووافقه عليها نفس المرحوم ابن عابدين ونقل عن الشيخ إسماعيل الحائك أنه أفتى باعتباره أيضاً وكل ذلك بناء على ما صرحوا به في كتب المذهب من اعتباره وصرحوا أيضاً بأن اعتباره هو الاستحسان وأن عليه الفتوى لو ادعى أحد الخصمين الحدوث وادعى الآخر القدم فالقول قول من يدعي القدم والبينة بينة من يدعي الحدوث ( ر تنقيح الفتاوى الحامدية والمادة 1768 من المجلة ) .
بقي ها هنا شيء يكثر وقوعه ولم أر من تعرض له وهو ما لو ادعى أحدهما الحدوث وادعى الآخر مرور الزمن فهل يكلف مدعي الحدوث البينة أو يكلف البينة مدعي مرور الزمن لقائل أن يقول بالأول وأنه إذا ثبت الحدوث لا تسمع دعوى مرور الزمن وذلك لأن مدعي القدم يدعي مضي مدة على الأمر المتنازع فيه هي أضعاف مدة مرور الزمن لأن القديم كما تقدم ما لا يوجد من يعرف أوله وهذا لا يكون غالباً إلا بعد أن يمضي عليه أكثر من ثمانين أو تسعين سنة وقد تقدم في الكلام على القاعدة الثانية أن كون العبرة للمعاني يجري في الدعاوى والخصومات أيضاً فكأنه بدعوى القدم يدعي مرور الزمن مضاعفاً ولم يجعلوا له والحالة هذه غير كون القول قوله فقط ولم يجعلوا البينة بينته بل جعلوا البينة بينة مدعي الحدوث بلا استثناء ولو قلنا بتقديم بينة مرور الزمن لم يبق من فائدة لتدوين ما بني على اعتبار القدم والحدوث من الأحكام ولأصبح كثير من مواد المجلة التي تدور عليها سدى ومعطلاً عن العمل به كهذه المادة والتي بعدها ومادة 1224 و 1228 و 1229 و 1230 و 1232 وليس ادعاء ذلك والإقدام عليه بالأمر السهل ! .ولقائل أن يقول بتقديم بينة مدعي مرور الزمن وذلك لأن مدعيه يدعي عدم صلاحية الحاكم لرؤية الدعوى عليه فهو في الحقيقة ينازع الحاكم في ذلك قبل الدخول في الدعوى فإذا ثبت مرور الزمن تبين أن الحاكم ليس بحاكم في هذه الدعوى بخلاف ما إذا ادعى القدم دون مرور الزمن فإنه يكون حينئذ قد اختار جهة الدخول في الدعوى وأجاب خصمه عنها وذلك منه تسليم لصلاحية الحاكم لسماع الدعوى عليه وحيث كان خصمه يدعي الحدوث فالبينة بينته وهذا بلا شك أوجه وأمتن والله سبحانه أعلم .
———————————
القاعدة الفقهية السادسة : الضرر لايكون قديماً:
المعنى أنَّ الضرر قديمه كحديثه في الحكم فلا يراعى قدمه ولا يعتبر بل يزال وليس المراد أنه لا يتصور تقادم عليه بحيث لا يوجد من يعرف أوله .
إنَّ هذه القاعدة بمنزلة القيد للتي قبلها فوضعت عقبها لإفادة أنَّ القاعدة السابقة ليست على إطلاقها بل هي مقيدة بأن لا يكون القديم ضرراً فلو كان ضرراً فإنه يزال ولا عبرة بقدمه على ما سيأتي تفصيله كما صرحت به المادة بقولها أي إذا كان القديم الخ وذلك لأن القديم إنما أعتبر لغلبة الظن بأنه ما وضع إلا بوجه شرعي ( ر ما قدمناه في القاعدة السابقة عن الفتاوى الخيرية ) فإذا كان مضراً يكون ضرره دليلاً على أنه لم يوضع بوجه شرعي إذ لا وجه شرعياً يجوز الإضرار بالغير.
————————–
القاعدة السابعةالمادة 8 ) : الأصل براءة الذمّة:
الشرح
الأصل براءة الذمة لأن الذمم خلقت بريئة غير مشغولة بحق من الحقوق ( ر ما ذكره الإمام النسفي في إيضاح قواعد الكرخي ) .الذمة لغة العهد واصطلاحاً وصف يصير الشخص به أهلاً للإيجاب له أو عليه ومنهم من جعلها ذاتاً فعرفها بأنها نفس لها عهد فإن الإنسان يولد وله ذمة صالحة للوجوب له وعليه ( ر تعريفات السيد ) من المعلوم أنه عند تنازع الخصمين تتخالف مزاعمهما نفياً وإثباتاً فيحتاج في فصل الخصومة إلى مرجح يرجح به في مبدأ الأمر زعم أحدهما على زعم الآخر ولدى تتبع المسائل والنظر في وجوه الترجيح الأولية وفي تقديم أحد المرجحات على الآخر إذا تعارضت بعد ذلك يظهر أن الترجيح في مبدأ الأمر يكون بأحد شيئين هما الأصل والظاهر أما الأصل ـ وقد تقدم تفسيره في شرح المادة الخامسة ـ فأنواعه كثيرة .

ـ منها هذه القاعدة وهي براءة الذمة ومنها كون اليقين لا يزول بالشك
ـ وكذا الأصل بقاء ما كان على ما كان
ـ وكون الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته
ـ وكون الأصل فيما جهل قدمه وحدوثه أن يعتبر قديماً إذا كان في ملك خاص وحادثاً إذا كان في غيره ( ر ما قدمناه عن جامع الفصولين الفصل الخامس والثلاثين في شرح المادة السادسة )
ـ وكون الأصل في الكلام الحقيقة
ـ والأصل في الصفات والأشياء العارضة العدم والصفات الوجودية الوجود
ـ وكون الأصل في البيع أن يكون باتاً قطعياً
ـ وكون الأصل في العقود ـ غير المزارعة بعد وجودها ـ أن تكون صحيحة فلو اختلف العاقدان في صحة البيع وفساده فالقول لمدعي الصحة أما المزارعة فالقول فيها قبل الزراعة لمدعي الفساد وبعدها لرب البذر سواء ادعى صحة أو فساداً والبينة لمدعي الصحة ( ر نور العين ترتيب جامع الفصولين الفصل التاسع والعشرين ).
ـ وككون الأصل في الوكالة والعارية الخصوص وفي المضاربة والشركة العموم ( ر ما يأتي تحت المادة 77 ).
ـ وككون الأصل فيما لا يعلم إلا من جهة أحد الخصمين أو كان أحدهما أدرى من الآخر أن يقبل قوله فيه بيمينه ولذا قبلوا قول المرأة في انقضاء عدتها ـ والمدة تحتمل ـ أو عدم انقضائها بيمينها لكون ذلك لا يعلم إلا من جهتها وقبلوا قول المملك في بيان جهة التمليك والدافع في بيان جهة الدفع لأنهما أدرى بها ممن تلقى الملك ومن القابض فلو ادعى المملك القرض وادعى الآخر الهبة مثلاً فالقول قول المملك وكذا لو كان عليه دينان وبأحدهما رهن أو كفيل فدفع له مبلغاً ثم اختلفا فطلب الدافع رد الرهن إليه بزعم أن ما دفعه عن دين الراهن أو زعم براءة الكفيل وأن ما دفعه إنما دفعه عن دين الكفالة وزعم الدائن أنه عن الدين الآخر فالقول قول الدافع بيمينه لأن المملك والدافع أدرى بجهة التمليك والدفع .
ـ وككون الأصل هو الجد في البيع لا الاستهزاء ( ر جامع الفصولين الفصل الرابع والعشرين ) فلو اختلف المتعاقدان فيهما فالقول لمدعي الجد لأنه الأصل .
ـ وككون الأصل في مطلق الشركة التنصيف فلو أقر بأن هذا الشيء مشترك بيني وبين فلان أو هو لي ولفلان أو هو بيني وبينه فهو على المناصفة ( ر رد المحتار كتاب الإقرار إقرار المريض صفحة 465 ) فيكون القول قول من يدعيها لأنها الأصل ومن يدعي خلافها فعليه البرهان إلا إذا بين المقر خلاف المناصفة موصولاً بإقراره كقوله هو مشترك بيني وبينه أثلاثاً ثلثاه لي وثلثه له مثلاً صدق كما في المحل المذكور والظاهر أنه يصدق بيمينه إلى غير ذلك من الأصول التي يعسر استقصاؤها ولا يخفى أن هذه الأصول يتداخل بعضها في بعض لأن بعضها فرع عن الآخر كفرعية بقاء ما كان على ما كان عن اليقين لا يزول بالشك وفرعية براءة الذمة عن الأصل في الصفات العارضة العدم
فأي واحد من المتنازعين يشهد له أصل من هذه الأصول يترجح قوله حتى يقوم دليل على خلافه لقولهم إن القول قول من يشهد له الأصل وأمثلة كل من هذه الأصول تعلم من كلامنا عليها فيما تقدم من المواد وفيما سيأتي وأما الظاهر ـ وهو الحالة القائمة التي تدل على أمر من الأمور ـ فهو قسمان ( 1 ) القسم الأول هو ما لم يصل في الظهور إلى درجة اليقي .
( 2 ) والقسم الثاني هو الذي وصل فيه إلى درجة اليقين وهو غير مراد هنا في هذا التقسيم لأن الكلام الآن في المرجحات الأولية غير اليقينية وسيأتي الكلام عليه بعد سطور القسم الأول الظاهر الذي جعلناه قسيم الأصل ويقع به الترجيح في الابتداء وتحته نوعان :
ـ النوع الأول : هو تحكيم الحال الذي يتوصل به إلى الحكم بوجود أمر في الماضي بأن يجعل ما في الحاضر منسحباً على الماضي وهو الاستصحاب المعكوس المتقدم في شرح المادة الخامسة فانظره .
ـ النوع الثاني: هو دلالة الحال التي ليس فيها سحب ما في الحاضرعلى الماضي بل يستأنس بها ويعتمد عليها في ترجيح أحد الزعمين على الآخر وذلك .
ـ كوضع اليد فيما لو ادعى شخصان ملك عين وهي في يد أحدهما فإن القول قول ذي اليد
ـ وكالحمولة على الجدار واتصال التربيع فيه فإنه يترجح به زعم من يشهد له أحدهما من الخصمين على الآخر ( ر معين الحكام الباب التاسع والأربعين ومثله في كثير من الكتب )
ـ وكتأييد مهر المثل لقول أحد الزوجين فيما لو اختلفا في مقدار المهر المسمى فادعى الزوج الأقل وادعت الزوجة الأكثر فإن القول لمن يشهد له مهر المثل بيمينه فإن كان كما قال أو أقل فالقول قوله وإن كان كما قالت أو أكثر فالقول قولها في الزيادة ( ر الدرر وغيره كتاب النكاح باب المهر )
ـ وكتأييد نقصان الثمن المسمى عن ثمن المثل فيما لو تبايعا عقاراً ولم ينصا على البتات ثم اختلفا فادعى أحدهما أن البيع كان باتاً والآخر أنه كان وفاء فإن القول لمدعي البتات لأنه الأصل في البيع إلا إذا كان الثمن المسمى ناقصاً عن ثمن المثل فإن القول حينئذ لمدعي الوفاء لأن الظاهر شاهد له .
ـ وكتأييد قرائن الحال فيما إذا كان رجلان في سفينة مشحونة بالدقيق فادعى كل واحد السفينة وما فيها وأحدهما يعرف ببيع الدقيق والآخر يعرف بأنه ملاح فإنه يحكم بالدقيق للذي يعرف ببيعه وبالسفينة لمن يعرف بأنه ملاح عملاً بالظاهر من الحال ( ر تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار كتاب الدعوى من آخر باب التحالف ) .
ـ وككون أحد المتداعيين متضمناً سعيه في إسقاط واجب عن ذمته كما لو بعث الزوج إلى زوجته شيئاً ثم اختلفا فقالت أرسلته هدية وقال أرسلته من المهر فالقول قول الزوج بيمينه في غير المهيأ للأكل لأن الهدية تبرع والمهر واجب في ذمته فالظاهر أنه يسعى في إسقاط الواجب عن ذمته ( ر الدرروغيره كتاب النكاح من باب المهر ) ومقتضى هذا التعليل جريان الحكم المذكور بين كل دائن ومدين وقع بينهما نظير هذا الاختلاف يؤيد ذلك أن المديون إذا كان له كفيل وقد كفله بأمره فدفع له الدين فإن كان دفعه له على وجه قضاء الدين ثم أراد استرداده منه فإنه ليس له ذلك لأنه ملكه بالدفع وإن كان دفعه له على وجه الرسالة ليدفعه إلى الطالب ثم أراد استرداده منه فله الاسترداد لأنه أمانة في يد الكفيل وإن أطلق المديون عند الدفع للكفيل ولم يبين أنه على وجه القضاء أو الرسالة فإنه يقع عن القضاء فلا يملك استرداده ( ر رد المحتار كتاب الكفالة من بحث الكفالة بالمال عند قول المتن لا يسترد أصيل ما دفعه إلى الكفيل نقلاً عن الشرنبلالية عن القنية ونقلاً عن غيرها ) فقد حمل عند الإطلاق على جهة القضاء لما عليه من الدين لكون القضاء فيه تفريغ الذمة وإسقاط الواجب والأليق بالمديون أن يكون ساعياً وراء ذلك وهذا كما ترى مؤيد لما قلناه .
ـ وكظهور الثيوبة أو البكارة فيما لو تزوج العنين بكراً ثم طلبت التفريق بدعوى عدم وصوله إليها وادعى هو الوصول فأراها الحاكم للنساء وقلن إنها ثيب أو بكر فإن القول لمن يشهد له الحال من الثيوبة والبكارة ( ر ما سيأتي في شرح المادة التاسعة ) إلى غير ذلك من مسائل الظاهر المذكور فهذه مقتضيات الترجيح الأولية التي يتقوى بها زعم أحد المتنازعين على الآخر والتي يجمعها كلمتا الأصل والظاهر .
ثم إن هذا الأصل والظاهر إذا تعارضا مع بعضهما تقدم جهة الظاهر لأنه أمر عارض على الأصل يدل على خلافه وقدمنا في أول الكلام على المادة الخامسة على رد المحتار عن الزيلعي أن الأصل إذا اعترض عليه دليل خلافه بطل وذلك كالقضاء بالنكول فإن اعتباره في الأحكام ليس إلا رجوعاً إلى مجرد القرينة الظاهرة فقدمت على أصل براءة الذمة ( ر معين الحكام الباب الحادي والخمسين ) .
وكما في مسألة العنين إذا ادعى الوصول إلى زوجته التي تزوجها بكراً وأنكرت الوصول إليها وقال النساء إنها ثيب فإن الوصول إليها من الأمور العارضة فالأصل عدمه لكن لما عارضه الظاهر وهو الثيوبة قدم عليه فكان القول للزوج .
وكما في مسألة اختلاف الزوجين في مقدار المهر المسمى المتقدمة إذا كان مهر المثل شاهداً لقول الزوجة فإن الأصل وهو عدم الزيادة التي تدعيها المرأة شاهد للزوج ولكن لما عارضه الظاهر الذي هو شهادة مهر المثل المؤيدة لدعوى المرأة بالزيادة قدم عليه فكان القول قولها .
وكذلك مسألة اختلاف متبايعي العقار في كون البيع باتاً أو وفاءً المتقدمة فإنه قدم فيها الظاهر على الأصل حينما كان الثمن دون ثمن المثل .
وكما في مسألة الاستصحاب المعكوس إذا دل تحكيم الحال لمن يدعي وجود ما أصله العدم فإنه يقدم قوله ( ر ما تقدم في شرح المادة الخامسة ).
وكما لو أشهد المشتري أنه يشتري هذا الشيء لفلان ثم بعد أن اشتراه ادعى فلان أن شراءه كان بأمره وأراد أخذه وأنكر المشتري كونه بأمره فالقول لفلان ( ر رد المحتار ملخصاً من أوائل باب الفضولي عن قول الشارح قيد بالبيع لأنه لو اشترى لغيره نفذ عليه ) فإن الأصل عدم الأمر من فلان , ولكن رجحت دعواه الأمر حيث أيدها الظاهر وهو إشهاد المشتري على أنه يشتري له وكدفع الوكيل بشراء شيء غير معين الثمن من دراهم الموكل أو إضافة العقد إليها فإن كلاً منهما ظاهر في نية الشراء للموكل فإذا تكاذبا في النية يكون القول قول من يشهد له هذا الظاهر من بائع أو مشتر ( ر ما تقدم في الكلام على القاعدة الأولى عن الهداية ).
وكما لو اشترى دابة ثم اطلع على عيب قديم فيها فركبها وجاء ليردها فقال البائع ركبتها لحاجتك وقال المشتري بل ركبتها لأردها فإن القول للمشتري ( ر الدرر وحاشيته كتاب البيوع من خيار العيب قبيل قول المتن اختلفا بعد التقابض في عدد المبيع ) وذلك لأن الظاهر من حاله لما جاء وابتدأ ردها راكباً أن يكون ركوبه لأجل الرد .
القسم الثاني : وأما وجوه الترجيح الثانوية فهي حجج الشرع الثلاثة البينة والإقرار والنكول عن اليمين وكذا القرينة القاطعة المذكورة في المادة 1741 من المجلة النتاج بتاريخ تنافيه سن الدابة وتكذبه ترد الشهادة وتترك الدابة في يد من هي في يده ولو تنازع رجلان الدابة التي في يد ثالث وكل منهما يدعي ملكه لها ونتاجها عنده وأقام كل منهما بينة شهدت له بالملك والنتاج وأرخت البينتان النتاج بتاريخين مختلفين وكانت سن الدابة توافق جحد التاريخين دون الآخر يحكم بالدابة لمن وافقت سنها التاريخ الذي أحد بينته ( ر شرح الزيلعي للكنز وشروح الهداية ) وإن رد الشهادة حين مخالفة سن الدابة فهذه الأربعة إذا تعارض أحدها مع أحد المرجحات الأولية التي هي الأصل والظاهر يتقدم عليها ويترك الأصل والظاهر لأن الترجيح بهما إنما كان استئناساً حتى يقوم دليل أقوى على خلافهما فإذا قام عليه أحد الأدلة الأربعة القوية التي هي في نظر الشرع تعتبر بمنزلة اليقين يتبع ويحكم بمقتضاه دون الأصل والظاهر هذا ثم البينة إنما تترجح على القسم الأول من قسمي الظاهر المتقدمين أما القسم الثاني ـ الذي ذكرنا أنه وصل في الظهور إلى درجة اليقين القطعي ـ فإنه يترجح على البينة حتى لا تقام على خلافه بدليل ما نصوا عليه من أن الوصي إذا ادعى أنه أنفق على اليتيم أو على عقاره مبلغاً معيناً فإن كان مبلغاً لا يكذبه فيه الظاهر فالقول قوله بيمينه وإن كان مبلغاً يكذبه فيه الظاهر فإنه لا يقبل فيه قوله ولو أراد أن يقيم على ذلك بينة لا تقبل بينته أيضاً ( ذكره ابن بلبان الفارسي في شرح تلخيص الجامع الكبير للخلاطي ونقله عنه في تنقيح الفتاوى الحامدية أوائل باب الوصي ) وبدليل ما نصوا عليه في باب دعوى الرجلين من أنه لو ادعى رجل دابة في يد آخر وذكر أنها ملكه ومنتوجه عنده وأقام بينة شهدت بذلك وأرخت النتاج بتاريخ تنافيه سن الدابة وتكذبه ترد الشهادة وتترك الدابة في يد من هي في يده ولو تنازع رجلان الدابة التي في يد ثالث وكل منهما يدعي ملكه لها ونتاجها عنده وأقام كل منهما بينة شهدت له بالملك والنتاج وأرخت البينتان النتاج بتاريخين مختلفين وكانت سن الدابة توافق جحد التاريخين دون الآخر يحكم بالدابة لمن وافقت سنها التاريخ الذي أحد بينته ( ر شرح الزيلعي للكنز وشروح الهداية ) وإن رد الشهادة حين مخالفة سن الدابة لما أرخته البينة لدليل على أنه لو بين المدعي في دعواه تاريخاً للنتاج وظهر مخالفة سن الدابة للتاريخ الذي ذكره ترد دعواه من أصلها ولا يكلف إقامة البينة ( ر ما سيأتي نقله عن الفتاوى البزازية في المادة الخامسة والستين الوصف في الحاضر لغو ) وبدليل ما نصوا عليه أيضاً من أنه لو أقر إنسان لمن كان مجهول النسب بأنه ابنه وكان لا يولد مثله لمثل المقر فإن الإقرار يبطل وذلك يفيد أن البينة أيضاً لا تقبل عليه بالأولى لأن الإقرار قد بطل مع أنهم صرحوا أن الإقرار أقوى من البينة حتى لو أقر الخصم بعد إقامة البينة فقضى الحاكم عليه يعتبر القضاء قضاءً بإقراره لا بالبينة ( ر الدر المختار وحاشيته رد المحتار كتاب الدعوى باب الاستحقاق ) إلا في سبع مسائل يقضى فيها بالبينة دون الإقرار مذكورة في رد المحتار آخر باب دعوى النسب سنذكر بعضها في الكلام على المادة التاسعة عشرة فظهر من ذلك أن قولهم إن البينات تقام لإثبات خلاف الظاهر إنما يراد به النوع الأول الذي يذكر بإزاء قسيم الأصل لا النوع الثاني الذي وصل في الظهور إلى درجة يطرح معها احتمال خلافه والحاصل أن ترجيح زعم أحد المتخاصمين على زعم الآخر في الابتداء يكون بشهادة الأصل والظاهر حتى يقوم دليل من المرجحات الثانوية على خلافه فإذا كان الأصل شاهداً لجهة والظاهر لجهة يرجح زعم من يشهد له الظاهر ثم إذا عارض الأصل أو الظاهر شيء من المرجحات الثانوية يقدم عليهما وهذا في النوع الأول من الظاهر أما النوع الثاني فإنه لا تقام بينة على خلافه لأن احتمال خلافه معدوم وهذا البيان والتفصيل الذي أتينا به يقرب المسائل من الأذهان ويسهل معرفة الوجوه والعلل وتطبيق الفروع على قواعدها بصورة معقولة إذا علمنا ذلك ظهر أن القول الراجح هو قول من يتمسك ببراءة ذمته لأنه يشهد له الأصل وهو عدم شغلها حتى يقوم دليل على خلافه .
——————————

القاعدة الثامنة ( المادة 9 ) :الأصل في الصفات العارضة العدم:
الشرح

الأصل في الصفات العارضة العدم كما أن الأصل في الصفات الأصلية الوجود ( ر الأشباه والنظائر ) حتى يقوم الدليل على خلافه الصفات بالنسبة إلى الوجود والعدم على قسمين الأول هو الصفات التي يكون وجودها في الشيء طارئاً وعارضاً بمعنى أن الشيء بطبيعته يكون خاليًا عنها غالباً وهذه تسمى الصفات العارضة ، والأصل فيها العدم ومثل هذه الصفات غيرها من الأمور التي توجد بعد العدم كسائر العقود والأفعال كما سيتضح من الأمثلة الآتية وهذا القسم وما ألحق به من العقود والأفعال هو موضوع هذه القاعدة .

الثاني هو الصفات التي يكون وجودها في الشيء مقارناً لوجوده فهو مشتمل عليها بطبيعته غالباً وهذه تسمى الصفات الأصلية والأصل فيها الوجود كبكارة الجارية وسلامة المبيع من العيوب والصحة في العقود بعد انعقادها ويلحق بالصفات الأصلية الصفات العارضة التي ثبت وجودها في وقت ما فإن الأصل فيها حينئذٍ البقاء بعد ثبوت وجودها ( ر ما تقدم في شرح المادة الخامسة وهو أيضاً معنى المادة العاشرة الآتية ) فلو اختلف العاقدان في سلامة المبيع من العيوب وعدم سلامته أو في صحة البيع مثلاً وفساده فالقول لمن يتمسك بسلامة المبيع وصحة العقد لأنه يشهد له الأصل بخلاف ما لو اختلف المتعاقدان في صحة البيع وبطلانه فإن القول قول من يتمسك بالبطلان لأن الباطل غير منعقد فهو ينكر وجود العقد والأصل عدمه ( ر الأشباه والنظائر من قاعدة الأصل العدم ومن كتاب البيوع )
———————————-
القاعدة التاسعة (المادة /10): ما ثبت بزمان يحكم ببقاءه مالم يقم الدليل علة خلافة
الشرح
ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يقم الدليل على خلافه لأنه إذا اعترض على الأصل دليل خلافه بطل ( ر ما قدمناه في شرح المادة الخامسة ) ولذلك كانت الشهادة بالملك المنقضي أي الماضي والإقرار به أيضاً مقبولين فإذا ثبت في زمان ملك شيء لأحد يحكم ببقاء الملك ما لم يوجد ما يزيله سواء كان ثبوت الملك الماضي بالبينة أو بإقرار المدعى عليه هذه المسألة على ثلاثة أوجه:

الأول : أن يدعي ملكاً خالياً عن الإسناد إلى الماضي بأن يقول إن العين التي بيد المدعى عليه هي ملكي ( سواء بين سبباً للملك أو لا ) ويشهد الشهود له بالملك في الماضي فيقولوا إنها كانت ملكه أي في صورة ما إذا أطلق المدعي الملك أو يقولوا إنها كانت ملكه بالسبب الذي ادعاه أي في صورة ما إذا بين المدعي سبباً للملك
الثاني : أن يدعي ملكاً ماضياً فيقول إنها كانت ملكي ويشهد الشهود بالملك المطلق كذلك وهو عكس الأول
الثالث: أن يدعي ملكاً ماضياً ويشهد الشهود بالماضي أيضاً ففي الصورة الأولى تصح الدعوى من المدعي وتقبل من الشهود فيحكم للمدعي بالملك لأنه لما ثبت ملكه في الزمن الماضي فالأصل أن يحكم ببقائه حيث لم يقم دليل على خلافه إلى أن يوجد ما يزيله كأن يقيم المدعى عليه بينة على الشراء منه مثلاً وأما في الصورتين الثانية والثالثة فإن دعوى المدعي غير صحيحة وشهادة الشهود المترتبة عليها غير مقبولة أيضاً لأن إسناد المدعي ملكه إلى الماضي يدل على نفي الملك في الحال إذ لا فائدة للمدعي في إسناده مع قيام ملكه في الحال بخلاف الشاهدين لو أسند ملكه إلى الماضي لأن إسنادهما لا يدل على النفي في الحال لأنهما قد لا يعرفان بقاءه إلا بالاستصحاب ( ر الدر المختار وحاشيته رد المحتار كتاب الشهادات باب الاختلاف في الشهادة وجامع الفصولين الفصل الحادي عشر ) هذا وفي الصورة الأولى المقبولة لو سأل القاضي الشاهدين هل تعلمان ملكه للحال لا يجبران على الجواب لكن لو أجاباه بقولهما لا نعلم قيام الملك للحال ترد شهادتهما لأنهما لما صرحا بجهلهما قيام الملك للحال لم يبق إمكان للحمل على أنهما يعرفان بقاء الملك بالاستصحاب فلم تعد شهادتهما صالحة لأن يحكم بها في ذلك ( ر المادة 1695 من المجلة ) ومثل الشهادة بملك العين في جميع الصور المتقدمة الشهادة بالدين فلو ادعى إنسان ديناً في ذمة حي أو ميت وأقام بينة شهدت له أنه كان له عليه هذا المبلغ المدعى به تقبل الشهادة ويحكم به ( ر المادة 1694 من المجلة ) تنبيه إن قبول الحاكم البينة وإلزام الخصم بما قامت عليه في الصورتين أعني فيما إذا شهدت الشهود أن العين كانت ملك المدعي أو شهدت انه كان له عليه كذا ـ إنما هو عمل بالاستصحاب وهو عمل بالظاهر والظاهر يصلح حجة للدفع لا للاستحقاق كما تقدم الكلام عليه في المادة الخامسة الأصل بقاء ما كان والحكم بهذه الشهادة حكم بالاستحقاق لا بالدفع فينبغي أن لا تقبل لكن نقل في جامع الفصولين في أوائل الفصل الحادي عشر هذا الإشكال عن صاحب القنية وأنه أجاب عنه بأن في رد مثل هذه البينات حرجاً فتقبل دفعاً للحرج انتهى موضحاً وقد نقل في معين الحكام في الباب الثامن عشر منه في القضاء بغلبة الظن عن القرافي المالكي ما لفظه اعلم أن قول العلماء إن الشهادة لا تجوز إلا بالعلم ليس على ظاهره فإن ظاهره يقتضي أنه لا يجوز أن يؤدي الشاهد إلا ما هو قاطع به وليس كذلك بل حالة الأداء دائماً عند الشاهد الظن الضعيف في كثير من الصور بل المراد بذلك أن يكون أصل المدرك علماً فقط فلو شهد بقبض الدين جاز أن يكون الذي عليه الدين قد دفعه فتجوز الشهادة عليه بالاستصحاب الذي لا يفيد إلا الظن الضعيف وكذلك الثمن في البيع يشهد به مع احتمال دفعه ويشهد في الملك الموروث لوارثه مع جواز بيعه بعد أن ورثه ويشهد بالإجارة ولزوم الأجرة مع جواز الإقالة بعد ذلك بناء على الاستصحاب والمحقق في هذه الصور كلها وشبهها إنما هو الظن الضعيف ولا يكاد يوجد ما يبقى فيه العلم إلا القليل من الصور منها النسب والولاء فإنه لا يقبل النقل فيبقى العلم على حاله ومنها الوقف إذا حكم به حاكم أما إذا لم يحكم به حاكم فإن الشهادة إنما فيها الظن فقط فإذا شهد بأن هذه الدار وقف احتمل أن يكون حاكم حنفي حكم بنقضه انتهى وهو كلام وجيه جداً مؤيد لجواب صاحب القنية ( تنبيه ) الشهادة باليد المنقضية لا تقبل وعلى الملك المنقضي تقبل فلو ادعى أحد على آخر بأن العين التي في يد المدعى عليه كانت في يد المدعي حتى أخذها ذلك منه بلا حق فيطلب إعادتها إليه وأقام بينة شهدت بأنها كانت في يده لا تقبل حتى يشهدا أن المدعى عليه أخذها منه بلا حق فحينئذ يقضى بإعادتها إليه فقط لا بالملك وهذا يسمى قضاء ترك وإنما لم تقبل الشهادة باليد المنقضية كما قبلت على الملك المنقضي لأنها شهادة بمجهول والشهادة بالمجهول لا تقبل وذلك لأن أنواع وضع اليد كثيرة فقد تكون اليد يد ملك أو وديعة أو إجارة ويحتمل أيضاً أن العين كانت للمدعي فاشتراها المدعى عليه منه بخلاف الملك فإنه غير متنوع فلذلك كان الأصل أن الشهادة بالملك المنقضي مقبولة لا باليد المنقضية حتى لو ثبتت باليد المنقضية بإقرار الخصم أنها كانت في يد المدعي أو بالبينة على الإقرار فإنها تعتبر ويؤمر المدعى عليه بدفعها للمدعي على الوجه المتقدم لأن الإقرار لا تضره الجهالة ( ر تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار قبيل باب الشهادة على الشهادة والمادة 1579 من المجلة ) هذا كله فيما إذا كانت الشهادة باليد المنقضية لشخص حي أما إذا شهدا بيد شخص ميت فإنها تقبل مطلقاً وإن كانت غير منقضية لأنها إن كانت في الواقع يد ملك فالأمر ظاهر وإن كانت يد غير ملك فبموت من هي في يده مجهلاً أي من غير أن يبين أنها ليست له يملكها وتكون مضمونة لصاحبها في التركة ( ر الدر المختار وحاشيته رد المحتار من المحل المذكور .
——————————-
القاعدة العاشرة (المادة / 11 ) : الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته
الشرح
يعني أنه إذا وقع الاختلاف في زمن حدوث أمر فحينئذ ينسب إلى أقرب الأوقات إلى الحال ما لم تثبت نسبته إلى زمن بعيد فإذا ثبتت نسبته إلى الزمن البعيد يحكم بذلك وهذا إذا كان الحدوث متفقاً عليه وإنما وقع الاختلاف في تاريخ حدوثه كما يفيده قولهم في المادة المذكورة يعني أنه إذا وقع الاختلاف في زمن حدوث أمر أما إذا كان الحدوث غير متفق عليه بأن كان الاختلاف في أصل حدوث الشيء وقدمه كما لو كان في ملك أحدٍ مسيل لآخر ووقع بينهما اختلاف في الحدوث والقدم فادعى صاحب الدار حدوثه وطلب رفعه وادعى صاحب المسيل قدمه فإن القول لمدعي القدم والبينة لمدعي الحدوث حتى إذا أقام كل منهما بينته رجحت بينة مدعي الحدوث وهو صاحب الدار ( ر المادة 1768 من المجلة ومرآة المجلة نقلاً عن القنية )

وذلك لأن بينته تثبت ولاية النقض فكانت أولى أما مدعي القدم فهو منكر متمسك بالأصل ( ر تنقيح الفتاوى الحامدية ) ثم إن الوجه في كون الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته هو أن الخصمين لما اتفقا على حدوثه وادعى أحدهما حدوثه في وقت وادعى الآخر حدوثه قبل ذلك الوقت فقد اتفقا على أنه كان موجوداً في الوقت الأقرب وانفرد أحدهما بدعوى أنه كان موجوداً قبل ذلك والآخر ينكر دعواه والقول للمنكر إن اعتبار هذه القاعدة مقيد بأن لا يؤدي إلى نقض ما هو ثابت مقرر
فقد نقل علي حيدر أفندي في شرحه عن الفتاوى الولوالجية في كتاب الدعوى ما نصه الأصل في الحوادث أن يحكم بحدوثها لأقرب ما ظهر إذا لم يتضمن الحكم بحدوثها للحال نقض ما هو ثابت لأن الحكم بحدوثها لأقرب ما ظهر ثابت باستصحاب الحال لا بدليل أوجب الحدوث للحال والثابت باستصحاب الحال لا يصلح لنقض ما هو ثابت ونظير هذا ما نقله في رد المحتار من باب المهر عن الرحمتي عن قاضيخان عند قول المتن وهذا إذا لم تسلم نفسها إن الظاهر لا يصلح حجة لإبطال ما كان ثابتاً وستتضح فائدة هذا القيد من مستثنيات هذه القاعدة التي سنذكرها لأن معظم تلك المستثنيات إنما خرجت عن هذه القاعدة لأن تطبيقها عليها يستلزم نقض ما هو ثابت متقرر.
————————-
القاعدة الحادية عشر : الأصل في الكلام الحقيقة
الأصل في الكلام الحقيقة والمجاز فرع فيه وخلف عنها ولكونها أصلاً قدمت على المجاز وكان العمل بها أولى من العمل به ما لم يوجد مرجح له فيصار إليه الحقيقة في اللغة من حق الشيء إذا ثبت وهي فعيلة بمعنى فاعلة وهي في الاصطلاح الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح التخاطب كاستعمال لفظة القتل مثلاً في إزهاق الروح فإنه حقيقة لاستعماله في المعنى الوضعي له وكاستعمال لفظ الوصية مثلاً عند أهل الشرع في التمليك المضاف لما بعد الموت فإنه حقيقة أيضاً بالنسبة لاصطلاحهم وتخاطبهم والمجاز هو استعمال الكلمة في غير ما وضعت له لقرينة ( ر تعريفات السيد ) وذلك كاستعمال لفظة القتل المذكورة في الإيلام واستعمال لفظة الوصية عند أهل الشرع في العهد الذي هو معناه اللغوي فإن كلاً منهما مجاز لاستعمال الأول في غير ما وضع له لغة واستعمال الثاني في غير ما وضع له اصطلاحاً المراد بهذه القاعدة أنه إذا كان للفظ معنيان متساوٍ استعمالها معنى حقيقي ومعنى مجازي وورد مجرداً عن مرجح يرجح أحد المعنيين على الآخر وذلك كلفظة النكاح فإنها حقيقة في الوطء مجاز في العقد وقد تساوى استعمالهما فيهما فإذا جاء مجردا عن مرجح يرجح أحد المعنيين على الآخر كما في قوله تعالى 2 ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء 2 ترجحت الحقيقة لأنها الأصل ولم يوجد صارف عنها إلى المجاز فتكون حرمة موطوءة الأب ثابتة بالنص وأما حرمة من عقد عليها الأب عقداً صحيحاً ولم يدخل بها فثابتة بالإجماع .

وإذا قدمت الحقيقة على المجاز عند تساويهما في الاستعمال كان تقديمها حين تكون هي أكثر استعمالاً بالأولى أما إذا وجد مرجح للمجاز فلا شك في تقديمه على الحقيقة كما في قول الأعشى :
فلا تقربن جارة إن سرها عليك حرام فانكحن أو تأبدا فإن المراد المعنى المجازي وهو العقد والقرينة فيه صدر البيت وقد تتحتم الحقيقة لاستحالة المعنى المجازي كما في قول الفرزدق :
إذا سقى الله قوماً صوب غادية فلا سقى الله أهل الكوفة المطراالتاركين على طهر نساءهم والناكحين بشطي دجلة البقرا وكما يصار إلى المجاز عند وجود مرجح له على الحقيقة يصار إليه أيضاً عند تعذر الحقيقة أو تعسرها أو معارضة العرف والعادة لها أما تعذرها فإنه يكون إما باستحالتها لعدم وجود فرد لها في الخارج كما لو وقف على أولاده وليس له إلا أحفاد فإنه يصرف إليهم لأنهم أولاده مجازاً فإذا ولد له ولد صلبي يصرف إليه تقديماً للحقيقة وإما بكونها غير جائزة شرعاً كالوكالة بالخصومة فإنها بالمعنى الحقيقي غير جائزة شرعاً لأن معناها الحقيقي هو المنازعة والمنازعة منهي عنها قال سبحانه 2 ولا تنازعوا 2 ) فتحمل على المعنى المجازي لها وهو إعطاء الجوابوأما تعسرها فإنه يكون بعدم حصولها إلا بمشقة كما سيأتي توضيحه في الكلام على المادة 61 وأما مخالفة العرف والعادة لها فسيأتي في الكلام على المادة الموفية أربعين وأما إذا كان المعنى المجازي أكثر استعمالاً من المعنى الحقيقي فالعمل بالمجاز على وجه عام يجعل الحقيقة فرداً من أفراده أولى عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ترجيحاً بكثرة الاستعمال وهذا هو الذي يريدونه من لفظة ( عموم المجاز ) وعند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه العمل بالحقيقة والحالة هذه أولى أيضاً لأنها الأصل فما دامت مستعملة لا يعدل عنها وإن قل استعمالها وذلك كما لو حلف بطلاق امرأته على أن لا يأكل من هذه الحنطة أو على أن لا يأكل من هذه الغنم وكانت مقتناة للدر والنسل فإن المعنى الحقيقي وهو الأكل من عين الحنطة أو الغنم مستعمل ولكن المعنى المجازي وهو الأكل مما يخرج منهما أكثر استعمالاً فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يقع الطلاق على الحالف إلا بالأكل من عينها لأنه المعنى الحقيقي وعندهما يقع عليه بالأكل من عينهما وبالأكل مما يخرج منهما وذلك بأن يراد بما يقع عليه الأكل منهما معنى أعم تكون الحقيقة فرداً من جملة أفراده كأن يراد لا يوقع فعل الأكل على شيء حاصل من هذه العين مثلا .
—————————————
القاعدة الثانية عشر : لاعبرة بالدلالة في مقابلة التصريح:
الشرح

لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح لأنها دونه في الإفادة وهو فوقها والدلالة بفتح الدال في المعقولات وبكسرها في المحسوسات وهي كون الشيء بحال يفيد الغير علماً وتكون لفظية وغير لفظية وكل منهما ثلاثة أقسام وضعية وعقلية وطبيعية فاللفظية الوضعية كدلالة الألفاظ على ما وضعت له واللفظية
العقلية كدلالة اللفظ على وجود اللافظ واللفظية الطبيعية كدلالة ( أح ) على وجع الصدر و ( أخ ) على مطلق الوجع وغير اللفظية الوضعية كدلالة الدوال الأربع على مدلولاتها وغير اللفظية العقلية كدلالة المصنوعات على وجود الصانع وغير اللفظية الطبيعية كدلالة الحمرة على الخجل والصفرة على
الوجل والظاهر أن الدلالة الوضعية اللفظية والدلالة العقلية بقسميها اللفظي وغيره غير مرادتين في القاعدة المذكورة لأن اللفظية الوضعية هي التصريح الذي تلغى الدلالة بمقابله ولأن العقلية بقسميها إذا لم نقل إنها فوق التصريح فليست دونه فيبقى المراد حينئذ بالقاعدة المذكورة دلالات ثلاثاً

وهي اللفظية الطبيعية وغير اللفظية الوضعية وغير اللفظية الطبيعية فالأولى كما إذا قبل التهنئة بعد تزويج الفضولي له كان ذلك إجازة منه للعقد طبعاً ولكن إذا كان وقع رده قبل ذلك صريحاً ارتد والثانية مثل المحاريب والأعلام والأميال والحفر والأغلاق والستور التي تتخذ وتنصب بإزاء ملك الغير من أرض أو بستان أو حانوت لتدل على الإذن بالدخول أو على عدمه فإنها تعتبر ويعتمد عليها ولكن إذا وجد التصريح بخلافها تلغى تلك الدلالة والثالثة مثل دلالة ضحك البكر بلا استهزاء عندما بلغها خبر تزويج الولي فإنه يعتبر إجازة لكن إذا وجد قبله أو معه تصريح بالرد تلغى تلك الدلالة.
———————————-

القاعدة الثالثة عشر : لامساغ للاجتهاد في مورد النّص:
لا مساغ للاجتهاد في مورد النص لأن الحكم الشرعي حاصل بالنص فلا حاجة لبذل الوسع في تحصيله ولأن الاجتهاد ظني والحكم الحاصل به حاصل بظني بخلاف الحاصل بالنص فإنه يقيني ولا يترك اليقيني للظني المراد بالنص الذي لا مساغ للاجتهاد معه هو المفسر المحكم وإلا فغيرهما من الظاهر والنص لا يخلو عن احتمال التأويل وبيان ذلك أن أقسام الدليل اللفظي بحسب الإفضاء إلى الأحكام أربعة
– ظاهر: وهو ما ظهر المراد منه بصيغته مع احتمال التأويل
– ونص وهو ما ازداد وضوحاً على الظاهر بمعنى سيق له الكلام لأجله لا من نفس الصيغة مع احتمال التأويل أيضاً .

– ومفسر وهو ما ازداد وضوحاً على النص على وجه لا يبقى معه احتمال التأويل .

– ومحكم وهو ما أحكم المراد منه من غير احتمال تأويل ولا نسخ فحيث كان الأولان لا يخلوان عن احتمال التأويل يكون مساغ للاجتهاد موجود معهما .
المراد بالنص ها هنا الكتاب والسنة المشهورة والإجماع فلا يجوز الاجتهاد في مقابلة المفسر والمحكم منها فبطل القول بحل المطلقة ثلاثاً للأول بمجرد عقد الثاني عليها بلا وطء والقول بحل نكاح المتعة والقول بسقوط الدين بمضي سنين بلا مطالبة والقول بالقصاص بتعيين الولي واحداً من أهل المحلة وحلف أيماناً على أنه هو القاتل وبطل القول بأن لا دخل للنساء في العفو عن دم العمد والقول ببطلان إقرار المرأة وبطلان وصيتها بغير رضاء زوجها لعدم استنادها إلى دليل معتبر ولمخالفتها للنصوص الشرعية التي لا تحتمل التأويل ( ر الدر المختار وحاشيته رد المحتار كتاب القضاء ومعين الحكام من فصل فيما لا ينعقد من أحكام القاضي ) ومثل لفظ الكتاب والسنة لفظ شرط الواقف ولفظ الموصي فإنهما كنص الشارع في المفهوم والدلالة ووجوب العمل به ( ر التنقيح ) ما لم يكن فيه تغيير لحكم الشرع فلو كان كما لو شرط أن المتولي أو الوصي لا يحاسب فإن شرطه لا يراعى ( ر الدر المختار وغيره من كتاب الوقف ) ( تنبيه ) قولهم لا مساغ للاجتهاد في مورد النص لا فائدة لوضعه هنا فيما يتبادر لأن باب الاجتهاد مسدود الآن في وجه من يتصدى لدخوله مطلقاً سواء كان في مورد نص لا يسوغ الاجتهاد فيه أولا ففي الخلاصة من آخر فصل الحبس ليس أحد من أهل الاجتهاد في زماننا ويحتمل أن يكون المقصود من وضع هذه القاعدة المذكورة الإيماء للمفتين والقضاة بأن يقفوا عند حدهم ويقصروا أنظارهم أن تتطلع وأعناقهم أن تمتد إلى مجاوزة ما فوض إليهم من الاجتهاد في ترجيح إحدى روايتين متساويتين أو أحد قولين متعادلين يختلف الترجيح فيهما بحسب الحوادث والأشخاص إلى ما لم يفوض إليهم وذلك مثل ما قالوا في الزوج إذا أوفى زوجته معجل مهرها فهل له أن يسافر بها أو لا فظاهر الرواية أن له ذلك وقال أبو القاسم الصفار وأبو الليث ليس له ذلك لفساد الزمان وسوء حال الأزواج واختار بعضهم تفويض ذلك للمفتي فمتى علم من حاله الإضرار بها أفتاه بعدم الجواز ومتى علم منه غير ذلك أفتاه بالجواز وقد نصوا في مثل هذا على أن المفتي لا بد له من نوع اجتهاد وأنه يفتي بما وقع عنده من المصلحة وكما قالوا في حق سقوط نفقة الزوجة بالطلاق البائن إذا كانت غير مستدانة بأمر القاضي أن القاضي ينظر في حال الزوج فإن كان طلقها بائناً توصلاً لإسقاط النفقة المتراكمة عن نفسه رد قصده عليه وحكم عليه بعدم سقوطها عنه وإن كان أبانها لا لهذا حكم بسقوطها ( ر الدر المختار وحاشيته رد المحتار من النفقة ) وكما فوض إليه الاجتهاد في تقدير حبس المديون مدة يغلب على ظنه أنه لو كان له مال لأظهره وفوضوا إليه الاجتهاد في تقدير تعزير المذنب بحسب ما يراه كافياً لزجره من حبس أو ضرب أو تعبيس في وجهه وفوضوا إليه النظر والاجتهاد في بيع الأب والوصي عقار الصغير فإن رأى أن نقضه أصلح للصغير وأنفع فله نقضه ( ر فيض المستفيض في مسائل التفويض للغزي ) وقد فوضوا أيضاً للحاكم تحليف الشهود إذ رأى ذلك لفساد الزمان كما سيأتي في الكلام على المادة 39 لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان نقلاً عن معين الحكام فيحتمل أنهم أرادوا بوضع هذه القاعدة هنا إيقاف اجتهادهم وقصره على مثل هذا وأما فيما عداه مما لم يفوض إليهم وقد وقع فيه الخلاف فلا مساغ لاجتهادهم فيه بل الترجيح فيه تابع لترجيح المرجحين من علماء المذهب على حسب ما هو مبسوط في رسم المفتي فليس للمفتي ولا للقاضي مخالفة ما رجحوه باجتهاد منه ولو فعل لا يقبل منه لأنه اجتهاد في مورد النص والنص لا مساغ للاجتهاد في مورده وإذا صح ما ذكرناه يكون المراد بالنص ها هنا هو المنقول في كتب المذهب لا ما سبق.
—————————–
القاعدة الرابعة عشرة ( المادة / 15 ) : ماثبت على خلاف القياس فغيرة لايقاس عليه:

الشرح
ما ثبت من الأحكام بالنص الوارد على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه القياس جعل الحكم في المقيس مثل الحكم في المقيس عليه بعلة واحدة فيهما وهو حجة عند الفقهاء والمتكلمين بقوله سبحانه وتعالى 2 فاعتبروا يا أولي الأبصار 2 لأن الاعتبار هو النظر في الثابت لأي معنى ثبت وإلحاق نظيره به وهو القياس بعينه

وشرط الاستدلال بالقياس عدم وجود النص في المقيس لأن القياس إنما يصار إليه ضرورة خلو الفرع عن حكم ثبت له بطريق التنصيص فإذا وجد التنصيص على الحكم فلا قياس والاستدلال في بعض المسائل بالنص والقياس معاً إنما هو لأجل أن الخصم إن طعن في النص بأنه منسوخ أو غير متواتر أو غير مشهور أو مؤول يبقى القياس سالماً لا مطعن فيه لا لأنه دليل على تقدير سلامة النص من الطعن وليس القياس عملاً بالظن كما يقول البعض بل هو عمل بغالب الظن وأكبر الرأي والعمل بغالب الظن واجب وإن بقي معه ضرب احتمال والمماثلة بين المقيس والمقيس عليه من جميع الوجوه غير واجبة لصحة القياس بل الواجب المماثلة في علة الحكم فقط .
————————————————–
القاعدة الخامسة عشرة ( المادة / 16 ) : الأجتهاد لاينقض بمثله:
الشرح
الاجتهاد لا ينقض بمثله إجماعاً أي في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد لأنه لو نقض الأول بالثاني لجاز أن ينقض الثاني بثالث لأنه ما من اجتهاد إلا ويجوز أن يتغير وذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار
وهذا في حق الماضي فلو كان قضى قاض في حادثة باجتهاده ثم تبدل اجتهاده فرفع إليه نظيرها فقضى فيها باجتهاده الثاني لا ينقض الأول كما في الأشباه والنظائر لقول عمر رضي الله عنه حين قضى في حادثة بخلاف ما قضى في نظيرها قبلاً تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي ( ر شرح السراجية للسيد ) وكذلك لو كان بين قاضيين بأن قضى شافعي مثلاً في حادثة مجتهد فيها بمذهبه ثم رفعت لآخر حنفي مثلاً يرى فيها غير ذلك لا يجوز له نقض قضاء الأول بل يجب عليه تنفيذه ويحكم في غيرها بما يراه وهذا أي عدم جواز مخالفة قضاء القاضي السابق فيما هو محل النزاع الذي ورد عليه القضاء

أما فيما هو من توابعه فلا يتقيد بمذهب الأول فلو قضى شافعي بالبيع في عقار فللقاضي الحنفي أن يقضي فيه بالشفعة للجار وإن كان القاضي الأول لا يراها وكذلك لو حكم قاضٍ بصحة الوقف لا يكون حكماً بالشروط فلو وقع التنازع في شيء من الشروط عند من يخالف فيها فله أن يحكم فيها بمذهبه لأن ذلك ليس محل النزاع لدى القاضي الأول كما لو حكم بالوقف ثم وقع التنازع في رجوع الشرط المتأخر للجملة المتقدمة مثلاً كما هو مذهب الحنفية أو للأخيرة كما هو مذهب الشافعي فإنه يقضي القاضي الحنفي بمذهبه ( ر الأشباه والنظائر لابن نجيم ) وكذلك لو كان مقلد المجتهد في عمل فاستفتي فأفتى فيها بمذهب مجتهد آخر يخالف اجتهاد المجتهد الأول لا ينقض عمله السابق أما في حق المستقبل فلا يتقيد باجتهاده واستفتائه السابق أصلاً ( ر الدر المختار وحاشيته رد المحتار كتاب الطلاق من باب تعليق الطلاق ) ( تنبيه )
ما ذكر هو في القاضي المجتهد أما المقلد الذي تقلد القضاء مقيداً بمذهب معين فإنه يتقيد به فلو حكم بخلافه ينقض وإن وافق أصلاً مجتهداً فيه ( ر الدر المختار وحاشيته رد المحتار كتاب القضاء من فصل الحبس )
ولذا لو أخطأ في تطبيق الحادثة على الحكم الشرعي ثم ظهر أن النقل الشرعي بخلافه فإن حكمه ينقض ( ر المادة 1838 من المجلة ) ( تنبيه آخر ) القاضي إذا قضى بالجور ثم ظهر الحق فإن كان قضى خطأ فإما أن يكون التدارك ممكناً أولاً فإن أمكن كما إذا قضى بمال أو طلاق ثم ظهر أن الشهود محدودون في قذف مثلاً بطل القضاء وعادت المرأة إلى زوجها ورد المال إلى من أخذ منه وإن لم يمكن التدارك كالقصاص إذا نفذ لا يقتل المقضي له بل تجب الدية في ماله هذا إذا ظهر خطؤه بالبينة أو بإقرار المقضي له فلو بإقرار القاضي
لا يظهر في حق المقضي له حتى لا يبطل القضاء في حقه كل ذلك في حق العبد أما في حق المولى سبحانه وتعالى كحد الزنى والسرقة والشرب إذا نفذ ثم ظهر خطؤه فالضمان في بيت المال وإن كان قضى بالجور عمداً وأقر به فالضمان في ماله في الوجوه كلها ويعذر ويعزل عن القضاء ( ر رد المحتار كتاب القضاء من فصل الحبس