ما هي دعوى التعويض في قانون المعاملات المدنية؟

المحامي صلاح بن خليفة المقبالي

تُعرّف الدعوى القضائية بأنها وسيلة للمطالبة بحماية لحق أو مركز قانوني وقع عليه الاعتداء. ولا يخلو هذا التعريف من نقد أو استثناء إلا أن ذلك مجاله الفقه ولا يسع المقام لسرده. وإحدى وسائل حماية الحقوق هي دعوى التعويض التي يقيمها المدعي للمطالبة بجبر الضرر الواقع عليه نتيجة الاعتداء على حقه، والتي سنتعرف عليها في زاويتنا القانونية لهذا الأسبوع عبر “أثير”.

إن دعوى التعويض لها ثلاثة أركان أساسية هي: ركن الخطأ، وركن الضرر، وركن علاقة السببية التي تربط بينهما. والقاعدة الفقهية المستقر عليها تقول ” إن كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه التعويض”.

وبالحديث عن أول ركن من أركان التعويض وهو ركن الخطأ فإنه لابد أن يكون ثمة خطأ أو تعدٍ من قبل المدعى عليه على حق أو مركز قانوني للمدعي، وهذا التعدي يكون في صورة غير مشروعة، أي بمعنى أن يكون تصرفا مخالفا لمسلك الرجل المعتاد في التصرفات ويكون خارج حدود القانون، ويكون الخطأ في العقود بصورة مخالفة شروط العقد وهو ما يستتبعه ما يسمى بالمسؤولية العقدية، وفي مسلك الأفراد الطبيعيين يأتي الخطأ في صورة المسؤولية التقصيرية، والتي يأتي فيها بصورة التعدي على الغير بقصد أو بغير قصد، ففي كلا الحالين يكون المتعدي مقصرا ولا يشكل ذلك فرقاً إلا في ما يتعلق بالمساءلة الجزائية، وأما بشأن ركن الخطأ في قرارات الجهات الإدارية فيكون بصورة إصدار قرارات إدارية غير مشروعة، أي بمعنى أن تقوم الجهة الإدارية بإصدار قرار اختلت أحد أركان صحته وهي الاختصاص والشكل والمحل والسبب والغاية، فيصدر القرار معيباً ويؤثر على مركز قانوني للموظف أو أحد ذوي الشأن ويتم إلغاء هذا القرار عن طريق القضاء فبذلك يكون هذا القرار غير مشروع وتنعقد مسؤولية الجهة الإدارية عن قراراتها غير المشروعة، وهناك صورة أخرى للخطأ لا تكون نتيجة فعل وهي حالة الخطأ المفترض بنص القانون كمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه ومسؤولية حارس الحيوان.

ولكن لا يكفي للقول بوجوب التعويض لمجرد وجود خطأ، فلا بد أن يكون هناك ضرر أصاب المدعي من ذلك الخطأ، والضرر هو الركن الثاني من أركان دعوى التعويض، وللضرر صورتان هما: الضرر المادي والضرر المعنوي.

فالضرر المادي هو الأضرار التي تنصب على الأشياء المادية المحسوسة التي لها كيان مستقل واضح، وهي التي بالإمكان تقديرها بالمال، ولا بد من أن يثبت المدعي وجود هذه الأضرار المادية التي أصابته وقيمتها وقيمة التعويض المطالب به عنها، ويدخل من ضمن الأضرار المادية ما فات المدعي من كسب وما لحقه من خسارة وهذه أيضاً يتوجب إثباتها بالأدلة والمستندات حتى يتسنى للمحكمة تقييمها.

وأما الصورة الثانية للضرر فتتمثل في الضرر المعنوي وهو الضرر الذي يصيب المرء في شعوره ووجدانه ويمس بسمعته بين الناس وما يسببه له من لوعة وكمد، والضرر المعنوي هو وليد النظم القانونية الحديثة، فالأحكام الشرعية لم تكن تعوض عن الضرر المعنوي وإنما اقتصرت على الأضرار المادية، والضرر المعنوي هو ضرر مفترض وجوده إذ لا يمكن إثباته بالأدلة والمستندات بحكم أنه مسألة حسية وليس لها كيان مادي مستقل، ولكن يمكن إثبات أماراته ودلائله الخارجية من الظروف المحيطة بالفعل.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: هل يتم التعويض عن كل خطأ من المدعى عليه وكل ضرر وقع على المدعي؟ والجواب عن هذا الأمر بالنفي المطلق، إذ لا يتم التعويض إلا عن الضرر الواقع كنتيجة مباشرة للفعل الخاطئ، وهو ما يعرف بعلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وهذا يُشكل الركن الثالث من أركان التعويض، فعلاقة السببية هي الرابطة التي تربط بين الخطأ والضرر، ويكون بها هذا الأخير نتيجةً حتمية للفعل الأول، فإذا ما فُقدت الصلة بينهما لا يمكن أن يُقضى بالتعويض لعدم استكمال كافة أركانه.

ولدعوى التعويض تفصيلات كثيرة وتشعبات عدة لا يتسع المقام لذكرها جميعاً إلا أن الصورة المبيّنة هي صورة مبسطة وشاملة لها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت