بقلم د. حسن فتوخ

مستشار بمحكمة النقض
رئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي
أستاذ بالمعهد العالي للقضاء
رئيس مكتب الودادية الحسنية للقضاة بمحكمة النقض

عرف المشرع الإرث بأنه انتقال حق بمجرد موت مالكه للورثة الذين يستحقونه شرعا بعد تصفية التركة من جميع الحقوق، ولا يستحق الإرث تبرعا ولا معاوضة، وإنما يستحق شرعا حسب مقتضيات المادة 323 من مدونة الأسرة.

ومعنى ذلك أن أهلية الشخص تنتهي لزوما بوفاته، وتنتقل تركته لورثته بقوة القانون باعتبارهم خلفا عاما لموروثهم.

ويلتزم الورثة كخلف عام بتنفيذ التزامات موروثهم كمبدأ عام تطبيقا لمقتضيات الفصل 229 من ق.ل.ع، وأن تقييد الإراثة أو الوصية بالرسم العقاري لا يخول الورثة أو الموصى لهم الحق في التمسك بحسن النية في اكتساب الحقوق تجاه الوارث[1]، أو الحاجز،

أو الدائن المرتهن رهنا مؤجلا، أو المشتري من الهالك غير المسجل لرسم شرائه، ما دام أن هذا الأخير سبق له أن رفع دعوى ضد البائع قيد حياته، أو ضد ورثته بعد وفاته[2]، ترمي إلى تطهير العقار من الحجز وإتمام إجراءات البيع[3]، وبادر إلى تقييد مقاله احتياطيا بالرسم العقاري. إذ يحق لهذا الأخير المطالبة بالتشطيب على الإراثة أو الوصية وأمر المحافظ بالقيام بهذا الإجراء.

ولعل بحث هذا الموضوع يقتضي منا تقسيمه إلى محورين اثنين كالتالي:

المحور الأول:

إشكالات التبرعات الصادرة عن الموروث

لا يعتد إلا بتاريخ تقييد إراثة الواهب إذا تعلق الأمر بعقار محفظ عملا بالفقرة الثانية من المادة 279 من مدونة الحقوق العينية، أي أن الموهوب له إذا لم يقيد عقد الهبة قبل حصول المانع وهو وفاة الواهب، وتم تقييد إراثة الواهب، فإن الملكية تنتقل إلى الخلف العام ويبقى معه عقد الهبة غير المقيد أثناء حياة الواهب غير عامل وعديم الأثر في مواجهة الورثة.

أما إذا كان الواهب أو المتصدق مريض مرض الموت وقت إبرام الهبة أو الصدقة فإن عقد الهبة أو الصدقة يقع باطلا حسبما أكدته محكمة النقض[4] التي اعتبرت “أن بطلان الصدقة لمرض الموت مقرر فقها لمصلحة الورثة والدائنين، ولا ينظر فيه إلى أهلية المريض وعوارضها، وإنما النظر فيه إلى شروطه المعتبرة شرعا،

فما دام المتصدق كان يعاني من مرض السرطان وهو من الأمراض المخوفة التي حكم الأطباء بكثرة الموت به، وأنه تصدق وهو بحاله بدار بعد أن أقعده المرض الفراش واشتد به واتصل به إلى أن توفي حسبما هو ثابت من الملف الطبي المستدل به، فإن المحكمة لما التفتت عن النظر في مدى توافر علاقة المرض بموته وجنحت إلى النظر في مدى سلامة إرادته للتصدق، واعتبرت إرادته سليمة رغم أنه بحال مرض مخوف أقعده الفراش واتصل بموته وتصدق وهو بحاله تكون قد خرقت القانون المتمثل في القواعد الفقهية الواجبة الإعمال في النازلة “.

وفي نازلة أخرى، قررت نفس المحكمة[5] أن الأصل في الإنسان البالغ الراشد تمام الإدراك وكمال الأهلية إلى حين إثبات العكس. واعتبرت أن المحكمة لما رفضت طلب بطلان عقد الهبة بعلة أنه أبرم أربعة أشهر قبل دخول الواهب إلى المستشفى، وأن التقرير الطبي وصف وضعه الصحي حين دخوله وخروجه من المستشفى وأثبت أن حالة الوعي لديه طبيعية، تكون قد أسست قضاءها على الثابت أمامها من الحجج، وعللت قرارها تعليلا كافيا.

كما أن محكمة النقض[6] اعتبرت في هذا السياق أن شهادة العدلين بعد الخطاب عليها تعد حجة رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور، كما أنها أرجح من شهادة اللفيف إذ لا عبرة بالكثرة مع ضعف العدالة.

وأن الحجة المثبتة للحوز مقدمة على النافية في التبرعات، والمحكمة لما قضت للطرف المدعي بالاستحقاق اعتبرت رسم الهبة المدلى به متوفر على الشروط المتطلبة شرعا، وأن رسم ثبوت التصرف المدلى به من الطرف المدعى عليه يعد حجة ناقصة، وأن ما جاء برسم ثبوت الملك يتناقض وما جاء بموجب التصرف تكون قد طبقت القواعد الفقهية “.

وأضافت نفس المحكمة في قرار آخر ما يلي[7]:

“الهبة تصح بالعقد العرفي المشهود على صحة توقيع أطرافه ولو احتفظ الواهب بمنفعة العقار لنفسه، وأنه يكفي تسجيلها بالرسم العقاري لتتم حيازتها وإخلاء محلها إن تعلقت بدار للسكن”.

أما بالنسبة لأحكام الحوز في الصدقة فقد اعتبرت محكمة النقض في أحد قراراتها ما يلي:

“بمقتضى مدونة الحقوق العينية فإن التقييد بالرسم العقاري يغني عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وعن إخلائه من طرف الواهب إذا كان محفظا أو في طور التحفيظ. فإذا كان غير محفظ فإن إدراج مطلب لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخلائه، وأن أحكام الهبة تسري على الصدقة، ومن ثم فإن الطاعنة دفعت بأنها تتصرف في جزء من الدار المتصدق بها وأنها سلكت مسطرة التحفيظ مما يعني أنها جدت وثابرت في الحوز. والمحكمة لما قضت ببطلان رسم الصدقة دون الرد على ما أثير والمؤيد بالحجة تكون قد خرقت القانون”[8].

وغني عن البيان أن نفس الإشكالية المتعلقة بالحوز المادي والتقييد بالرسم العقـاري في مجال الهبة والصدقة[9] التي تخضع لنفس أحكام الهبة حسب المادة 291 من مدونة الحقوق العينية[10]، تطرح أيضا بالنسبة لعقود الحبس الواردة على عقارات محفظة التي تخضع لمدونة الأوقاف عملا بالإحالة المنصوص عليها في المادة 130 من مدونة الحقوق العينية[11].

وقد أكدت محكمة النقض في هذا الصدد أن عدم تقييد عقد التحبيس بالرسم العقاري لا يمكن أن يؤثر على صحة موضوعه أو يحد من أثره في نقل الحق للأحباس خاصة و أن الحيازة المادية للملك المحبس قد تمت فعلا وكانت بصفة علنية كافية وثابتة باعتراف الورثة أنفسهم وأن استغلالها كان قبل وفاة الطرف المحبس وبعده، الشيء الذي يمنع على الخلف العام الحق في التمسك بإبطال عقد التحبيس في مواجهة الأحباس[12].

ولعل هذا التوجه القضائي قد تم تكريسه من طرف المشرع حسب الثابت من المادة 33 من مدونة الأوقاف التي تنص على ما يلي:

“إذا توفي الواقف قبل أن يحوز الموقوف عليه المال الموقوف حوزا صحيحا، بطل الوقف ما لم يطالب به في حياة الواقف”.

أما بالنسبة للمشتري من الهالك قيد حياة هذا الأخير – متى تعذر عليه تقييد عقد شراءه لسبب من الأسباب – فيمكنه أن يطلب الحكم على خلفه العام بالتشطيب على الإراثة، وإتمام إجراءات البيع وذلك بإلزامهم بنقل ملكية المبيع في اسمه بالرسم العقاري، وأمر المحافظ بالقيام بإجراءات التشطيب على الإراثة المذكورة وبتقييد عقد الشراء بالرسم العقاري.

ومن ثم فإن المحافظة على حق المشتري تستلزم تباعا إجراء تقييد احتياطي لمقال الدعوى أعلاه، وذلك للاستفادة من مفعوله بأثر رجعي عند التقييد النهائي للحكم من جهة، وتفاديا لإمكانية ضياع حقه نتيجة لتفويت الورثة للعقار محل النزاع للغير من جهة أخرى.

وقد اعتبرت محكمة النقضفي نازلة مماثلة[13]أن الموصى له يعتبر خلفا عاما للهالك باعتباره المالك الوحيد لتركته، وأن تقييد وصيته بالرسم العقاري لا يحصن الحقوق التي آلت إليه عن طريق الوصية من الطعن في التقييد المذكور، ولا تسمح له بالتمسك بقرينة حسن النية المنصوص عليها في المادة 2 من مدونة الحقوق العينية، طالما أنه لا يعتبر غيرا بالنسبة للمشتري من الهالك الموصي، مؤكدا على أن البيع المبرم من طرفه لفائدة الغير مثقلا بالتقييد الاحتياطي لا يحول دون التشطيب على الوصية أعلاه تحقيقا للأثر المتوخى من التقييد الاحتياطي الذي تحول إلى تقييد نهائي للحكم الصادر بشأنه والقاضي باعتراف الحق لصالحه[14].

ويستفاد من خلال هذا القرار، أن تقييد الموصى له للوصية بالرسم العقاري لا يكسبه صفة الغير في مواجهة الشخص المتلقي للحق من موروثه، وغير المسجل لعقد شراءه قبل تقييد الوصية، لأن صفة الخلف العام للهالك تبقى لصيقة به، وتجعله ملزما بتنفيذ التزامات موروثه تطبيقا للفصل 229 من ق.ل.ع، ويحل محله في الوفاء بالالتزام بصرف النظر عن تقييد إراثته من عدمه بالرسم العقاري. ومن ثم فلا يمكن اعتباره غيرا[15]لكي يتمسك بالتقييد بحسن نية في مواجهة المشتري من الموصي الهالك، ويتعين بالتالي التشطيب على وصيته وتقييد الحكم القاضي بإتمام إجراءات البيع حفاظا على حقوق المشتري المضمونة بتقييد احتياطي بناء على مقال الدعوى الصادر بشأنها الحكم المذكور.

المحور الثاني:

مدى أحقية الورثة في طلب بطلان تصرفات موروثهم

من المعلوم أن الخلف العام تنتقل إليه حقوق الدفاع عن التركة، ويحق له المطالبة ببطلان جميع التصرفات التي أبرمها الموروث[16]، وبالتشطيب على اسم المشتري منه أو الموهوب له، وتقييد الإراثة بالرسم العقاري باعتبارهم ورثة للهالك. وعليه فإن الإشكال يطرح حول مدى أحقية أحد الورثة في تقديم هذا الطلب، أو وجوب رفعه من طرف جميع الورثة؟

جوابا عن ذلك، فقد قرر العمل القضائي[17]أن المدعية بصفتها خلفا عاما للهالك، من حقها أن تطلب بطلان العقد الرابط بين الموروث والمشتري وحدها دون باقي الورثة من أجل الحفاظ على المال المشاع معللة ذلك بما يلي: “…

إن المدعية فرعيا هي ابنة للبائع الهالك وبالتالي فهي في أقل الأحوال مالكة على الشياع للمنزل المدعى فيه وهذا يعطيها الحق والصفة القانونية للمطالبة ببطلان البيع الذي أنصب على هذا العقار من منطلق واجبها في الحفاظ على الشيء المشاع الذي يقرره الفصل 967 من ق.ل.ع الذي على ما يلي: “على كل مالك على الشياع أن يحافظ على الشيء المشاع بنفس العناية التي يبذلها في المحافظة على الأشياء الخاصة به وهو مسئول عن الأضرار الناشئة عن انتفاء هذه العناية”.

وقد استند هذا الحكم على رأي الدكتور مأمون الكزبري للقول بأحقية المتعاقدين والخلف العام كالورثة في التمسك بصحة أو بطلان العقد تبعا للتعليل التالي: “حيث إنه لئن كان الفصل العاشر من ق.ل.ع ينص على أنه لا يجوز للمتعاقد الذي كان أهلا للالتزام وبالأحرى لورثته أن يحتج بنقص أهلية الطرف الذي تعاقد معه فإن هذا المنع ينحصر على حالة القاصر أو ناقص الأهلية ولا يشمل حالة عديم الأهلية كما هو الحال في النازلة وهذا أمر طبيعي لأن الحالة الأولى يترتب عنها إبطال الالتزام لا غير بخلاف الحالة الثانية التي تؤدي إلى البطلان وهو من النظام العام بحيث إن من حق كل ذي مصلحة أن يثيره.

وحيث إن هذا الاتجاه كرسه الفقه ولا خلاف عليه، فقد جاء في كتاب نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود للدكتور مأمون الكزبري الجزء الأول مصادر الالتزامات الطبعة الثانية الصفحة 211 ما يلي:

أن العقد الباطل بقوة القانون يعتبر باطلا منذ صدوره أي غير منعقد بين عاقديه فهو عدم في نظر القانون وعندئذ لا يتوقف بطلانه على حكم من القاضي لأن القانون هو الذي قرر بطلانه من أصله فضلا عن أنه لو توقف بطلانه على قضاء القاضي لكان قبل صدور الحكم منعقدا غير باطل مع أن المفروض أنه باطل بحكم القانون….”.

وجاء في الصفحة 213 ما يلي: أن سبب البطلان في العقود الباطلة بقوة القانون يعود إلى كون العقد قد خولف فيه نظام التعاقد فالبطلان مقرر إذن للمصلحة العامة لا صيانة لمصلحة خاصة؛ لذلك فإن لكل ذي مصلحة في البطلان أن يدعي به وذو المصلحة هو كل من له حق يتأثر بصحة العقد أو ببطلانه وعلى هذا الأساس يستطيع أن يتمسك بالبطلان كل من المتعاقدين والخلف العام كالورثة والخلف الخاص كمشتر ثان لعين مبيعة حيث تقضي مصلحته بالتمسك ببطلان العقد الأول حتى تخلص له العين و الدائنون كدائني البائع الذين من مصلحته الادعاء ببطلان البيع أي بقاء المبيع في ذمة مدينهم المالية و التنفيذ عليه لاستيفاء ديونهم من ثمنه…”.

وإذا كنا نتفق مع الحكم أعلاه من حيث النتيجة التي انتهى إليها، فإن ما قضى به بخصوص أحقية أحد الورثة في طلب البطلان يبقى في نظرنا محل نقاش قانوني، على اعتبار أن النص التشريعي المعتمد من قبل الحكم كأساس لهذا التوجه القضائي وهو الفصل 967 أعلاه، يتعلق بأعمال الإدارة التي لا يدخل ضمنها رفع الدعاوى الرامية إلى استحقاق عقار الهالك عن طريق الإبطال أو البطلان، لأن ذلك من شأنه المساس بمبدأ نسبية الأحكام، وبحجية الشيء المقضي به كقرينة قانونية مفترضة في الأحكام القضائية.

إذ لا يجوز للخلف العام أن يكون طرفا في دعوى البطلان أو الإبطال إلا إذا كان جميع الورثة ممثلين فيها حتى يسري مفعول حجية الحكم الصادر بشأنها في مواجهة كافة الورثة بدون استثناء، ويحسم النزاع بشكل نهائي بعد صيرورة الحكم نهائيا وحائزا لقوة الشيء المقضي به.

بل إن محكمة النقض جعل هذا الحق المقرر للمالك على الشياع مقصورا على دعوى رفع الضرر دون غيرها، واعتبر أنه غير ملزم في هذه الحالة بالإدلاء بوكالة عن باقي المالكين في رفع الدعوى المذكورة[18].

وفي نفس السياق قررت محكمة النقض[19] أن التصرفات التي يبرمها الوكيل باسم الموكل خلال الفترة التي يجهل فيها موته أو غيره من الأسباب التي يترتب عليها انقضاء الوكالة، تكون صحيحة، بشرط أن يكون من تعاقد معه يجهل ذلك بدوره.

والمحكمة لما أيدت الحكم الابتدائي القاضي بإب0طال هبة موروث الطاعنين اعتمادا على صحة الوكالة الصادرة عنه وعقد البيع المبرم بموجبها، وكون الهبة المبرمة من نفس الموروث جاءت لاحقة لتاريخ البيع، وخلو الملف مما يثبت ادعاء الطاعنين من كون مورثهم سبق له الطعن في الوكالة التي بموجبها تم عقد البيع أعلاه، تكون قد طبقت مقتضيات الفصل 939 من قانون الالتزامات والعقود تطبيقا سليما.

أما فيما يتعلق بالحجز العقاري الجاري على عقار الموروث من طرف الدائن، ولئن كان لا يحول دون تقييد الورثة لإراثتهم بالرسم العقاري المثقل بالحجز المذكور، فإن الخلف العام يكون ملزما تجاه المشتري من موروثهم قيد حياته بتطهير العقار حتى يتأتى له تقييد شرائه ونقل الملكية إليه. ومن ثم فلا يجوز للخلف العام المطالبة بإبطال أو بطلان العقد لكون عقار الهالك مثقل بحجز عقاري تطبيقا لمقتضيات الفصل 453 من ق.م.م، لأن هذه الإمكانية مخولة للغير الذي يتضرر من التصرفات التي يجريها مدينه من أجل إضعاف الضمان العام للدائنين المنصوص عليه في الفصل 1241 من ق.ل.ع.

وقد كرست محكمة النقض هذا التوجه معتبرة أن الخلف العام لا يعد من الغير حتى يمكنه التحلل من التزام الهالك بعلة إيقاع حجز على عقار هذا الأخير من طرف الدائن معللة ذلك بما يلي:

” لكن حيث إن التصرفات التي يجريها المحجوز عليه والضارة بالغير هي وحدها التي تكون باطلة، أما إذا لم يتضرر أحد من الغير من تصرف المحجوز عليه فيبقى التصرف صحيحا وينتج مفعوله بين الطرفين. وبما أن الطالبين هم خلفاء للهالك في العقار محل النزاع فلا حق لهم في التمسك بالحجز كسبب لإبطال العقد لأنهم ليسوا من الغير وحلوا محل الهالك كطرف في العقد، ولا يمكنهم التحلل من التزام موروثهم بدعوى الحجز على العقار المبيع”[20].

[1]- نشير إلى أن تسجيل الورثة لإراثتهم بالرسم العقاري لا يمنع الورثة الآخرين غير المذكورين بالإراثة أن يبادروا إلى تسجيل دعوى انتسابهم إلى الهالك، والمطالبة بمنابهم الشرعي، وإجراء تقييد احتياطي لمقال هذه الدعوى قصد ضمان حقهم بأثر رجعي. بل يمكنهم الاعتماد على حكم أو قرار قضائي بثبوت نسبهم للهالك للمطالبة قضائيا بالحظ الإرثي وإجراء تقييد احتياطي لمقال الدعوى لحفظ الحقوق مؤقتا إلى حين البت نهائيا في دعوى النسب.

وهكذا فقد ورد في حيثيات حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش ما يلي:

حيث إن مطالب المدعية ترمي إلى التشطيب على التقييد الاحتياطي المنصب على ملكها المسمى (..).
وحيث عللت المدعية طلبها بأن المدعى عليها التي قامت بإجراء التقييد الاحتياطي اعتمدت في ذلك على قرار استئنافي صدر بتاريخ.. قضى بتأييد الحكم الابتدائي عدد .. القاضي بثبوت نسب المدعى عليها (..) للهالك (..) موروث المدعية حاليا وبأن القرار الاستئنافي المذكور لم يحز قوة الشيء المقضي به حيث طعنت فيه بالنقض أمام محكمة النقض …

وحيث إنه بعد إرجاع الملف إلى هذه المحكمة تبين لها بعد تصفح أوراق الملف أن محكمة النقض قد اصدر قراره بشأن الطعن بالنقض ضد قرار محكمة الاستئناف عدد .. حيث قضى المجلس برفض الطلب وعلى رافعه بالصائر (قرار عدد ..).

وحيث بذلك يتضح أن القرار الاستئنافي القاضي بثبوت نسب المدعى عليها إلى الهالك.. موروث المدعية قد أصبح نهائيا حائزا لقوة الشيء المقضي به، وتكون المدعى عليها بذلك محقة في إجراء تقييد احتياطي على عقاري المدعية اللذين انتقلا إليها بالإرث من والدها.. بعد إجراء قسمة بين ورثة هذا الأخير وذلك لأن المدعى عليها تعتبر بدورها من هؤلاء الورثة ومن حقها المطالبة بمنابها من تركته طالما أن القسمة تمت دون مراعاة صفتها وحصتها كوارثة.

وحيث بذلك يكون طلب التشطيب على التقييد الاحتياطي غير مرتكز على أساس قانوني فوجب الحكم برفضه”.
– حكم صادر بتاريخ 20 دجنبر 2005 في الملف رقم 842/9/05 مكرر – غير منشور.

[2]- جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
“… لئن كان عقد البيع غير المسجل في الرسم العقاري لا ينقل الملكية، فإنه يرتب على البائع التزامات شخصية، وأهمها ضمان حوز المبيع والتصرف فيه، ونقل ملكيته إلى المشتري، ولما كان الوارث خلفا للموروث يحل محله في كل مال فتؤول جميع الحقوق التي كانت لموروثه، وتلزمه جميع تعهداته في حدود التركة، وليس له أن يدعي على المشتري أي حق على العقار المبيع له من الموروث، ولا أن يتمسك ضده بعدم تسجيل العقد الصادر له من الموروث في الصـك = == = العقاري.

والمحكمة لما صرحت بأن المطلوبة أثبتث شراء الأرض موضوع الرسم العقاري من موروث الطالبين، وحصلت على حكم نهائي يلزم الطالبين برفع التقييدات على الرسم العقاري المذكور، واعتبرت تواجدها فيه مبررا وأنها غير محتلة له، فإنها لم تخرق الفصل 489 المستدل به وعللت قرارها تعليلا كافيا “.

– قرار عدد 364 بتاريخ 2/2/2006 ملف مدني عدد 2908/1/3/2004 – منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 67 – سنة 2007 – ص 82.

[3] – للتوسع في موضوع دعوى إتمام إجراءات البيع العقاري انظر:
– عبد العزيز بوفارس: “إتمام بيع العقار المحفظ في التشريع المغربي” – رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة ـ كلية الحقوق بمراكش – 1999 – 2000.

– Martine Behar Touchais: Le décès du contractant – Economica – 1998.

[4]- قرار الغرفة الشرعية عدد 161 الصادر بتاريخ 28 يناير 2012 في الملف الشرعي عدد 484/2/1/2010 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 76 – سنة 2013.

[5]-القرار عدد 52 الصادر بتاريخ 03 فبراير 2015 في الملف الشرعي عدد 110/2/1/2014 غ م.

[6]- قرار الغرفة المدنية عدد 1472 صادر بتاريخ 20 مارس 2012 في الملف المدني عدد 1898/1/3/2011 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 76 – سنة 2013.

[7]- قرار عدد 200 بتاريخ 13/3/2012 ملف عدد 675/2/1/2010 – أشار إليه التقرير السنوي لمحكمة النقض لسنة 2012.

[8]- القرار عدد 184 الصادر بتاريخ 11 مارس 2014 في الملف الشرعي عدد 504/2/1/2012 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض – العدد 77 – سنة 2014.

[9]- اعتبرت محكمة النقض أنه: “يشترط لصحة الصدقة متى تعلقت بدار سكنى المتصدق بالإضافة إلى ثبوت الحيازة بموجبها، ثبوت إخلاء المتصدق لدار سكناه سنة، فإن عاد لسكنى مسكنه قبل العام بطلت صدقته إلا أن يرجع مختفيا أو ضيفا ومات بها.

والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قضت برفض طلب بطلان الصدقة بعلة أن سن المتصدق البالغ 91 سنة وانعدام من يقوم بمصالحه ورعايته يشفعان للمتصدق عليهن في طلب إبقائه معهما لرعايته والقيام بشؤونه من باب التكافل والاعتراف بالجميل، دون أن تبحث في ثبوت الإخلاء من عدمه، وفيما إذا كانت عودة المتصدق لمسكنه المتصدق به قبل العام عارضة ضيفا أو مريضا إلى أن مات به، لتبني حكمها على ما انتهى إليه تحقيقها، تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا”.

– قرار الغرفة الشرعية عدد 92 الصادر بتاريخ 5فبراير 2013 في الملف الشرعي عدد 762/2/1/2011 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 76.
[10]- تنص المادة من 291 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي: = == = “تسري على الصدقة أحكام الهبة مع مراعاة ما يلي:

– لا يجوز الاعتصار في الصدقة مطلقا؛
– لا يجوز ارتجاع الملك المتصدق به إلا بالإرث”.

وقد جاء في قرار لمحكمة النقض بخصوص الاعتصار في التبرعات أنه لا يجوز الاعتصار في الهبة ما دام عقد الهبة تضمن شرطا بعدم الرجوع فيها.

ومما جاء في حيثيات هذا القرار : “… حيث صح ما عابته الوسيلة على القرار، ذلك أن المحكمة قضت باعتصار الهبة بعلة عدم اشتراط عدم الرجوع فيها، إلا أنه بالاطلاع على الصورة الشمسية من عقد الهبة المحرر باللغة الفرنسية مع ترجمتها للغة العربية يتبين أن الواهبين اشترطا عدم الرجوع في الهبة التي عقداها للموهوب له الطاعن،

مما يجعلهما ملزمين بما اشترطا ولا يجوز لهما الرجوع فيها، كما ذهب إلى ذلك الخرشي والزرقاتي إذ نصا على جواز اشتراط عدم الاعتصار، والمحكمة لما قضت باعتصار الهبة رغم تضمين شرط عدم الرجوع في العقد، فإنها لم تجعل لما قضت به أساسا وعرضت قرارها للنقض”.

– قرار عدد 150 الصادر بتاريخ 25 فبراير 2014 في الملف الشرعي عدد 161/2/1/2013 – مجلة قضاء محكمة النقض – العدد 77 –سنة 2014.
– راجع كذلك : حسن منصف : “الرجوع في الهبة في القانون المغربي” – منشور بمجلة قضاء محكمة النقض – العدد 76 – سنة 2013.

[11]- تنص المادة 130 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي:

“تطبق على حق الحبس ا لأحكام الواردة في مدونة الأوقاف”.
[12]- قرار محكمة النقض عدد 579 صادر بتاريخ 2002.2.13 في الملف المدني عدد 4054/1/9/95 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 57- 58 –السنة 23 – ص 445.

راجع:- ابراهيم بحماني: “تعليق على قرار محكمة النقض عدد 579 صادر بتاريخ 2002.2.13 في الملف المدني عدد 4054/1/9/95 – منشور بمجلة قضاء محكمة النقض – عدد 57- 58- السنة 23- ص453.

[13]- وقد جاء في معرض حيثياته ما يلي:
“… ولما كان كذلك السيد لافوجيرار خلفا عاما للبائع للمطلوب باعتباره المالك الوحيد لتركته كموصى له فإن المشتري محق في توجيه الدعوى ضده ما دام أن الوصايا تأتي في الرتبة بعد الديون والحقوق المستحقة للغير… ومن جهة رابعة فإن السيد لافوجيرار لا يمكن التمسك بقاعدة التقييد بالرسم العقاري بحسن نية باعتباره خلفا عاما للبائع كما أن تسجيل التقييد الاحتياطي بالرسم العقاري بمبادرة من المشتري يحول بدوره دون تمسك الطاعن بنفس القاعدة المذكورة… “.

قرار عدد 911 مؤرخ في 11/2/1997 ملف مدني عدد 4939/91 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد مزدوج 53-54 السنة 21 – ص 84.

[14]- جاء في القرار عدد 379 الصادر بتاريخ 15 ماي 2012 في الملف الشرعي عدد 234/2/1/2010 منشور بقضاء محكمة النقض عدد 76 ما يلي:

“إذا ثبت أن هناك وصيتين بالثلث أوصى بهما الموصي في زمن واحد، وأن أكثر من الثلث غير مجاز من طرف الوارث الوحيد، فالموصى لهما يشتركان مزاحمة في الثلث لما هو مقرر فقها أن من أوصى لشخصين بالمقدار نفسه فإنهما يقتسمانه. والمحكمة مصدرة القرار لما جعلت الثلث الموصى به لكل منهما وحددت للطاعنة السدس في نصيبها تكون قد عللت قرارها بما فيه الكفاية ولم تخرق القانون”.

 

[15]- يجب الإشارة إلى أن الخلف العام يعتبر غيرا في حالات خاصة منصوص عليها في الفصلين 344 و345 من ق.ل.ع.
وترتيبا على ذلك، يمكن القول إن الورثة يعتبرون غيرا بالنسبة للبيع الذي جاوز ثلث تركة موروثهم، ماعدا إذا أجازه الورثة جميعهم أو بعضهم، فإن المجيزون له يعتبرون خلفا عاما ويلزمهم بالتالي تصرف موروثهم.

وقد اعتبرت محكمة الاستئناف بمراكش أن ” البيع الذي يبرمه المريض في مرض موته لمن ينعم عليه بقصد حرمان ورثته من الإرث، يكيف بالهبة، والهبة التي تبرم في مرحلة مرض الموت تتحول إلى وصية.

ومادامت الوصية لا تثبت لوارث إلا في حالة الإجازة وإلا أصبح العقد مستصحبا لحكمه الأصلي، وهو اعتباره تركة تصبح مشاعا بين الورثة إن تعددوا “.

– قرار عدد 122 صادر بتاريخ 24 فبراير 1997 في الملف العقاري رقم 2721 منشور بمجلة المحامي عدد 34 – ص 212.

ولعل نفس المبدأ سبق أن كرسه محكمة النقض معتبرا أن ” المحكمة لما استخلصت الشهادة الطبية المحررة من طرف طبيب مختص في الأمراض العقلية والنفسية، ومن اللفيف المدلى به أن الهالك – البائع – كان مصابا بخلل عقلي ويعاني من مرض مزمن ألزمه الفراش إلى أن مات منه.

وأن عقد البيع الذي أبرمه مع بنته كان في مرض الموت واستخلصـت = =
= = وجود محاباة للوارث ناتج من ثمن البيع المذكور في العقد الذي يقل بكثير عن الثمن الحقيقي للمبيع، تكون قد عللت قرارها تعليلا كافيا وطبقت الفصل 479 ق.ل.ع تطبيقا سليما”.

– قرار عدد 539 صادر بتاريخ 7فبراير2001 في الملف المدني عدد 428 يناير 2/98 – منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد مزدوج 57-58 – ص 35 وما بعدها.

ويظهر من خلال هذه المواقف القضائية أن الخلف العام يمكن أن يعتبر غيرا وفق ما أشير إليه أعلاه، ويترتب له الحق في عدم الاحتجاج عليه بالتصرف المبرم بين الوارث، والموروث ولو كان مقيدا بالرسم العقاري، طالما أن حجية هذا الأخير لا تصحح العقد الباطل أو القابل للإبطال.

[16]- وقد جاء في حيثيات حكم صادر عن ابتدائية مراكش بتاريخ 17/2/2004 ملف عدد 484/1/2003 منشور بمجلة محاكم مراكش عدد 1 – سنة مارس 2007 – ص 288 ما يلي:

“… وحيث تمسكت المطلوبة في الدعوى المضادة أن ابنها لم يكن يعاني من أي خلل عقلي عند إبرام العقد العدلي بتاريخ 2 ماي 1995 وأن مرضه م يتفاقم إلا منذ شهر أبريل 1996 وبالتالي فالعقد المذكور صحيح ومنتج لآثاره.

لكن حيث إن الحكم بالتحجير والخبرة الطبية التي ارتكز عليها وهما الوثيقتان المدلى بهما من طرف المدعى عليها فرعيا نفسها يفيد أن ابنها مصاب بالخلل العقلي الذي يلغي لديه أهلية التصرف منذ سنة 1992 وهي نفسها تقر بذلك في مذكرها التعقيبية على جواب الخصم ومعلوم أن من أدلى بحجة فهو قائل بها وبالتالي فما دامت الخبرة الطبية القضائية المصادق عليها من طرف المحكمة لا تتحدث عن جنون متقطع وفترات إفاقة تعتري المعني بالأمر بين الفينة والأخرى بل تفيد أن الخلل العقلي متصل ومستمر منذ سنة 1992 فإن الرسم العدلي الذي اشترى بمقتضاه نفس المنزل المدعى فيه من والد المدعية فرعيا يكون باطلا بقوة القانون ولا ترتب عنه أية أثار فالبطلان لا يصححه التقادم وإن كانت الدعوى بالبطلان تتقادم بخمسة عشرة سنة عملا بالمادة 387 من ق.ل.ع الدكتور الكزبري المرجع السابق الصفحة 209 ـ 210)”.

– للتوسع في الموضوع راجع:
– أحمد شكري السباعي: ” نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي وفي الفقه الإسلامي والقانون المقارن ” – منشورات عكاظ – الرباط – 1987 – ط 2.

[17]- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش بتاريخ 17/2/2004 ملف عدد 484/1/2003، منشور بمجلة محاكم مراكش عدد 1 – ص 288.
[18]- قرار عدد 3138 صادر بتاريخ 10 أكتوبر 2002 في الملف عدد 2154/1/7/2001. (مشار إليه بتقرير محكمة النقض لسنة 2002 – ص 90).
[19]- القرار عدد 123 الصادر بتاريخ 17 مارس 2015 في الملف الشرعي عدد 439/2/1/2014 غ م.
[20]- قرار رقم 528 صادر بتاريخ 21/9/1977- منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 25- سنة 1980 – ص41.