بحث قانوني متعمق حول السلوك الإجرامي للمرأة

بحث لنيل الإجازة في الآداب في موضوع
السلوك الإجرامي للمرأة
تازة نموذجا

من إعداد الطالبة فاطمة شوعلي
بإشراف الأستاذ عبد العزيز انميرات
2007-2006

مقدمة عامة :

الحمد لله أحمدك ربي واستعين بك أنت الأول والآخر والظاهر والباطن وأنت بكل شيء عليم تفردت بالبقاء وكتبت على خلقك الفناء وأنت سبحانك الوارث الباقي فقد قلت وقولك الحق ” إنا لنحيي ونميت ونحن الوارثون ” وصلى الله على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه المهتدين .
وبعد … ففي إطار الاهتمام المتزايد بقضايا وحركية رأيت أنه من الضروري المساهمة من موقعنا كطلبة وكأطراف في المجتمع المدني لرصد بعض الظواهر التي رافقت هذه الحركية وركزنا اهتمامنا على المرأة خصوصا .
ولعل الاهتمام المتزايد بدور المرأة ودرجة مساهمتها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية هي التي يشجعني على رصد هذه المشاركة الفعالة للمرأة خصوصا وقد برهنت على كفاءة لا تقل أهمية عن الرجل وهذه الكفاءة النسوية ولدت ـ إضافة إلى كوني امرأة ـ قناعة راسخة للاهتمام بها كعنصر فاعل في المجتمع وتمكينها من الحقوق التي تخولها لها الشريعة والقانون الوضعي وقد سن الإسلام للمرأة تشريعا مفصلا في الإرث والزواج والطلاق مبينا ما لها وما عليها ، فالإسلام لم يهضم حقوقها ولم ينقص من مكانتها ويجعلها ذات حظ أدنى من الرجل من الرجل ، قال تعالى ” إن الله يأمركم أن تؤذوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل .

وقد انقسم المفكرون في نظرتهم للمرأة إلى اتجاهين :
ـ اتجاه يرى أن من طبيعة المرأة الليونة والهدوء الذي قلما يصل إلى حد ارتكاب الجريمة .
ـ واتجاه آخر يرى أن ما يشاع عن المرأة من رقي وعفوية وكراهية للقسوة ونفور من العنف ولكن هذا الأمر يرجع إلى ظروفهم التي تسمح لهن باستعراض قدراتهم ، وفي كل مرة سنحت لهن الفرصة أبدين من القسوة ما تفوق الرجال . ولنا في التاريخ ما يبرر هذه النظرة .
والملاحظ أن جل المجتمع يتوفر على نظرة جد ضيقة حول طبيعة الجرائم التي ترتكبها المرأة فأغلب الناس يرون أن المرأة متخصصة في الجرائم الأخلاقية من فساد وخيانة زوجية ، والحقيقة أن دراسة حجم ونوعية الجرائم التي ترتكبها النساء يجب أن ترعى فيها عوامل متعددة من شأنها أن تؤثر بدرجة ملحوظة على الفعل الاجرامي لدى المرأة .
ونظرا للمبالغات والتجاوزات التي توردها الروايات الشعبية والصحف والأخبار حول جرائم المرأة ، ارتأينا ضرورة الخوض في الموضوع عن قرب حددنا له مجموعة من الأهداف تمكننا من تحديد الظاهرة ” الجريمة النسوية ” ودوافعها في الفصل الأول ، ولأجل جعل بحثنا المتواضع أكثر واقعية حصرناه في حيز جغرافي ألا وهو مدينة تازة موطننا الأصلي معتمدين على الإحصائيات الرسمية للمحكمة الابتدائية وخصصنا لذلك فصل بكامله .
وفي أثناء ذلك واجهنا مجموعة من المشاكل تمثلت أساسا في تعنت بعض المسؤولين في مساعدتنا للحصول على بعض الإحصائيات المتعلقة بإجرام النساء أضف إلى ذلك صعوبة الحصول على المراجع لظروف صحية وأخرى واقعية موضوعية . ورغم هذه الصعاب والمشاكل فقد حاولنا تحطيمها مستعينين في ذلك بتوجيهات ونصائح أستاذنا المشرف الدكتور عبد العزيز انميرات ، فله منى أبلغ عبارات التقدير والاحترام .
وقد اعتمدت في هذا البحث المتواضع على منهج تحليلي وصفي يتعامل مع الظاهرة الإجرامية لدى المرأة بذكر مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى ذلك ، وآخر إحصائي يوضح مجموعة من الاستبيانات والجداول التي تساعدنا على فهم دقيق وبالأرقام والنسب لتفسير الظاهرة الإجرامية خاصة في منطقة تازة .

الباب الأول: تفسير السلوك الإجرامي لدى المرأة .

تعتبر الجريمة ظاهرة إنسانية قديمة قدم المجتمع البشري على اختلاف وضعيته ومكانته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وقد لازمت الإنسان منذ الخلق، و ومنذ وطئت قدماه هذه الأرض، إذ تمثل أكبر انتهاك لقواعد السلوك الاجتماعي ومنظومة القيم السائدة بحيث يرى بعض الدارسين أن أول فعل محظور عرفته البشرية هو الفعل المنهي عنه والذي اقترفه سيدنا آدم عليه السلام يوم أزله الشيطان ويري البعض الأخر أن أول جريمة عرفتها الإنسانية هي قتل قابيل بن آدم لأخيه هابيل ومهما اختلفت الآراء حول أول جريمة عرفتها الإنسانية فإنها لم تكن الجرمية الأخيرة ، بل كانت البداية التي من يومها تعددت أنواعها واختلف أصنافها إلى درجة أصبحت معه تهدد أمن المجتمع واستقراره سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية.
وأمام تفاقم هذا الداء الذي ينخر جسم المجتمع تضافرت مجموعة من العلوم والفنون من أجل فهم ميكانيزمات الظاهرة الإجرامية من حيث طبيعتها ودوافعها. ومن أبرز هذه العلوم علم الإجرام ويقصد به” ذلك العلم الذي يدرس الظاهرة الإجرامية للوقوف على أسبابها تمهيدا للوصل إلى أنسب الأساليب للقضاء عليها أو الحد من خطورتها بقدر الإمكان” وتبدو أهمية هذا العلم في عدة مجلات، فهو يساهم في علاج الجريمة بعد وقوعها، لكونه هو الأساس الذي يمكن الاعتماد عليه في تفريد العقوبة تشريعا وقضاء وتنفيذا، ومن ناحية ثانية يساهم في وصاية المجتمع من الجريمة قبل وقوعها، ذلك أن دراسة أسباب الظاهرة الإجرامية تساعد على اكتشاف أحوال الخطورة الإجرامية الكامنة في بعض الأشخاص مما يساعد الأجهزة الرسمية على اتخاذ كل الإجراءات المناسبة للحيولة دون وقوع الجريمة، كما أن دراسة الظروف الاجتماعية المساعدة على الإجرام تساعد على اتخاذ العديد من الإجراءات العامة سواء للتغيير من هذه الظروف أو الحد من قسوتها .
فهدف علم الإجرام هو تقصي أهم الأسباب والعوامل الكامنة وراء انتشار الظاهرة الإجرامية إلى أن تحدث طبيعة هذه الأسباب كانت محط نقاش وجدل حادين بين الباحثين .

ففلاسفة الإغريق –من سقراط، أرسطو، أفلاطون .. – أرجعوا هذه الظاهرة إلى تفسيرات منحرفة يعزي اضطرابها إلى عيوب خلقية جسمية أو عقلية وظل هذا الاتجاه سائد حتى العصور الوسطى، أما “توماس موز. “فقد فسر ازدياد الجرائم في عصره إلى سوء الأحوال الاقتصادية وحرمان الناس من أسباب العيش المشروعة، وتبين لهذا الأخير أن فرض العقوبات الصارمة لا يجدي نفعا في القضاء على الظاهرة الإجرامية إذا لم يقترن ذاك بالبحث عن أسباب الظاهرة والقضاء عليها، أما العالم الاجتماعي “أوجيت كونت” فقد نادى باتباع المنهج التجريبي في دراسة الظاهرة الاجتماعية، ولما كانت الجريمة من أخطر هذه الظواهر، فقد كان البحث عن أسبابها من أوائل الموضوعات التي لفتت أنظار علماء الاجتماع، من هذا المنطلق حاولت مدرسة الوسط الاجتماعي دراسة الجريمة من زاوية المحيط الاجتماعي للمجرم. ولم تنكر هذه المدرسة دور وتأثير العوامل الداخلية المتصلة بشخص المجرم، فمكافحة الجريمة حسب منظور هذه المدرسة ينبغي أن ينصب أساسا على تغيير الوسط الاجتماعي وجعله أقل إجراما عن طريق تنمية التضامن الاجتماعي.

ومع ظهور المدرسة الوضعية الإيطالية في نصف القرن التاسع عشر أصبح البحث عن أسباب الجريمة يرتكز على التكوين الجسماني لمجرم، إلى أن ما عيب على هذه المدرسة أنها أغفلت أهمية عامل البيئة في المجرمين وهذا ما حاولت المدرسة الإيطالية الجديدة أن تبرزه وذلك بتسليط الضوء على العوامل البيوانتروبولوجية والسسيولوجية التي تقضي بالأفراد إلى ارتكاب سلوكات إجرامية.
لكن ما يلاحظ على مختلف النظريات والتفسيرات العلمية التي أجريت في القرن التاسع عشر أنها ركز في دراستها وتعليلها على انحراف الرجل مغفلة إلى حد ما انحرف وإجرام واستقرار الوضع على هاته الحالة حتى حدود سنة 1906 وخاصة عندما صدر مؤلفان عن المرأة المجرمة أحدهما في فرنسا للعالم الفرنسي « Gonnier » تحت عنوان “المرآة المجرمة” والآخر في إيطاليا لأستاذ الطب الشرعي والعقلي “لو مبروزو” بعنوان “المرأة المجرمة والعاهرة” ومن ذلك الحين لم تنشر مؤلفات في هذا الموضوع بما عدا تلك الدراسة التي نشرها العالم الأمريكي” Pallak” في فيلاديلفيا هم إجرام النساء وبعض المقالات والبحوث التي نشرها بعض الدارسين في المجالات العلمية المختصة أو قدموها إلى المؤتمرات، التي انعقدت في مناقشة الظاهرة الإجرامية بصفة عامة . وتبين لهم بأن الذكور هم الأكثر ارتكابا للجرائم في كل فئة من فئات العمر وفي كل فترات التاريخ، التي توفرت عنها البيانات، وفي كل أنماط الجرائم فيما عدا ما كان منها مرتبطا بطبيعة المرآة أنثى كالبغاء والإجهاض وقتل المولود، مما جعل عددا كبيرا من علماء الاجتماع – علاوة عن النساء أنفسهن – يعتبرون الجريمة دون غيرها الظاهرة الإجرامية التي يتمثل فيها الاختلاف الكبير بين الرجل والمرأة، ويقدمونها على الظواهر الاجتماعية الأخرى كالمهنة والوضع الاجتماعي والعادات الجنسية .
ومع تسليمنا بصحة هذه المبررات إلى أن هؤلاء قد فاتهم بلا شك أن يذكروا مبررا يفوقها جميع الأهمية وهو الوضع الاجتماعي للمرأة في الفترة لتي بدا فيها الاهتمام بدراسة الظاهرة الإجرامية وظهر بها علم الإجرام حيث كانت لا تلقى إلى الإهمال ولا تواجد إلى اللامبالاة سواء في ذاتها أو في تصرفاتها حسنة كانت أو سيئة مباحة أو محرمة، ففي ظل هذه الإطار التي سادت أوروبا، كان إجرام المرأة متوقعا لأنها خلق الشيطان، وإن لم تجرم فإنه الجنس الضعيف .

ونتج عن ذلك أن كل النظريات إلى وضعت لتفسير السلوك الإجرامي تركزت بصفة أساسية على الذكور وهو ما أدى إلى جعل إمكانية تطبيقها على الإناث متعذرا نظرا لما بين الجنسين من اختلاف.
ولما كانت الظاهرة الإجرامية عند المرأة ظاهرة معقدة، فينبغي البحث أولا عن مختلف الأسباب والعوامل التي تدفعها نحو ارتكاب الجريمة، أي الأسباب التي تؤثر على المرأة على نحوها بحيث تدفعها إلى طريق الجريمة، وهذا يعني أنه لا يمكن إرجاع إجرام المرأة إلى سبب معين أو إلى عامل وحيد ، فإجرامها يعود إلى تظافر مجموعة من العوامل سواء كانت عوامل ذاتية –داخلية – مرتبطة بشخص المرأة أو كانت عوامل موضوعية – خارجية – متعلقة بالبيئة الاجتماعية مرتبطة بشخص المرأة أو هي نتاج لتفاعل عدة عوامل، ولذا فإننا سنوضح هذه العوامل وأثرها على سلوك المرأة الإجرامي في مبحثين :
– المبحث الأول: العوامل الذاتية
– المبحث الثاني:العوامل الموضعية .

المبحث الأول: العوامل الذاتية

لما كانت الجريمة تنشأ من تغلب الدوافع إليها على المانع منها، إما بحكم تكوين إجرامي في الفاعل، وإما بحكم استعداده لإجرام الصدفة، وكانت هناك عوامل موقظة لذاك التكوين أو هذا الاستعداد فقد ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين: نتحدث في المطلب الأول عن العامل البيولوجي ثم عن العامل السيكولوجي في المطالب الثاني

المطلب الأول: العامل البيولوجي

وبقصد به التكوين العضوي للمرأة والذي يحتوي على الصفات الخلقية المتعلقة بشكل أعضاء جسمها الخارجية ووظيفة أجهزة الجسم الداخلية
لقد عني العلماء من قديم بفحص المرأة جسمانيا والمقارنة بينهما وبين الرجل فما تناوله الفحص في إيطاليا، لهيكل جسدها ودماغها وملامح وجهها ودمها وإفرازها وقوتها وأمراضها وشيوختها وكذلك أطرافها، كان الهداف الباحثين الأوائل في المدرسة الإيطالية إيجاد صلة ترابط واقتران بين الخصائص الجسمانية للمرأة ونفسيتها بوجه خاص، وفي هذا الصدد صرح الأديب “Gulemichelet” أن المرأة لا تفعل أي شيء مثلنا وأنها تفكر وتتكلم وتتصرف بطريقة مغايرة لطريقتنا، وان حركاتها تختلف عن حركاتنا وليست لمدها ذات الدورة الدموية لدمنا ولا تتنفس بنفس الطريقة التي نتنفس نحن بها إضافة إلى ذلك فإن المرأة تتعرض بحكم تكوينها البيولوجي إلى تغيرات فيزيولوجية تؤدي إلى اضطرابات تؤثر على حالتها النفسية والعصبية مثال على ذلك: حالة الحيض وانقطاعها عند بلوغها سن اليأس، وحالة الحمل، وحالة الوضع، وحالة الرضاعة فهي في هذه المراحل التي تمر بها تكون أكثر انفعالية ومزاجية مما يجعلها أكثر قابلية للإثارة وسهلة الاستجابة للمؤثرات الخارجية وبالتالي قد تندفع في ظروف معينة إلى ارتكاب الجرائم وفي هذا الصدد يقول ” michelet” إن المرأة مريضة تعاني كل شهر جروحا : ولحالة الحيض تأثير في صورة السلوك المنحرف الذي يبلغ أحيانا حد الإجرام أو الانتحار .
ويقرر الأطباء الشرعيون والنفسيون انه من خلال حالة الحيض تتأثر لدى المرآة القوة البصرية حتى انه يضطرب لديها التمييز بين الألوان، وتكثر لديها آلام الرأس وفي بعض المواضع بالجسم ونقل مقاومتها العضلية وتزداد قابليتها للانفعال والقلق وعدم الإثبات، ويسود الانقباض من نشاطها الذهني وتتخذ شهيتها الجنسية صورة غير عادية حتى أن العالمين
ـ “طانزي” و “زيكارو” لاحظا في الفساد المصات بالأمراض العصبية والنفسية أن الأعراض الانفعالية لأمراضهن تظهر على نحو أكثر حدة وشدة في حالة الحيض ، ولهذه الأسباب يحذر علماء النفس من المحاكم على الشهادة التي تؤديها المرآة وهي في حالة الحيض، كما ينادي “بالينو” بتخفيض المسؤولية عن الجريمة التي ترتكبها المرأة في تلك الحالة. وعلى أية حال فإنه لاشك بأن حالة الحيض عامل مساعد لإجرام المرأة ، كما أن الخلل أو الاضطرابات التي تصيب الإفرازات الغدد عند المرأة من حيث زيادتها أو نقصانها عن العدد المألوف قد يدفعها إلى الوقوع في مستنقع الجريمة خاصة الغدد الدرقية، إذ عند زيادة إفرازاتها تؤدي إلى الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية التي تعتبر عاملا مؤديا إلى ارتكاب الجريمة ، كما أن زيادة إفرازات الغدة الكظرية يؤدي إلى تكوين شخصية ذات مزاج عنفواني تميل إلى الشراسة والحدة في الطبع وإلى الطبع وإلى العدوان والتهور، ونتيجة لذلك قد تقع المرأة في هاوية الجريمة وإلى جانب ذلك فإن الخلل الذي قد يصيب إفرازات الغذة التناسلية عند المرأة يؤثر إلى حد كبير في غريزتها الجنسية فزيادة إفرازتها وخاصة في مرحلة المراهقة والشباب قد يدفع المرأة إلى تلبية رغباتها الجنسية بطرق غير مشروعة وذلك تحت تأثير قوة غريزتها الجنسية، في ظل وجود عوامل اجتماعية مهيأة مثل البيئة الأسرية السيئة والعنوسة .. وبالتالي تنشأ عن ذلك الجرائم الأخلاقية.
هكذا إذن فسر انصار التيار البيولوجي السلوك الإجرامي عند المرأة بمتغيرات نفسية كالإحباط والكبت، والتربية العميقة أو التسلية، والعقد النفسية الكامنة في اللاشعور وهذا ما سوف نعالجه في المطلب الثاني.

المطلب الثاني: العامل السيكولوجي

يرد أنصار الاتجاه النفسي الإجرام إلى عامل نفسي رئيسي يكون من فعل النفس التي تختل او تتأثر بذاتها ، وليس باختلال وظائف بعض أعضاء الجسم كالمخ أو الغذذ او العاهات التي يولد بها بعض الناس أو تكون مكتسبة نتيجة حوادث تترك آثارها فيها، وفي هذا الصدد يقرر ” vignoli” أن وظائف الأمومة وكلها رقة وبذل وتضحية لصيقة بطبيعة المرأة ومن تم وجدت في المرأة بالضرورة قدر أكبر من الٌإيثار والعطف والحنان لا يتوفر لدى الرجل، أما “فسيرى” “ولو مبروز ” فقد تحدثا عن الحساسية الجنسية ومقاومتها للآلام وحساسيتها الجليدة ، فضلا عن جوانب نفسيتها مثل القسوة والرغبة في الانتقام والإحساس بوازع والشعور بالحنان إلى درجة قد تتخذ صور مرضية او الميل إلى الكذب والغرور ونزعة غير عادية إلى التقليد، يضاف إلى ذلك أن المرأة بحكم كونها أقل من الرجل في القوة الجسيمة والعضلية ليست قادرة مثله على التعدي أو الانتقام ومن تم تنشأ الظروف في نفسها إحساسا دائما بأنها مجني عليها وبأنها حتما صحية دائمة للقوة والبغي والقسوة وإذا انتابها هذا الإحساس وتعودت على الشعور بألمها الذاتي والإشفاق على نفسها صارت في الوقت ذاته أقدر على الإحساس بألم الآخرين والإشفاق عليهم.
خلاصة لما سبق تقديمه يبدو أن نفسية المرأة تلقي ضوءا على قابلية إجرامها قياسا بالرجل ولا يرجع ذلك فحسب إلى نقض قوتها العضلية وعدم اشتراكها في الحياة خارج البيت وإنما مصدر أن وظيفة الأمومة التي أعدتها الطبيعة لها والتي هي خصالا نفسية خاصة من شأنها أن تحد من ميلها إلى الإجرام كالحنان البالغ والبذل والإيثار فضلا عن النزعة إلى المحافظة أي إلى المسايرة والتجانس مع أوضاعها القانونية .
ومع ذلك لا تخلو المرأة من نوازع نفسية قد تهيئ لصور خاصة من الاجرام مثل العزور والشغف والميل إلى الكذب وعدم القدرة على تقدير الامور بمعيار خلقي والنصيب الضئيل من الشرود العقلي ومن ملكة النقد .
ولعل هذا ما يلاحظ يوضوح في اهتمامهن بإخفاء أعمارعن الحقيقية ومبالغتهم في التزين وإبراز مفاتنهن والتركيز على ما وضع قد لا يرضى المجتمع بالكشف عنه ولكنها تعتبره في نرها مجالا طبيعيا للمناقشة مع الآخريات، ووسيلة فعالة في الاستحواذ على الاهتمام من جانب النساء قبل الرجال، أما الكاتب الفرنسي الشهير “إيميل رولا” فيقول : “إن النساء يكذبن عادة على كل الناس وعلى عشاقهن وعلى خادماتهن، بل يكذبن حتى على أنفسهن ”
ويقول “لو مبروزو”و” فيري” إن الكذب عند النساء عادة اجتماعية تتصل بعوامل بيولوجية ما يمكن منعه القول أن الكذب فطري فيهن ومن الأسباب التي أدت إلى نمو غدة الكذب لدى المرآة يذكر “لو مبروزو ” وبصفة عامة الضعف والتخلف الوراثي أو الردة إلى مرحلة متأخرة من التطور البشري، وحالة الحيض والصراع الجنسي والرغبة في أن يصبحن موضع اهتمام وعناية والقابلية الإنجاب وواجبات الأمومة .
بينما الأديب الفرنسي “فلوببير” فيقول : لقد علمنا المرأة أن تكذب ، فليس هناك من يقول لها الحقيقة، وحين يقال لها، فإنها تتخذ منها موقوف العناد، إن النساء لسن صريحات مع أنفسهن .

المبحث الثاني: العوامل الموضوعية

إذا كنا قد استعرضنا في المبحث الأول العوامل الذاتية المؤثرة في إجرام النساء بصفة عامة فهي لن تكون سوى عوامل لها مهيئة ومساعدة، ففي هذا البحث سوف نتحدث عن العوامل الموضوعية أي الظروف والواقائع التي لا تتصل بشخص المراة بتكوينها العضوي أو النفسي وإنها ترجع إلى الوسط الذي تعيش فيه أو البيئة الاجتماعية التي تحيط بها.
فالإنسان ليس مخلوقا منضويا على نفسه يعيش في عزلة عن المحيط الاجتماعي الذي يحيط به، وإنما هو خاضع لتأثير كل ما يحيط به من عوامل موضوعية يطلق على مجموعها لفظ الوسط أو المحيط الاجتماعي، فالوسط أو المحيط قد يكون عاملا عرضا عابرا وقد يكون عاملا ثابتا، فالعوامل العابرة تتوقف على ما يصادفه الإنسان في مخدومه وزواحه وفي حركاته وسكانته وفي حله وترحاله ولا يمكن اعتبارها عومل إجرامية، فقد تكون غاية في البراءة، ولكنها تتحول إلى مثيرات للجريمة لدى كل من يكون عنده استعداد إجرامي من بين الأفراد، لذا يمكن التمييز بين ما هو في الجريمة عاملا مهيأ مساعدا، وبين ما هو مجرد طرف عرضي عابر يكون بمثابة العامل الطارئ المحرك .
فالعامل الطارئ هو ابن لحظة ولا يمكن التكهن به، أما العامل المهيأ المساعد فيتميز بقدر من الدوام والثبات وعليه سوف نقسم العوامل الموضوعية إلى عاملين: عامل سوسيولوجي، وعامل اقتصادي على أن نخصص لكل عامل مطلبه الخاص.

المطلب الاول : العامل السوسيولوجي – الاجتماعي.

لقد عمل “انريكو فيرى” منذ اللحظة الاولى على إبراز الجريمة كظاهرة إنسانية ناتجة عن التكوين العضوي والنفسي للإنسان والمؤثرات الاجتماعية والطبيعية ، وبذلك يكون قد حصر أسباب الجريمة في ثلاث أصناف لابد من توافرها معا لكي يقدم الإنسان على ارتكاب سلوكات إجرامية وهي :
* عوامل أنتروبولوجية او شخصية: وهي العوامل الداخلية بالنسبة للغنسان المجرم تتصل بتكوينه العضوي وما فيه من تشويه او شذود جثماني .
* عوامل طبيعية: تتعلق بالبيئة الطبيعية التي يعيش فيها الإنسان مثل المناخ وطبيعة الأرض ..
عوامل اجتماعية تتعلق بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد مثل الزيادة في كثافة السكان ومستوى النمو الاقتصادي، الظروف العائلية وبصفة عامة كل الظواهر الاجتماعية التي تؤثر على حياة الفرد فتوجه سلوكه الاجتماعي في هذا الاتجــــاه أو ذاك ، كما أكد هذا الأخير أن للإجرام قانونين كثيفة مؤداة إلى ظروف اجتماعية معينة إذا اقترنت بأحوال شخصية معينة وبعوامل محيطه في مجتمع ما تنتج فيه عددا معينا من الجرائم لا يمكن ارتكاب لا أقل ولا أكثر منه، فيكون هذا العدد بمثابة درجة تشبع ذلك المجتمع بالإجرام، وأنه إلى أن الجريمة لبست حسب مقدمة لنتائج وإنما هي في ذاتها نتيجة لمقدمات، بمعنى أن المجرم بالنسبة للجريمة يعد مسيرا لا مخيرا .
وإذا كان السلوك الإجرام هو إفرازات اجتماعية ينسجم مع مظاهر السلوك والتفاعلات والعمليات الاجتماعية المخالفة بدلا من المتعيرات البيولوجية والسيكولوجية الخاصة، لفهم طبيعة إجرام المرأة يقتضي منا دراسة العلاقة بين سلوك المرأة الإجرامي والقيم الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع.

الفرع الأول: الوسط الاجتماعي
المراد بالوسط الاجتماعي كل ما يحيط بالإنسان من روح إنسانية وتتكون عناصره من الأسرة، والسكن، والدين .

أ- الأسرة:
والمقصود بها عند علماء الاجتماع أنها الوحدة الاجتماعية الصغرى المبينة على الزواج وأنها الوحدة البنائية التي تتكون من رجل وامرأة يرتبطان بطريقة منظمة – اجتماعيا مع أطفالهما وهدف من الارتباط هو تربية الطفل وإعداده صالحا في مناخ سليم مليء بشروط التعاون والاطمئنان والحب المتبادل .
فالأسرة إذن تعتبر من أهم العوامل المؤثرة في التكوين النفسي للفرد لكونها المدرسة الأولى التي يبدأ فيها تعليمه الأول فور أن يرى نور الحياة فمصير الفرد يظل رهينا بنوعية التربية التي يتلقاها داخل محيطه الأسري، فإما أن توجهه نحو الطريق السوي والسليم، وإما أن تدفع به إلى السلوك المنحرف.
فتفكك الأسرة وعدم تماسك أعضائها بعدم وجود الأبوين في نطاق الأسرة إما بغيابهما معا وأو بغياب أحدهما بسبب الطلاق أو الوفاة أو الهجرة أو قضاء العقوبة في السجن وإما لانحراف أحد الوالدين إلى علاقة عشق تلهيه عن الآخر وعن مقتضيات الرعاية والحنان اللازمين، كما قد يكون أفراد الأسرة أحيانا قدرة سيئة في سلوك جامح سواء تمثل في عادات سيئة كالإدمان على المخدرات، أو الاعتياد على القمار، أو في نشاط مناف للأخلاق، أو متسما بالطابع الإجرامي كالتحريض على الجريمة بالإكراه أو التهديد.
وبذلك فقد كشفت بعض الدراسات ، أن المنحرفين ينحدرون في الغالب من أسر مفككة يغيب عنها أحد الوالدين سواء للوفاة أو الطلاق أو الهجرة، وأن هذه الأسر غالبا ما يشاع بداخلها انحراف من ونوع ما كأن يكون الأب سكيرا أو مدمنا على المخدرات هذا فضلا عن عجز الأسر المتحدة الأفراد عادة من تعليم أبناءها والسهر على تنشئتهم الاجتماعية فهذه العوامل كثيرا ما تكون سببا للهروب من الوسط العائلي سعيا وراء البحث عن العطف والرعاية خارجها أو التسول أو السرقة أو أعمال العنف التحلل من قيود النظام الأسري ، وأهم دور للأسرة في تنشئة الفرد إنما تلعبه المرأة إذ يتوقف على سلوكها كزوجة وأم فما بالك إذا كانت هذه المرأة ضحية الأسرة؟
فلا شك إذن في أن هذه العوامل ستساعد على الانزلاق في مستنقع الإجرام، أما بالنسبة للأسرة التازية فقد عرفت تغيرا كبيرا بعدما كانت تنعم بسلوك راق ومتزن نتيجة للتغيير الطارئ على البيئة السكنية وعدم التحكم في النمو الديمغرافي بفعل الهجرة الفردية المكثفة وخصوصا على البيئة السكنية وعدم التحكم في النمو الديمغرافي بفعل الهجرة القروية بفعل الهجرة القروية المكثفة وخصوصا إنما نعلم ما لمسكن الأسرة من أثر كبير في تكوين شخصية الفرد، وفي تحديد مدى استجابته لمؤثرات الخارجية

ب- المسكن
فيراد بالمسكن مجموع العوامل والمؤثرات المحيطة بالفرد في مضجعه الذي يأوي إليه سواء تعلقت بقدر التهوية أو بقدر الضوء أو بقدر أشعة الشمس أو بدرجة النظافة ومراعاة الشروط الصحية ، فلا شك أن كل هذا له تأثير في التكوين الجسماني والنفساني للفرد، وقد أثبتت أبحاث بعض العلماء والدارسين أمثال “Glwt” تأثير الوسط العائلي في الظاهرة الإجرامية كما توصلت مجموعة من الأبحاث إلى أن أغلب المجريمن نشأوا داخل أحياء شعبية هامشية .
إن ازدحام المسكن أكثر من اثنين في كل حجرة من شأنه أن يدفع بالصغير إلى طلب الفسحة والتفريغ، كما يساهم في نمو بعض الخصائص النفسية السيئة مثل النزعة الهدامة واستشعار اللذة في الإضرار بالآخرين وضعف القدرة على فهم منا يلقى شفويا والإحساس بالعزلة والمغالاة في سوء الظن.
أما بالنسبة لمدينة تازة فأصبحت تتضمن بفعل الاكتظاظ السكاني قسمين رئيسيين هما المدينة القديمة والمدينة الجديدة، فالمدينة القديمة تشكل النواة الأصلية وتتميز بأسوارها وضيق أزقتها ، وتوفرها على أحياء حرفية متخصصة وأسواق تجارية، وتعرف كثافة سكانية مرتفعة، فضلا عن الأحياء الهامشية في البناء العشوائي، وأما المدينة الحديثة أو الجديدة فتتميز ببنياتها وعماراتها العصرية، ويغلب النشاط التجاري في مركزها، لكن توسع المدينة أدى إلى ظهور أحياء شعبية ذات كثافة سكانية عالية، وتشكل هذه الأحياء الشعبية الحيز الأكبر وتدمج ضمنها أيضا المجموعات السكنية التي بنيت من أجل الحد من السكن العشوائي، ورافق نمو المدينة ظهور نمو أحياء تنعدم فيها الشروط للسكن الملائم، بحيث نجد كل حجرة يقطنها أكثر من أربعة أفرد فما فوق بالإضافة إلى وجود المنازل التي تقطنها العديد من العائلات ، فكيف إذن لهذه الأسر أن تعرف الاستقرار المادي والمعنوي في ظل هذه الظروف .

ج- الدين
عندما نصف المنهج الإسلامي بالعبقرية، إنما ننطلق من حقائق تقع على رأسها ما يتمتع به الإنسان في ظل المنهج الإسلامي من حرية ثم ذلك الإشباع الروحي والأمن النفسي، وإحدى القوى العامة التي تحول دون خلق الظواهر السلوكية غير السوية.
* والدين الإسلامي سياسة ومنهج يمكن أن يكون له دور مباشر وإيجابي بالنسبة لظاهرة الانحراف عن القواعد القانونية، وذلك من خلال تثقيف الشريعة الإسلامية وجعلها المصدر الأول للتشريع وذلك إيمانا بعدالة الإسلام، وإن كان الدين أحد الوسائل الهامة للضبط الاجتماعي تحقيقيا لنظام اجتماعي داخل المجتمع . فإنه من المؤكد أن سيادة القيم الدينية كمنهج أو إطار فكري عام سوف يدرأ عن المجتمع في الكثير من الحالات الخطيرة من حدوث عدد كبير من الانحرافات الخلقية كالسرقة أو الدعارة أو الاختلاس .. ولقد كشفت إحدى الدراسات التي أجريت على الشباب الجانح أن 97% من عينة الدراسة كانوا من المسلمين وهي نتيجة لاشك خطيرة مقارنة يقيم الإسلام ومبادئه، كما تؤكد الأبحاث والدراسات أن هناك إيجابية بين اتجاهات السلوك المنحرف والافتقار إلى القدرة الدينية التي توجه وترشد وتقود بحكمة واستشارة الشباب ليتلقوا حولها ويسترشدون بها وهذا ما جدل المجتمعات الإسلامية عاجزة عن تحقيق التوازن بين الأخذ بأسباب القيم الدينية وتحقيق ما يسمى بالإشباع الروحي أو البدني، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم في غيبة الصفوة المستنيرة من رجال الدين الذين يقع عليهم عبء التوجيه والقيادة والإرشاد
أما بالنسبة للنساء المنحرفات فمن المؤكد أن حاجتهن إلى الإرشاد والتوجيه الديني أمر لاشك فيه وهو دور يمكن أن تؤديه مجموعة من النساء المتطوعات من الجمعيات الدينية النسائية شريطة أن يكن على مستوى عال من الكفاءة والقدرة على التعامل مع هذه النوعية من النساء غير السويات .
فالدين عبارة عن “مجموعة من القيم والمبادئ السامية التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتستمد قوتها من مصدر غيبي هو الله سبحانه وتعالى. وعليه فإن ضعف الوازع الديني عند المرأة يعني غياب أو ضعف قيمتها الدينية والأخلاقية ومبادئها السامية، فتمسك المرآة بتعاليم دينها يعتبر مانعا حصينا يبعدها كل البعد عن ارتكاب الجريمة، حيث أن الدين يمثل جزء من المقاومة النفسية التي تعترض الدوافع الإجرامية لدى الشخص فتحد من تأثيرها .

الفرع الثاني: الوسط الثقافي
عرفت عملية تحرير المرأة المغربية من آفة الجهل تطورا ملحوظا منذ بداية الاستقلال والحرية، وإبراز التحولات التي جاء بها خطاب بتعليم المرأة والتي تتمثل فيما يلي:
* إن تثقيف عقل المرأة يؤكد شخصيتها الحضرية ويفتح أمامها طريق المعرفة والإدراك بحيث تبحث وتفكر إلى جانب الرجل في سبيل تطوير أوضاع الفكر والمجتمع إلى ما هو أفضل
* السماح للمرأة بالخروج إلى عالم العلم والمغامرة الإبداعية والفكرية
* ظهرت بعض البعثات النسائية التي أرسلت إلى بلاد المهجرة لمتابعة الدراسة المتخصصة والعليا في شتى أنواع العلوم والفنون، فأغنت الساحة الفكرية المغربية برافد فكري وإبداعي له صورته ولونه الخاص في ميدان العمل الثقافي .
* بفصل تثقيف المرأة وتعليمها، عرفت صيغ جديدة للتعامل معها، لا وفق النظرية الأنانية السائدة عند الرجال وإنما وفق منطق سلوكي جديد يعترف بالمرأة ككائن حضاري له قدراته وكفاءته ودور تدبير سبر المجتمع بحسب ما تقرره أنساق التغير الاجتماعي في المجتمعات المتحضرة والواعية .
إن اللجنة السلكية التي اهتمت بإصلاح التعليم في المغرب تبينت سنة 1957 المبادئ الرابعة : تعميم – توحيد – تعريب التعليم – المغربية وتكوين الأطر.
ولقد أكدت اللجنة المنبثقة عن لجنة الإصلاح ضرورة تعليم البنت المغربية وتهييئها لتحمل أعباء دورها الاقتصادي والاجتماعي ورسالتها الحضارية
ويبقى السؤال المطوح ما مدى مصداقية هذه الدراسات ، وما مدى انطباقها على النساء بصفة خاصة؟ .. وعليه سنتطرق في هذا الفرع إلى أهم العوامل المؤثرة أو التي لها صلة بالإجرام وهي المدرسة، ووسائل الإعلام، والعادات والتقاليد.

أ-المدرسة
لقد صدق “فيكتور هيكو” حين قال ” إن فتح مدرسة يعادل فلق سجن ” فالمدرسة تلعب دورا لا يقل أهمية عن الدور الذي تلعبه الأسرة في تربية وتكوين شخصية الفرد في مرحلة طفولته ومراهقته ، فالمدرسة لا يقتصر دورها في تلقين المعلومات وإعطاء المعارف ، بل يتعدى إلى التربية والتهذيب وتعليم القيم الأخلاقية والاجتماعية .. الخ فإذا فشلت المدرسة في أداء دورها كاملا فإنه قد يؤثر سلبا في تكوين شخصية الفرد وعلى سلوكه في المستقبل.
لكن الكثيرين لم تفتح لهم فرصة الالتحاق بصفوف المدرسة إما بسبب جهل أولياء الأمور لأهمية وفائدة التعليم، وإما بسبب العجز عن دفع نفقاتها – أي المدرسة -، ويمكن التسليم بان التعليم يستغرق وقتا طويلا في المدرسة يصرف الصغير عن عرض الطريق، وإن كان يختلط في هذا الوقت بمن يكون أسوء منه.
غير أن هذه القواعد ليست ذات شان بالنظر إلى ضآلة والقسط الذي يحظى به التعليم فقد وجد من خلال الإحصائيات المدلى بها من طرف المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2004 أن الفئة العمرية ما بين 35و 50 سنة تحتل المرتبة الثانية من حيث نسبة الأمية وتأتي في المرتبة الثالثة الفئة العمرية التي تتراوح بين 25 و 35 سنة وتحتل الفئة العمرية ما بين 10 و 15 سنة المرتبة الرابعة في حين تتصور القائمة العمرية ما فوق 60 سنة.
بالمقابل تعرف نسبة التمدرس تفاوتا كبيرا بالنظر إلى الوسط، حيث تفوق هذه النسبة بكثير في المجال الحضري نظيرتها في المجال القروي، مما جعل نسبة الأمية في المجال القروي أكبر من المجال الحضري .
وهكذا يتبين أن عددا كبيرا من الفتيات بمدينة تازة يعشن في عزلة عن التعليم وذلك لأسباب منها:
* صرفهن إلى أعمال البيت ومساعدة الأم
* تزويج البنت في سن مبكرة في غياب المراقبة الدقيقة لسن الزواج
* كما أن جل تفضل الولد عن البنت خاصة في حالة تعدد الأولى في الأسرة
علاوة أن الفتاة تعيش تمزقا سيكولوجيا واجتماعيا وثقافيا بين طموحها التعليمي وآمالها التربوية وبين صورتها الراهنة في الواقع المعاش، فهي عرضة لتشكيك في قدرتها وكفاءاتها لسبب أو بدون سبب، وتصورها للنصوص التربوية باعتبارها نسخة لامها تعيد إنتاج صيغة وجودها الحضاري والاجتماعي وشروط كينونتها الثقافية .
ويلاحظ أن البنت أكثر تخليا عن الدراسة إما برسوبها المتكررة إن باختيار المقاطعة بالدراسة نظرا للضغوط المباشرة أو غير المباشرة من الأسرة أو المجتمع.
وعلى الرغم من أهمية الجهود التي بذلت من أجل تحقيق ثورة تعليمية وثقافية فإن مكانة البنت في العمل التربوي ما زالت في حاجة إلى بذل جهود أكبر واهتمام من طرف الآباء من جهة والمخططين البيداغوجيين من جهة ثانية.
وبصدد هذه النقطة بينت لنا الإحصائيات التي توصلنا إليها أن نسبة المجرمات غير المتمدرسات يشكلن % 64.3 على عكس المتمدرسات فيصل نسبتهــن إلى 35.7 % وان الشهادات التعليمية المحصل عليها من طرف هذا الصنف الأخير تتراوح بين الشهادة الابتدائية وشهادة البكالوريا .
لكن هذا العامل لا ينفرد لوحده في انتشار الظاهرة الإجرامية بل هناك وسائل أخرى تساهم بشكل أو بآخر في تفشي هذه الظاهرة كما هو الشأن لوسائل الإعلام والعادات والتقاليد .

ب- وسائل الإعلام
إن لوسائل الإعلام المختلفة تأثير معين على إجرام المرأة ، فهي تلقن الأفراد أو تنقل لهم عن طريق ما يقدم وسائلها وخاصة المركبة، من خلال الأفلام والتمثيلات التي تظهر الأساليب والحيل التي يلجأ إليها المجرمون في ارتكاب الجريمة والقرار بعد تنفيذها وكيفية تضليل العدالة، وهذا يشجع على الفساد وخاصة القاصرات منهن ومن لديهن ضعف عقلي أو استعداد إجرامي على تقليد المجرمين أو المجرمات وارتكاب الجرائم المختلفة ، كما أن لوسائل الإعلام وخاصة القنوات القضائية في ظل انتشارها وعدم وجود رقابة توعوية وتثقيفية عليها، تحمل على تحريك وإثارة الغزيرة الجنسية عند بعض النساء ، وخاصة المراهقات والشابات منهن عن طريق ما يعرض من قصص رومانسية وأفلام غرامية فاضحة مما يكرس لدى البعض بأنها سلوكيات مقبولة ويدفع بهن إلى إرضاء غرائزهن الجنسية بطرق غير مشروعة تنشأ عنها الجرائم الأخلاقية كالزنا وهتك العرض واسحاق وخاصة في ظل ضعف تبني التربية ونشر القيم والأخلاق في تلك الوسائل

ج- العادات والتقاليد
إن للعادات والتقاليد دورا مهما في الوقوع في قفص الجريمة، وهذا يبدو واضحا من خلال جرائم معينة مثل الإجهاض وقتل المولود الجديد وذلك حفاظا على العار والشرف وسمعة الأسرة أو العشيرة أو مثل تحريض المرأة لأحد أقربائها للأخذ بالثأر عن طريق القتل أو قياما بنفسها بذلك من خلال ممارسة بعض النساء وخاصة الكبيرات في السن لعمليات ختان الإنسان والتي تسبب أضرار صحية ونفسية مختلفة، كما للعادات والتقاليد دورا في ارتكاب الجريمة من خلال التنشئة الاجتماعية التي تذهب بعيدا في مراقبة سلوك وتحركات المرأة مما يشعرها بدونيتها وعدم أهليتها، وبالتالي اللجوء إلى طرق متعددة ومتنوعة لإثبات الذات ومنها ارتكاب الجريمة .
وبالرغم من أن مدينة تازة توجد في بلد إسلامي، فإنها لازالت تطغى فيها مجموعة من الاعتقادات الميثولوجية والعرفية والعادات والتقاليد تجعل من المرأة كائنا ناقصا مع أن شريعتنا السمحاء ساوت بين الذكر والأنثى بإعطاء كل ذي حق حقه من مراعاة خصوصية كل جنس على حدة وفي هذا نستحضر قوله عز وجل “يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء” .
فهذه الوضعية المتأزمة تغدي لدى المرأة الإحساس بالدونية الشيء الذي ينتج عنه نبد وكره وحقد على الذات يصير لا محالة موجها نحوه لأفراد المجتمع يتجلى في ارتكابها لمجموعة من الجرائم وكأنها تحاول الانتقام من نفسها ومجتمعها.
فعلى سبيل المثال لازالت كراهية البنات بادية في نسيجها الاجتماعي، وهي بالطبع كراهية بغيضة يتصل عهدها بالعصر الجاهلي وفي هذا الصدد جاء قوله سبحانه وتعالى: ” وإذا بشر أحدكم بأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون “

المطلب الثاني: العامل الاقتصادي

قيل البؤس هو مصدر الجريمة ، و سار الاعتقاد بذلك أمرا شائعا منذ القدم ولذا نادى الكثيرون بالقضاء على الفقر لكي تزول الجريمة بزواله غير أن سبب الإجرام إلى الفقر ونفيه عن الأغنياء، أمر تجادله حقائق المجتمع، فقد أنكر العالم الإيطالي ” Carofole” أن البؤس سبب الجريمة وأكد أن الإجرام في أشد صورة يتحقق في طل طبقة من طبقات المجتمع ثرية كانت أو منعدمة ، وبالرغم من هذا التصور المأساوي ، الثورة ولمساوئها لم يدخل ميدان الفقر من اتجاهات في المعنى المعاكس أي في تصوير مساوئ الفقر وفي هذا الصدد نذكر قول علي كرم الله وجهه: ” لو كان الفقر رجلا لقتلته “ولعل من أقوى الأمثلة على الازدراء بالفقر لوحة زيتية في متحف بروكسيل . يستفاد من عنوانها أن الجوع أخ شقيق للجريمة والجنون نوبة من الجنون راسمها “Antonio Wintez ” في تلك اللوحة امرأة شرسة أصابتها بسبب الجوع نوبة من الجنون فقتلت ابنها وألقت به في وعاء الطهي لكي تطبخه، على أن إفضاء الفقر إلى الجنون الذي صوره الرسام أمر شديد الندرة وحتى إذا كان هذا الأمر فإن الجريمة تقع عندئذ كما يسلم بذلك الرسام نفسه بسبب الجنون المترتب عن الفقر لا نتيجة الفقر مباشرة.
وهذا ما صوره لنا علماء الإجرام عند دراستهم للفقر كسبب مباشر لارتكاب الجريمة أما فيما يخض محاولتنا البحث في الأسباب الاقتصادية المباشرة المرتبطة بإجرام المرأة لوجدناها راجعة إلى العوامل التالية :
– تفشي البطالة في صفوف النساء
– استفحال ظاهرة الهجرة القروية

أ- البطالة
للمرأة تأثير كبير على المجتمع من خلال نزولها إلى سوق العمل، فبالعمل تشعر المرأة أن باستطاعتها تأكيد ذاتها وشخصيتها، وبإمكانها نيل حقوقها بالكامل ككائن بشري وفي نفس الوقت تحقيق رضاءها عاطفيا، وإبرازا لمواهبها خارج البيت ولذلكم في الآونة الأخيرة غزوا كاسحا من قبل المرأة لجل المهن والوظائف المختلفة، وكان آثارها الإيجابية والسلبية، ففي المقام الأول اكتسبت بنفسها واستطاعت أن تعبر عن نفسها بصوت مرتفع بكل قوة وجرأة ، أما من الناحية السلبية فاشتغال المرأة جلب لها الكثير من المشاكل منها المنافسة مع الرجل وفقد الكثير من العطف الذي كانت تحظى به من قبل، إلى أنه بالنظر إلى هذه السلبيات فلبس أكثر واقعا من سلبيات البطالة وآثارها على الفرد بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة، ويعتبرها عاطلا حسب التعريف الرسمي كل فرد يزيد عمره على 15 سنة والذي لم يكن يتوفر على عمل وقت الإحصاء.
والبطالة ظاهرة تحول كما ومضمونا مع تحولات المجتمعات بحيث يعكس مضمونها في كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي بمختلف جوانب هذا التطور الذي يحدد جنح التوزيع الديمغرافي للسكان إلى فئات نشيطة، وفئات عاطلة، وفئات احتياطية ..
ويبين إحصاء السكن الأخير أن عدد السكان الإجمالي في المغرب وصل سنة 2006 إلى 32000000 نسمة تقريبا توزع حسب نوع النشاط والجنس ، حيث تبلغ نسبة البطالة 60 % من المجموع الإجمالي للسكان، وفيما يتعلق بتوزيع هذه البطالة حسب الجنس والسن نلاحظ أن أعلى نسبة تمس فئة الشباب ما بين 20 و 30 سنة . ويعترف بأن الشهادة لم تعد واقية من الشر البطالة، فحتى حاملوا الشهادات العليا والذين يحتاجهم المجتمع كأطباء ومهندسين .. لم يستوعبهم سوق الشغل.
كما أن الإحصائيات المتعلقة بالبطالة ما هي في العمق إلى أرقام ونسب بواسطتها يمكن التعبير عن أحوال واقع معين ولكنها لا تكفي في حد ذاتها لإدراك ما هو خفي، ولهذا يتوجب علينا لإدراك خبايا الواقع أن نبحث فيما تيسر وراء الأرقام والإحصائيات.
إن البطالة مرض من الأمراض الخطيرة التي تصبب حياة الفرد والمجتمع في نفس الوقت بمعنى أنه إذا تفاقمت نسبتها بمجتمع ما تكون لها انعكاسات ومضاعفات وخيمة, لا على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل على حياة المجتمع ككل.
ففي المغرب الذي يعد من خانة الدول المتخلفة لا يوجد نظام التعويض على البطالة كما هو الشأن بالنسبة لدول الرأسمالية كفرنسا مثلا ولا يوجد قانون يجبر الرد على الشغل على الأقل من الناحية المبدئية كما هو الشأن للدولة الاشتراكية . وهنا نتساءل عن مصادر عيش العاطلين ومن يعولهم ؟ إن الإجابة على هذا التساؤل صعبة للغاية خصوصا وان العاطل رغم عدم توفره على دخل قار يستهلك حدا أدنى من الموارد، فإذا استثنيتا مصادر العيش غير القارة والمصادر غير الشرعية نجد إن هناك ” نظاما طبيعيا “فرضته ولا زالت تفرضه طبيعة العلاقات العائلية والاجتماعية ، التي تستقي أصولها من التراث العربي الإسلامي، ويمكن أن تسمية “بالتضامن العائلي”
فالبطالة إذن في الدول المتخلفة لا يتحملها العاطل وحده، بل يتقاسمها أفراد العائلة الأشد قرابة إلى العاطل، وخصوصا أولئك الذين يتوفرون على مداخيل داخل العائلات التي تعطل بعض أفرادها. وكلها انخفضت نسبة البطالة ارتفعت مداخيل العائلات لان تموج نسبة البطالة يولد حركة نقل المداخيل بين الأفراد والعائلات.
إن الإنسان كائن حي باشر خلال حياته من مراحل تبدأ بالضعف وتنتهي به مرورا بمراحل القوة والعطاء ، فإذا تعطلت سواعد الشباب مدة طويلة تنقص قوتها مع ارتفاع السن ولذلك يتسبب انتشار البطالة في تقليص قدرة المجتمع على الإنتاج وفي تفشي أمرا اجتماعية وأخلاقية ترهن الحاضر والمستقبل وفي ضعف القدرات الفيزيولوجية والفكرية للأفراد نظرا لقلة المواد المغذية للجسم .
ومن خلال مدينة تازة باعتبارها مدينة في بلد نامي يتخبط في عدة مشاكل حيث أن الفتيات بعد فشلهن في الدراسة يصطد من بواقع في سوق العمل والتوظيف مغلق ، وهنا تواجه الفتيات عمليات إحباطية وصراعية قد تدفع بهن إلى السلوك المنحرف إذا لم يجدن من يساعدهن ويوجههن وعليه فالمرأة التازية خاصة والمغربية عامة يجب أن تتاح لها فرصة العمل لكي لا تؤدي بها الضغوط الاجتماعية إلى الانحراف .

ب- الهجرة القروية
ترجع ظاهرة الهجرية القروية التي تعرفها المدن المغربية عامة منذ مطلع القرن العشرين إلى عدة عوامل خلقها الاستعمار حيث تركزت جل الأنشطة الاقتصادية الحديثة بالمدن كما أدت الظروف السيئة في البوادي التي تتمثل في الجفاف وقلة الإنتاج الزراعي وصغر حجم الملكيات الزراعية إلى قيام حركة هجرة واسعة عن البوادي صوب المدن بحثا عن فرص الشغل، ويزيد في حجم الهجرة توالي سنوات الجفاف الذي يعرفه المغرب
فمدينة تازة كغيرها من المدن المغرية التي تعاني من اكتظاظ مهول ناجم عن هجرة القرويين نحوها بحثا عن فرصا العمل وكان من نتائج هذه الظاهرة تكدس سكاني بالمدينة القيمة ونمو مجالات تشبه حضرية متمثلة في الدواوير المحيطة بالمدينة. ينتقل هذه العدوى إلى الحزام الأخضر المحيط بها ليتوسع بدلك المجال في ظروف سرية وبطريقة غير قانونية في إطار ما يسمى بأحياء الصفيح
وهكذا أصبحت الظروف الاجتماعية والنفسية والاقتصادية لهؤلاء المهاجرين مهيأته بهم إلى الانحراف والجريمة بكافة أشكالها وأنوعها.

خلاصة الباب:

فعلى ضوء سابق نخلص إلى القول بأن جل العوامل سواء منها البيولوجية أو الفيزيولوجية أو الاجتماعية والاقتصادية، تتفاعل فيها بينها في التأثير على السلوك الإجرامي للمرأة بصفة خاصة، ذلك أن الظاهرة الإجرامية هي ظاهرة معقدة إذ تتداخل كل العوامل فيما بينها فلا يكفي عامل واحد أو عدة عوامل لتفسيرها مهما حاولت مخالف التيارات التأكيد على ذلك، بالإضافة إلى أن هذه الظاهرة تختلف باختلاف البواعث والدوافع لدى الفرد وغن كانت الحقيقة تجعلنا نؤكد على تشابك العوامل وتداخلها والتي تحدد في نهاية المطاف السلوك الانحرافي لديه، إذ لا يمكن مثلا تفسيرها في ضوء العوامل البيولوجية وحدها لان هناك مجرمين أسوياء من الناحية البيولوجية وفيما يخص المجال الأخير فإنه لا يمكن ربط ظاهرة الإجرام بكل العناصر التي تكون الوسط الاجتماعي كالعمل والسكن والرفاق … الخ ، طالما إن هناك أشخاص يخضعون لنفس الظروف دون أن يسقطوا في براثين الجريمة.

الباب الثاني:
نظرة المشرع والمجتمع لظاهرة السلوك الإجرامي.

رغم الجهود المبذولة من طرفنا لإعطاء صورة حقيقية عن الإجرام المرأة فإننا لم نتمكن من خلال البحث في المحكمة الابتدائية –بتازة- للوصول إلى إحصائيات مضبوطة لهذه الظاهرة ودوافعها لذا ارتأينا الالتجاء إلى الشارع لمعرفة رأي مختلف مكونات “المجتمع المدني” عن أسباب الظاهرة ودوافعها، وكذا على أساليب معالجتها ، وهذا ما سنحاول توضيحه من خلال تحليل استبيانات أنجزت لهذا الغرض في المبحث الثاني، على أن نتطرق في المبحث الأول، إلقاء نظرة موجزة عن وضعية المرأة في التشريع الجنائي المغري وكيف عامل هذا الأخير المرأة المجرمة؟

المبحث الأول: دور المشرع على مستوى النصوص القانونية

انطلاقا من القانون الجنائي نجد المشرع (Législateur ) قد عرف مجموعة من الأشياء والصفات ، فقد عرف السلاح والمسكن والطريق العمومية وعرف محنة الموظف والإهانة والجريمة والتزوير .. ولكنه لم يتعرض لتعريف المرأة من قريب ولا من بعيد، وكل ما فعله هو أنه أعطاه عدة أوصاف كالأنثى والفتاة والمتزوجة والقابلة والحكيمة .. وبهذا يمكن القول بان المشرع قد أحسن منعا بسكوته عن إعطاء تعريف معين للمرأة، على حد رأي الأستاذ محمود العقاد “المرأة و هي أحد الجنسين الذكر والأنثى من نوع الإنسان” ، وأما الإنسان هو ذلك المجهود الذي جبر الألباب وعكف على دراسته علماء الدين والأخلاق والتاريخ والجغرافية والطب البدين والعصبي والأنطروبولوجيا السيكولوجيا والتربية والاقتصاد والميتافيزيقا وعلم الإجرام وغيرهم.
وكما عرفها الأستاذ أنيس منصور المرآة هي أمي وأمك وأختي وأختك وهي زوجتك وابنتك نصف المجتمع أو أكثر من النصف إنها إنسان لم يعطي بعد الفرصة ليمون له تجارب وقدرة على الكفاح وعلى الحياة القاسية”
ومفهوم المرأة في القانون الجنائي مفهوم خاص وعام، فهي المرأة المعروفة العادية جسما وعقلا عند عامة الناس لا فرق بينهما وبين الرجل سوى الناحية الجسمانية أي الفيزيولوجية، وهو يتعامل مع الجريمة على أنها “كل فعل أو امتناع صادر عن شخص قادر على التمييز يحدث اضطرابات يعاقب عليه التشريع الجنائي “وهو بذلك يعتبر الفاعل هو الشخص القادر على التميز يحدث أن يكون رجلا أو امرأة، تكريسا للمبدأ الدستوري الذي يقرر المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون شأنه في ذلك كل المواثيق الدولية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
. « 1989 la déclaration mondial des droits de l’home »
في المادة السابعة والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية المادة 26
وقبل ذلك الشريعة الإسلامية التي تعتبر منبع ومصدر كل القوانين الوضعية في المجتمعات الإسلامية بالأساس، حيث جعلت معاملة الناس جميعا على قدم المساواة دون تفريق أو تمييز في شؤون المسؤولية والجزاء لا فرق ولا تفريق بين أحدهما مهما كانت درجته في المجتمع من جهة الرفعة والانحطاط وفي هذا الصدد نستحضر قوله تعالى: “يأيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تولوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا” وقوله سبحانه: ” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزهم بأحسن ما كانوا يعملون” وقوله عز وجل : “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهدوا عذابهما طائفة من المؤمنين ”
فموضوع المرأة في القانون لا يعني أن المشرع المغري خصها أو فردها بخصوص لوحدها وبالتالي فرق بينها وبين الرجل ، لكن كل ما في الأمر أنه تطرق لنوع إجرامها وكميته وجسامته ، ويعني في ميدان العقوبة مراعاة ظروف خاصة تحيط بالمرأة أثناء تنفيذ العقوبة عليه.
وفي هذا الصدد نجد القانون الجنائي المغربي جريا بما تعمل به قوانين دول أخرى قرر معاملة المرأة في بعض الحالات معاملة خاصة تميل إلى مراعاة ظروفها والتخفيف عليها، لكن هذه المعاملة لا تفي بالمقصود في معظم الأحيان فقد تشدد العقوبة إذا ما إذا ارتكبت المرأة جريمة ما بينما تخفف أو تعتبر عذرا مخففا للعقوبة إذا ما ارتكبها الرجل وهذه الحالة نجدها في جريمة الخيانة الزوجية كما سنوضح ذلك لاحقا ولتبيان ذلك سوف نعرض لبعض الحالات التي تخفق فيها العقوبة إذا ما كانت المرأة هي مرتكبة الفعل الإجرامي كجريمة الإجهاض وقتل الوليد والحالة التي تنفذها حقها عقوبة الإعدام وهي حامل (مطلب أول) والحالة التي تشدد فيها العقوبة كالقتل بسبب التزامي (مطلب ثاني) .

المطلب الأول : نماذج لبعض الحالات التي تخفف فيها العقوبة

لا بأس من الإشارة في البداية إلى أن الأسباب التي تؤدي إلى تخفيف العقوبة على نوعين إما أعذار قانونية أي ذات مصدر قانوني أو ظروف قضائية أي ذات مصدر قضائي أي الأعذار القانونية سميت بذلك تمييزا لها عن الأعذار المعية من العقوبة كليا وقد وردت على سبيل المثال حيث تشير المادة 144 ق.ج.الأعذار القانونية مخصصة ، لا تطبق إلى على جريمة أو جرائم معينة ، وهي مقررة في الكتاب الثالث من هذا القانون المتعلق بمختلف الجرائم”
إلى أن هذا الحصر قد تتردد عليه نصوص تقصي بخلاف ذلك كما جاء في المادة 422/2 “لا يوجد مطلقا عذر مخفف للعقوبة في جناية قتل الأصول ” إضافة إلى المادة 163 من ق.ج الاعتذار على حياة الملك أو شخص” .
أما بخصوص الظروف القضائية المخففة للعقوبة وهي ترجع للسلطة التقديرية للقاضي مع التزامه بتحليل قراره في هذا العدد بوجه خاص، حيث تشير المدة 163 من ق.ج. إلى أنه “إذا تبين للمحكمة الزجرية بعد انتهاء المرتفعة في القضية المطروحة عليها، أن الجزاء المقر لجريمة في القانون بالنسبة لخطورة الأعمال المرتكبة أو بالنسبة لدرجة إجرام المتهم، فإنها تستطيع أن تمنح التمتع بظروف التخفيف، إلا إذا وجد نص قانوني يمنع ذلك” .
وكل ذلك مراعاة للظروف الشخصية التي تحيط بالمجرم والظروف المادية التي تحيط بالجريمة حيث نجد في هذا الصد تحليل المادة 41 . ق.ج على ضرورة مراعاة هذه الظروف حيث تقرر “للقاضي سلطة تقديرية في تحديد العقوبة وتفريدها في نطاق الحد التدني والأعلى المقررين في القانون المعاقب على الجريمة، مراعيا في ذلك خطورة الجريمة المرتكبة من ناحية وشخصية المجرم من ناحية أخرى، ” واستثناء نلاحظ أن المشرع يتدخل ليقرر تخفيف العقوبة.
المشرع المغربي في كل هذا نجده قد تجاوز منطق المدرسة التقليدية الأولى التي كانت تقرر معاقبة مرتكبي نوع واحد من الجرائم بعقوبة واحدة، غير أخذة لا بالظروف المادية للجريمة ولا بالظروف الشخصية للمجرم، متبينا بذلك للتشريعات المعاصرة في هذا المجال التي تأخذ وتراعي للظروف المادة والشخصية للفعل الإجرامي .

1- جريمة الإجهاض :
يمكن القول بان جريمة الإجهاض عرفت انتشارا واسعا كشكل من أشكال الجريمة لدى المرأة نتيجة مرتبطة بالجانب الديني والاقتصادي والثقافي بالأساس، حيث نجد القانون الجنائي قد عرفها بأنها “لإسقاط الجنين قبل أوانه الطبيعي سواء قدرته أن يعيش أو أن يموت .
وإذا كانت جل الديانات قد عملت على تجريمه بحيث اعتبرتها من الأعمال الأكثر دناءة نجد المشرع المغربي قد اعتبره جرما يعاقب عليه القانون حيث أشار إلى أنه كل من أجهض أو حاول إجهاض امرأة أو حبلى أو حرض على ذلك أو ادعى له سواء برضاها أو بدون، بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير، أو بتحاليل أو عنف أو أية وسيلة أخرى يعاقب الحبس من سنة إلى خمس وغرامة مالية من 120 إلى 500 درهم، وإذا نتج من ذلك موت المجهضة، فالعقوبة تتراوح بالسجن من 10 إلى 20 سنة ، لكن هذا لا يعني أن المشرع المغربي أغفل حالة الضرورة التي تستوجب الإجهاض، أو بمعنى آخر الحالات التي يكون فيها الإجهاض مباحا قانونيا حيث نجد بهذا الخصوص الفضل 453 من .ق.ج.الذي سمح بالإجهاض مراعيا للضرورة التي تقتضي بذلك حيث ينص 453 من ق.ج الذي سمح بالإجهاض مراعيا للضرورة التي تقتضي الخطر متى قام به طبيب أو جراح علانية، وبعد إخبار السلطة إليها، وقد تطور هذا المفهوم تحت تأثير الظروف الاجتماعية وخاصة سياسة تحديد النسل ليصدد محافظة على صحة الأم .
وبهذا يمكن القول بأن الإجهاض يكون مباحا في حالتين:
– كون حياة الأم في خطر
– لذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم
لكن المشرع رغم هذا التحديد ينبغي عليه تمحيص وتدقيق كل المضاعفــات أو حالة الضرورة التي يومكن الأخذ بها من أجل إجراءات الإجهاض تحررا منه لكل ما من شأنه الإخلال بالبواعث التي يحبها المشرع، ودرءا لكل تعسف في استعمال الحق (abus de droit) كما لو كان من أجل المحافظة على رشاقة الجسم .
لكن رغم وجود النصوص القانونية التي تجرم هذا الفعل الوفي، وتحد نطاق الإقدام عليه فالواقع المعاش يبرز لنا مجموعة من الحالات التي يجري فيها الإجهاض من طرف أطباء وقابلات. دون اللجوء إلى مقتضيات م 453 ق.ج.

ب- قتل الوليد
جاء في الفصل 397 منن القانون الجنائي المغربي: ” من قتل عمدا طفل وليدا يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصلين 392 و 393 على حساب الأحوال المفصلة فيها” إلا أن الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو مشتركة في قتل وليدها تعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات ويطبق هذا النص على مشاركيها أو المساهمين معا، فالأم لا يمكنها إتيان هذا الجريمة إلى أسباب قاهرة أو ظروف استثنائية شاذة خشية للعار أو العوز عن الإعالة، لهذا متعها المشرع بعذر مخفف للعقوبة دون غيرها من المشاركين أو المساهمين ولو كان أب الوليد، ولم يستثني القانون الوليد غير الشرعي، والمقصود بالوليد الطفل الحديث الولادة الذي لم يمض على ولادته زمن طويل أي حديث النشأة هذا الحالة يحددها القاضي.
ويرى الدكتور الخمليشي في هذا الصدد أن الوليد الذي قضى بضعة أيام على الولادة يفقد الأم العذر المخفف للعقوبة وتطبق في حقها المخصصة للقتل .

ج- تنفيذ عقوبة الإعدام والعقوبات السالبة للحرية .
إذا كانت مجموعة من الدول قد ألغت عقوبة الإعدام بصفة قانونية (ألمانيا، إيطاليا، سويسرا، السويد، النرويج) والبعض الآخر بصفة عملية محتفظة بالنص القانوني المائي وأحاطها بعدة إجراءات تنفيذها وخاصة اتجاه المرأة فإذا ثبت أن المرأة المحكوم عليها بالإعدام أنها حامل، فتنفيذ هذا الحكم يؤجل إلى ما يعد وضع الحمل بأربعين يوما حسب منطوق الفصل 21 من القانون الجنائي (le doit pénal ou de droit criminel) المرأة المحكوم عليها بالإعدام إذ ثبت حملها فإنها لا تعدم إلى بعد أن تضع حملها بأربعين يوما”
ولا يثبت ادعاء المرأة أنها حبلى إلا أمام الجهات المختصة أي ضرورة إحالتها على خبير من الأطباء ، كما انه بعد الوضع بالمدة المذكورة فإن الوليد يجب تسلميه إلى أهله ، فإذا لم يوجد له أهل فأحد المؤسسات المكلفة برعاية الأطفال، وما تجدر الإشارة إليه أن هذا النص وضع اعتبارات إنسانية توجب مراعاة مصلحة الطفل قبل ولادته وبعدها وهو بطبيعة الحال تقدير وتكريم لمعنى الأمومة .
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الفصل 32 ق.ج ينص على أن المرأة المحكوم عليها بعقوبة سالبة للحرية إذ تبث أنها حامل أكثر من ستة أشهر فإنها لا تنفد العقوبة إلى بعد وضعها بأربعين يوما فإذا كانت متعلقة يوم صدور الحكم فإنها تنتفع بنظام الاعتقال الاحتياطي (المراقبة القضائية) اللازمة، ويؤجل تنفيذ العقوبة السالبة للحرية أيضا في حق النساء اللواتي وضعن قبل الحكم عليهما بأقل من أربعين يوما، وذلك لاعتبارات إنسانية محضة، ولنفس هذه الأخيرة قرر المشرع في الفصل 33 من ق.ج.عدم تنفيذ عقوبة الحبس على الزوج وزوجته في آن واحد إذ كانا غير معتقلين يوم صدور الحكم، وأثبت لهم محل لإقامة معين وفي كفالتها وتحت رعايتها ، صغيرا دون سن السادسة عشر وليس في الإمكان أن يقوم بكفالته على الوجه المرضي غيرهما من الأشخاص والمؤسسات العامة أو الخاصة ما عدا إذا صدر من طرف الزوجين طاب يخالف ذلك .
ومبدأ عدم تنفيذ العقوبة على الحامل أو تأجيلها في القانون الجنائي المغربي هو مبدأ قديم عرفته السرعة الإسلامية، فمن المتفق عليه أن الحد لا يقام على الحامل حتى تضع سواء كان حمل من زنا أو غيرها والأكمل في ذلك حديث الغامدية ، فقد روي أن امرأة حبلى من بني غامد جاءت الرسول صلى الله عليه وسلم معترفة بالزنا وهي حامل فقال لها الرسول، ” ارجعي حتى تضعي ما في بطنك رجل من الأنصار حتى وضعت وأتى النبي صلى اله عليه وسلم فقال: وضعت الغامدية ” فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم” إذن لنرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرفعه “فقال رجلا من الأنصار “إلى إرضاعه يا نبي الله “فرجمها.
وقد جرى الصحابة رضوان الله عليهم على هذا النهج القويم من بعده ، يروي أن امرأة زنت خصال فترة حكم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فهم يرجمها وهي حامل فقال له معاذ: ” إذا كان لك سبيل عليها فليس سبيل على حملها.” فقال” عجز النساء أن يلدن مثلك ، ولم يرجمها “

المطلب الثاني: الحالة التي تشدد فيها العقوبة .

المبحث الأول : جريمة القتل بسبب الخيانة الزوجية كنموذج

إذا كان المشرع قد حول عذرا مخففا للزوجين عند ارتكابه لجريمة القتل في حق زوجته في حالة ضبطه لها وهي تخونه، ولتوضيح هذه المسألة ندرج المثال التالي: فاجأ شخص زوجته وعشيقها متلبسين بالزنا فعهد إلى قتل الزوجة ، في حين تمكن شريكها من الفرار وبعد قدم هذا الشخص إلى المحكمة إلى المختصة أدانته عن القتل العهد وحكمت عليه ب 3 سنوات عملا بالفصل 423 ق.ج الذي خفق فيه المشرع العقوبة عن الجاني الذي يستحق قانونا عقوبة الإعدام أو السجن المريد عند ثبوت العذر المخفف المنصوص عليه في المادة 418 ق.ج
فعلى عكس ما كان عليه الأمر سالفا نجد أن المشرع المغربي تدارك هذا الحيف الواقع على المرأة في حالته فقتلها زوجها وهو متلبس بالخيانة الزوجية ، حيث أنه بموجب التعديل الذي لحق الفصل 418 بمقتضى المادة الأولى من قانون رقم 03-24 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي الصادر الأمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 01/03/207 الصادر بتاريخ 16 رمضان 1424 موافق 11 نونبر 203 منشور الجريدة الرسمية عدد 5175بتاريخ 5 يناير 2004 بموجب هذا التعديل أصبحت الزوجة بدورها تتمتع بهذا العذر المخفف إذا فاجأت زوجها متلبسا بالخيانة الزوجية مع شريكته وقتلها معا أو قتلت أحدهما ، حيث ينص الفصل 418 بعد تعديله “يتوفر عذر مخفف للعقوبة في جريمة القتل إن الجرح أو الضرب إذا ارتكبها أحد الزوجين ضد الزوج الآخر وشريكه عند مفاجئتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية”
هذا سيرا على درب الفقه الإسلامي الذي يقرر أن الزاني المحصن لا بمقتل وإنما هو بذلك القاتل عذرا مخففا، يقل العقوبة من القصاص (le talion ) إلى التأديب، أي التعزيز الذي يترك. للسلطة التقديرية للقاضي عند تحديده ، دون تفريق أو تميز بين الزوج والزوجة.
وبهذا يكون المشرع المغربي قد أحسن صنعا، في تمتيع الزوجة بهذا العذر ويستفيد الزوج بمقتضى هذا العذر المخفف من تخفيف العقوبة حيث تحدد بين سنة وخمس سنوات يمكن أن يشملها إيقاف التنفيذ باعتبارها تحولت بعد التخفيف إلى جنحه (un délit )
إذا كنا تعرضنا لجريمة المرأة انطلاقا من نظرة المشرع، فما هي إذن نظرة المجتمع المدني إحدى إفرازاته ومكوناته الرئيسية.
ولأجل هذه الغاية قمنا بإعداد استمارات تتضمن مجموعة من الأسئلة وقمنا بتوزيعها على عينة من أفراد المجتمع ذكورا وإناثا شيوخا وشبابا.

المبحث الثاني: نظرة المجتمع لجريمة المرأة

لإضفاء المصداقية على بحثنا هذا اعتمادنا على ركيزتين أساسين، الارتواء من الإنتاج النظري أولا ثم الالتجاء إلى الواقع المراد انجاز البحث بصدده ثنايا وتماشيا مع المحاولة حاولنا تضمين الاستبيان مجموعة من الأسئلة عددها اثني عشر ، ثمانية منها مختلفة كل منها يحتوي على عدة متغيرات بقصد تجميع أكبر عدد ممكن من الآراء والاقتراحات والباقية مفتوحة تاركة مجالات أوسع للعينة المفحوصة حتى تخفي البحث من رصيدها النظري وتقديم خلاصات تجربتها الميدانية.
وإذا كنا نعترف مسبقا أن هذا الاستبيان لا يعتري كل الواقع ، بل كل ما نصبوا إليه هو الإجابة عن جملة من التساؤلات التي أفرزها الانتشار السريع لظاهرة الإجرام في صفوف النساء، وحتى تكون تلك الخطوة إيجابية أخضعنا أجوبة العينة المفحوصة لنوع من التحقيق المتواضع ما أدى بنا إلى فرض بعض الاستبيانات وبخصوص توزيع الاستبيانات حاولنا توزيع الجنس في اختيارنا للعينة ذكور 60% وإناثا 40% كما قمنا بتوزيع بعض المتغيرات المحيطة بالعينة كالأحياء السكنية والتخصص والممارسة الفعلية في مجال القضاء.
ولإشارة فإن الاستثمارات الموزعة حصرت في 50 استمارة لم ترد منها سوى 44، ولم تثمر منها 6 لعدم توفر المصداقية في أجوبتها، وهكذا اشتغلنا على 38 استمارة ، وقد جاءت الأجوبة موزعة على الشكل التالي:
المحور الأول:تطلب الأجوبة على الأسئلة التالية:
1- في رأيك ما هي الخالات أو الظروف التي تكون فيها المرأة مهيأة لارتكاب جريمة؟
2- ما هي الفترة العمرية التي تعرف فيها المرأة استعدادا أكبر لاقتراف جريمة؟
3- أي الجرائم تراها أكثر انتشار؟
4- حسب رأيك أي الأحياء تعرف معدلات مرتفعة في الجريمة؟
المحور الثاني: موجهة لأطراف ذوي الاختصاص وتتضمن الأجوبة على الأسئلة التالية:
1- ما هو العامل الأكثر تأثيرا غفي جرائم النساء مرتبة الأهمية من 1 إلى 5 وتشمل : الفقر- الطلاق- المستوى الثقافي- السن- العيش بعيد عن الأسرة
2- سؤال مفتوح : ما هو رأيكم في تعامل المشرع مع الجريمة المرتبكة من طرف المرأة .
3- كيف يتعامل القاضي مع السلفات التي تكون فيها المرأة متهمة؟
4- ما هي الظروف التي تراعي في المرأة المتهمة؟
5- هل ترى أن الأساليب الزجرية كافية لمعالجة الظاهرة؟ سؤال مفتوح جعلنا منه خاتمة لموضوع ظاهرة إجرام المرأة

المحور الأول :
في رأيك ما هي الظروف التي تتكون بها المرأة مهيأة للارتكاب الجريمة؟
المتغير نعم لا بدون رأي
الطلاق 64% 33% 3%
الفقر 83% 12% –
الأمية 65% 40% 4%
البطالة 71% 29% –
طول بعيدا عن الأسرة 88% 12% –
تقليد النموذج الغربي 62% 28% 10%
46% 28% 26%
الظروف التي تدفع المرأة لارتكاب الجريمة، انطلاقا من النسب المئوية المعروضة في الجدول أعلاه يتبين إن أسباب الجرمية المرتكبة من طرف نساء المجتمع التازي متنوعة ومتداخلة وترتبط في عمومها بالفقر وغياب الوعي وما يترتب عنها من مآسي اجتماعية وهكذا نرى نسبة 83% من العينة المفحوصة أن الفقر عامل مؤثر بقوة لارتكاب الجريمة، وهذا ما يعزز ويقوي حضور العامل الاقتصادي ، لكن مع ذلك فالعامل الاجتماعي لا يقل دوره وأهميته حيث لاحظنا نسبة 56% و 88% ومع انتشار ظاهرة الحضارة الغربية تولد لدى المرأة التازية على غرار باقي الحواضر الغربية رغبة جامحة لتمتع بحياة أفضل وفق النموذج الغربي بالرغم من عدم توافق بعض حالاتها مع خصوصيات مجتمعنا، إذ في غياب وانعدام الشروط المادية المؤدية لذلك ما يدفع إلى ارتكاب جرائم مخافة للقانون مقابل تحقيق تلك الرغبة وهذا ما يعكسه المبيان حيث أن 46% تعتبر تقليد النموذج الغربي أحد دوافع الجريمة ولعل الاستعانة بالمعطيات التي أمدتنا المندوبية السامية للتخطيط ، يضفي مصداقية أكثر على النتائج التي زودنا بها المبيان، ذلك أن المجتمع التازي بات مثقلا بمجموعة من الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية والمتمثلة في نسبة الطلاق 64% ونسبة الأمية 56% في صفوف النساء وتراجع فرص الشغل حيث تصل النساء النشيطات في المدينة إلى 30% .
في أي عمر تكون المرأة أكثر إجراما؟
المرحلة العمرية نعم لا
أقل من 18 سنة 5% 95%
من 18 إلى 30 سنة 90% 10%
أكثر من 30 سنة 57% 43%
فيما يتعلق بالسن الذي تكون فيه المرأة أكثر استعدادا لارتكاب الجريمة يثبت أن 90 % ترى بان مرحلة السن بين 18 و 30 سنة هي التي تصل إجرام المرأة و شدته ودورته بينما نجد نسبة 57% لاحظت أن هذه المرحلة مرتبطة بالنساء ذات معدل يفوق 31سنة ، في حين تبقى نسبة 5% بالنسبة للقاصرات .

أي الجرائم تراها اكثر انتشارا؟

القيمة
المتغير نعم لا
الفساد 90% –
الخيانة الزوجية 76% 24%
العنف 20% 80%
السرقة 85% 15%
الاتجار في المخدرات 65% 35%
النصب والاحتيال 72% 28%
الضرب والجرح 35% 65%
استنادا لمعطبات الجدول نلاحظ أن 90 % تعتبر الفساد من الجرائم الأكثر شيوعا في وسط النساء وتأكد مصداقية هذه النسبة المرتفعة أيضا من خلال محاضر الضابطة القضائية، والتي تمكنا من الإطلاع عليها، ففي حين تراوحت نسبة العينة التي اعتبرت جرائم السرقة والنصب والاحتيال ما بين 72% و 85% في حين تدنت نسبة الذين غلبوا جرائم العنف والضرب وتراوحت ما بين 20% و 35% ، ومن جانبنا نرى أن هذه الآفة الاجتماعية تبررها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وإن كان بعض الاختصاص المفحوصين لا يقللون من دور العوامل النفسية والمتمثلة في الطيش و العقد النفسية المتولدة عن فترة المراهقة المضطربة، إضافة إلى الهجرة القروية وما تفرزه من مشاكل اجتماعية وعجز المؤسسات الاجتماعية والتربوية عن استقبال ذوي الاحتياجات الخاصة من النساء أما بعض المستجوبين فقد اعتبروا غياب وضعف الوازع الديني مؤثرا على نتامي الانحراف وهذه العوامل جميعا تتأكد من خلال الجدول والمتضمن الإجابة على السؤال التالي:

أي الأحياء تصرف معدلات مرتفعة في الجريمة؟

القيمة
المتغير نعم لا
مدن الصفيح 81% 19%
أحياء متوسطة 52% 48%
الأحياء الفاخرة 21% 79%
نسجل أن نسبة 81 % من المستجوبين يرون في الأحياء الفقيرة أرضا خصبة لنمو ظاهرة الجريمة لدى المرأة، بينما نسبة 52 % يرجعونها إلى الأحياء التي يقطنها الطبقة المتوسطة، ونسبة 21 % يرى أن ممكنا في الأحياء الفاخرة، لكن هذه الأخيرة يمكن أن يظهر بها نوع من الجرائم ويتعلق الأمر بالفساد إن لإصدار الشيك بدون رصيد

المحور الثاني: موجه للأطراف ذوي الاختصاص :
تضمن الأجوبة على الأسئلة التالية:
1- ما هي العوامل الأكثر تأثيرا في الجرائم المعروضة أمامكم مرتبــــة من 1 إلى 5 .
حسب الأهمية: الفقر، الطلاق، المستوى الثقافي ، السن ، العيش بعيدا عن الأسرة .
أغلب المستجوبين اعتبروا الفقر عاملا أو محركا أساسيا إلى جانب الطيش وسن المراهقة والعقد النفسية وردها البعض إلى الغربة في الانتقام VENGANCE والغيرة خصوصا جرمية الخيانة الزوجية .. وآخرون اعتبروا الهجرة وعجز المؤسسات التربوية وضعف الوازع من الأسباب المؤدية للجريمة
2- سؤال مفتوح كيف تعامل المشرع المغربي مع الجريمة المرتكبة من طرف المرأة؟
المشرع المغربي لا يميز بين المرأة والرجل، وإن كان بعض المستجوبين اعتبروا الرجال أكثر استفادة أحيانا غير أنهم لم يذكروا حالات معينة، والبعض الآخر يرى أن السلطة التقديرية متروكة للقاضي .
واختلف المستجوبون في الحكم على أسلوب المعالجة البين فئة نصفها بالمرونة وبينما آخرون لاحظوا أن المشرع لا يراعي الظروف المؤدية الجريمة كما لاحظنا في بعض الاستمارات أن الاهتمام منصب أكثر على الجانب الزجري مع غياب مراقبة أمنية تصون المرأة من الوقوع في الجريمة .
3- كيف يتعامل القاضي مع الملفات التي تكون فيها المرأة متهمة؟
– التركيز على نوع الجريمة 50%
– التركيز على الفاعل 13%
– التركيز على الجريمة والفاعل 37%
استفادا لآراء عينة من ذوي الاختصاص والممارسين في حقل القضاء ، حاولنا معرفة الاعتبارات الأكثر خطورة أمام القاضي في تناوله لملفات جرائم النساء، لوحظ أن النسبة تتراوح بين 50% و 37% تركز على نوع الجريمة والفاعل بينما كانت نسبة يرتكزون على الفاعل محصورة في 13% وحول نوع الظروف التي يجب أن تراعي خلال تناول الملفات جاءت الإجابات كما يلي:
4- ما هي الظروف التي تراعي في المرأة المتهمة؟
نعم لا
الأمومة 86% 14%
السن 38% 62%
ترى نسبة 86% أن القاضي يأخذ بعين الاعتبار الأمومة، في حين نرى نسبة 38% أن العامل السن أثر أقل لدى القاضي، ومن خلال سؤال مفتوح لاحظنا عينة من المستجوبين نشير أن الأمومة لا تراعي دائما كما لا تراعي الظروف التي ألقت بالمرأة في دهاليز الجريمة وأعطوا لذلك أمثلة كوضعية خادمات البيوت ..، كما يمكن أن تكون الظروف مشددة للعقوبة كما في حالة الخيانة الزوجية.

خاتمة :

منذ أن بدأت النظرة إلى الإجرام كمشكلة اجتماعية تستدعي المعالجة والتدخل من قبل المسؤولين عن سلامة المجتمع ، اتجهت أنظارهم نحو دراسة أفضل اطرق للوقاية من الانحراف قبل حدوثه ، فاختيار السبل الناجعة للحد من انتشار وتفاقم الجريمة وإصلاح مرتكبيها يتطلب إيجاد علاج واقعي وفعال ، مبني عل الدراسة الشاملة للواقع الاجتماعي والاقتصادي والنفسي ، الذي نشأت فيه الجريمة ولا يتأتى ذلك إلا عن طريق إخضاع العوامل المؤثرة على السلوك الإنساني إلى دراسة شمولية متعمقة ، والربط بين الظاهرة وأسبابها ومقاومتها بواسطة القضاء عليها ومما لاشك فيه أن النزعة الإجرامية هي وليدة بيئة اجتماعية فاسدة أو وضعية اقتصادية مترديـة أو تكوين ثقافي ضعيف فعلاقة وطيدة بين هذه العوامل والإجرام .
وفي ظل هذا نجد “QUINEG” يشير إلى أنه من خلال النضال والدخول إلى الاشتراكية سيصبح نظام العدالة الجنائية المستقبلي واضحا ، ومن المسلم به أن بعض أنماط الجريمة وخاصة الجرائم الأخلاقية كالدعارة والقمار والمخدرات وبعض جرائم العنف كالقتل والاغتصاب قد انخفضت معدلاتها بدرجة كبيرة في دول الاشتراكية ، ولكن لا بد من التساؤل عن سبب ذلك هل هو عائق لنظام الضبط الاجتماعي القائم على القمع أن الأمر عائد إلى عامل اقتصادي وتوفير العمل لمن يطلبه وبالتالي القضاء على البطالة على عكس ما عليه الأمر في الرأسمالية وربما كان هذا الأخير يعتبر أن التحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية يصبح ممكنا في مواجهة التناقضات التي خلفت مشكلة الجريمة .
فإن هذه النظرة التي سادت خلال الستينات تختلف تماما عن فترة السبعينيات بمدينة تازة أي كيف نظر مجتمع تازة إلى السباب الزجرية التي وضعها المشرع المغربي لمعالجة السلوك الإجرامي عند المرأة بصفة خصوصية ؟ وما هي الحلول المقترحة من طرفهم لمعالجة هذه الظاهرة ؟ من خلال الإجابة على السؤال : هل ترى أن السباب الزجرية كافية لمعالجة هذه الظاهرة وإذا كان الجواب بلا فما هي الأسباب التي تراها مناسبة .

المكتبة المعتمدة
1 ـ القرآن الكريم برواية ورش .
2 ـ أحمد علي المجدوب ” المرأة والجريمة ” دار النهضة القاهرة 1976 .
3 ـ أحمد اجوييد ” الوجيز في شرح القانون الجنائي الخاص المغربي ” ج 2 مطبعة المعارف الجامعية الليدو ، فاس .
4 ـ ذ . جعفر العلوي ” علم الاجرام ” مكتبة المعارف الجامعية ، الليدو ، فاس 2005 .
5 ـ رمسيس بهام ” علم الاجرام ” ج 1 ، 2 ن 3 . منشأت المعارف ، الاسكندرية 1970 .
6 ـ عبد الواحد العلمي” المبادئ العامة للقانون الجنائي ” ج2 الطبعة : دار الصباح الجديدة 1999 .
7 ـ محمد عابد الجابري ، أحمد السلطاني ، مصطفى العمري ، دروس في الفلسفة .
8 ـ عمر سعيد رمضان ” دروس في علم الاجرام ” بيروت ، دار النهضة العربية 1972
9 ـ مصطفى العربي ” دروس في علم الاجرام ” ج 1 مؤسسة نوفل 1980 .
10 رؤوف عبير ” الاعتداء على الأشخاص ” طبعة 6 / 1985 .