مطـــرقة السلطة القضائية وسندان السلطة التنفيدية

ليس هناك معالم وحدود معينة لتداخل أو تعارض السلطتين القضائية والتنفيذية،

فبالرغم من أن الأحكام القضائية تعد من مهام السلطة القضائية لكنها في كثير من الأحيان ليست عادلة ومنصفة ومخالفة لنص وروح القانون

وأخلاقيات المهنة بفعل الضغوط التي تمارسها السلطة التنفيذية على رجال القضاء لإعفاء أحد المتنفذين السياسيين من المساءلة أو نتيجة لفساد بعض رجال القضاء.

إن النظر إلى السلطة القضائية باعتبارها مصدراً للنزاهة والعدالة والسلطات الأخرى باعتبارها مصدر للفساد والرذيلة، وجهة نظر غير واقعية

ولادقيقة فالافتراض شيء وأثبات صحته شيء آخر على صعيد الواقع. لم يثبت الواقع التجريبي في دول عديدة في العالم بصحة الافتراض

القائل: بخلو السلطة القضائية من الفساد، وإن القائمين عليها ليسوا بشراً وإنما يتحلون بأخلاق الملائكة في تطبيقهم عدالة السماء والحكم بين

الناس بالقسط والميزان.

إن خضوع أو تواطؤ السلطة القضائية مع السلطة التنفيذية لتغطية جرائم الفساد أو لإضفاء الشرعية على ممارسات السلطة غير الشرعية ض

د المجتمع تعد من الكبائر بأعراف وقيم النظم الدينية والاجتماعية.

لقد لعبت السلطات القضائية في العديد من دول العالم دوراً غير مشرف في إظفاء الشرعية على الانتخابات المزورة، أو في تفسير التشريعات

الدستورية لصالح السلطة الحاكمة ضد المعارضة ففساد السلطة القضائية يؤشر لحالة انهيار مقومات الدولة، لأن القانون ركن أساسي من أركان بناء هيكل الدولة ومؤسساتها.

أن الحالة القانونية محكومة للحالة السياسية، وهذا الارتباط يتجسد في حلقة أساسية هي السلطة والتقاطع هو سلطوي فمسالة الحقوق يحددها

ويجسدها حامل السلطة بشكل غير مباشر. وعلى رجل القانون التنفيذ فالسلطة هي بنية فوقية تهدف لمراقبة حُسن سير القانون والنظام العام،

والقياس هنا هو قياس قانوني وحالة لها شروط تتجسد في إطار الحقوق والواجبات”.

تلعب السلطة القضائية دوراً مهماً في بناء الدولة الحديثة لأنها تضم نخبة حقوقية تقترح تشريعات القوانين بالتعاون مع السلطة التنفيذية ليتم

مناقشتها وإقرارها في السلطة التشريعية، وبالمحصلة فإنها تعمل على قوننة عمل وممارسات مؤسسات الدولة ورجالها لتكون منسجمة مع

التشريعات الدستورية لخدمة المجتمع.

إن معيار نجاح السلطة القضائية في المحافظة على استقلالية قراراتها عن السلطة التنفيذية وفي انتزاع القوانين من السلطة التشريعية، هو

بمثابة جهد لتحديث مؤسسات الدولة من خلال ايجاد اطار قانوني مرن يسمح لنمو وتطور مؤسسات الدولة وبخلافه فإن النمو والتطور يتحجم

في ظل وجود قوانين تعيق عمل وصلاحيات رجال الدولة.

إن وجود نظم وقوانين تشريعية تنظم عمل مؤسسات الدولة وتضمن الحقوق والواجبات للمواطن شيء، وعدم تطبيقها (أو تعطيلها) شيء آخر

لأن السلطات التنفيذية متغيرة والقانون يضمنه الدستور في الأنظمة الشرعية. فخرق القانون أي كان شكل السلطة يستوجب المحاسبة وعلى

الضد من ذلك فإن تطبيق القانون وبغض النظر عن شكل السلطة غير خاضع للمساءلة.

وإن القوانين وسائل توجيهية، وليست بالضرورة حاكمة لتتفاعل الحقائق الواقعية. فحينما تنضج العلاقات والاطرادات بين الحقائق فإن القانون

عادة يستخدم لتعبير عن هذه العناصر. فالقانون ليس قوة تخضع لها الحقائق، حيث أن العالم يختار ظواهر معينة تصلح للملاحظة ثم ينظمها

ويصنفها حسب إطار مختار بصورة إرادية بحيث تبدو الظواهر وكأنها خاضعة لقانون معين. واستناداً لذلك فليس هناك قوانين ضرورية وإنما

تتفاعل الظواهر وكأن هذه القوانين موجودة”.

إن سعي السلطة التنفيذية لاخضاع أو استمالة السلطة القضائية لإضفاء الشرعية على قراراتها اللاشرعية، هي محاولة لإعفاء نفسها من

المساءلة القانونية مستقبلاً. فالاعتقالات العشوائية أو استخدام العنف المفرط ضد المعارضين في العديد من الدول المستبدة تمت بأحكام قضائية

حيث تواطئت السلطة القضائية مع السلطة التنفيذية لتغطية العديد من الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان ضد السكان الأمنين.

وعبر التاريخ كانت السلطات التنفيذية (الشرعية وغير الشرعية منها) جائرة في اتخاذ بعض قراراتها القمعية ضد السكان، فحجم الردع القانوني

كان يفوق بأضعاف حجم انتهاك القانون مما يدلل على سوء استخدام السلطة.

ويسعى البعض لحشد المبررات عن استخدام العنف المفرط ضد السكان لبسط القانون باعتبارها تصرفات شخصية لأجهزة القمع أو سوء تقدير

في حجم الردع القانوني المطلوب، فتلك المبررات لم تصمد كحجة قانونية أمام الفقه القانوني. فحين تعمد السلطات القضائية على تبرير سوء

استخدام السلطة واجراءات القمع المفرط ضد السكان، فإنها تضعف ثقة المواطن بالقانون مما يشجع على انتهاكه باعتباره قانوناً غير عادل
.
إن مبدأ فصل السلطات (التشريعية، القضائية، التنفيذية) لاتعني تعارضها أو توافقها في القرارات مع أو ضد المجتمع، وإنما انسجامها في اتخاذ

القرارات لصالح الدولة والمجتمع، فالسلطة القضائية ليست سلطة تحكيمية بين السلطتين وليست أداة بيد السلطة التنفيذية كما أنها ليست

خاضعة للسلطة التشريعية، إنها سلطة قائمة بذاتها ومعبرة عن ذات وكيان الدولة والمجتمع. لذلك فإن أهميتها تكمن بتنفيذ القانون والحكم

بالقسط والميزان لضمان حقوق جميع أفراد المجتمع.

كما أن فساد أو ضعف أداء ومهام السلطة القضائية لاينعكس سلباً على علاقة السلطة بالمجتمع وحسب، بل على علاقة الدولة بالمجتمع. فحين

يشعر المواطن أن الدولة ليست راعية لحقوقه وضامنة لعيشه الكريم يقل ولاءه إليها، وبالتالي ولائه للوطن لأن المواطن أحد عناصر قيام

الدولة.

ويرتبط مع السلطة بعقد (سياسي، اجتماعي) إن أخلت السلطة بشروطه يعتبر لاغياً قانونياً وغير مُلزم للمواطن ذاته، وعلى الضد من ذلك فإن

استقلالية السلطة القضائية وسعيها لقوننة مؤسسات الدولة والمجتمع، هو سعي لتعزيز ثقة المواطن بالقانون وزيادة ولاءه للدولة والوطن