المغرب .. مصادرة الأراضي من مالكيها من أجل المصلحة العامة

تضيع أصواتهم بين ردهات المحاكم، ينتظرون ضوءا في نفق طال آخره، يحق لهم أن يصرخوا ما شاءوا ومتى شاءوا إلا أن ’المصلحة العامة‘ هي التي شاءت وقضت أن يُفقروا ويُشردوا. كانوا يملكون أرضا فجردوا منها أو من جزء منها في أحسن الحالات؛ هؤلاء هم ’ضحايا‘ ظاهرة نزع الملكية التي تفاقمت في العقدين الأخيرين مع انطلاق ما يسمى سياسة ’الأوراش الكبرى‘ في العهد الجديد. “الوضع قابل للانفجار إذا لم يتدارك المسؤولون الأمر”.

قنبلة موقوتة

“ملكية الأرض قنبلة موقوتة مسكوت عنها، يجثم فوقها المغرب بتابوهاته ومشاكله المتفاقمة”، هكذا وصف الباحث المغربي أحمد عصيد مشكلة ملكية الأراضي في المغرب وهو يستعير نتائج بحث أكاديمي لأحد الباحثين في علماء الاجتماع. وما يهيئ الظروف المواتية لانفجار القنبلة هو العسف الذي يطال “ملاك” أراض توارثوا ملكيتها عبر الأجيال، إلا أنهم يواجهون في الوقت الراهن بواقع نزع ملكيتهم لها بحجة المنفعة العامة مقابل تعويضات لا تسمن ولا تغني ولا تسمن من جوع.

لا تكاد تخلو منطقة أو جهة مغربية من مشاكل ملكية الأرض ونزعها من أصحابها، كما أضحت مظاهر احتجاجات المتضررين من الصور المألوفة في المشهد اليومي المغربي، وهذا ما يؤكده إذاعة هولندا العالمية أحمد بويوزان وهو صحافي ميداني أنجز مؤخرا تحقيقا لإذاعة كاب راديو الخاصة حول إشكالية نزع الملكية:

“كل أسبوع تقوم جمعيات بالاحتجاج أمام عمالة المضيق – الفنيدق (تطوان) احتجاجا على قرار نزع الملكية، وتؤكد هذه الجمعيات أن المواطنين سيتشردون لأن أراضيهم هي المورد الوحيد لرزقهم وعيشهم (…) والاحتجاجات ما تزال مستمرة إلى اليوم خاصة وأن الملك متواجد في المنطقة منذ فترة ما بعد العيد، ويحاول المواطنون إسماع صوتهم للملك وأحيانا يُمنعون بطريقة أو بأخرى من الخروج للطريق الرئيسية التي يمر منها الملك”.

“نزع الهوية”

“نزع الملكية تساوي نزع الهوية”. “يا رئيس الحكومة هذا خطاب المظلومة”. “بالروح بالدم نفديك يا زمزم”، هذا نموذج من الشعارات التي رفعها فلاحون يحتجون على ما لحق بهم من عسف وظلم، بحسب ما سجلته إذاعة كاب راديو في برنامج “تحقيق”. وزمزم هو اسم لجماعة سكنية (المضيق – تطوان) انتزعت أراضيها (300 هكتار) لإقامة مشاريع سياحية. ويوضح السيد بويوزان أن الفلاحين المتضررين مستعدون للدفاع عن أراضيهم مهما كان الثمن:

“الناس مستعدون للموت في سبيل أرضهم، وهذا ما أكدوه لنا خلال إنجاز التحقيق المذكور، وأنهم مستعدون للتضحية بكل غال ونفيس من أجل استرجاع أراضيهم، بل أكثر من ذلك هناك مجموعة من السكان أسسوا جمعيات للدفاع عن أراضيهم وهم يرفضون كل أشكال التعويضات الممنوحة لهم”.

مصلحة عامة؟

نزع الملكية الخاصة في سبيل المصلحة العامة إجراء متبع في كل البلدان، وهذا ما لا يعترض عليه المتضررون من الناحية المبدئية. لكن اعتراضاتهم تتحدد أساسا في الطريقة التي يطبعها “التدليس” والتحايل وعدم الإخبار لاسيما أن معظم الفلاحين “أميون” لا يطلعون مسبقا على قرارات نزع أراضيهم عندما يتم نشرها في الجريدة الرسمية، كما أن كثيرا منهم يضيعون في متاهات المحاكم لإثبات “حقهم” في الأرض قبل المطالبة بـ حقهم” في التعويضات حتى ولو كانت هزيلة. وعلى سبيل المثال يذكر الصحافي بويوزان أن من يقبل التعويض يحصل على مبلغ 300 درهم (30 يورو) للمتر الواحد في حين أن ثمنها الحقيقي يفوق 6 آلاف درهم (600 يورو).

وفضلا عن كل هذا يطالب أصحاب الأرض بأن يسمح لهم بالاستثمار في أرضهم بأنفسهم بدل تفويتها لمستثمرين أجانب:

“يقولون مرحبا بالمصالح التي تعود بالنفع على الدولة وخصوصا المصلحة العامة من مستشفيات وطرق سيارة ومدارس، ولكن أن تُنجز فوق أراضينا منتجعات سياحية ويستفيد منها مستثمرون أجانب، فنحن أولى بأن نكون شركاء في هذا الاستثمار”.