عمليات التجميل .. «نظرة قانونية»
منصور الزغيبي

أصدرت السلطات في ولاية كاليفورنيا الأميركية قانوناً يمنع الأطباء من إجراء جراحات التجميل الاختيارية من دون إخضاع المرضى إلى فحص طبي ملائم، ويحمل القانون الذي دخل حيّز التنفيذ عام 2007 اسم «قانون دوندا ويست»، تكريماً لذكرى والدة مغني الراب كانيي ويست، التي توفيت بعد يوم واحد من خضوعها لجراحة تجميل بحسب ما أفادت به صحيفة «ساكريمنتو باي».

في العقد الأخير أصبح هناك هوس غريب ومزعج نحو جراحات التجميل المزيفة بشكل مبالغ فيه وضار، حتى بين فترة وأخرى يظهر «ضحية جديدة» يتحول من إنسان طبيعي إلى شخص مختلف مريض ويفقد معظم أعضائه أو الأهم منها ويرى الموت، والبعض يتمناه بعد أن كان طبيعياً، والكثير من هواة جراحات التجميل يعملون ذلك من باب الترف الزائد المبالغ

فيه، وهو في الحقيقة وَهْمٌ نفسي، وجراحات التجميل أصبحت تجارة، ومجال اللعب فيها واسع جداً ومخيف وخطر.

ظهر علم الجراحة التجميلية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وانتشر في كثير من بلدان العالم، حتى أصبحت الآن شبه ظاهرة عالمية، والتعاريف التي أشار إليها الاختصاصيون كثيرة، فمن ضمنها: «عمليات طبية جراحية، تستهدف إدخال تعديلات وتغييرات على الجسم البشري، إما بهدف العلاج، كما هو في عمليات الترميم ومعالجة الحروق، وإما بهدف التحسين والتغيير وفقاً لمعايير الحسن والجمال السائدة».

إن فقهاء القانون والشريعة لا يختلفون على مشروعية العمل الجراحي التجميلي من أجل معالجة تشوهات أو حروق مثلاً يستلزم من ذلك إزالتها، لأنها تدخل تحت قصد العلاج المشروع، وإنما محل الاختلاف هو إذا كانت الجراحة التجميلية من باب الترفيه الجمالي، وزيادة في التحسينات والتغيير، ومواكبة الموضة وحديث الشارع. أو تكون هناك أسباب أخرى كالدواعي النفسية، إذ يعاني البعض من أزمة نفسية بسبب القبح أو بسبب آلام نفسية والاضطراب، ويعتقدون أنهم بحاجة إلى الجراحة وهم بغنى عنها. وكذلك هناك دواعٍ إجرامية، إذ يتعمد بعض الإرهابيين والقتلة واللصوص التابعين للعصابات إجراء جراحات تجميلية لتغيير ملامحهم، من أجل الإفلات من قبضة العدالة والتمويه عليهم، أو من أجل التزييف والتضليل. مثلاً سيدة تقوم بجراحة تجميل لأجل ترغيب رجل بها وإقناعه بالزواج منها، وأيضاً هناك دواعٍ عبثية، وهذا الأمر يكثر عند بعض الطبقات المترفة التي تحكمها معايير مادية بحتة، وأخيراً هناك دواعٍ تجارية وهي متصلة بالطبيب، وذلك يكون من خلال قيامه بالتسويق لجراحات التجميل ومحاولة إقناع العملاء والتأثير عليهم، وهذا العمل مخالف لأخلاق مهنة الطب.

وفصّل هذه الدواعي بشكل متوسّع السيد محمد طاهر الحسيني في بحثه «عمليات التجميل الجراحية ومشروعيتها بين الشريعة والقانون» لمن أراد الاستزادة.

خلاصة القول، إن القوانين الطبية جاءت لتضبط وترسم العلاقة بين الطبيب والمريض، وإنها علاقة إنسانية وقانونية تستلزم من الطبيب بذل أعلى درجات الاهتمام والرعاية تجاهه، وكذلك دور القانون الذي يحمي حقوق الأفراد من العبث والانتهاك، خصوصاً من الدخلاء على عالم الطب، ويحمي ويضبط كذلك أصحاب الهوس من الإضرار بحق أنفسهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

إن القوانين الطبية في المملكة تعتبر رائعة ومميزة، ومن أبرز هذه القوانين قانون مزاولة المهن الصحية الصادر تاريخ 4-11- 1426هـ. لكن التغيّرات السريعة التي تطرأ على الساحة بشكل سريع تحتّم سرعة التحديث بشكل متواصل، ولا بد من تفعيل وتكثيف دور الهيئة الصحية الشرعية المعنية بنظر القضايا، التي ينتج من تأخر بتها الأضرار بالضحية والإحساس بضياع حقه المشروع، والتأخر في محاسبة الطبيب المتسبب، والذي قد لا يزال يمارس من دون اكتراث، ومنعه لحماية الناس منه.

ومن الضروري أن تكلف وزارة الصحة الملحقيات الصحية خارج المملكة بوضع قائمة للمستشفيات المعتمدة والموثوقة، وتضع مقدمة تعرفية بالقوانين الطبية لتلك الدول، لتعريف المواطنين بحقوقهم والواجبات التي عليهم، لكي لا يتعرض المواطنون للغش والاستغلال والأضرار بهم بأي شكل كان.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت