مدى صحة ولاية القضاء العراقي عن الدواعش المحالين من قسد .

هادي عزيز علي

تسلم العراق في الآونة الأخيرة مجموعة من مسلحي الدواعش سبق أسرتهم قوات سوريا الديمقراطية ( قسد) بضمنهم مجموعة من الأجانب . صاحب ذلك طلبات ملموسة من قبل الدول الغربية لغرض محاكمتهم في العراق . فهل يخضع هؤلاء لولاية القضاء العراقي تحقيقاً ومحاكمة أم أن أفعالهم الواقعة خارج العراق تخرجهم من الولاية تلك ؟ وبغية الإجابة على هكذا سؤال والفصل فيه لا بد من الوقوف على أحكام الاختصاص القضائي في هذا الموضوع وحسبما نصت عليه النصوص القانونية الواردة في قانون العقوبات المرقم 111 لسنة 1969 المعدل وما انصرفت إليه أحكامه نبينها على الوجه الآتي : –

الاختصاص الإقليمي – من حيث المبدأ وكما يقول شراح القانون : ( العقاب مظهر من مظاهر سيادة الدولة ) ولعل واحدة من أهم وظائف الدولة تلك المعبرة عن سيادتها هو توفير الأمن وسبل الحماية للمواطنين وسواهم المقيمين على أراضيها من المعتدين وبغض النظر عن جنسية الفاعل ، الأمر الذي دفع كافة الدولة الى سن التشريعات الجزائية باختلاف أنواعها المشرعنة لعقاب المجرمين والحيلولة دون الإفلات منه فضلاً عن تحقيق الردع العام للكافة وفي هذا المفهوم فقد نصت المادة (6) من قانون العقوبات على : ( تسري أحكام هذا القانون على جميع الجرائم التي ترتكب في العراق وتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق إذا وقع فيه فعل من الأفعال المكونة لها أو إذا تحققت فيه نتيجتها أو كان يراد لها أن تتحقق ) .

ويقصد بالأقليم قانوناً حسبما قال به فقهاء وشراح القانون : أراضي جمهورية العراق والمياه الإقليمية والفضاء الجوي الذي يعلو أراضيه فضلاً عن السفن والطائرات العراقية أينما وجدت . عليه . فأن مكان الجريمة طبقاً للاختصاص المكاني هو أراضي ومياه وأجواء العراق . وعلى هذا الوصف تنهض ولاية القضاء العراقي من حيث الاختصاص المكاني . إلا أن القانون استثنى من أحكامه الأشخاص المتمتعين بالحصانة المقررة بموجب أحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية . فضلاً عن عدم ملاحقة القانون العراقي رؤساء الدول عند ارتكابه جريمة في العراق ، إضافة الى بعض الاشخاص المتمتعين بالحصانة الخاصة بوظائفهم إلا بعد رفعها قانوناً .

ويفهم من نص المادة (6) من القانون إن المشرع العراقي أوجب العقاب على الجرائم الواقعة داخل الحدود العراقية ، ولا تسري أحكام التشريع على الجرائم التي تقع خارج تلك الحدود لكون الدول الأخرى هي التي تتكفل بذلك في حالة حدوثها لديها . وهذا المبدأ يشرع بالاستناد لأحكام السيادة . لكن الجملة الأخيرة من المادة ذاتها تعد استثناء من هذا المبدأ عندما اعتبرت حدوث نتيجة الفعل في العراق ولو إن الفعل ارتكب خارج العراق كالذي يصنع حزاماً ناسفاً في سوريا ( وهو الركن المادي للجريمة ) ولكن تفجيره يحل بين الأشخاص في العراق ، فالنتيجة هذه تطالها النصوص العقابية العراقية وينعقد اختصاصها لولاية القضاء العراقي ولو أن فعل الصناعة وقع خارج العراق والأمر ذاته معقود لولاية القضاء العراقي فيما اذا ارتكبت الجريمة في العراق إلا أن نتيجتها حدثت في دولة أجنبية أخرى .

هذا وأن الولاية القضائية منعقدة كذلك إذا كان الركن المادي للجريمة واقع خارج العراق ولو لم تحدث نتيجته التي أرادها الفاعل داخل العراق ، ولكن مجرد انصراف النية الآثمة له الى إحداثها داخل العراق ، وهو نص الجملة الأخيرة من المادة (6) المشار إليها أعلاه : ( أو ولو كان يراد أن تحقق فيه ) . وإذا ماثبت للسلطات القضائية المختصة من خلال التحقيق أن هؤلاء أو البعض من الدواعش ارتكب الفعل خارج العراق هادفاً الى تحقيق نتيجته ولكن لظرف ما خاب فعله في تحقيق تلك النتيجة ، فإن الخبية تلك لا تعفيه من النصوص العقابية العراقية .

الاختصاص العيني – المعيار في الاختصاص العيني هو انعقاد الاختصاص متى ما كانت الدولة قد أصابها الضرر في اية مصلحة من مصالحها ولو وقع الفعل خارج العراق إذا كان ذلك ماساً بأمنها الداخلي أو الخارجي أو نظامها الجمهوري . والجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي هي المنصوص عليها في قانون العقوبات / الكتاب الثاني / المواد (156 – 186 ) . والجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي المواد من (190 – 222 ) إذ جرمت المادة 190 منه كل الجرائم الواقعة من قبل عصبة استعملت القنابل او الديناميت او المواد المتفجرة الأخرى أو الاسلحة النارية والتي تصل عقوبتها الى الاعدام إذا أدت الافعال الى موت إنسان فضلاً عن الأحكام الواردة في قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005.

ومعلوم – ليس للدولة أن تمارس اجراءاتها العقابية في أراضي دولة اخرى لما ينطوي عليه هذا التصرف من مساس بسيادة الدول الأخرى . فضلاً عن مخالفته لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة . ولكن هذا لا يمنع من معاقبة الجاني المتواجد في إقليمها إذا كان فعله مرتكباً خارجه أو إذا كان ذلك الفعل ماساً بأمنها الخارجي أو الداخلي ، عليه فتكون أفعال الدواعش القادمين من سوريا وثبت إنهم قاموا بارتكاب أفعال – خارج العراق – تمس أمن الدولة بشقيه الخارجي والداخلي بأي شكل كان ، فان ولاية القضاء العراقي منعقدة بغية محاكمتهم وانزال العقاب الذي نصت عليه التشريعات الجزائية العراقية . ( المادة 9 عقوبات ) .

الاختصاص الشخصي – ومفاده إن الدولة تطبق قانونها على كل شخص – فاعلاً أو شريكا – يحمل جنسيتها إذا ارتكب جريمة خارجها يعاقب عليه قانون ذلك البلد الذي ارتكب فيه الفعل المخالف لقانونهم . ومن خلال الرجوع الى المادة 10 من قانون العقوبات فأنها تنص على : ( كل عراقي ارتكب وهو في الخارج فعلا يجعله فاعلاً أو شريكاً في جريمة تعد جناية أو جنحة بمقتضى هذا القانون يعاقب طبقاً لأحكامه اذا وجد في الجمهورية وكان ما ارتكبه معاقباً عليه بمقتضى قانون البلد الذي وقع فيه…).

وطبقاً لهذا النص فإذا كان ثمة عراقيون من ضمن الدفعة المستلمة من ( قسد) كانوا مرتكبين أفعالاً يعاقب عليها قانون العقوبات السوري ، أو أي بلد كانوا فيه سابقاً وارتكبوا أفعالاً مجرمة بموجب القوانين العقابية لذلك البلد ، ولم تتح الفرصة للقضاء السوري أو سواه من البلدان الاخرى بذات الوصف من إيقاع العقاب عليه ، فأن ولاية القضاء العراقي منعقدة عليهم لغرض التحقيق ومحاكمته وإنزال العقاب المناسب بحقهم في حالة ثبوته . ويشترط لانعقادها تحقق الشروط الخمسة الآتية وهي :- (أ) – أن يكون الفعل مرتكب في دولة غير العراق . (ب ) – أن يكون مرتكب الجريمة يحمل الجنسية العراقية ، (ب) – وإن الوصف القانوني للجريمة ينحصر في الجناية والجنحة ولا يتعداها الى المخالفة . (ج ) – وأن يكون الفعل معاقباً عليه في لبلد الذي ارتكبت فيه ، (د ) – فضلاً عما تقدم يجب عودة الفاعل الى العراق.

وهذا يعني أن أي واحداً من الأشخاص الذين تسلمهم العراق من ( قسد) – عراقي الجنسية – وكانوا قد ارتكبوا أفعالاً مجرمة بموجب قوانين الجمهورية العربية السورية أو أية دولة أخرى كانوا فيها وقبل مجيئهم الى العراق ، ولم تسنح الظروف لمحاكمتهم هناك ، فأن الولاية والحالة هذه منعقدة للقضاء العراقي لغرض التحقيق معهم ومحاكمتهم وانزال العقاب المناسب بهم في حالة ثبوت ما هو منسوب إليهم من أفعال مجرمة . وبموجب نص هذه المادة لا يمكن للفاعل الإفلات من العقاب ولو احتمى بوطنه .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت