مدى جوآز الجمع بين الفسخ والتعويض والخيرة بينهمآ

1- الخيار بين الفسخ والتنفيذ :

مما لا خلاف فيه ان الدائن اذا رفع دعوى الفسخ، فأن الحكم بالفسخ لا يكون حتميا، بل يكون هناك خيار بين الفسخ والتنفيذ. وهذا الخيار يكون لكل من الدائن والمدين والقاضي.

فالدائن بعد ان يرفع دعوى الفسخ له ان يعدل، قبل الحكم، عن طلب الفسخ الى طلب التنفيذ العيني اذا كان هذا التنفيذ ممكنا، كما انه اذا رفع دعوى التنفيذ العيني فله ان يعدل عنه الى الفسخ، كما ان له ان يجمع بين المطالبة بالفسخ مع التعويض، او المطالبة بالتتنفيذ العيني مع التعويض، وله ايضا الحق في العدول عن الفسخ الى المطالبة بالتعويض فقط دون ان يعد مجرد النزول عن طلب الفسخ نزولا عن حقه في المطالبة بالتعويض.

كما ان من حق المدين، قبل النطق بالحكم النهائي، ان ينفذ التزامه فيتجنب الفسخ ولا يبقى في هذه الحالة الا ان يقدر القاضي ما اذا كان هناك محل للحكم بالتعويض للدائن عن تأخر المدين في تنفيذ التزامه وهذا ما لم تأخذ به الهيئة الموسعة المدنية في محكمة التمييز الاتحادية التي عدت مجرد تنازل المدعى عن حقه في طلب الفسخ تنازلا عن حقه في المطالبة بالتعويض بعد ان ربطة بينهما في العبارة الاتية ( … في حين يلزم ان يكون طلب التعويض تابعا لطلب الفسخ … ووفقا لما هو موضح في المادة 177 مدني عراقي ).

2- الجمع بين الفسخ والتعويض والخيرة بينهما :

والسؤال الذي يطرح هنا؛ هل يحق للدائن ان يطلب فسخ العقد مع تعويضه عما لحقه من ضرر وما فاته من ربح؟ ام ان الفسخ في حد ذاته تعويض يكتفي فيه الدائن ويحقق له العدالة التي اراد المشرع توفيرها بين الطرفين؟ وهل له الحق في ان يختار بين الفسخ والتعويض بعد رفع الدعوى؟

تلك هي مسألة الجمع والخيرة بين التعويض والفسخ، والحقيقة نقول أن التشريعات المدنية الحديثة لم تجر فيها على وتيرة واحدة فلم يقر القانون المدني الألماني هذا الجمع بين الفسخ والتعويض ونظر اليه كأنه تعويض مزدوج عن ضرر واحد وهو أمر غير جائز. وبيان ذلك أن هذا القانون يفرق بين عدم التنفيذ وبين مجرد التأخير في التنفيذ ويضع لكل من الحالتين حلولا منفردة فتقضي المادة 325 منه بأن للمتعاقد الذي يشكو من عدم تنفيذ خصمه لالتزاماته أن يختار بين عدة طرق فهو يستطيع اولا أن يطالب بتعويضه عن الضرر الذي لحقه والربح الذي فاته من عدم التنفيذ ولكنه في هذه الحالة يبقى ملتزما بوفاء ما التزم به اي انه لا يستطيع في هذه الحالة أن يطلب فسخ العقد وحل الرابطة العقدية. وله ثانيا ان يطالب بفسخ العقد ويقع الفسخ بمجرد اعلان ارادته وتوجيهها الى المدين دون حاجة الى تدخل القضاء. ولكنه في هذه الحالة لا يستطيع ان يطالب بالتعويض عما لحقه من ضرر ذلك لأن واضعى القانون المدني الألماني يرون ان الفسخ لا ينسجم مع امكان المطالبة بالتعويض، ذلك لأن التعويض ليس الا طريقا من طرق التنفيذ الجبري فلا بد فيه من بقاء الرابطة التعاقدية وفضلا عن ذلك فأن القانون الألماني اراد أن يضع وسيلتين يضمن الدائن باحداهما الحصول على حقه عند أخلال خصمه بالتزاماته وهاتان الوسيلتان هما فسخ العقد والمطالبة بالتعويض وللدائن مطلق الحرية في اختيار احدهما فاذا اعلن عن اختياره وذلك بأن طالب بفسخ العقد مثلا فانه يكون قد اقر بارادته الحرة الرشيدة بان هذه الوسيلة توفر له العدالة التي يرمي اليها القانون وتعوضه عما صابه من ضرر تعويضا كاملا فلا يقبل منه بعد هذا أن يطالب بتعويض أخر.

أما القانون المدني الفرنسي، فقد اجاز للدائن المطالبة بالتنفيذ العيني أو الفسخ مع التعويض في الحالتين اذا كان له مقتضى، حيث نصت المادة 1184 منه على انه ( الشرط الفاسخ متضمن دائما في العقود التبادلية في حالة ما اذا لم يقم احد المتعاقدين بما عليه من التزام. وفي هذه الحالة لا يفسخ العقد من تلقاء نفسه بل يكون للطرف الذي لم يستوف التزامه الخيار بين اجبار غريمه على تنفيذ العقد متى كان هذا التنفيذ ممكنا او ان يطلب فسخ العقد مع التعويضات. ويجب ان تكون المطالبة بالفسخ امام القضاء ويجوز منح مهلة على حسب الأحوال ).

وقد سار القانون المدني العراقي كعادته – في الغالب – على غرار القانون المدني الفرنسي فنص في المادة 177 منه على انه ( 1- في العقود الملزمة للجانبين اذا لم يوف احد العاقدين بما وجب عليه بالعقد جاز للعاقد الآخر بعد الاعذار أن يطلب الفسخ مع التعويض أن كان له مقتضى على أنه يجوز للمحكمة أن تنظر المدين الى اجل، كما يجوز لها أن ترفض طلب الفسخ اذا كان ما لم يوف به المدين قليلا بالنسبة للالتزام في جملته ).

وهذا يعني أن المشرع العراقي أجاز الجمع بين الفسخ على اساس المادة 177 مدني مع التعويض على اساس أحكام المسؤولية التقصيرية ( م 204 مدني عراقي )، كما أجاز للمحكمة أن ترفض الفسخ على اساس المادة ( 177 مدني عراقي )، وتقضي بالتعويض فقط على أساس أحكام المسؤولية العقدية ( م 168 مدني عراقي )، وهذا ما لم تلاحظه الهيئة الموسعة المدنية مما جعل حكمها عاريا عن السند القانوني السليم.

3- اساس الحكم بالتعويض في حالة فسخ العقد وفي حالة عدم الفسخ :

اذا قضت المحكمة بفسخ العقد، فللدائن الذي اجيب الى فسخ العقد أن يرجع بالتعويض على المدين اذا كان عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه راجعا الى خطئه، لاهمال او تعمد. والتعويض هنا يبنى على اساس المسؤولية التقصيرية ( م 204 مدني عراقي ) لا المسؤولية العقدية ( م 168 مدني عراقي )، فان العقد بعد أن فسخ لا يصلح أن يكون اساسا للتعويض، وانما اساس التعويض خطأ المدين، ويعتبر العقد هنا واقعة مادية لا عملا قانونيا كما في البطلان. أما العاقد الذي لم يقم بتنفيذ التزامه فليس له أن يطالب بالتعويض. أما اذا عدل الدائن عن حقه في طلب الفسخ واقتصر على المطالبة بالتعويض، جاز الحكم له بالتعويض على اساس المسؤولية العقدية، حيث نصت المادة 168 مدني عراقي على انه ( 1- اذا استحال على الملتزم بالعقد أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ما لم يثبت استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب اجنبي لا يد له فيه. وكذلك يكون الحكم اذا تأخر الملتزم في تنفيذ التزامه ).

لأن العقد في هذه الحالة يبقى قائما ولم يفسخ. فيصح أذن للدائن أن يحصل على تعويض، أما مع بقاء العقد على اساس المسؤولية العقدية، وأما بعد فسخ العقد على اساس المسؤولية التقصيرية. ولكن يشترط للحكم على المدين بالتعويض وفقا لاحكام المادة 168 من القانون المدني العراقي تحقق الشروط الاتية:

أولا: ان يكون عدم التنفيذ او التأخير فيه ناشئا عن خطأ المدين وهذا هو العنصر الشخصي في التعويض، ويلاحظ ان مسؤولية المدين في الدعوى موضوع التعليق مسؤولية تعاقدية وان طبيعة التزامه كما يقول الفقهاء التزام بنتيجة فهو يسأل عن مجرد عدم تحقق النتيجة التي رمى اليها الدائن بتعاقده ويفترض صدور الخطأ من جانب المدين وعليه أن ينفى هذا الفرض بأن يثبت السبب الاجنبي كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي.

ثانيا: أن يلحق عدم التنفيذ أو التأخير فيه ضـررا بالدائن وهـذا هـو العنصر المـادي فـي التعويض وهو شرطه الاساسي الذي يدور معه وجودا وعدما، فاذا انتفى الضرر رفضت الدعوى أذ لا دعوى بغير مصلحة ويقع اثبات الضرر عـلى عاتق الدائن الا اذا كان دائنا بمبلغ مـن النقود حـيث أن القانون افـترض وقوع الضـرر فـي مثل هـذه الحالة، بل انه تولى بنفسه تقـدير التعويض ( م 171 مدني عراقي ).

وحيث أن الهيئة الموسعة المدنية لم تبحث في هذين الشرطين من حيث مدى تحققهما فأنها تكون قد خالفة حكم القانون.