موانع المسؤولية الجنائية
إن المسؤولية حالة ملازمة للإنسان مع تنوعها واختلاف صورها، بشرط أن يكون الإنسان صالحا للمؤاخذة أمام مسؤولياته، وبهذا المبدأ راعت الشريعة الإسلامية هذا الجانب في كثير من مواطن المسؤولية، خاصة في المسؤولية الجنائية فيما يتعلق بالحدود، فقد رفعت تبعات فعل الإنسان إذا وجدت موانع للمسؤولية الجنائية بحيث إن الإنسان لا يخضع للجزاءات المقررة في العقوبات ويدرأ الحد عنه بالشبهة وينتفي عنه فعل العمد.

وهذا المبدأ مقرر في القانون السعودي باعتبار أن قواعده مستمدة من نصوص القرآن والسنة، ولذا تمتنع المسؤولية الجنائية عن ذات الشخص إذا لازمته بعض الصفات وأولها صغر السن الذي لم يكتمل معه التمييز وانعدم الاختيار والإدراك، وكذلك الجنون والعته اللذان يذهبان بإدراك الإنسان لتوابع تصرفاته وقدرته على تقدير الأمور الصحيحة والخاطئة، وأيضا الإكراه التام بحيث ينعدم الرضا والاختيار للإنسان وينقاد إلى التصرف بالقوة القهرية.

وقد اختلف الفقهاء في مسألة الإكراه كأحد موانع المسؤولية الجنائية وذهب مالك – يرحمه الله – إلى أن الإكراه ليس مانعا من موانع المسؤولية الجنائية حتى وإن كان المكره يمتلك سلطة قهرية على دفع شخص ما على فعل ما هو محرم شرعا وقانونا، واختلف الفقهاء في مانع آخر وهو السكر على قولين بمعنى إذا تأثر العقل بمادة غير محرمة شرعا فإن ذلك يكون مانعا أما إن تأثر العقل وغيب إدراكه بمادة محرمة كالمسكر والمخدرات وما شابههما فإن ذلك لا يعتبر مانعا لأن القرآن الكريم خاطب المؤمنين بالنهي وقت السكر في قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى».

والأصل في المسؤولية الجنائية فيما يختص بالحدود أنها تقوم على فعل محرم شرعا يأتيه الإنسان عامدا وهو مدرك لفعله، وبناء على ما سبق ذكرنا أربعة موانع اثنان متفق عليهما واثنان مختلف فيهما وللمحكمة التي تنظر القضايا التي تترتب عليها مسؤولية جنائية تقدير المانعين الآخرين فيما هل تقبلهما مانعا تدرأ به الحدود أو لا تقبلهما.

عبدالله قاسم العنزي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت