حقوق المتقدم للوظيفة
تبدأ القصة من استحداث الوظيفة حتى تُسلم المهمة إلى إدارة التوظيف، التي تبدأ في عملية استقطاب سعيد الحظ ليسد فراغا مهما في مكان العمل. ولكن بسبب ضعف استخدام القنوات التوظيفية لا تتاح الوظيفة بطريقة عادلة للجميع. تبدأ الخطوة السريعة الثانية بعد فلترة عشوائية غير منضبطة للسير الذاتية يقوم فيها ممثل إدارة التوظيف بالاتصال بالمرشحين للمقابلة الشخصية، تحصل فيها المكالمة التالية – بدون مقدمات: “ألو، الأخ فلان؟ لديك موعد مقابلة شخصية غدا الساعة العاشرة، هل تستطيع الحضور؟” وبالطبع عندما يسأل الشخص عن ماهية الوظيفة يكون الجواب: “ستعرف أثناء المقابلة”.

يحضر للمقابلة التي يخلط فيها مشرف التوظيف بين الأساليب الذكية للتعرف على قدرات المتقدم وبين الاستفزاز وربما الإهانة المباشرة التي قد تتحول إلى جلسة تأنيب وتهزيئ تعقيبا على أسئلة المتقدم حول طبيعة العمل والمسمى الوظيفي، في نظر من يدير المقابلة لا يبحث الشباب إلا عن الوظائف الإدارية وربما القيادية دون قضاء فترة كافية من الصبر والتدرج. تنتهي الساعة العصيبة للمتقدم التي يخرج منها ممثل الشركة بقصة عنوانها “قابلت اليوم واحد..!”.

وبالطبع تمر الأيام وربما الشهور التي لا يحصل فيها المتقدم على رد. تختلف سلوكيات إدارات التوظيف في أماكن العمل وربما تزيد عما ذكرته أعلاه، وهي أفضل من ذلك في بعض الحالات. بكل تأكيد، على المتقدم للوظيفة دور كبير في تعزيز وعيه الوظيفي وأساليب البحث والتقدم للوظائف. ولكن، الاهتمام بأخلاقيات التوظيف والعمل الاحترافي مسؤولية جهات العمل بشكل أساسي، فهي التي تملك زمام الأمور وهي التي تحدد متطلبات التقدم وأساليب القيام بها.

صنع الثقافة الوظيفية في سوق العمل ينتج من عدة عوامل تدعمها القوانين والممارسات التي يلتزم بها ويمليها صاحب العمل على المتقدمين. تحدث تجاوزات التوظيف قبل وأثناء وبعد المقابلة الشخصية، وإذا قصر الباحث عن عمل في واجباته، فالأسباب تعود إلى وعيه الوظيفي الذي لم يتراكم كما يجب من أيام الدراسة وحتى جديته في التعاطي مع مجتمعه، وهي مشكلة متعددة الأسباب ينظر فيها إلى راعي سوق العمل الأول، أي وزارة العمل، التي لا تزال ترعى البرامج والأنشطة ذات العلاقة بذلك. ولكن إذا تجاوز موظف الموارد البشرية المؤهل والمتخصص، فالسبب يقتصر على جودة الجهة التي يتبع لها في تطبيق الممارسات التوظيفية العادلة، واللوم يقع عليها بشكل مباشر. إذا فقد الباحث عن عمل ثقته بجهة توظيف معينة سيفقد ثقته بكل الجهات التوظيفية، وكذلك إذا شعر باحترام هذه الجهات له سيعامل كل الجهات بالطريقة ذاتها. تتحمل أماكن العمل مسؤولية اجتماعية كبيرة في سوق تتطور ثقافته التوظيفية كل يوم.

تتشكل حاليا الكثير من الضغوط على العرض والطلب في سوق العمل، ويتشاءم البعض بواقع أشد في قادم الأيام. وهذا يعني تحديات أكبر للباحث عن العمل وفرص أكبر للباحث عن الكفاءة. ولكن تغيير المعادلة لا يعني أن تزيد وطأة الممارسات غير المقبولة من جهات العمل. على العكس تماما، المتوقع أن تسهم هذه الجهات بدورها في تحسين سوق العمل ومن ذلك الممارسات التي تحترم الوظيفة والمتقدم للوظيفة. يحدثني أحد حملة الماجستير الجدد الذي يملك خبرة عملية سابقة بأن المسمى الوظيفي تغير أثناء المقابلة بشكل جذري بعد مكالمة الدعوة للمقابلة، وتساءل عن السبب أثناء المقابلة ليفاجأ بحملة توبيخ شديدة اللهجة من صاحب العمل قلل فيها من خبراته وذكره أن الموظف المجد سيقبل بأي شيء لتستمر مسيرته المهنية ولو كان يحمل ماجستيرا. نتفق أن الفرص القابلة للاستغلال يجب ألا تكون بالضرورة مكافئة لخبرات وتعليم الشخص، فما يتاح في سوق العمل يتغير ويتقلب وعلى الشخص أحيانا التضحية بشكل ما حتى يضمن المحافظة على مساره وخطته المهنية.

ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن تخرج المقابلة من إطارها الاستكشافي والتحققي وتتحول إلى جلسة للتأنيب والتوبيخ. من الأمور المتكررة استهلاك الشخص حضوريا بعدد من المقابلات مع أكثر من مسؤول داخل الشركة وتختم بعبارة: “سنتصل بك خلال أيام” لا يتبعها أي اتصال. لا أعتقد أن مكالمة سريعة أو رسالة بالبريد الإلكتروني أو حتى رسالة بالجوال تعبر عن شكرها للمتقدم وتعتذر عن عدم اختياره ستكلف جهة التوظيف شيئا.

ولكنها ستجعل خياراته أوضح وتمنحه فرصة تعديل استراتيجية البحث لديه وبكل تأكيد تنهي انتظاره الطويل لقرار يخصه ولا يعلم عنه. تتقاطع حقوق المتقدم للوظيفة مع حقوق جهة العمل، سواء فيما يخص الالتزام بالمواعيد أو الحفاظ على السرية أو الجدية في التعامل. وتقع المسؤولية الأكبر في نظري على جهة العمل لاختلاف موقعها في حلقة البحث والاختيار والتفاوض. لذا تحدد ممارسات مديري التوظيف جزءا كبيرا من آلية حصول الباحثين عن عمل على حقوقهم. احترافيتهم في أداء عملهم تظهر كنتيجة مباشرة على ثقافة المتقدم وجودة التوظيف، وتنعكس في نهاية الأمر على سمعة الشركة وقدرتها على جذب المزيد من الكفاءات النوعية التي تبحث عنها

إعادة نشر بواسطة محاماة نت