منازعات غير خاضعة لاختصاص اللجنة المصرفية
زهير بن سليمان الحربش

تقوم البنوك التجارية في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء بدور اقتصادي مهم، حيث تعد من ركائز الاقتصاد الوطني للعمل الذي تقوم به في مجالي الائتمان وقبول الودائع، إضافة إلى دور تلك البنوك في النمو الاقتصادي للدولة الحديثة التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على نشاط القطاع الخاص الذي يلجأ في تمويله إلى الاقتراض من البنوك التجارية.

ويحتاج النظام المصرفي في عالمنا المعاصر إلى مناخ استثماري يكفل له من الضمانات والقواعد ما يمكنه من أداء عمله في خدمة النمو الاقتصادي على الوجه الأكمل. هذا الأمر البالغ الأهمية وجد اهتماما من الجهات المعنية في دول العالم، وصدرت من أجله الأنظمة والضوابط الإدارية التي تهدف إلى حماية حقوق كل من المصرف المقرض والعميل المستفيد. والسعودية ليست بدعاً من هذه القاعدة، فلما للبنوك التجارية من أهمية، ولحفظ حقوقها وحقوق عملائها وفقاً للاتفاقيات المبرمة بين طرفي العلاقة، صدر الأمر السامي الكريم رقم 729/8 وتاريخ 10/7/1407هـ الموافق 10/3/1987م بتشكيل لجنة تقوم بدراسة القضايا والخلافات التي تنشأ بين البنوك وعملائها تسمى لجنة تسوية المنازعات المصرفية ”اللجنة المصرفية” وهي موضوع هذه الورقة التي سوف أركز فيها على الاختصاص القضائي للجنة وماهية القضايا التي تخرج عن اختصاصها.

استمدت اللجنة المصرفية مشروعيتها واختصاصها الحصري بنظر القضايا المصرفية بموجب الأمر السامي الكريم 729/8 وتاريخ 10/7/1407هـ، حيث نص في المادة الثانية منه على أن تكون تسوية الخلافات بين البنوك وعملائها من اختصاص هذه اللجنة، ثم صدر تعميم وزير العدل لجميع المحاكم برقم 12/138/ت وتاريخ 28/7/1407هـ بضرورة إعمال ما جاء في الأمر السامي وعدم سماع الدعاوى التي تقدم ضد البنوك أو من قبلها ……، ثم جاء بعد ذلك الأمر السامي البرقي رقم 4/ب/110 في 2/1/1409هـ ليحدد المقصود بالدعاوى التي تختص بنظرها اللجنة المصرفية ونص على أنها القضايا ذات الصفة المصرفية،

وأخيراً التعميم القضائي الذي صدر من وزير العدل برقم 8/14ت بتاريخ 6/2/1409هـ الذي يؤكد ويضفي على قرارات اللجنة صفة القرارات والأحكام النهائية، هذا من حيث التشريع، أما من حيث التنفيذ، فإن عديدا من الأوامر السامية اللاحقة التي صدرت في عدد من القضايا قضت بالتأكيد على اختصاص اللجنة بنظر القضايا المصرفية بين البنوك وعملائها وأن قراراتها في هذا الشأن تعد نهائية منهية للنزاع، ومنها على سبيل المثال الأمر السامي رقم 4/ب/21134 وتاريخ 5/6/1423هـ، والأمر السامي رقم 4/ب/25828 وتاريخ 2/6/1424هـ، والأمر السامي رقم 4/ب/36405 وتاريخ 26/7/1424هـ، والأمر السامي رقم 57921/ب وتاريخ 12/12/1425هـ، والأمر السامي رقم 5857/ م ب وتاريخ 4/8/1427هـ. كما أن مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة في قراره رقم 323/3 وتاريخ 4/4/1424هـ قضى بالموافقة على ما أجراه القاضي في إحدى القضايا وأيدته محكمة التمييز بقرارها رقم 603/6/1 وتاريخ 18/7/1421هـ من الحكم بصرف النظر عن دعوى المدعي حيث سبق الحكم فيها من اللجنة المصرفية.

كما سبق لديوان المظالم أن أصدر أكثر من حكم بشأن قضايا مماثلة أكد فيها عدم جواز نظره في هذا النوع من القضايا ”القضايا المصرفية” ومن هذه الأحكام على سبيل المثال الحكم رقم 204/د/تج/10 لعام 1426هـ والحكم رقم 42/ت/3 لعام 1423هـ. كما أنه وعندما تم التظلم إلى المقام السامي من قرار صادر من اللجنة المصرفية بحجة أنها ليست ذات اختصاص، وطلب المتظلم إحالة الخلاف إلى المحكمة حسب الاختصاص، صدر الأمر السامي الكريم المتضمن ما يلي: ”وحيث إن وقف تنفيذ القرار المشار إليه سيكون له انعكاس سلبي على مكانة اللجنة المصرفية باعتبارها الجهة المختصة بنظر الخلافات بين البنوك وعملائها، وسيكون له انعكاس سلبي على مصداقية ما يصدر عن هذه اللجنة من قرارات.. لذا نرى ضرورة إلزام المذكور بتنفيذ قرار اللجنة المصرفية المشار إليها لأنه صدر عن جهة مختصة”، ويتضح من هذا أن اللجنة ذات اختصاص قضائي وأن للجنة وحدها دون غيرها صلاحية نظر القضايا المصرفية والبت فيها.

وأخيراً ما جاء في الأمر السامي رقم 5857/م. ب وتاريخ 4/8/1427هـ الذي قرر أنه لا محل لطلب إحالة الدعاوى إلى جهة أخرى، حيث إن اللجنة المصرفية هي المختصة نظاماً ”حيث أوكل إليها ولي الأمر سلطة حسم النزاع في القضايا المصرفية، وتعد قراراتها نهائية حائزة لحجية الأمر المقضي فيه، كما لا تقوم اللجنة المصرفية بتاتاً بإحالة الدعاوى المصرفية إلى أية محكمة أخرى. لقد حدد نظام المرافعات الشرعية الباب الثاني اختصاص محاكم المملكة وأوضح أن لهذه المحاكم اختصاصا دولياً، حيث إن محاكم المملكة تختص بنظر الدعاوى التي ترفع على السعودي ولو لم يكن له محل إقامة عام أو مختار في المملكة، فيما عدا الدعاوى العينية المتعلقة بعقار واقع خارج المملكة.

كما أن نظام المرافعات الشرعية حدد الاختصاص النوعي وهو الذي يعنى بالقضايا التي تختص المحاكم بنظرها، وحيث إن لجنة تسوية المنازعات المصرفية تحدد اختصاصها النوعي بموجب الأمر السامي الكريم 729/8 وتاريخ 10/07/1407هـ والتعاميم اللاحقة فهي إذن الجهة الوحيدة المختصة بنظر القضايا المصرفية، أما فيما يخص الاختصاص المكاني فإن لجنة تسوية المنازعات المصرفية لها أيضاً هذا الاختصاص باعتبار أنها لجنة واحدة ومقرها واحد وهو الرياض وليس لها فروع أخرى سواء داخل الرياض أو في أي مناطق أخرى في المملكة.

وفيما يتعلق بتطبيقات الاختصاص، فإعمالاً للقواعد العامة في الاختصاص الولائي، فإنه يستلزم لانعقاد الاختصاص الولائي للجنة بنظر المنازعة توافر عنصرين الأول أن يكون أحد طرفي الدعوى بنكاً والثاني أن تكون الدعوى مصرفية، حيث يخرج من اختصاص اللجنة نظر القضايا التي تحدث بين البنك ومدير أحد فروعه لكون ذلك موضوعاً غير مصرفي، حيث تخضع علاقة البنك بموظفيه لنظام العمل بحكم علاقة العمل التي تربطهم ببعضهم بعضا. كما لا يكفي أن يكون أحد أطراف النزاع بنكاً، بل يجب أن يكون الخلاف بين بنك وعميل أو بين بنكين نتيجة ممارسة البنك عملا مصرفيا، فعند قيام بنك برفع دعوى أمام اللجنة المصرفية ضد مدير أحد فروعه الذي قام بمنح قروض وتسهيلات بالمخالفة لنظام وتعليمات البنك،

تقوم اللجنة في هذه الحالة بإصدار قرارها برد الدعوى لعدم الاختصاص ولائياً بنظرها، ولا تكون اللجنة ذات اختصاص في حالة ما إذا رفع عميل البنك دعوى ضد البنك نتيجة خلاف حدث بينه وبين مدير ذلك البنك أو أحد فروعه، مثلاً نتيجة توكيل العميل المدير بصفته الشخصية لا الوظيفية لأداء بعض الأعمال نيابة عنه، كأن يترتب في ذمة العميل مديونية لصالح البنك، ويقوم العميل بتوكيل مدير فرع البنك الدائن للقيام نيابة عنه ببيع أراض يملكها وقبض ثمنها لإيداعه في حسابه المدين لدى البنك، وقام وكيل العميل وهو مدير الفرع بإساءة استغلال الصلاحيات الممنوحة له بالوكالة، كأن يقوم ببيع الأراضي بأسعار بخسة، هنا لا يحق للعميل رفع دعوى أمام اللجنة للمطالبة بالحقوق التي ضاعت عليه نتيجة أعمال مدير الفرع وكذلك عند دخول العميل في معاملات شخصية مع موظفي البنك، على أساس مبدأ مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعهThe respondeat superior doctrine، وهو ما انتهى إليه مجلس القضاء الأعلى في قراره رقم 522/3 وتاريخ 24/08/1423هـ، المؤيد من قبل ديوان رئاسة مجلس الوزراء بموجب الأمر البرقي رقم 4/ب/50876 وتاريخ 16/12/1423هـ، فهذا الخلاف يخرج من دائرة المنازعات المصرفية ولا تكون اللجنة مختصة ولائياً بنظره، كما تخرج قضايا التأمين من اختصاص اللجنة المصرفية، وكذلك منازعات الأوراق المالية ”الأسهم” والصناديق الاستثمارية، ما لم تكن مرتبطة بتسهيلات وقروض مصرفية.

كذلك لا تكون اللجنة مختصة بنظر نزاع مساهمي البنك الذين يطعنون في قرارات مجلس الإدارة، ومدى مشروعيتها، وصحة قرار زيادة رأس المال، وعدم مراعاة الأولوية للمساهمين القدامى وأحقيتهم في الحصول على أسهم مجانية، حيث إن علاقة البنك بمساهميه تخضع لنظام الشركات وأحكام القانون التجاري، ولا يصح تمسك البعض بالقول إن علاقة المساهمين بالبنك تعد مصرفية، وتأتي ضمن عبارة ”وغير ذلك من أعمال البنوك” وهي العبارة التي جاءت في آخر المادة الخاصة بتعريف الأعمال المصرفية في نظام مراقبة البنوك .

كما لا تختص اللجنة المصرفية بالتوصية أو الحجز على الأموال غير المنقولة (العقارات)، كما يعتقد بعض الباحثين، ولا تختص اللجنة بنظر المنازعات بين الأفراد وبعضهم بعضا ولو كانت ناشئة أصلاً عن عمل مصرفي كرجوع الكفيل على المدين المكفول بما أداه عنه من دين للبنك، في حين تختص اللجنة المصرفية بنظر قضايا التأجير التمويلي وتختص كذلك بنظر دعاوى دائني الأشخاص المدينين للبنوك وذلك متى كان للمدين مستحقات لدى إحدى الجهات الحكومية وتم الحجز عليها من قبل اللجنة المصرفية حتى تكون البنوك أسوة بالغرماء وفق ما جاء في المادة السابعة من الأمر السامي الكريم الخاص بإنشاء اللجنة، كما لا تختص اللجنة المصرفية بنظر قضايا الأوراق التجارية ”السند لأمر” حتى ولو كان البنك هو المحرر لأمره السند، كون ذلك من اختصاص مكاتب ولجان الفصل في منازعات الأوراق التجارية، كما لا تختص اللجنة بنظر طلبات البنك المتعلقة ببيع العقار المرهون أو المودع سداداً لمديونية، كما لا تختص اللجنة بنظر قضايا القروض السكنية التي تمنح من قبل البنوك لموظفيها أثناء الخدمة،

في حين تختص اللجنة بنظر القضايا المقامة من بنوك أجنبية ضد مدين مقيم في المملكة أو إذا كان المدين سعودي الجنسية ما لم تنص العقود والاتفاقيات على خلاف ذلك، ولا يكون للجنة اختصاص بنظر طلب عميل رفع الحجز عن أرصدة حساباته إذا كان الحجز قد صدر بناء على توصية لجنة عليا مشكلة بموجب أمر سام . فاللجنة المصرفية تكون مختصة إذاً بنظر القضايا المصرفية التي يكون أحد أطرافها بنكاً. والله الموفق،،،

إعادة نشر بواسطة محاماة نت