السلطات القانونية لمنظمة الأمم المتحدة

ترتب على إخفاق عصبة الأمم في منع قيام الحرب العالمية الثانية أو الحيلولة دون استمرارها ، اتجاه التفكير إلى إنشاء الأمم المتحدة كمنظمة عالمية دائمة تعمل أساساً على تجنب قيام حروب مقبلة وعلى إعادة تنظيم السلم والأمن الدوليين ، ودعم التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق هذا الهدف الأصيل .

هذا ويمكن التمييز فيإنشاء الأمم المتحدة بين مرحلتين أساسيتين ، أماالمرحلة الأولى، فقد تميزت بصدور مجموعة من التصريحات الدولية التي تدور حول الدعوة إلى إنشاء تنظيم دائم لحفظ اسلم والأمن والدوليين وأول هذه التصريحات هو تصريح الأطلنطي الذي صدر في 14 أغسطس آب عام 1941 عقب الاجتماع الذي ضم كلاً من الرئيس الأمريكي روزفلت وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا آنذاك ، وتضمن التصريح مجموعة من المبادئ لتنظيم وإدارة العلاقات الدولية ، كاحترام الشعوب في اختيار نظم الحكم التي ترتضيها وتحقيق التعاون الكامل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ، واحترام مبدأ حرية البحار ، وعد الاعتراف بالتوسع الإقليمي على حساب الغير ، واتفاق التغييرات الإقليمية مع إرادة السكان الذين يهمهم الأمر ، والمساواة بين جميع الدول في التجارة الدولية وفي الحصول على الموارد الأولية ، كما تضمن تصريح الأطلنطي إقامة تنظيم دولي دائم وفقاً للمبادئ سالفة الذكر ن يعمل على منع استخدام القوة في العلاقات الدولية ، مع نزع سلاح الدول مصدر التهديد لسلام البشرية وأمنها .

وتلا صريح الأطلنطي تصريح واشنطن أو تصريح الأمم المتحدة الذي صدر في أول يناير كانون ثان عام 1942 موقعاً عليه من ست وعشرين دولة ، كما انضمت إليه بعد توقيعه إحدى وعشرون دولة ، وقد تضمن الاتفاق إنشاء تنظيم دولي يكفل احترام حقوق الإنسان وبصفة خاصة حق الشعوب في تقرير مصيرها وتأكيد استقلالها .

أما تصريح موسكو الصادر في 30 أكتوبر تشرين أول عام 1943 فقد التزمت فيه الدول الأربع الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي والصين) لأول مرة بطريقة واضحة وصريحة بإنشاء منظمة دولية عامة تكون مهمتها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وفقاً لمبدأ المساواة فقي السيادة بين جميع الدول المحبة للسلام ، كما تضمن التصريح بعض المبادئ المهمة والخاصة ببعض الدول الأوروبية ومحاكمة مجرمي الحرب .

وأخيراً فقد صدر تصريح طهران في أو ديسمبر كانون أول عام 1943 وفقد أكد رؤساء الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي عدة أمور أهمها استمرار التعاون الإيجابي بين جميع الدول بعد انتهاء الحرب ، والعمل على تكوين تجمع عالمي يضم الشعوب الديمقراطية ، ولا شك أن التصريحات الدولية سالفة الذكر بما ساعدت عليه من بلورة وتحديد الخطوط الأساسية للتنظيم الدولي الجديد كانت بمثابة دعامة أساسية للمرحلة الثانية في إنشاء الأمم المتحدة وهي مرحلة المؤتمرات الدولية .

فقد انعقد مؤتمر دومبارتون اوكس في الفترة من 2 أغسطس إلى 28 سبتمبر بين الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي ثم انضمت الصين في الفترة من 29 إلى 17 أكتوبر وتمخض المؤتمر عن مجموعة من المقترحات التفصيلية بخصوص إقامة الأمم المتحدة منظمة دولية تقوم على حفظ السلم والأمن الدوليين ، وتحقيق التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتنسيق جهود الدول بما يحقق المصالح المشتركة ، وذلك وفقاً لمجموعة من المبادئ التي يتمثل أهمها في المساواة في السيادة بين الدول ، والامتناع عن استخدام القوة في العلاقات الدولية وفض المنازعات الدولية بالطرق السلمية وتنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية ، كما تضمنت المقترحات السابقة تكوين الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة من عدة فروع رئيسية هي :

جمعية عامة ومجلس أمن ، ومحكمة عدل دولية .

وفي الفترة من 4 إلى 11 فبراير شباط عام 1945 انعقد مؤتمر يالتا بين الرؤساء روزفلت وتشرشل وستالين ، وفيه تم تسوية بعض المسائل التي لن يتم الاتفاق بشأنها في دومبارتون اوكس كنظام التصويت في مجلس الأمن وتعيين الأقاليم التي ستخضع لنظام الوصاية ، واتفق المؤتمرون على اشتراط موافقة الدول الخمس الكبرى مجتمعة لصدور القرارات والتوصيات المتعلقة بمسائل موضوعية ، كما اتفقوا على إقامة نظام جديد للوصاية تخضع له الأقاليم التي خضعت لنظام الانتداب في عهد عصبة الأمم والأقاليم التي تختار الدول في نظام الوصاية بمحض إرادتها فضلاً عن أقاليم المستعمرات التي تقتطع من الدول المنهزمة في الحرب .

وأخيراً انعقد مؤتمر الأمم المتحدة للتنظيم الدولي بشأن فرانسيسكو في 25 أبريل نيسان عام 1945 ، وفيه تم إقرار معظم مقترحات دومبارتون اوكس ويالتا مع إدخال بعض التعديلات كالأخذ–فيما يتعلق بنظام التصويت في الجمعية العامة– بقاعدة أغلبية الثلثين عند التصويت على المسائل المهمة والأغلبية العادية في المسائل الأخرى ، وتم إقرار نطاق السريان الفعلي اعتباراً من 24 أكتوبر تشرين أول عام 1945 بعد إتمام إيداع التصديقات عليه لدى حكومة الولايات المتحدة من قبل الدول الخمس الكبرى وأغلبية الدول الأخرى (م: 110/3 من الميثاق) ، وتكونت اللجنة التحضيرية من كافة الدول الموقعة على الميثاق لبحث الترتيبات اللازمة لبدء قيام أجهزة الأمم المتحدة بمباشرة اختصاصاتها ، وعقدت الجمعية العامة أول دورة لها في لندن في 10 يناير كانون ثان عام 1946 وكان من بين ما قررته في تلك الدورة أن تكون مدينة نيويورك مقراً دائماً للأمم المتحدة ، بجانب المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف وهو المقر السابق لعصبة الأمم .

ويتكون ميثاق الأمم المتحدة من تسعة عشر فصلاً تتضمن مائة وإحدى عشر مادة، وقد أتت ديباجة الميثاق مع مادته الأولى على بيان أهداف المنظمة والمتمثلة في حفظ السلم والأمن الدوليين ، وإنماء العلاقات الودية بين الدول ، وتحقيق التعاون الدولي لحل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وتعزيز احترام حقوق الإنسان أو جعل الأمم المتحدة مرجعاً لتنسيق أعمال الدولة وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة، وتبين المادة الثقافية–فضلاً عما ورد ببعض مواد الميثاق الأخرى– المبادئ الأساسية التي يتعين على منظمة الأمم المتحدة أن تسير على هديها ، إذ تعمل على تحقيق الأهداف سالفة الذكر ، وتتمثل هذه المبادئ في المساواة في السيادة بين الدول أو الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية ، وتسوية المنازعات الدولية بالطرق الرسمية ومعاونة الأمم المتحدة في الأعمال التي تتخذها وفقاً للميثاق بحسن نية وعدم تدخل الأمم المتحدة في المسائل المتعلقة بالاختصاص الداخلي للدول .

والعضوية في الأمم المتحدة بوصفها منظمة عالمية نوعان : عضوية أصلية تضم إحدى وخمسين دولة هي الدول التي شاركت في مؤتمر سان فرانسيكسو ووقعت ميثاق الأمم المتحدة وصدقت عليه ، والدول التي وقعت تصريح الأمم المتحد الصادر في أول يناير كانون ثان عام 1942 ، وعضوية بالانضمام ويتطلب لاكتسابها توافر شروط موضوعية وأخرى إجرائية ، أما الشروط الموضوعية فتنحصر في أن تكون الوحدة طالبة للانضمام إلى الأمم المتحدة دولة ، محبة للسلام تقبل تنفيذ الالتزامات ، وأما الشروط الإجرائية فتنحصر في صدور قرار من الجمعية العامة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين والمشتركين في التصويت بناء على توصية إيجابية (بالقبول) من مجلس الأمن يوافق عليها تسعة أعضاء من بينهم الدول الخمس دائمة العضوية مجتمعة .

وقد أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري سنة 1948 أن الشروط الواردة في المادة (4/1) من الميثاق بخصوص شروط العضوية في المنطقة الدولية جاءت على سبيل الحصر ، مما يعني أن اختصاص كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن في هذا الشأن هو اختصاص مقيد بمراعاة هذه الشروط ، غير أن تقدير توافر الشروط المشار إليها في المادة (4/1) من عدمه هو أمر يدخل في نطاق السلطة التقديرية لشكل من الجهازين .

ومن حيث وقف العضوية في الأمم المتحدة أو فقدانها فقد نصت المادة الخامسة من الميثاق على أنه يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قِبَله عملاً من أعمال المنع أو القمع عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها ، ويكون ذلك بناء على توصية مجلس الأمن ، ولمجلس الأمن لأن يرد لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا ، وتنص المادة السادسة من الميثاق على أنه إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن .

وفيما يتعلق بالانسحاب من الأمم المتحدة فليس في نصوص الميثاق ما يشير إلى وجود هذا الحق رغبة من مؤسسة المنظمة الدولية في تهيئة أسباب الاستقرار والاستمرار لها ، وإن كانت الأعمال التحضيرية تكشف عن جواز مباشرة العضو هذا الحق حل قيام ظروف استثنائية تبرره ، وبالنسبة للفروع الرئيسية للأمم المتحدة فقد كانت مقترحات دومبارتون اوكس تتضمن إنشاء أربعة فروع رئيسية هي الجمعية العامة ، ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، والأمانة ، ثم رُئي في مؤتمر سان فرانسيسكو إضافة فرعين رئيسيين آخرين هما المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية نظراً لأهمية التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ودوره في حفظ السلم والأمن الدوليين ، فصارت بذلك فروع الأمم المتحدة الرئيسية ستة فروع هي– طبقاً للمادة السابعة من الميثاق :

-جمعية عامة .

-مجلس أمن .

-مجلس اقتصادي واجتماعي .

-مجلس وصاية .

-محكمة عدل دولية وأمانة .