ماهية التحكيم الإلكتروني و ما هي مميزاته ؟

الدكتور نبيل زيد مقابلة*
2007

بعد شيوع إستخدام تقنيات المعلومات والإتصالات في إنجاز الأعمال الإلكترونية وإبرام العقود وتنفيذها عبر شبكة الإنترنت ، إتجه التفكير إلى إستخدام نفس هذه التقنيات الإلكترونية لتسوية ما قد ينشأ عن هذه الأعمال من منازعات ، بمعنى أن إجراءاتها تجري عبر شبكات الوسائل الإلكترونية ، دون حاجة لتواجد أطراف هذه المنازعة في مكان واحد ، وهذا الوضع الجديد يقتضي تطوير نظام قانوني ملائم وموازي يحكم هذه العملية .
ومع أن التحكيم التقليدي المتعارف عليه دولياً في حل منازعات التجارة الدولية سريع وغير مكلف مادياً بالنسبة للأطراف ، إلا أن هذا التحكيم يبقى بالنسبة لمعاملات التجارة الإلكترونية بطيئا ومكلفاً ، وذلك بسبب ضآلة المبالغ المادية أو التعويض المطالب به في غالب الأحيان ، وما قد يؤدي ذلك البطء والتكاليف من تقاعس الأفراد والمستهلكين وحتى التجار عن المطالبة بحقوقهم ، إضافة إلى ما يتطلبه من تبادل مادي للبيانات والطلبات والدفوع من الأطراف والاستماع الوجاهي للشهود وغير ذلك من الأمور .
وبهدف إيضاح المواضيع المتعلقة بهذه الوسيلة في تسوية منازعات التجارة وعقود خدمات المعلومات الإلكترونية ، وبذلك سنبحث:-

-ماهية التحكيم الإلكتروني ، ومميزاته ومخاطره ، والوضع
الحالي للتحكيم الإلكتروني .
– الإطار القانوني للتحكيم الإلكتروني .
– تنفيذ أحكام التحكيم الإلكتروني .

ماهية التحكيم الإلكتروني

التحكيم هو إتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين لتسويته خارج المحكمة المختصة،ومهما إختلفنا أو إتفقنا حول التعريف الأمثل للتحكيم التجاري الدولي الذي يختص بمنازعات التجارة الدولية ، والذي ظهر إستجابة لمتطلبات هذه التجارة وتحقيق العدالة والسرعة وتقليل التكاليف على أطراف التحكيم ، وعدم قطع العلاقات التجارية بينهم ، إلا أن ما يهمنا في هذا المجال هو ظهور نوع خاص ومستقل بشكل كبير عن ما جرى العمل به والمتعارف عليه بالتحكيم التقليدي ، وهذا الشكل من أشكال التحكيم أصبح يعرف بالتحكيم الإلكتروني، الذي يمكن أن يحكم إضافة إلى الأعمال الإلكترونية – الذي نشأ عن طريق حاجة هذه الأعمال لمثل هذا التحكيم – العلاقات التجارية الدولية الخاصة التقليدية .
ولا يختلف تعريف التحكيم الإلكتروني عن التحكيم التقليدي ، إلا من خلال الوسيلة التي تتم فيها إجراءات التحكيم في العالم الإفتراضي ، فلا وجود للورق والكتابة التقليدية أو الحضور المادي للأشخاص في هذا التحكيم ، حتى أن الأحكام قد يحصل عليها الأطراف موقعة وجاهزة بطريق إلكتروني ، وبذلك سنبحث:-
:- مميزات ومخاطر التحكيم الإلكتروني .
:- الوضع الحالي للتحكيم الإلكتروني .

مميزات ومخاطر التحكيم الإلكتروني

مميزات هذا التحكيم كثيرة ومرتبطة بالتجارة الإلكترونية والعقود الإلكترونية بطريقة تميزه عن اللجوء إلى المحاكم الوطنية وحتى عن التحكيم التجاري التقليدي ، ومن هذه المميزات :-
1- اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني (التحكيم بواسطة الإنترنت) يجنب أطراف العقد عدم مسايرة القانون والقضاء للعقود الإلكترونية سواءً قانونياً أو قضائياً ، حيث أنه يجنبهم عدم الإعتراف القانوني بهذه العقود أو صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق ، وتحديد المحكمة المختصة ، وهذا الأمر ليس بالأمر اليسير وفقاً للقضاء العادي عند إحالة النزاع إليه.
2- إن أهم ميزة للتحكيم الإلكتروني هو السرعة في الفصل بالنزاع ، وهذه الميزة تفوق كثيراً ما يجري به تداول هذه المنازعات في أروقة المحاكم الوطنية من بطء وتكدس للقضايا خاصة مع إزدياد عقود التجارة الإلكترونية ، حتى أن هذا التحكيم يفوق كثيراً سرعة الفصل في المنازعات المعروضة عليه مقارنة باللجوء للتحكيم التجاري العادي الذي يحتاج مدة أطول بكثير مما يتطلبه هذا التحكيم ، وسبب ذلك هو الحضور المادي للأطراف ولهيئة التحكيم وتبادل المرافعات والبيانات بين أطراف الدعوى.
3- الرغبة في عرض النزاع على أشخاص ذوي خبرة فنية خاصة ومحل ثقة ، تعنى وتواكب تطور التجارة الإلكترونية ، خاصة في المجال الفني والقانوني لهذه التجارة .
4- تقليل كُلف ونفقات التقاضي ، وذلك يتناسب مع حجم العقود الإلكترونية المبرمة التي لا تكون في الغالب الأعم كبيرة بل متواضعة ؛ وتستخدم أحياناً نظم الوسائط المتعددة التي تتيح إستخدام الوسائل السمعية والبصرية في عقد جلسات التحكيم على الخط المباشر للأطراف وللخبراء ، وهذا يقلل من نفقات السفر والإنتقال
5- السرية ، وهي ميزة التحكيم من حيث وجوده ونتائجه وفى جميع المراحل ، مما يحول دون إلحاق الضرر بسمعة الأطراف المحتكمين .
6- سهولة الحصول على الحكم بسبب تقديم المستندات عبر البريد الإلكتروني ، أو من خلال الواجهة الخاصة التي صممت من قبل المحكم أو مركز التحكيم الإلكتروني لتقديم البيانات والحصول على الأحكام موقعة من المحكمين .
7- وجود إتفاقية دولية بشأن الإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين ، وهي إتفاقية نيويورك الخاصة بالإعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها لعام (1958) ، وذلك على خلاف أحكام القضاء حيث لا يوجد حتى الآن إتفاقية تحكم الإعتراف والتنفيذ الدولي مثل إتفاقية نيويورك ، مع أن هناك إتفاقيات إقليمية وثنائية لتنفيذها .
ومع الأهمية لهذه المميزات التي تميز التحكيم الإلكتروني عن القضاء العادي والتحكيم التقليدي ، إلا أن فيه من المخاطر والإنتقادات المصاحبة له ، ما قد يشكك في مدى جدواه وفعاليته ، ومن هذه الأخطار :-

1- عدم مواكبة النظم القانونية الحالية للتطور السريع الحاصل في مجال التجارة الإلكترونية ، إن لم تكن هذه النظم لا تشرع هذه المعاملات والتجارة الإلكترونية في قوانينها ، إضافة إلى جمود القواعد القانونية الموجودة في كثير من دول العالم المتعلقة بإجراءات التقاضي والتحكيم التقليدي من الإعتراف بإجراء التحكيم بوسائل إلكترونية ، وعدم تعديل التشريع الموجود للإعتراف بأحكام التحكيم الإلكترونية ، ومن هنا ثار التساؤل عن مدى صحة إجراءات التسوية بالوسائل الإلكترونية ، ومدى الإعتراف بالحكم التحكيمي الإلكتروني .

وكذلك هناك مسألة هامة وهي تحديد مكان التحكيم , والذي يترتب عليه آثار كثيرة ومهمة ، فما هو المكان الذي يعتبر أنه مكان التحكيم ، هل هو مكان المحكم الفرد أم مكان المورد , أو المستخدم في عقود خدمات المعلومات الإلكترونية ، هذا إذا كان المحكم فرداً ، أم مكان إبرام العقد أو تنفيذه . هذه المسائل خطيرة وترتب آثاراً مهمة بالنسبة لإعتبارات التنفيذ والإعتراف بالحكم التحكيمي الإلكتروني ، هذه المسائل وغيرها بحاجة إلى دراسات شاملة لكل جزئية من هذه المسائل ، وتتطلب تدخلاً تشريعياً من جانب الدولة إضافة إلى الإتفاقيات الدولية .

وقد كان للجنة (اليونسترال) دورّ واضح ومهم في إصدارها لإتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بإستخدام الخطابات الإلكترونية في العقود الدولية ، والتي نصت في المادة (20/1) على ” تنطبق أحكام هذه الإتفاقية على إستخدام الخطابات الإلكترونية في سياق تكوين أو تنفيذ عقد أو إتفاق تسري عليه أي من الإتفاقيات الدولية التالية ، التي تكون الدولة المتعاقدة في هذه الإتفاقية ، أو قد تصبح دولة متعاقدة فيها :-

– إتفاقية الإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها (نيويورك ، 10 حزيران / يونيو 1958) ” .
وبذلك فأن هذه الإتفاقية أعطت – عند شمولها لإتفاقية نيويورك (1958) – الكتابة الإلكترونية ميزة الكتابة العادية ، وهذا ما هو موجود في نص المادة (2/2) من إتفاقية نيويورك ، والمادة (5/1/أ) من إتفاقية نيويورك التي يجرى من خلالها تقدير صحة إتفاق التحكيم ، والمادة (5/1/ب) من إتفاقية نيويورك بالنسبة لمخالفة إجراءات التحكيم لقانون هذه الدولة وبالتالي رفض الإعتراف بالحكم وتنفيذه ، وهذا ما سنشرحه تفصيلاً في تنفيذ أحكام التحكيم .
هذا بالنسبة للدول الخاضعة لإتفاقية نيويورك أما بالنسبة للدول غير الخاضعة ، أو بالنسبة للتحكيم الإلكتروني الداخلي فإن هذا الأمر يحتاج إلى تدخل تشريعي .

2- عدم تطبيق المحكم للقواعد الآمرة :
يخشى الأطراف وخاصة الطرف الضعيف في العقد من اللجوء إلى التحكيم بصفة عامة ، والتحكيم الإلكتروني بصفة خاصة ، وذلك بسبب الخشية من عدم تطبيق القواعد الآمرة والحمائية المنصوص عليها في القانون الوطني له ، خاصةً إذا كان هذا الطرف مستهلكاً مما يترتب عليه بطلان حكم التحكيم وعدم إمكانية تطبيقه وتنفيذه على أرض الواقع .
وكذلك عند إختيار القانون الواجب التطبيق غير قانون المستهلك الوطني ليحكم النزاع ، فإن المحكم لن يطبق هذه القواعد الحمائية المنصوص عليها في قانون المستهلك الوطني لأنه لا يطبق إلا القانون المختار ، وذلك لأنه ليس قاضياً فلا يلتزم بتطبيق القواعد الآمرة ، حتى في الدولة التي بوجد فيها مقر محكمة التحكيم.
لذا فقد عارض كثيرون اللجوء للتحكيم ؛ لأن حماية الطرف الضعيف تكون دائماً من خلال القواعد الآمرة التي يضعها مشرعوا الدولة لحماية طائفة خاصة أو مصالح جماعية ، ولا يهتم المحكم إلا بحل النزاع بين الأطراف دون النظر إلى مصالح السياسة التشريعية العليا للدول .

وإزاء هذا الإنتقاد ، دافع البعض الآخر عن التحكيم سواء الإلكتروني أو التقليدي مؤكدين جوانب تطبيقه وعملية وقانونية يراعيها المحكم عند نظر منازعات التجارة الإلكترونية ومنها :-
أ‌- أن المحكم لا يهمل المصلحة العامة ، ولكن على العكس تماماً يأخذ في إعتباره القواعد الآمرة التي تنص عليها التشريعات الوطنية ، خاصة عند نظر منازعات يكون أحد أطرافها مستهلكاً ، وقد يطبق قواعد تحقق مصالح أكبر من تلك التي نص عليها التشريع الوطني ، تكون موجودة في قانون الطرف الآخر أو من طبيعة الأعراف التجارية وفقاً لطائفة معينة من طوائف التجارة .
ب‌- أن المحكم يهدف إلى تحقيق مصالح وأهداف المجتمع الدولي ، والوسائل التي يمكن له إستعمالها لإحترام وحماية مصالح الطرف الضعيف أو المستهلكين تكون أكثر من تلك الممنوحة للقاضي الوطني ، حيث يمكن للمحكم أن يختار ضمن عدة قوانين القانون الذي يحقق الأهداف الحمائية للطرف الضعيف أو المستهلك.

الوضع الحالي للتحكيم الإلكتروني

إتجه التفكير رغبة في الإستفادة من الإمكانات التي تتيحها شبكة الإنترنت والوسائل الإلكترونية التي يمكن تجييرها وإستخدام وسائطها إلى إنجاز إجراءات الطرق التقليدية لتسوية المنازعات مثل التفاوض والوساطة والتوفيق والتحكيم من خلال هذه الشبكة ، وقد وجدت تسوية المنازعات عبر الوساطة والتوفيق الإلكتروني والتحكيم الإلكتروني تطبيقات فعلية ومتنوعة وشاملة لمنازعات التجارة الإلكترونية، وذلك من خلال مبادرات خاصة تبنتها بعض التنظيمات الإقتصادية والإقليمية والإتحادات المهنية الفعالة في هذا المجال والتي تهتم بمواكبة التطور الإلكتروني السريع ومن هذه المنظمات والهيئات :-

أولاً : الإتحاد الأوروبي :
ومن أمثلة ذلك الجهد المبذول الذي قام به الإتحاد الأوروبي بتوجيه الدول الأعضاء بألا تضع في تشريعاتها الداخلية عقبات قانونية تحول دون إستخدام آليات تسوية المنازعات إلكترونياً بعيداً عن القضاء نص المادة (1) من التوجيه الأوروبي رقم 31/2000 الخاص ببعض المظاهر القانونية لخدمة مجتمع المعلومات والتجارة الإلكترونية على ” تسمح الدول الأعضاء لموردي خدمات المعلومات والمتعاملين معهم بتسوية منازعاتهم بعيداً عن أروقة المحاكم وبإستخدام الوسائل التكنولوجية في العالم الإلكتروني ، وفي مجتمع المعلومات في فض المنازعات ” .
كما أصدرت اللجنة الأوربية المختصة بتسوية المنازعات – لا سيما التي تتم بين المستهلكين – بإعتماد سلسلة من التوجيهات بخصوص حل المنازعات على الخط (الطريق الإلكتروني) منها :-
1- تأسيس شبكة أوربية لتسوية المنازعات مباشرة على الخط ، ولحل كافة منازعات المستهلك الأوروبي خاصة في قطاع الخدمات ([1]) .
2- المبادئ الواجب مراعاتها من جانب الدول الأعضاء عند تسوية منازعاتهم عبر الإنترنت ، وهدف هذه التوصية سد النقص في التوصية رقم 257/298 ، وهي تضع خطوطاً إرشادية لتوفير أفضل حماية ممكنة للمستهلك الأوروبي في معاملاته عبر الإنترنت.

ثانياً : المنظمة العالمية للملكية الفكرية ” Wipo ” :
كذلك كان للدور الكبير الذي تمارسه المنظمة العالمية للملكية الفكرية “Wipo ” إسهامات كبيرة في تطوير وتفعيل نظام التحكيم الخاص بالتجارة الإلكترونية([2]) ، لتنظيم المنازعات الخاصة بالإنترنت لا سيما المتعلقة بالملكية الفكرية ، وأسماء الدومين ، والعلامات التجارية. ويمكن من خلال هذا النظام التغلب على العديد من الصعوبات ، حيث يسمح بحرية إختيار القانون الواجب التطبيق ، ويتضمن وحدة الجزاء رغم إختلاف الجنسيات كذلك وضعت منظمة الويبو نظاماً للتحكيم السريع (المعجل).

ثالثاً : القاضي الإفتراضي :-
ومع أهمية التوصيات والقرارات الصادرة من جهات الإتحاد الأوروبي ، والجهود الكبيرة التي بذلتها منظمة الويبو ، إلا أن التجربة العملية الأولى لتسوية منازعات التجارة الإلكترونية بإستخدام شبكة الإنترنت (التحكيم الإلكتروني) تتمثل في برنامج القاضي الإفتراضي ، وهو فكرة أمريكية تم إرساء دعائمها في مارس 1996 من قبل أساتذة مركز القانون وأمن المعلومات ([3]) (villa Nova Center For Law and Information Policy)

ودعم هذا النظام جمعية المحكمين الأمريكين (AAA) ، ومعهد قانون الفضاء (Cyber space Law Institue) ، والمركز الوطني لأبحاث المعلوماتية الأمريكي . والهدف الرئيسي لهذا المشروع إعطاء حلول سريعة للمنازعات المتعلقة بالإنترنت عن طريق وسيط معتمد من المركز تكون له خبرة قانونية في التحكيم والقوانين الناظمة للتجارة الإلكترونية وعقودها وقانون الإنترنت ومنازعات العلامات التجارية والملكية الفكرية ، وغيرها من المواضيع المتصلة بهذه التجارة .
ويقوم القاضي الإفتراضي المتخصص بالتحاور مع أطراف النزاع الذين طلبوا الخضوع لأحكام هذا النظام عن طريق البريد الإلكتروني ، على أن يفصل في النزاع خلال (72) ساعة .
وتجدر الإشارة إلى أن القرار الذي يصدره القاضي يكون مجرداً من القيمة القانونية إلا إذا قبله الأطراف ، ويقدم هذا المركز حتى الآن خدماته دون مقابل

رابعاً : المحكمة الفضائية Cyber Tribunal ([4]) :-
نشأت هذه المحكمة في كلية الحقوق بجامعة مونتريال بكندا في سبتمبر 1996 . ووفقاً لنظام هذه المحكمة ، تتم كافة الإجراءات إلكترونياً على موقع المحكمة الإلكتروني ، بدايةً من طلب التسوية ، ومروراً بالإجراءات وإنتهاءاً بإصدار الحكم وتسجيله على الموقع الإلكتروني للمحكمة .
وينطبق نظام المحكمة سواءً بالنسبة للتحكيم الإلكتروني أو الوساطة الإلكترونية على قطاعات الأعمال الإلكترونية والتجارة الإلكترونية.

ورغبة من المحكمة ببث الثقة في نظامها أصدرت شهادات مصادقة على المواقع الإلكترونية التي تتعامل بالتجارة الإلكترونية والتي تستوفي شروط المحكمة المطلوبة وذلك تعبيراً عن إلتزام هذه المواقع أو المسئولين عنها بتسوية منازعاتهم مع المستخدمين وفقاً لنظام وإجراءات هذه المحكمة .

وتتميز هذه المحكمة بتقديم خدمات تسوية المنازعات باللغتين الإنجليزية والفرنسية ، وذلك لوجودها في مقاطعة ذات طبيعة لغوية مختلطة من هاتين اللغتين، وكذلك فهي تجمع بين النظام اللاتيني والإنجلوسكسوني ، مما يؤدي إلى توحيد القواعد القانونية بين أنظمة ذات ثقافات قانونية متباينة فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية وسبل فض النزاعات المتعلقة بها .
ولم تغفل هذه المحكمة بذل عناية خاصة فيما يتعلق بالمنازعات التي يكون أحد أطرافها من المستهلكين ، فهي تجتهد من أجل تفسير العقود محل النزاع لصالح المستهلك ، والقانون الواجب التطبيق هو قانون المستهلك ، ويستطيع المحكم أن يجتهد لتقديم حماية أفضل للمستهلك ، وذلك من خلال معلومات تكميلية وأدلة إثبات([5]) .

نجد من خلال ما إستعرضناه عن الواقع الحالي للتحكيم الإلكتروني أنه أصبح حقيقةً واقعة في العالم الذي يرغب في العمل الجاد والتطوير المستمر ، فهذه المراكز والمحاكم الإفتراضية نشأت من خلال جهد أكاديمي ومن قطاعات قانونية وتقنية مختلطة ومهتمة بتطويع وإخضاع التكنولوجيا للإستخدام العملي والذي يتوافق مع المستجدات المتواصلة ، وبالتالي وضعت نفسها في خضم العالم الإفتراضي وأصبحت بعد نضجها جزءاً من نظامه القانوني المنظم له .

ومع ذلك نلاحظ أن الحاجة إلى التطوير والبناء ما زالت تحتاج لخطوات كبيرة من جانب الدول والمنظمات المهتمة بهذا المجال – ونرجو أن نعمل لنكون جزءاً فاعلاً فيها – حيث ما زالت الحاجة إلى الإتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية من أجل الإعتراف والتنظيم لهذه المراكز وتنفيذ أحكامها في الدول المختلفة ، ومن ذلك تعديل القوانين الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي وقوانين تنفيذ الأحكام الأجنبية ، وتطوير المعاهدات المختصة بهذه المجالات .

الإطار القانوني للتحكيم الإلكتروني

تمهيد وتقسيم :

نظراً للأهمية العملية التي يقوم بها التحكيم الإلكتروني في فض المنازعات التجارية الإلكترونية والأعمال الإلكترونية بشكل عام ، فأنه يجب على نظامه القانوني الذي يسير عليه أن يراعي متطلبات المعاهدات والإتفاقيات الدولية المبرمة في مجال التحكيم وفي مجال تنفيذ الأحكام الأجنبية ، ومراعاة النظم القانونية الداخلية في الدول التي ينتمي لها الأفراد ، لأن معظم الأحكام التي يصدرها المحكمون ستنفذ في إطار دولة أحد أطراف النزاع ، وهذه الأحكام ليست من النوع الذي تطبقه هذه المراكز والمحاكم الإفتراضية مباشرةً ، بل يستلزم إصدار الأمر بتنفيذه في إطار القوانين الداخلية المنظمة .
ومن أجل ذلك فإن متطلبات الشكل والموضوع في التحكيم الإفتراضي والمنصوص عليها في القوانين والإتفاقيات الدولية يجب أن تراعى عند نظر كل منازعة إبتداءً من إتفاق التحكيم وحتى تنفيذ حكم التحكيم .
وبذلك فإننا نبحث الإطار الذي يجب مراعاته في التحكيم الإلكتروني كالآتي :-
إبرام الإتفاق .
مضمون الإتفاق .
جلسات التحكيم وإصدار الحكم (إجراءات التحكيم) .

أولا : إبرام الإتفاق على التحكيم

على عكس الوساطة الإلكترونية التي يترك نظام مركز التحكيم الإلكتروني أو المحكمة الفضائية للوسيط غالباً وضع نظام إجراءاتها ، فإن نظام مركز التحكيم الإلكتروني شأنه شأن مركز التحكيم العادي يجب أن يضع نظاماً خاصاً به من أجل تنظيم عملية التحكيم ، وتحديد وقت بدء الإجراءات ، ووقت تحديد صدور الحكم ، وجميع الإجراءات التي تشمل هذه العملية إبتداءاً من كيفية وشرعية إتفاق التحكيم ، وغالباً ما تتبنى مراكز التحكيم الإلكترونية قواعد تكميلية إذا ما وجد نقص في قواعد النظام مثل الرجوع لقواعد القانون النموذجي الأونسترال بشأن التحكيم التجاري الدولي (1985) ، أو قواعد غرفة التجارة الدولية مع إدخال التعديلات التي تتناسب مع طبيعة التحكيم الإلكتروني .
وتتم إجراءات التحكيم بطريقة إلكترونية على موقع المركز الإلكتروني ويتم خلال هذه الإجراءات تخزين البيانات والمستندات والوثائق المتعلقة بالقضية
وعندما يتفق الأطراف على اللجوء للتحكيم لتسوية ما قد يثور بينهم من خلافات ، فمن المألوف أن يضمنوا عقدهم بنداً يشيرون فيه إلى إتجاه إرادتهم إلى حل نزاعهم من خلال التحكيم ، ويسمى هذا الشرط بشرط التحكيم .
وقد يتم إبرام هذا الإتفاق في عقد مستقل عن العقد الأصلي وقد يكون سابقاً أو لاحقاً لنشوب النزاع .
فضلاً عن أن إتفاق التحكيم يتضمن العديد من التفصيلات التي لا يمكن أن يشملها شرط التحكيم
وتنص المادة (11) من قانون التحكيم الأردني رقم (31) لسنة 2001 على ” يجوز أن يكون إتفاق التحكيم سابقاً على نشوء النزاع سواء كان مستقلاً بذاته أو ورد في عقد معين بشأن كل المنازعات أو بعضها التي قد تنشأ بين الطرفين ، كما يجوز أن يتم إتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت في شأنه دعوى أمام أية جهة قضائية ، ويجب في هذه الحالة أن يحدد موضوع النزاع الذي يحال إلى التحكيم تحديداً دقيقاً وإلا كان الإتفاق باطلاً ” .

ويقابل هذه المادة في قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة 1994 المادة (10) ، ونجد من خلال القانونين المذكورين أعلاه أنهما إعترفا بصورتي إتفاق التحكيم ، شرط التحكيم ومشارطة التحكيم ، وهذه الصور من التحكيم لا تثير أية مشكلة في مجال التحكيم الإلكتروني لإمكان إجراءها بين الأطراف إلكترونياً بالشكل المتعارف عليه في كثير من دول العالم سواء في شكل شرط بالعقد الذي أثير النزاع بشأنه أو بإتفاق لاحق عن طريق شكل عقد ، أو من خلال شرط الإحالة إلى وثيقة تتضمن شروط تحكيم .

ويكون شكل شرط التحكيم إذا أسند هذا الشرط لمركز التحكيم الإلكتروني فض النزاع بشكل صريح ، ويتم بصورة عقدية إلكترونية عندما يرسل الأطراف إلى مركز التحكيم الإلكتروني رسالة إلكترونية بإتفاقهما على عرض النزاع على هذا المركز .
أما نقطة الإختلاف بين التحكيم الإلكتروني والتحكيم العادي في مجال إتفاق التحكيم ، فهو مشروعية إتفاق التحكيم المبرم إلكترونيا خاصةً وأن معظم القوانين تتطلب الكتابة في إتفاق التحكيم وهذا غير موجود لا سيما في عقود خدمات المعلومات الإلكترونية ، التي تتم بشكل كامل في نطاق العالم الإلكتروني ، وليس فيها أي كتابة على دعامة مادية بل تكون بشكل إلكتروني فقط .

وقد رتبت كثير من القوانين التي تنظم مسائل التحكيم بطلان الإتفاق في حالة عدم الكتابة ، مثل المادة (11) من قانون التحكيم الأردني ، والمادة (12) من قانون التحكيم المصري ([6]) . فهل يستوفي إتفاق التحكيم الإلكتروني الموجود في شكل الكتابة الإلكترونية لهذا الشرط ، الذي يترتب عليه البطلان ، وقد ظهر في هذه المسألة رأيان هما :-

أولاً :- رأي يذهب إلى عدم إمكانية إمتداد التعبير الموجود في القوانين الوطنية والإتفاقيات الدولية التي لم تنص على جواز وصحة تبادل إتفاق التحكيم بالوسائل الإلكترونية ، لتشمل الكتابة الإلكترونية كوسيلة لإثبات وجود إتفاق التحكيم ، ويبرر هؤلاء رأيهم على أساس أن العديد من المعاهدات والإتفاقيات بشأن التجارة الدولية – التي وجدت قبل ظهور الوسائل الإلكترونية – لم تأخذ في الإعتبار عند إنشاءها تنظيم بنودها واقعياً هذه الوسائل لكي تعتبر أسلوب كتابي معترف به قانوناً .وهذا الأمر ينطبق على القوانين التي أعدت ولم تنص على الوسائل الإلكترونية في كتابة إتفاق التحكيم والإعتراف بها ، وذلك مثل إتفاقية نيويورك المتعلقة بالإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها ، وخاصة ما نصت عليه المادة (2/2) ، بأن
” يشمل إصطلاح ” إتفاق مكتوب ” أي شرط تحكيم يرد في عقد أو أي إتفاق تحكيم موقع عليه من الطرفين أو وارد في وسائل أو برقيات متبادلة ” . ومثل المادة (12) من قانون التحكيم المصري ، والمادة (11) من قانون التحكيم الأردني ، وكذلك المادة (7/2) القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي (الأونسترال) لعام (1985).

ثانياً :- رأي آخر – نؤيده – يرى أن الكتابة الإلكترونية تحقق شرط الكتابة الموجود في المعاهدات الدولية والقوانين الوطنية ذات الإختصاص بالتحكيم . ويعتمد هذا الرأي على أساس :

1- في مجال الدول التي تعترف بالوسائل الإلكترونية (الإنترنت) كوسيلة لإبرام العقود ، ضمن الشروط التي إعترفت بها القوانين المنظمة للتجارة الإلكترونية والمعاملات الإلكترونية ، فإن هذه القوانين تعترف تماماً بإتفاق التحكيم الذي تتم كتابته بالبريد الإلكتروني أو عن طريق تبادل المعلومات وتدوينها على الموقع الإلكتروني لمركز التحكيم بإرسال البيانات للمركز إلكترونياً عبر صفحة على الموقع تكون مخصصة لملئ البيانات والعنوان وما شابه . لإن الإعتراف في هذه القوانين بصحة العقود تتضمن تبعاً لذلك الإعتراف بالإتفاق على التحكيم ، سواءاً جاء في صورة شرط تحكيم أو عقد تحكيم مستقل ما دام تم فيه مراعاة الشكل والشروط المطلوبة وفق القوانين الناظمة للعقد الإلكتروني ، ومتوافر فيها الشروط لصحة وحجية إثبات الكتابة الإلكترونية .
وإزاء ذلك ، أرى أن لا يتم القياس على الوسائل التي تم الإعتراف بها من قبل والإهتمام فقط في هذا المجال بصحة العقد الذي يوجد به شرط التحكيم ، أو العقد المستقل بين الأطراف الذي يتفق بموجبه الأطراف على اللجوء للتحكيم (مشارطة التحكيم) .

2- أصدرت الأمم المتحدة عن طريق لجنة الأونسترال الإتفاقية المتعلقة بإستخدام الخطابات الإلكترونية في العقود الدولية ([7]) ، وهذه الإتفاقية سوف تصبح في القريب مرجعاً مهماً لما تتضمنه من أحكام ([8])، خاصةً وأنها في المادة (20) منها نصت صراحةً ومن غير لبس بمساواة الكتابة والرسائل الإلكترونية بالكتابة العادية وإعطاءها نفس الحجية والإثبات في العقود الدولية ويتجلى ذلك صراحةً في نص المادة (9/2) والتي تنص على ” حيثما يشترط القانون أن يكون الخطاب أو العقد كتابياً ، أو ينص على عواقب لعدم وجود كتابة ، يعتبر ذلك الإشتراط قد إستوفي بالخطاب الإلكتروني ، إذا كان الوصول إلى المعلومات الواردة فيه متيسراً على نحو يتيح إستخدامها في الرجوع إليها لاحقاً ” .

وأهم ما في هذه الإتفاقية ما جاءت به المادة (20) والتي إعترفت بالخطابات الإلكترونية المتبادلة في العقود الدولية والتي تخضع إتفاقيات ومعاهدات دولية حددتها في الفقرة (1) ، ومنها إتفاقية نيويورك للإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها لعام (1958) وبذلك جنبتنا هذه الإتفاقية عدم النص على الكتابة الإلكترونية في هذه الإتفاقية وأوضحت تماثل الخطابات الإلكترونية والكتابة الإلكترونية مع الكتابة العادية المتبادلة في رسائل إلكترونية ، أو عقد موقع عليه ، حيث أنها إعترفت أيضاً بالتوقيع الإلكتروني في المادة (9/3) منها ، وسنعمل على بحث المزيد من أحكام هذه المعاهدة الحديثة في الفصول اللاحقة .

ثانيا: مضمون الإتفاق

تنص العديد من الإتفاقيات الدولية الخاصة بالتحكيم على حرية الأطراف في إختيار القانون الواجب التطبيق على التحكيم وكذلك حريتهم في إختيار محكمة التحكيم. وذلك مع الأخذ بعين الإعتبار التحفظ بالنسبة للنظام العام فيما يجوز به التحكيم ، ومراعاة إختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق وإختيار المحكمة ، وكذلك تحديد نطاق ومضمون مجال التحكيم ([9]) .
ويجب أن يحدد مضمون الإتفاق :-

أولاً :- القانون الواجب التطبيق على التحكيم :-
يمكن لأطراف التحكيم تحديد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات التي تحكم سير المنازعة ، وكذلك تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع التحكيم من حيث الموضوعات التي تخضع للتحكيم والقانون الواجب التطبيق .

أ) – القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم :-
وإختيار القانون الذي يطبق على إجراءات سير التحكيم مهم جداً ، من حيث النتائج التي تترتب عليه ، سواءً في تحديد أنظمة الإثبات ، وتحديد الوسائل التي يجب مراعاتها في إحترام حق الدفاع والمواجهة ، والقواعد المتعلقة بقانونية وكيفية إستخدام الوسائل الإلكترونية في عقد جلسات التحكيم .
وتتم عملية إختيار القانون الواجب التطبيق الذي يطبق على إجراءات المنازعة بالإحالة إلى قانون معين لتنظيم الإجراءات ، أو وضع هذه القواعد في إتفاق التحكيم سواءً قبل نشوء النزاع أو بعده .
ولا توجد مشكلة في حالة الإتفاق على الخضوع لإجراءات مركز التحكيم الإلكتروني ، أو المحكمة الإفتراضية التي تطبق قواعد إجراءات تلائم وتناسب وضع العالم الإفتراضي .
لكن المشكلة تثور في حالة إختيار الأطراف إخضاع إجراءات التحكيم الإلكتروني لإجراءات التحكيم التقليدية . ويمكن تجاوز هذه المشكلة بإبرام إتفاق تكميلي للقواعد التقليدية لتتناسب مع المسائل الفنية الخاصة بالتحكيم الإلكتروني .

وكذلك تصديق أصحاب الشأن إتفاقاتهم في بدايات ممارسة التجارة الإلكترونية من سلطات الدول المعنية والمنظمات الدولية ذات العلاقة ، والتي لا تعترف بالتحكيم أو المعاملات الإلكترونية لتسهيل تنفيذ أحكام التحكيم .

ومن ناحية أخرى مهمة فإنه يجب تحديد مكان التحكيم الإلكتروني ، ومهما تحدثنا عن إمكانية تطبيق أن يكون مكان التحكيم مرتبطاً بوجود المحكم أو التركيز على مكان وجود العقد ، أو إعتبار أن قانون الإجراءات المختار هو الذي يتحدد به مكان التحكيم ، إلا أن هذه الإعتبارات مجرد إفتراض وتحكم غير مادي . لذلك من الأفضل لكل مركز تحكيم أن يتخذ مصادقة ومشروعية في ظل دولة معينة ، ويحدد أن مكان التحكيم موجود في هذه الدولة ، وأن يوضح هذا الإرتباط الإفتراضي بنصوص صريحة في نظام التحكيم ، ونرى أن هذا الحل أكثر تطابقاً مع الواقع العملي والقانوني وأعراف التجارة الإلكترونية ، لأنه في النهاية يتطلب الإعتراف والتنفيذ سواءً حسب المعاهدات الدولية المتعلقة بالتحكيم والتنفيذ ، أو ضمن نطاق القانون الوطني بأن يرتبط التحكيم بمكان معين ([10]).

ب) القانون الواجب التطبيق على موضوع التحكيم :-
ينص نظام المحكمة الفضائية على أنه إذا لم يتفق أطراف النزاع على تحديد القانون المطبق على موضوع النزاع تقوم المحكمة بإختيار القانون الذي يرتبط به النزاع بأوثق صلة ، وذلك في المادة (17/1) من نظامها بإستثناء الحالة التي يكون أحد أطرافها مستهلكاً ، ففي هذه الحالة يجري تطبيق قانونه الوطني وهذا ما نصت عليه المادة (17/3) من نظام المحكمة ، على أنه يجب على المحكمة وفقاً لنص المادة (17/2) أن تضع في إعتبارها شروط العقد والأعراف السائدة في مجال الفضاء الإلكتروني .

وتجدر الإشارة أنه سواء إختار أطراف النزاع القانون الواجب التطبيق على موضوع التحكيم ، أو إختاره مركز التحكيم (المحكم) ، فيجب أن لا يخالف هذا الإختيار النظام العام في دولة التنفيذ وفقاً للمادة (25) من إتفاقية نيويورك .

ثانياً :- إختيار المحكمين :

ما لم يتفق الأطراف على عدد المحكمين تتكون الهيئة من واحد أو أكثر حسب تقدير أمانة مركز التحكيم ، مع مراعاة جنسية أعضاء هيئة التحكيم ، ومكان إقامتهم وإستقلالهم ونزاهتهم ([11]). وجرى العمل أن يقوم كل طرف بإختيار محكم ويقوم المحكمان بإختيار الثالث في قوانين التحكيم الحديثة. ويجوز للأطراف المتنازعة الإعتراض على تشكيل هيئة التحكيم ، ويعين بديلاً له بشكل عاجل ، ويحق لأطراف النزاع رد المحكم لأسباب ترجع إلى حياده وإستقلاليته ونزاهته ، وذلك مثل ما نصت عليه المادة (6/5) و (8/1) من نظام المحكمة الفضائية .
لذلك لا نرى أن هناك أي تعارض بين نظام التحكيم الإلكتروني في إختيار هيئة التحكيم وبين نظام التحكيم المؤسسي التقليدي .
ونود الإشارة إلى أن التحكيم الإلكتروني والذي نشأ حديثاً وما زال في طور التحديث والتنظيم القانوني والتقني مازال بحاجة إلى تدخل من قبل المنظمات الدولية والدول ، لوضع إطار شامل يتحقق به شمولية الإعتراف والتنظيم لهذا النوع الجديد من أنواع التحكيم .