الاعتراض النسبي

المؤلف : تغريد عبد القادر المنقحة
الكتاب أو المصدر : مبدا الفصل بين السلطات
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

يكون حق الاعتراض نسبياً إذا كانت سلطة رئيس الدولة في الموافقة على مشروعات القوانين سلطة نسبية وليست مطلقة بحيث إذا أقر البرلمان مشروع قانون فانه يرسله إلى رئيس الدولة للموافقة عليه ، فإذا فعل ذلك كان بها ، اما إذا رفض فان هذا الرفض لا يعد رفضاً مطلقاً كافياً لإعدام مشروع القانون بل يكون أثره توقيفياً مؤقتاً بمعنى إمكان صدور مشروع القانون هذا إذا ما أقره البرلمان ثانية وفقاً للشروط التي يحددها الدستور. ويكون إقرار البرلمان للمرة الثانية بمثابة اسقاط لاعتراض رئيس الدولة إذ يحتم عليه إصدار مشروع القانون طبقاً لاراداة البرلمان التي تكون لها الغلبة النهائية على إرادته(1).

ويتقيد رئيس الدولة عادة في استخدام هذا الحق بمدد زمنية تعنى الدساتير بتحديدها كما يلتزم بذكر أسباب اعتراضه لامكان تقديرها والحكم عليها وهذه الأسباب اما ان تكون أسباباً قانونية ونقصد بها مدى اتفاق مشروع القانون مع النظام القانوني القائم إذ تقف القواعد الدستورية على قمة الهرم القانوني للدولة في النظم السياسية التي تأخذ بالدستور الجامد والقول بان القواعد الدستورية تسمو على قواعد القوانين العادية ، يلزم المشرع العادي بالا يصدر قانوناً عادياً تخالف قواعده أحكام الدستور ، أو تكون الأسباب سياسية ، أي عدم ملاءمة مشروع القانون لظروف الأمة(2).

والملاحظ ان حق الاعتراض النسبي لا يتعارض مع مبدأ سيادة الأمة ولا يتعارض أيضاً مع مبدأ الفصل بين السلطات لانه لا يؤثر على حق الشعب في منح قوانينه ، لان الذي يستخدم هذا الحق لا يشترك في وضع القانون وتقديره فسلطته ذات أثر وقتي ، بل هي في الواقع مقيدة ، إذ تمكن البرلمان من دراسة المشروع مجدداً في ضوء آراء صادرة من شخص وهو رئيس الدولة ، له قدرته الحسنه ، كما يفترض على إظهار جوانب المصلحة العامة(3). فالمفروض في رئيس الدولة انه حكم فوق الجميع وانه منزه عن الهدى ، فإذا تبين له ان البرلمان قد أقر مشروع قانون لا يحقق المصلحة العامة ، أو لايقع موقع الرضى من الشعب فان الصالح العام يقضي بان يمكن من مراجعة البرلمان في إقراره ولما كان البرلمان يمثل الشعب فانه من غير المقبول ان تفرض إرادة رئيس الدولة على البرلمان وعليه فان البرلمان يمكنه التغلب على اعتراض الرئيس وفقاً للشروط التي يشترطها الدستور كضرورة الموافقة على إقرار المشروع مرة أخرى بأغلبية معينة يسقط بموجبها اعتراض رئيس الدولة(4). والاعتراض النسبي له صورة عدة وسوف نتولى توضيحاً في هذا الموضوع على النحو التالي :
اولاً ـ الاعتراض الواقف.
ثانياً ـ الاعتراض البسيط.
ثالثاً ـ الاعتراض الموصوف.
رابعاً ـ الاعتراض الناقل.
اولاً ـ الاعتراض الواقف

يعني الاعتراض الواقف عدم قدرة البرلمان الذي وافق على القانون أول مرة التغلب على اعتراض رئيس الدولة بأية أغلبية كانت لان هذا النوع يلجأ إلى تحكيم الأمة عند الاختلاف بين رئيس الدولة والبرلمان على القانون ، وهذا التحكيم كما يتم بحل البرلمان وانتخاب برلمان جديد يتم أيضاً بتجديد البرلمان بعد انتهاء دورته ، فالأمة مطالبة بإبداء رأيها في الخلاف الذي شجر بين رئيس الدولة والبرلمان بصدد قانون معين. ويعبر عن هذا الرأي البرلمان الجديد ، فإذا أعاد الموافقة على القانون الذي سبق رفضه وجب على رئيس الدولة إصداره ، دون ان يستلزم إعادة البرلمان الجديد الموافقة على القانون بأغلبية مشددة(5). بيد ان الدستور الفرنسي لسنة 1791 قد تبنى الصورة المشددة منه في المواد من 1 : 8 من الفصل الثالث ـ القسم الثالث فالأمور أذن تجري على النحو التالي : إذا اعترض الملك على قانون وافق عليه البرلمان أصبح اعتراضاً مطلقاً ، إذ لا يمكن لهذا البرلمان ان يتجاوزه بأنه أغلبية ، كذلك لا يستطيع البرلمان المجدد أي الذي يأتي بعد عامين ان يتغلب على إرادة الملك متى أصر على اعتراضه ، فإذا وافق البرلمان الذي يأتي بعد عامين آخرين على نفس القانون بالأغلبية العادية نفذ رغم إرادة الملك. لان الدستور قد افترض ان إرادة الأمة الحقيقية قد تأكدت بموافقة البرلمان الثالث. ويعتبر حق الاعتراض الواقف أقوى أنواع الاعتراض النسبي ، بيد ان الفقه أخذ على هذا الاعتراض بانه لا ينصب على مواد القانون من حيث دستوريتها أو ملاءمتها، انما يتعلق بوقت تنفيذه ، فالملك يرفض تنفيذ القانون في الوقت الذي يحدده البرلمان ، فهو خلاف على الوقت ليس الا(6).
ثانياً ـ الاعتراض البسيط

ويطلق عليه الفقه حق طلب القرأة الثانية. ويتصف هذا النوع من الاعتراض بان الدستور لا يستوجب أغلبية خاصة لنقض الاعتراض ، بل يكفي لاقرار القانون الأغلبية العادية ليصبح نهائياً ويجب إصداره. وقد أكد البعض ان هذا النوع من الاعتراض ليس الغرض منه دخول الرئيس في نزاع مع البرلمان بل لمعالجة النقص الفني في القوانين ، إذ يمكن القول ان عملية التصويت يقصد منها فقط تصحيح الأخطاء الفنية في القانون المعترض عليه(7).

ويستتبع ذلك ، ان هذا النوع من الاعتراض أضعفها جميعاً من حيث تضاؤل فرص نجاحه خاصة في نظام ديمقراطي يقوم على تعدد الأحزاب إذ يكفي لتجاوز إرادة رئيس الدولة ان تعيد ذات الأغلبية التي أقرت القانون لأول مرة الموافقة عليه من جديد، اما في نظام الحزب الواحد فان طلب ((القراءة الثانية)) نجاحه مضمون ، لان ذلك يتوقف على اعتبارات سياسية ، أي الانتماء السياسي (للرئيس والنواب) ، وقيام النظام على وحدة القيادة ووحدة السلطة(8). ومن الدساتير التي أخذت بهذا النوع من الاعتراض الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 في المادة (10) منه على ان (يصدر رئيس الجمهورية القوانين خلال الخمسة عشر يوماً التالية لإرسال القانون إلى الحكومة بعد إقراره نهائياً ، وله قبل هذه المدة ان يطلب إلى البرلمان مداولة جديدة في القانون أو في بعض مواده ، ولا يجوز رفض هذه المداولة الجديدة). وكذلك المادة (74) من الدستور الإيطالي الصادر عام 1947 على ان (يجوز لرئيس الجمهورية ، قبل إصدار القانون وبرسالة مسببة يوجهها للمجلسين ان يطلب إجراء مداولة جديدة ، فإذا وافق المجلسان من جديد على القانون وجب إصداره) ونص دستور البحرين الصادر عام 1973 على انه (د- إذا أعاد المجلس إقرار المشروع بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم صدق عليه الأمير..).
ثالثاً : الاعتراض الموصوف

وبموجب هذا الاعتراض فان الدستور يستلزم للتغلب على اعتراض رئيس الدولة ان يعيد البرلمان الذي أقر القانون الموافقة عليه بأغلبية خاصة، فإذا حاز هذه الأغلبية وجب على رئيس الدولة إصداره ، والا سقط وتعطل. فالبرلمان هو صاحب القرار النهائي ، ولكن كثيراً ما يتعذر الحصول على هذه الأغلبية الخاصة ، ويكون حق الاعتراض هذا سلاحاً قوياً في يد الرئيس يستخدمه لاصلاح أخطاء السلطة التشريعية وإساءة استعمالها لحقوقها(9). وقد أخذت كثير من الدساتير بحق الاعتراض الموصوف كالدستور الأمريكي النافذ والصادر عام 1787 في المادة الأولى الفقرة السابعة والدستور الأرجنتيني لعام 1853 المعدل في المادة 59 إذ ليس لرئيس الدولة سوى حق اعتراض نسبي ، فالمشروع المقترح يصبح قانوناً متى حصل في القراءة الثانية على أغلبية الثلثين في كلا المجلسين.

كما أخذ بهذا النوع من الاعتراض الدستور الليبي الصادر عام 1951 والمعدل سنة 1963 حيث جاء فيه بان ((للملك خلال المدة المحددة لإصدار القانون ان يطلب من مجلس الأمة إعادة النظر فيه ، وعلى المجلس في هذه الحالة بحث القانون من جديد لإصدار القانون ان يطلب من مجلس الأمة إعادة النظر فيه ، وعلى المجلس في هذه الحالة بحث القانون من جديد ، فاذا اقره ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين صدق عليه الملك ..). وكذلك الدستور السوري الصادر عام 1973 في المادة (68) على ان (.. ويحق له الاعتراض على هذه القوانين بقرار معلل خلال شهر من تاريخ ورودها إلى رئاسة الجمهورية فاذا أقرها المجلس ثانية بأكثرية ثلثي أعضائه أصدرها رئيس الجمهورية). وما تجدر الإشارة إليه انه لا يلزم ان تصل الأغلبية الخاصة في هذا الاعتراض إلى نسبة الثلثين أو ثلاثة أرباع ، بل يكفي ان تختلف الأغلبية التي يحددها الدستور للتغلب على اعتراض رئيس الدولة عن الأغلبية اللازم توافرها لاقرار القانون أول مرة اختلافاً يتجه إلى تشديدها ، كان يستلزم الدستور لاقرار القانون ان يوافق عليه البرلمان بأغلبية الحاضرين المطلقة بينما يستلزم لتجاوز اعتراض رئيس الدولة ان يعيد البرلمان الموافقة على القانون بأغلبية الأعضاء المطلقة ، أو ان يستلزم الدستور لتجاوز اعتراض رئيس الدولة الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان ، بينما لاقرار القانون أول مرة ان يوافق عليه البرلمان بالأغلبية النسبية(10).
رابعاً ـ الاعتراض الناقل

ويتمثل هذا الاعتراض بنقل سلطة التقرير النهائي في مصير مشروع القانون والفصل في النزاع بين رئيس الدولة والبرلمان إلى جهة ثالثة يحددها الدستور ، والاعتراض الناقل يأتي في صورتين : فهو اعتراض ناقل للشعب إذا تطلب الدستور عرض الأمر على الاستفتاء الشعبي في أعقاب اعتراض الرئيس. أو اعتراض ناقل إلى هيئة سياسية أو قضائية ، متى استلزم الدستور عرض الأمر على هيئة سياسية أو قضائية ينص الدستور على تكوينها. ومن الدساتير التي تبنت حق الاعتراض الناقل للشعب دستور فايمر الألماني لسنة 1919 في المادة 74 منه ، ففي حالة وجود خلاف بين مجلسي البرلمان حول قانون معين يعاد القانون من جديد إلى مجلس Richsart ليعيد النظر فيه خلال أسبوعين، فإذا أقره بأغلبية تزيد على ثلثي الأعضاء جاز لرئيس الجمهورية ان يحيل القانون في خلال ثلاثة أشهر إلى الاستفتاء الشعبي .

اما إذا وافق المجلس على القانون بأغلبية تقل عن ثلثي أعضائه فان يجوز للرئيس ان يصمت خلال هذه الفترة ، فيسقط من تلقاء نفسه، أو ان يحيله إلى الاستفتاء كما هو الحال في الفرض السابق. وكذلك الدستور المغربي الصادر عام 1972 أخذ بالاعتراض الناقل للشعب في المادة 68 منه حيث جاء فيها ((للملك ان يستفتي شعبه بمقتضى ظهير شريف في شأن كل مشروع أو اقتراح قانون ، بعد ان يكون المشروع أو الاقتراح قد قريء قراءة جديدة اللهم الا إذا كان نص المشروع أو الاقتراح قد قبل أو رفض في كلا المجلسين بعد قراءته قراءة جديدة بأغلبية ثلثي الأصوات الذين يتألف منهم مجلس النواب) ويتبين من هذا النص ان الملك يستطيع ان يستفتي الشعب في شأن المشروع الذي يطلب إلى المجلس قراءته من جديد ولكنه لا يستطيع ذلك الا إذا لم يتوصل مجلس النواب إلى تحديد موقفه من التشريع المعترض عليه بأغلبية ثلثي أعضائه . ومعنى ذلك ان مجلس النواب يستطيع ان يتغلب على اعتراض الملك إذا قبل المجلس المشروع أو رفضه بالأغلبية المشار إليها ، فإذا لم يتوصل المجلس إلى تلك الأغلبية ، كان الملك بالخيار اما ان يقر البرلمان على رأيه ، واما ان يلجأ إلى استفتاء الشعب(11).

اما عن حق الاعتراض الناقل إلى هيئة سياسية وهو ما يعرف عادة بالرقابة الدستورية عن طريق هيئة سياسية ومثاله المادة 61 من الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 حيث يحق لرئيس الجمهورية متى اعترض على القانون قبل إصداره حق إحالته إلى المجلس الدستوري. اما بالنسبة لحق الاعتراض الناقل إلى هيئة قضائية فقد أخذ به الدستور الموريتاني الصادر عام 1961 في المادة 41 منه حيث قررت بأن ((يصدر رئيس الجمهورية القوانين ويضمن نشرها في الجريدة الرسمية في اجل أقصاه خمسة عشر يوماً من التاريخ الذي يحيلها إليه رئيس المجلس النيابي ، ولرئيس الجمهورية ان يعيده إلى المجلس ـ خلال هذا الأجل ـ المشروع المقترح القانوني للنظر فيه مرة ثانية ، ويتقرر إصداره ونشره في اجل ثان أقصاه خمسة عشر يوماً إذا ما صادقت عليه أغلبية أعضاء المجلس النيابي وله كذلك ان يلجأ إلى المحكمة العليا بحجة التعارض مع الدستور..).

وهكذا فلقد انفرد الدستور المورتياني بحكم مقتضاه ان من حق رئيس الجمهورية ان يحتكم إلى ((المحكمة العليا)) ولكن المشرع الدستوري المورتياني قيد سلطة الرئيس هذه في ان يكون التشريع الذي وافق عليه البرلمان يتعارض مع الدستور والا فلا يحق للرئيس ان يلجأ إلى المحكمة العليا بحجة عدم الملاءمة أو تعارض مع المصلحة العامة وغيرها من المسوغات وهكذا فان الخلاف بين رئيس الدولة والبرلمان في موريتانيا يحل بطريقة قضائية(12).
_____________________________
[1]- د. محسن خليل ـ النظم السياسية والدستور اللبناني ـ مصدر سابق ـ ص817ـ818 ، ود. فؤاد العطار ـ مصدر سابق ص634.
2- مثال ذلك ما ورد في المادة الأولى من الدستور الجيكوسلوفاكي الصادر سنة 1920 على بطلان القوانين المخالفة للوثيقة الدستورية أو التي تعدل أو تكمل في أحكامه وكذلك الدستور الياباني الصادر سنة 1963 والدستور التركي لسنة 1961 ، الذي نص في مادته الثامنة على انه ((لا يجوز ان تكون القوانين منافية للدستور أو متعارضة معه ، وتعتبر أحكام الدستور مبادئ قانونية أساسية تلزم الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية والسلطة الإدارية والأفراد)).
د. مصطفى أبو زيد فهمي ـ مصدر سابق ـ ص481. ود. حميد الساعدي ـ مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق ـ دار الحكمة للطباعة ـ الموصل ـ 1990 ، ص123.
3- د. حسن الحسن ـ مصدر سابق ـ ص153 وفائز اسعد ـ انحراف النظام البرلماني في العراق ـ رسالة دكتوراه منشورة مقدمة إلى كلية القانون ـ جامعة بغداد ـ 1982 ـ مطبعة السندباد ـ بغداد ، ص146.
4- د. سليمان الطماوي ـ السلطات الثلاث ط5 ـ مصدر سابق ص127.
5- تبنى الدستور الفلندي الصادر سنة 1919 هذا الاعتراض في المادة 19 منه إذ يكفي للتغلب على إرادة رئيس الجمهورية ان يوافق البرلمان المجدد على القانون من جديد بذات الأغلبية اللازمة لاقرار القوانين عادة . عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص107.
6- عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص108.
7- د. عثمان خليل ود. سليمان الطماوي ـ مصدر سابق ـ ص432 وكذلك ساجد محمد كاظم ـ مصدر سابق ـ ص130.
8- د. عبدالله بوقفه ـ الدستور الجزائري ـ دار ريحانه للنشر والتوزيع ـ الطبعة الأولى ـ 2002، ص108.
9- د. عثمان خليل د. سليمان الطماوي ـ مصدر سابق ـ ص432 ود. السيد صبري ـ مباديء القانون الدستوري ـ مصدر سابق ـ ص322.
0[1]- عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص110.
[1]1- د. سليمان الطماوي ـ السلطات الثلاث ط5 ـ المصدر السابق ـ ص213 و 222.
2[1]- د. سليمان الطماوي ـ السلطات الثلاث ط5 ـ مصدر سابق ـ ص223ـ218.