الغلط في القانون ومدى صحة عقد الصلح
لايجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون

استثناء صريح من القواعد العامة ، فإن هذه القواعد تقضي بأن الغلط في القانون كالغلط في الواقع يجعل العقد قابلا للإبطال . وقد نصت المادة 122 مدني في هذا الصدد على أن ” يكون العقد قابلاً للابطال لغلط في القانون، اذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين السابقتين(أي المادتين 120و121 مدني) ، هذا ما لم يقض القانون بغيره ” . وقد قضى القانون فعلاً ، في المادة 556 مدني بانه لايجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون ، بغير ما تقضي به القواعد العامة ، وبأن الغلط في القانون في عقد الصلح لا يجعل الصلح قابلاً للإبطال

363 – الغلط في القانون في عقد الصلح – نص قانوني :
تنص المادة 556 من التقنين المدني على ما يأتي : ” لا يجوز الطعن في الصلح بسب غلط في القانون ” ( [1] ) .

وهذا النص استثناء صريح من القواعد العامة ، فإن هذه القواعد تقضي بأن الغلط في القانون كالغلط في الواقع يجعل العقد قابلا للإبطال . وقد نصت المادة 122 مدني في هذا الصدد على أن ” يكون العقد قابلاً للابطال لغلط في القانون، اذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين السابقتين ، هذا ما لم يقض القانون بغيره ” . وقد قضى القانون فعلاً ، في المادة 556 مدني السالفة الذكر ، بغير ما تقضي به القواعد العامة ، وبأن الغلط في القانون في عقد الصلح لا يجعل الصلح قابلاً للإبطال ( [2] ) .

وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في تعليل هذا الاستثناء ما يأتي : ” ويجب التمييز ما بين الغلط في فهم القانون ، وهذا لا يؤثر في الصلح علي خلافي القاعدة العامة ، والغلط في الوقائع ، وهذا يؤثر في الصلح سواء وقع في الشخص أو في صفته أو في الشيء محل النزاع أو في الباعث الخ ، ما دام الغلط جوهرياً . والسبب في أن الغلط في فهم القانون لا يؤثر في الصلح ، أن المتصالحين كانا وهما في معرض المناقشة في حقوقها يستطيعان التثبت من حكم القانون فيما قام بينهما من نزاع على هذه الحقوق . بل المفروض أنهما يثبتا من هذا الأمر ، فلا يسمع من أحد منهما بعد ذلك أنه غلط في فهم القانون ” ( [3] ) .

وهذا التعليل التقليدي الذي يتردد كثيراً في الفقه الفرنسي ( [4] ) ، ينتقده الفقه الحديث ( [5] ) ، فلا شيء يبرر الخروج على القواعد العامة في الغلط في الصلح وجعل الغلط في القانون لا يؤثر في صحة العقد ( [6] ) .

والقول بأن المتصالحين كانا وهما في معرض المناقشة في حقوقهما يستطيعان التثبت من حكم القانون فيما قام بينهما من نزاع ، بل المقرض أنهما تثبتا من هذا الأمر ، لا يمنع من أنهما بالرغم من هذا التثبيت يقعان في غلط في القانون . وإذا كان لا بد من تعليل لهذا الحكم ، فالظاهر أن اقرب تعليل هو أن المتصالحين ، ما داما على بينة من الواقع ولم يقعا في غلط فيه ، إنما يتصالحان على حكم القانون في النزاع الذي بينهما .

وسواء علما حكم القانون في هذا النزاع أو لم يعلماه ، فهما قد قبلا حسم النزاع بينهما على الوجه الذي اتفقا عليه مهما كان حكم القانون . فلو أن أحدهما كان في غلط في حكم القانون وتبين غلطه قبل أن يبرم الصلح ، لما منعه تبينه للغلط من أن يمضي في الصلح الذي ارتضاه . هذا هو ما أقترضه المشرع ، فجعل الغلط في القانون ليس بالغلط الجوهري في عقد الصلح ، وليس من شأنه إذا علمه من وقع فيه أن يمنع من التعاقد ( [7] ) .

ويتوسع القضاء الفرنسي في استبعاد الغلط في القانون كسبب لإبطال الصلح . من ذلك أنه إذا اختلط الغلط في القانون بغلط في الواقع ، ومن ثم كان ينبغي أن يكون الغلط في الواقع كافياً وحده لإبطال الصلح ، فإن القضاء الفرنسي يستظهر الغلط في القانون ويجعله يجب الغلط في الواقع إذا كان هذا الغلط غير مغتفر ، ومن ثم لا يبطل الصلح إذ يقف عند الغلط في القانون وحده فإذا اصطلح شخصان في شأن سند باطل ، وكانا واقعين في غلط في الواقع وغلط في القانون ، في شأن هذا البطلان ، فإن الصلح مع ذلك لا يبطل للغلط إذا ظهر أنه كان ينبغي أن يدرك المتصالحان بطلان السند ( [8] ) . وإذا غلط أحد المتصالحين في جنسية المتعاقد معه ، فاختلط الغلط في الواقع بالغلط في القانون ، لم يعتد القضاء الفرنسي بالغلط في الواقع ووقف عند الغلط في القانون فلا يبطل الصلح ( [9] ) .

وينتقد بعض الفقهاء هذا التوسع ويذهبون إلى أنه لو أن القضاء فسر حكم الغلط في القانون تفسيراً ضيقاً كما ينبغي باعتباره استثناء من القواعد العامة ، ولم يجعله يجب الغلط في الواقع إذا خالطه ، لصعب في العمل أن يوجد غلط في القانون دون أن يخالطه غلط في الواقع ، و لضاقت دائرة الاستثناء إلى حد كبير ( [10] ) .

وقد سار القضاء المصري في عهد التقنين المدني السابق على أن الغلط في القانون لا يكون سبباً في إبطال عقد الصلح ( [11] ) . وأكد التقنين المدني الجديد هذا الحكم بنص صريح ( م 556 مدني السالفة الذكر ) .

السابق الأهلية في الصلح

التالي:
الغلط في الحساب
الغلط في الواقع
– أمثلة أخرى للغلط في الواقع
عدم تجزئة الصلح عند بطلانه

( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 747 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – يجوز الطعن في الصلح بسبب الإكراه أو التدليس . 2 – ولا يجوز الطعن فيه بسبب الغبن أو بسبب غلط في القانون ، ولكنه يكون قابلا للبطلان إذا شابه غلط مادي وقع في شخص المتعاقد الآخر أو في صفته أو في الشيء الذي كان محلا للنزاع ” .

وفي لجنة المراجعة عدل النص ، فأصبح مقصوراً على ما استقر عليه في التقنين المدني الجديد ، لأن بقية الأحكام التي حذفت مستفادة من القواعد العامة ، وصار النص رقمه 584 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 556 ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 458 وص 461 – ص 463 ) .

ويقابل هذا النص في التقنين المدني السابق م 533 / 657 : لا يجوز الطعن في الصلح إلا بسبب تدليس أو غلط محسوس واقع في الشخص أو في الشيء أو بسبب تزوير السندات التي على موجبها صار الصلح وتبين بعده تزويرها .
( وكان القضاء في عهد التقنين السابق يفسر هذا النص بأنه يستبعد الغلط في القانون كسبب لإبطال العقد ) .

ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السوري م 524 ( مطابق ) .

التقنين المدني الليبي م 554 : لا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط القانون . 2 – ويكون باطلا الصلح الذي تم على أساس وثائق تبين فيما بعد إنها مزورة ، وكذلك الصلح الذي انصب على خصومة تم الفصل فيها بحكم واجب التنفيذ وجهل ذلك أحد المتعاقدين . ( وأحكام التقنين الليبي تتفق مع أحكام التقنين المصري ) .

التقنين المدني العراقي لا مقابل – فيبدو أنه يجوز الطعن في الصلح لغلط في القانون كما يجوز الطعن فيه لغلط في الواقع . ولكن الأستاذ حسن الذنون ( فقرة 268 ) يذهب إلى أن الأصل في التقنين العراقي أنه لا يجوز الطعن في العقد لغلط في القانون ، ويدخل الصلح في هذه القاعدة العامة .
تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 1048 : لا يجوز الطعن في المصالحة بسبب غلط قانونين أو بسبب الغبن . ( وأحكام التقنين اللبناني تتفق مع أحكام التقنين المصري ) .

( [2] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يجوز للمتصالح أن يطعن في الصلح بغلط في القانون وقع فيه شأن مقاصة ، ولو كان هذا الغلط هو الدافع له على الصلح ( استئناف مختلط 13 مايو سنة 1930 م 42 ص 495 ) .
( [3] ) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 461 .

( [4] ) بون 2 فقرة 681 – لوران 28 فقرة 405 – جيورا فقرة 134 – بودري وفال 24 فقرة 1257 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 3231 .
( [5] ) بيدان فقرة 365 – ميرل فقرة 146 – جوسران 2 فقرة 1456 – بلانيول وريبير وسافاتييه 11 فقرة 1600 .

( [6] ) وفي الأعمال التحضيرية للتقنين المدني الفرنسي قيل إن الغلط في القانون لا يجعل العقد قابلا للإبطال في الصلح وفي غيره من العقود ( فينيه 15 ص 108 ) ، وهذا خطأ ظاهر فإن الغلط في القانون يجعل في الأصل العقد قابلا للإبطال كالغلط في الواقع .

وهناك تعليلات أخرى في الفقه التقليدي . منها أن لا يجوز إبطال الصلح لغلط في القانون بموجب حكم في الوقت الذي أريد فيه بالصلح أن يقوم مقام الحكم ( لا رومبيير م 1110 فقرة 26 ) . ومنها أنه أريد بالصلح حسم النزاع ، فلو أجزنا إبطاله لغلط في القانون وهو أمر خفي ، لا نفتح الباب واسعاً للنزاع وهو ما أريد بالصلح أن يحسمه ، ولكن يرد على هذه التعليلات بأنها لو كانت كافية ، لوجب أن يغلق الباب دون الطعن في الصلح بأي غلط ، في القانون أو في الواقع ، وبأي وجه من وجوه البطلان الأخرى ( بودري وفال 24 فقرة 1257 ) .

( [7] ) أوبرى ورو وإسمان 6 فقرة 422 ص 264 هامش 1 – 3 – بواييه في الصلح ص 71 – انسيكلوبيدي داللوز 5 لفظ transaction فقرة 161 – الأستاذ أكثم الخولي فقرة 11 ص 23 .
( [8] ) نقض فرنسي 19 ديسمبر سنة 1865 داللوز 1866 – 1 – 182 .
( [9] ) نقض فرنسي 25 أكتوبر سنة 1892 داللوز 1893 – 1 – 17 .

( [10] ) بلانيول وريبير وسافاتييه 11 فقرة 1600 – الأستاذ أكثم الخولي فقرة 12 – ويذهب بعض الفقهاء ، في سبيل الامعان من التضييق في هذا الاستثناء ، إلى أن الغلط في القانون إذا كان لا ينصب على ذات النزاع كما تصوره الطرفان ، فلا محل لحرمان من وقع فيه من التمسك به لإبطال الصلح . فإذا تنازع الواهب مع الموهوب له في جواز رجوع الواهب في هبته ، وحسما النزاع بالصلح ، ثم تبين أن الهبة باطلة لأنها هبة مكشوفة لم يحكم سترها بعقد آخر ، فالغلط في القانون هنا يكون سبباً في إبطال الصلح لأن هذا الصلح لم يحسم نزاعاً في هذه المسألة ( بواييه في الصلح ص 72 – ص 73 – الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقرة 15 ص 30 – ص 31 – الأستاذ أكثم الخولي فقرة 12 ص 25 ) .

( [11] ) أنظر 535 / 657 من التقنين المدني السابق في نفس الفقرة في الهامش – استئناف مختلط 24 يونيه سنة 1943 م 55 ص 200 .