الــتــحــكـــيــم الحــر والمؤســســي
عبدالعزيز بن عبدالله الخريجي
محامي مستشار

نص نظام التحكيم لعام 1433هـ في مادته الرابعة على: ” في الأحوال التي يجيز فيه النظام لطرفي التحكيم اختيار الإجراء الواجب الاتباع في مسألة معينة، فإن ذلك يضمن حقهما في الترخيص للغير في اختيار هذا الإجراء، ويعد من الغير في هذا الشأن كل فرد، أو هيئة أو منظمة أو مركز للتحكيم في المملكة العربية السعودية أو خارجها.” توضح المادة وتحترم حرية الأطراف الإجرائية في التحكيم وكفلت لهم الحرية الإجرائية بلفظ صريح، ومن هنا يتوجب بيان وأهمية التفرقة بين التحكيم الحر والمؤسسي، المنصبة على الإجراءات التي تنظم عملية التحكيم، فالتحكيم الحر أو الطليق تكون سلطة الأطراف في التحكيم أوسع لتحديد الإجراءات المنظمة لسير وطريقة الفصل بالنزاع، فيكون للأطراف الحرية بتحديد القواعد الإجرائية اتفاقاً بينهما عند طلب اللجوء للتحكيم.

وفي الواقع العملي تقوم هيئة التحكيم بعد تعيينها بوضع هذه القواعد، وتعرض على الأطراف لموافقتهما خاصة في حال عدم اتفاق الأطراف المسبق، كما أن هذ التحكيم لا يخضع لسلطة أي مركز أو هيئة تحكيميه، فعند الإختلاف أو التراخي بتعيين المحكميّن يتم اللجوء للقضاء المختص لتعيين المحكم، فالتحكيم الحر يتولى الأطراف تعيين المحكميّن بأنفسهم مباشرة ولهم حرية كاملة في تنظيم إجراءات الفصل في خصومة التحكيم.

أما التحكيم المؤسسي، فهو اللجوء لجهة مختصة أياً كان شكلها مركز أو هيئة أو منظمة، وغالباً تكون من القطاع الخاص، ويكون لهذه الجهة قواعد إجرائية للفصل بخصومة التحكيم معدة سلفاً بما فيها تعيين المحكميّن، وفق شروط وأحكام خاصة مقررة في لوائحها، كما تتضمن صلاحيات لهذه الجهة بتعيين هيئة المحكمين عند الإختلاف أو التراخي بين الأطراف، وكذلك يتحقق للجهة سلطة تنظيم وإشراف على العملية التحكيمية، وكل ذلك مقابل رسوم وأتعاب مُعلنة مسبقاً للجهة وللمحكميّن، وكل ذلك غايته تسهيل وانطلاق العملية التحكيمية.

فالفارق بين التحكيم الحر (الطليق) والتحكيم المؤسسي (النظامي)، متحقق في الجانب الشكلي، بوجود قواعد إجرائية بالتحكيم المؤسسي تحكم النزاع التحكيمي إجرائياً قبل نشوئه، وتقليص لصلاحيات الأطراف الواسعة بتفويضهم للغير بتعيين المحكميّن، وتحقق سلطان للجهة التي تتولى إدارة التحكيم بتسوية أي خلاف إجرائي متحقق بين الأطراف، بخلاف التحكيم الحر الذي يستلزم قيام الأطراف بتعيين المحكميّن، وتحديد الإجراءات الحاكمة لهيئة التحكيم، وعند تحقق خلاف إجرائي أو عدم تعيين مُحكم من أحد الأطراف فيرفع الأمر للقضاء المختص ليحكم بتعيين مُحكم أو لتشكيل هيئة التحكيم.

إن اتفاق التحكيم هو المحدد لشكل التحكيم وكيفيته، فإن جاء النص المتفق عليه أكان شرط أو مشارطة بين الأطراف عاماً دون تحديد لجهة معينة يتم من خلالها إنهاء الخصومة فنكون أمام تحكيم حر، ما لم يُحدد لاحقاً من الأطراف اللجوء لمركز أو هيئة أو منظمة. ويكون التحكيم مؤسسياً عند وجود شرط في أصل العقد المبرم بين الطرفين باللجوء للجهة المحددة لإخضاع العلاقة لهذه الجهة وإجراءاتها أو في مشارطة التحكيم، كما أن القواعد الإجرائية لهذه الجهة المعينةوالمحددة لإدارة التحكيم تكون جزء لا يتجزأ من شرط التحكيم، مُلزمة لأطراف الخصومة وإن لم يطلعوا عليها، وكذلك لهيئة التحكيم والجهة التحكيمية.

وعُرف اتفاق التحكيم بالفقرة رقم (01) من المادة الأولى من نظام التحكيم بأنه: “هو اتفاق بين طرفين أو أكثر على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما في شأن علاقة نظامية محددة، تعاقدية كانت أم غير تعاقدية، سواءً أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد، أم في صورة مشارطة تحكيم مستقلة.” واتفاق التحكيم لا يقل أهمية عن العقد بين الأطراف، إلا أنه اتفاق أو شرط يعاني غالباً بعدم الإلتفات له إلا بعد إنهاء التفاوض على بنود العقد أو لا تبرز مناقشته وبحثه بين الأطراف إلا في آخر الوقت، لذلك يسمى شرط منتصف الليل ” Midnight Clause”، فكما سبق بيانه يتضح جزء يسير لأهميته والعناية بصياغته، فمن خلاله يتحدد شكل التحكيم وحدوده والقدرة على تحجيم تكاليف التقاضي ويحقق السرعة بالفصل بالمنازعة عند وجوده، متى ما جرت صياغته بشكل صحيح وسليم والذي لا يتحقق غالباً إلا بالإستعانة بالمحامين ذوي الخبرة.

إن وفقت وأصبت فمن الله وفضله والحَمدُلِله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العليّ العظيم لوالديّ ولي ولزوجتي وذريتي وإخواني والمسلميّن ونتوب إليه ..

إعادة نشر بواسطة محاماة نت