تنفيذ العقد في القانون الجزائري
شرح كيف ينفذ العقد

مقدمة
العقد في القانون هو إتفاق بين طرفين أو أكثر يتعهد فيه كل منهم بأشياء أو وعود متبادلة بحيث ينفذها القانون. ويقوم قانون العقود على العبارة اللاتينية pacta sunt servanda التي هي “العقد شريعة المتعاقدين”. وإذا تم الإخلال بالعقد فإن القانون يقدم ما يعرف بالتدابير القضائية (بالإنجليزية: remedies) للتعامل مع ذلك، أحيانا تكون العقود مكتوبة مثلما هو الحال عند شراء أو إيجار منزل، إلا أن النسبة الغالبة من العقود تكون شفهيا، مثلما هو الحال عند شراء كتاب أو فنجان من القهوة، ويندرج قانون العقود تحت ظل القانون المدني كجزء من القانون العام للالتزامات.
وتعد النظرية العامة للعقود من أهم النظريات القانونية قاطبة.
طريقة تنفيذ العقد في القانون المدني
يجب على المتعاقدين تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، فمن أستأجر سيارة مثلاً لإيصاله إلى مكان معين، بأجرة على المسافة، يجب على السائق سلوك أقرب الطرق. وسوء النية في تنفيذ العقد يسمى في اصطلاح القانون غشاً، وهو يقابل التدليس عند تكوين العقد.

وجوب تنفيذ العقد وفقاً لمضمونه :
أ:المبدأ العام :
العقد شريعة المتعاقدين :
العقد شريعة المتعاقدين، وبالتالي لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون، وهذا المبذأ يلزم المتعاقدين بمضمون عقدهما. وكذلك يلزم القاضي بمضمون العقد، فليس له نقض العقد بإرادته، ولا تعديله بحجة العدالة. ولكن في بعض الحالات يمنح القانون بعض السلطات للقاضي، في مجال إنشاء العقد، كما هو عليه الحال فيما إذا لم يتم الاتفاق على المسائل الفرعية في العقد، وسلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي الجائر، وفي تعديل الشروط التعسفية في عقود الإذعان.[1]
ومن المتفق قانوناً أن تعديل العقد أو نقضه يكون خاضعاً لاتفاق الطرفين، إلا إذا نص العقد على خلاف ذلك.

ب : الإستثناءات من القاعدة:
1- حكم دفع العربون :
العربون هو مبلغ من المال يدفعه أحد المتعاقدين إلى الآخر عند إبرام العقد محسوباً من العوض الذي التزم بدفعه في العقد.
وإذا تبين من اتفاق الطرفين أن دفع العربون كان لتأكيد العقد، فلا يمكن الرجوع عنه.[2]
ويضمن العربون حق كل من المتعاقدين في العدول عن العقد، ما لم يتفقا على خلاف ذلك، . ويترتب على العدول خسارة العربون من قبل من دفعه، أو رد ضعفه من قبل من قبضه. وبالتالي فإن خسارة العربون في حال النكول هي التزام منشؤه العدول، ولا يعد تعويضاً عن الضرر الذي لحق بالطرف الآخر على سبيل الشرط الجزائي، لأن الناكل يخسر العربون ولو لم يلحق الضرر بالطرف الآخر. وإخراج خسارة العربون من نطاق الشرط الجزائي يجعله غير خاضع لسلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي أو عدم الحكم به، .[3]
فعلى القاضي أن يقضي بكامل العربون دون أن يكون له الخيار في التقدير، في حال عدول أحد المتعاقدين.

2: نظرية الظروف الطارئة :
ومثال ذلك متعهد يتعاقد مع مستشفى لتوريد المواد الغذائية ثم تنشب حرباً أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وهذا الأمر يهدده بخسارة كبيرة . . .

فهل يجبر على تطبيق مبدأ العقد شريعة المتعاقدين؟

أصل النظرية وأساسها :
يبدو أن أصل نظرية الظروف الطارئة يعود إلى القانون الكنسي الذي يمنع الغبن في العقود، وذلك لأنه يعده من قبيل الربا، سواء حصل ذلك عند تكوين العقد أو عند تنفيذه.[4]
وفي الفقه الفرنسي، يرى البعض أن أصل هذه النظرية هو شرط ضمني مفاده بقاء الظروف على حالها، في حين أن بعضهم الآخر يرى أن أساس هذه النظرية هو الغبن ويرى قسم ثالث بأن أساس هذه النظرية هو العدالة.[5]

شروط تطبيق هذه النظرية :
يستلزم تطبيق هذه النظرية توافر الشرائط الآتية :
– اختلاف وقت انعقاد العقد عن وقت تنفيذه: حيث المجال الرحب لتطبيق النظرية هو عقود المدة، أي العقود الزمنية. ولكن يمكن أن تطبق أيضاً في العقود الفورية إذا أجل تنفيذها باتفاق المتعاقدين، أو تأخر التنفيذ لعذر قاهر لا يد للمدين فيه.[6]

– أن يطرأ ظرف استثنائي عام، لم يكن في الوسع توقعه: واشتراط كون الظرف الطارئ استثنائياً هو لإخراج الحادث العادي المألوف، كقيام حرب أو ثورة، أو حصول زلزال، أو طوفان. ويؤخذ بالحسبان المكان والزمان، فما يكون استثنائياً في بلد قد لا يكون كذلك في بلد آخر، وكذلك الحال بالنسبة للزمان.[7]

واشتراط كون الظرف الطارئ عاماً هو لإخراج الظرف الاستثنائي الخاص الذي يقتصر على المدين وحده، كمرض المدين، أو تلف محصوله، أو هلاك قطيعه.

ويعد ظرفاً عاماً وباء في بلد، وباء الحمى القلاعية، مرض جنون البقر، ومرض انفلونزا الدجاج . . . وينتقد بعضهم اشتراط صفة العمومية في الظرف كونه يجافي المنطق ويخالف الاتجاه الحديث في هذه النظرية. [8]

بالإضافة إلى ذلك يجب ألا يكون في الوسع توقع الحادث: ومعيار التوقع هنا هو موضوعي، وهو أن يكون الإنسان العادي لو وجد في ظروف المدين لا يستطيع أن يتوقع الحادث. فتدمير وسائل المواصلات في زمن السلم غير متوقع، ولكن بعد إعلان الحرب يصبح أمراً متوقعاً. ويشترط في الظرف الطارئ ألا يكون في وسع المدين دفع تأثيره عن نفسه.

– أن يصبح تنفيذ الالتزام مرهقاً بسبب الظرف الطارئ: إذا كان الحادث يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً فهو من قبيل القوة القاهرة، وهي تؤدي إلى انقضاء الالتزام. في حين أن الظرف الطارئ يجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً، فهو ممكن.

ويتصف كلٌ من الظرف الطارئ والقوة القاهرة بأنه لا يمكن التنبؤ به وتوقعه ولا دفعه بعد وقوعه. ولكن القوة القاهرة لا يشترط فيها أن تكون عامة، فقد تكون خاصة بالمدين كاحتراق محصوله. إضافة إلى ذلك يجوز الاتفاق في القوة القاهرة على أن يتحمل المدين تبعتها ، في حين أنه لا يمكن الاتفاق على ما يخالف أحكام نظرية الظروف الطارئة وذلك لأنها من النظام العام .

ويكون تنفيذ التزام المدين مرهقاً عندما يؤدي إلى خسارة فادحة تتعدى الحد المعقول. ويقوم الإرهاق على اختلال التوازن الاقتصادي بين الالتزامات المتقابلة، ويتم تقديره بشكل موضوعي لا شخصي. [9]
وبعضهم يضيف شرطاً آخر وهو أن لا يكون العقد احتمالياً كعقد التأمين. [10]

حكم القانون في الظروف الطارئة :
أجاز القانون للقاضي تبعاً للظروف، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك، وسلطة القاضي هنا غير عادية لأنها تتجاوز تفسير العقد إلى تعديله، بحيث يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول.[11]

وهو لا يقوم بتحويل الخسارة كلها من المدين إلى الدائن. وإنما يوزع الزائد من الخسارة عن الحد المألوف بين الطرفين. ويستطيع القاضي أن ينقص الالتزام المرهق، أو أن يوقف تنفيذ العقد. ولكن لا يستطيع القاضي فسخ العقد استناداً إلى نظرية الظروف الطارئة. وأحكام هذه النظرية من النظام العام لا يجوز الاتفاق على خلافها تحت طائلة البطلان. وإذا زال الظرف الطارئ، عاد المتعاقدان إلى تنفيذ العقد وفقاً لمضمونه. ولا يلزم القانون الدائن بقبول التعديل القضائي، حيث يمكن له أن يطلب فسخ العقد، أو أن يقبل بالعقد مع التعديل.

خاتمة
إن الأصل في العقود أن يقع تنفيذ العقد ،و قد يحصل أن يتعذر على أحد المتعاقدين تنفيذ التزامه و ذلك في حالات معينة.
بينها وحددها المشرع إن العقد هو اتفاق بين طرفين أو أكثر يتعهد فيه كل منهم بأشياء أو وعود متبادلة بحيث يكفل نفذها القانون. “العقد شريعة المتعاقدين”. وإذا تم الإخلال بالعقد فإن القانون يقدم ما يعرف بالتدابير القضائية للتعامل مع ذلك نقوم كلنا بعمل عقود كل يوم، وأحيانا تكون العقود مكتوبة مثلما الحال عند شراء أو إيجار منزل، إلا أن النسبة الغالبة من العقود تكون شفهيا .

مراجع
[1] – انظر: د. الزرقاء، النظرية العامة للالتزام…، المرجع السابق، بند 269. ود. السنهوري، المرجع السابق، بند 410 وما يليه.
[2] – انظر: د. الزرقا، المرجع السابق، بند 269.
[3] – تنص المادة 225 م.س على أنه: ((1- لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا ثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر. 2- ويجوز للقاضي أن يخفض هذا
التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، وأن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه. 3- ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين)).
[4] – انظر: د. السنهوري، المرجع السابق، بند 416 وما يليه. د. مرقس، المرجع السابق، بند 266. ود. سوار، المرجع السابق، بند 441 و442 .
[5] – J.Flour, J.-L. Aubert et E. Savaux, Les obligation – 1-, op. cit., n° 404 et s.
[6] – د. مرقس، المرجع السابق، بند 272. ود. السنهوري، المرجع السابق، بند 420 ود. الزرقاء، النظرية العامة للالتزام…، المرجع السابق، بند 271.
[7] – انظر: د. سوار المرجع السابق، بند 444.
[8] – انظر: د. سوار، المرجع السابق، بند 448.
[9] – انظر: د. سوار، المرجع السابق، بند 447. ود. الزرقاء، النظرية العامة للالتزام …، المرجع السابق، بند 275. ود. السنهوري، المرجع السابق، بند 420.
[10] – د. سوار، المرجع السابق، بند 444.
[11] -انظر: د. سوار، المرجع السابق، بند 445، ود. الزرقاء، النظرية العامة للالتزام 000، المرجع السابق، بند 276. ود. السنهوري، المرجع السابق، بند 421.

بقلم الأستاذ حرير عبد الغاني
محامي معتمد لدي مجلس قضاء بومرداس الجزائر
إعادة نشر بواسطة محاماة نت