كيفية إثبات الطلاق في الشريعة و القانون الجزائري

نظرا لعدم وضوح اتجاه المشرع الجزائري فإنه ينبغي علينا الرجوع إلى تنظيم الطلاق في الشريعة الإسلامية ومدى تطابقه مع قانون الأسرة وبعبارة أخرى هل تركت الشريعة الإسلامية حق الطلاق حرا بلا قيود أم أنه ثمة هناك قيود يتعين على الزوج الالتزام بها حتى يقع طلاقه؟
و إذا تم الطلاق فماهي الطرق الشرعية المقررة لإثباته ؟

المطلب الأول: الإشهاد على الطلاق في الشريعة الإسلامية.

اتفق جمهور الفقهاء على أن الطلاق هو حق للرجل ، و لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو طريقة استعمال هذا الحق هل يتم بصفة تلقائية أم يجب أن يحترم فيه الزوج ترتيب معين؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى هل هو حق مطلق أم مقيد ؟
وعلى هذا الأساس سوف نتناول بالدراسة فيما يلي كيفية استعمال الزوج لحق الطلاق و مدى إلزامية الإشهاد عليه في الشريعة الإسلامية، مع العلم أن الحق ينقسم إلى حق يقابله التزام و حق إرادي لا يقابله أي التزام فهو مقرر لصاحبه.

الفرع الأول: حق الزوج في إيقاع الطلاق.

ذهب جمهور الفقهاء من السلف و الخلف إلى أن الطلاق يقع بدون إشهاد لأنه من حقوق الرجل و قد جعله الله بيده و لم يجعل الله لغيره حقا فيه حيث قال تعالى: » يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن … « و قال ابن القيم: فجعل الطلاق لمن نكح لأن له الإمساك و له الرجعة.
ولكي يباشر الزوج حقه فلا يحتاج إلى بينة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد.

وقد اتجه جمهور الفقهاء إلى ذلك بل إنهم قالوا بأن الإشهاد على الطلاق ليس شرطا لوقوعه فهو مندوبا لا واجبا وبالتالي وطبقا لهذا الرأي فإن الحق في الطلاق هو من التصرفات الحرة ، ويكفي لترتيب الأثر القانوني أن يتم التعبير عن الإرادة بأية وسيلة كانت ، بل و يذهب أبعد من ذلك و هو وقوع الطلاق الواقع وقت حيض الزوجة مع إثم الزوج ديانة.
ونظرا لكون الطلاق هو حق من حقوق الزوج فإنه له أن ينيب عنه غيره سواء كانت زوجته أم غيرها و هذا ما ذهب إليه المالكية و تنقسم هذه النيابة إلـى قسمـين:

الأولى بأن يرسل الزوج إلى زوجته رسولا يعلمها بالطلاق، فالرسول هنا لم يجعل له الزوج إنشاء الطلاق ، و إنما له فقط إعلام الزوجة بوقوع الطلاق بعبارة الزوج نفسه والثانية تفويض الطلاق وهي ثلاثة أنواع توكيل ،تخيير وتمليك .
وباعتبارأن الطلاق هو من التصرفات الشرعية التي تصدرعن الزوج بإرادته المنفردة فقد قيدته الشريعة الإسلامية بجملةمن الشروط و القيود ينبغي توافرها لوقوعه، وخارج ذلك إما أن يعتبر بدعيا لعدم احترام الزوج إجراءات الطلاق أو تعسفيا لعدم وجود المبرر الشرعي ومن هنا جاء تقسيم الطلاق إلى سني و بدعي، فأما الطلاق السني فهو أن يوقع الزوج على زوجته المد خول بها طلقة واحدة في طهر لم يمسسها فيه، فإذا طلقها وهي حائض أو في طهر مسها فيه أو أوقع عليها طلقتين متتاليتين أو ثلاث فطلاقه بدعي.

والطلاق البدعي مكروه و محرم في المذاهب السنية أما في المذهب الجعفري فهو طلاق فاسد لا يقع. و يجب على الذي يطلق امرأته أن يردها إليه قبل انتهاء عدتها عند المالكية و الحنفية، ويسن ذلك عند الشافعية والحنابلة، وذلك لأن عمله معصــية و الرجوع عن المعصية ضروري ،هذا إذا أمكنت الرجعة أما إذا طلقها ثلاث أو واحدة مكملة للثلاث فلا رجعة.
و عليه فإن الطلاق هو حق مقرر للزوج الذي توافرت فيه الشروط الشرعية لإمكانية ممارسة هذا الحق و ذلك بأن يكون عاقلا ، فلا يصح طلاق المجنون و لو كان جنونه متقطعا.

الفرع الثاني: الإشهاد على الطلاق كقيد على حق الزوج .
ذهب فقهاء الشيعة الإمامية إلى اعتبار أن الإشهاد شرط في صحة الطلاق واستدلوا على ذلك بقوله سبحانه و تعالى في سورة الطلاق: »وأشهدوا ذوي عدل منكم و أقيموا الشهادة لله « و ظاهر الأمر من هذه الآية الكريمة في الشرع أن الإشهاد يقتضي الوجوب.
وقد روى الإمام ابن كثير في تفسيره عن ابن جريح أن عطاء كان يقول في قوله تعالى:»وأشهدوا ذوي عدل منكم « قال: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا إرجاع إلا شاهد عدل ولم ينفرد بوجوب الإشهاد فقط علماء آل البيت بل هومذهب عطاء وابن سيرين وابن جريح.
وقد قال الزمحشري : إن المعني بالخطاب في الآية 229 من سورة البقرة : » فإن خفتم ألا يقيما حدود الله « هو الأئمة والحكام ، والأمر نفسه في الآية 35 من سورة النساء : »و إن خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها «. حيث لهم أن يتدخلوا لرفع الأذى و المضرة، وكذلك الأمر نفسه في سورة الطلاق: » واشهدوا ذوي عدل منكم « ، ومن ثمة وجب على الزوج أن يشهد شهيدين من المسلمين على طلاقه .

والإشكال الذي طرح هنا هو موقف القضاة من الزوج الذي يطلق زوجته بدون إشهاد فإن أقروا طلاقه خالفوا الآية الكريمة التي تدعوا إلى الإشهاد على الطـلاق وإن رفضــوا إقراره سمحوا له بالاستمرار في معاشرة زوجته وهي مطلقة في علم الله.
والإجابة على ذلك أنه ما دام و أن روح الآيات تساعد على جعل تنظيم الطلاق منوطا بالقضاء وأن السنة النبوية الشريفة جرت على ذلك وأنه ليس فــي الكتــاب ولا السنة ما يمنعه فإن أقر بذلك أولياء الأمور وأصبح تشريعا صار الشذوذ عنه باطلا.
ومن محاسن ضرورة الإشهاد على الطلاق مع إتباع الخطوات الصحيحة في إيقاعه والمتمثلة في طهر المرأة هو إعطاء فرصة للزوج لإعادة التفكير فإن بقي مصمـــما رغـم حضور الشاهدين و مرور الوقت الزمني فإن طلاقه يكون قائما على أسباب قوية وليست عرضية وهذا هو الطلاق المقصود في الشريعة الإسلامية.

المطلب الثاني: طرق إثبات الطلاق شرعا وقانونا :

إن مسألة إثبات الطلاق من الناحية الشرعية لا تكتسي غموضا ذلك أنه يثبت بكافة طرق الإثبات من إقرار و بينة و يمين ، فإذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها و أنكر هو فمذهب المالكية أنه إن أتت بشاهدين عدلين نفذ الطلاق ، و إن أتت بشاهد واحد حلف الزوج و برئ و إن لم يحلف سجن حتى يقر أو يحلف ، وان لم تأتي بشاهد فلا شيء على الزوج ، و عليها منع نفسها منه بقدر جهدها،و إن حلف بالطلاق و ادعت أنه حنث فالقول قول الزوج بيمينه .
و ذكر الحنابلة أنه إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فالقول قول الزوج بيمينه لأن الأصل بقاء النكاح و عدم الطلاق إلا أن يكون لها بما ادعته بينة ، و لا يقبل فيه إلا عدلان لأن الطلاق ليس بمال ولا المقصود منه المال و يطلع عليه الرجال في أغلب الأحوال كالحدود و القصاص، فإن لم تكن هناك بيّنة يستحلف الرجل على الصحيح لحديث: اليمين على من أنكر.
و توضيحا لما سبق ينبغي علينا التطرق إلى طرق الإثبات المقررة شرعا و مطابقتها بتلك المقررة قانونا لنخلص في النهاية إلى مسلك القضاء الجزائري في مسألة إثبات الطلاق العرفي: