عواقب وأخطار المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية على حق الملكية.

بقلم: نعمان عزالدين طالب باحث في العلوم القانونية والقضائية بجامعة الحسن الأول سطات.

تعتبر الملكية ظاهرة من ظواهر المجتمع، بل هي لازمة من لوازم الحياة ومن أجل ذلك نظم القانون الملكية من كافة جوانبها تنظيما دقيقا، باعتبارها محور النشاط الاقتصادي في كل مجتمع وحجر الزاوية في بنيانه الاجتماعي.

فحق الملكية من أوسع الحقوق العينية وأقواها من حيث السلطات والضمانات التي يمنحها للمالك، إذ يخول لصاحبه سلطة الحصول على جميع المنافع التي يمكن الحصول عليها من الشئ موضوع الحق.

فالملكية بمقتضى المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر سنة 1789 تعتبر حقا مقدسا لا يجوز انتهاك حرمته ، ولا يجوز حرمان صاحبه منه، إلا إذا قضت بذلك ضرورة مصلحة عامة تبثت قانونا وبشرط التعويض العادل والمدفوع مقدما، وظلت الملكية الخاصة من أبرز مظاهر حرية الانسان واستقلاله.

كما أن دستور المملكة المغربية لفاتح يوليوز 2011 الذي يعتبر أسمى قانون في المملكة نص في الفصل 35 في فقرته الاولى: ”يضمن القانون حق الملكية، ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الاجراءات التي ينص عليها القانون”.

وقد عرفت المادة 14 من قانون 39.08 الصادر بتنفيذه الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178

الموافق ل 25 من ذي الحجة 1432 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الملكية العقارية بأنها:
”حق يخول لمالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق”.

كما أن المادة 23 من مدونة الحقوق العينية تنص على أنه: ”لا تنزع ملكية أحد إلا لأجل المنفعة العامة ووفق الاجراءات التي ينص عليها القانون ومقابل تعويض مناسب”.

وترتيبا على ذلك فقد ورد في المادة الثانية في فقرتها الثانية من مدونة الحقوق العينية ”إن ما يقع من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري، لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن النية، كما لا يمكن أن يلحق أي ضرر إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب أو تغييره أو التشطيب عليه.”

هذا هو المضمون الذي جاءت به الفقرة الثانية من قانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية التي لم يعرف نظام التحفيظ العقاري المغربي مثيلا لها، منذ دخول الحماية وبداية تطبيق نظام التحفيظ العقاري بالمغرب.

فهذه الفقرة جاءت بمجموعة من المساوئ والأخطار على حق الملكية وعلى الضمانات التي تحوط به من كل الجوانب.

فالمتمعن الجيد لهذه الفقرة يستنتج أن صاحب أي حق عيني مسجل في الرسم العقاري يمكن له في أي لحظة أن يجد حقه قد تم حرمانه منه بسبب وثيقة أو مستندات مزورة تثبت أن المالك باع ذلك العقار وقام المشتري وسجل عقد البيع في الرسم العقاري وانتقلت إليه الملكية، وتم مرور أربع سنوات على هذا التسجيل، ولم يقم المالك الشرعي بأي إجراء لذلك التفويت المزور، فإن حقه للمطالبة ببطلان ذلك العقد والتشطيب عليه من الرسم العقاري يسقط ولا يتقادم ويضيع العقار من المالك الشرعي بذريعة أن المشتري حسب الفقرة الثانية من مدونة الحقوق العينية حسن النية.

فالحق هنا حسب هذه المادة يسقط ولا يتقادم داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد وليس من تاريخ العلم بالواقعة ،وهذا هو الخطير في الأمر، لأن هناك بعض المواطنين لا يقومون بمراجعة المحافظة العقارية بصفة منتظمة وخاصة المقيمين خارج تراب المغرب.

فإذا كان القانون يحمي مصالح المواطنين، ويضمن الحقوق لأصحابها، فإن هذه المادة أعطت حماية قانونية للمشتري حسن النية، ولو كان ذلك بعقد مزور مع العلم أنه يمكن للمشتري أن يكون شريكا أو متواطئا مع البائع المزور في ارتكاب الزور كما هو منصوص عليه في مجموعة القانون الجنائي المغربي .

وهكذا فإن هذه الفقرة ستكون لها عواقب وخيمة في تطبيقها وتنفيذها من طرف المحاكم المغربية على حقوق المواطنين وخاصة المواطنين القاطنين خارج تراب المغرب ،وكذلك المالك الذي يغفل أو يتناسى مراجعة المحافظة العقارية داخل أجل كل أربع سنوات لمعرفة وضعية عقاره.

وترتيبا على ذلك فإن القواعد العامة تمنع بيع ملك الغير ولا يمكن القيام بذلك إلا بموافقة وإقرار من المالك الشرعي حسب مقتضيات الفصل 485 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي الذي ينص على

أنه :بيع الملك الغير يقع صحيحا:

1- إذا أقره المالك،

2- إذا كسب البائع فما بعد ملكية الشئ، وإذا رفض المالك الإقرار كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع، وزيادة على ذلك يلتزم البائع بالتعويض،

إذا كان المشتري يجهل عند البيع أن الشئ مملوك للغير،ولا يجوز إطلاقا للبائع أن يتمسك ببطلان البيع بحجة أن الشئ مملوك للغير.

كما أن الفصل 19 من ظهير الالتزامات والعقود يعتبر البيع باطلا إذا كان ينقصه أحد العناصر اللازمة لصحة الاتفاق، وهو التراضي بين الطرفين.

وبناءا على ذلك فإذا كان العقد مزورا فهو عقد باطل، وما بني على الباطل فهو باطل تطبيقا للقاعدة الفقهية.

كما أن القانون منح للمشتري إذا كان حسن النية مجموعة من الطرق والوسائل للرجوع على البائع المزور ومن ذلك حقه في رفع دعوى المسؤولية التقصيرية المنصوص عليها في الفصل 77 من ظهير الالتزامات والعقود وكذلك رفع شكوى بالنصب والزور واستعماله لدى القضاء الجنائي من أجل حماية حقه من الاغتصاب من طرف المزورين.

وفي الاخير يمكن القول أن المشرع المغربي لم يكن موفقا وفي مستوى التطلعات الملقاة على عاتقه في التنصيص على الفقرة الثانية من المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية، فهذه الفقرة ستورط القضاء في تطبيقها وسيصبح القضاء ملزما بإضفاء الصفة الشرعية على الافعال الجرمية، وعليه فإن من واجب المشرع إيجاد حلول سريعة وفعالة لإصلاح هذه الفقرة والحفاظ على حقوق المواطنين وأملاكهم الخاصة وسد الباب على المزورين المتلاعبين بأملاك الغير.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت