الطلاق على الطريقة المغربية قراءة مختصرة في بعض أحكام المدونة

إن المشرع المغربي و هو يرمي إلى الحد من سلطة الرجل المطلقة في توقيع الطلاق خول للقضاء سلطة قانونية لكنها مقيدة بنصوص يمارس من خلالها وظيفته الولائية وأخرى تقديرية فيما لا نص فيه، ويمارس من خلالها وظيفته القضائية في سبيل تحقيق الهدف الأسمى للمدونة “تقليل نسب الطلاق وحماية حقوق المطلقة والأبناء”. وهاتان السلطتان تتكاملان لتعطيان الرقابة القضائية الأثر الفعال في تقييد الطلاق عن طريق تطبيق النصوص والسلامة في توجيهها، وتطويعها عن طريق الاجتهاد والتفسير بما يخدم كل نازلة على حدة ويحقق المصلحة للجميع. كما في باب الطلاق، فقد وضع المشرع حدودا إجرائية وأخرى موضوعية يلتزم بها القضاة والمتقاضون في مجموع مواد وأحكام حاد جلها عن المذهب المالكي المعتمد ليفتح الباب مشرعا، بعد التقليد، للاجتهاد في حكم النوازل دون التمكن من آلته.

الحدود الإجرائية:

فقد ألزمت مدونة الأسرة الخصوم كما القضاة بحدود إجرائية، نقصر الحديث عن الإجراءات المسطرية المستحدثة منها لتوقيع الطلاق.

طلب الإذن بالإشهاد على الطلاق

فبخلاف ما كان عليه الأمر في مدونة الأحوال الشخصية يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد لدى عدلين منتصبين لذلك بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية، أو موطن الزوجة، أو محل إقامتها أو التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب.

ويرفق الطلب بمستند الزوجية والحجج المثبتة لوضعية الزوج المادية والتزاماته المالية طبقا للمادتين 79 و80 من مدونة الأسرة. وهي إجراءات معقدة مقارنة بالمقتضيات الواردة في مدونة الأحوال الشخصية التي لا تلزم الزوج بطلب الإذن بالإشهاد على الطلاق ولا بإثبات وضعيته المادية والتزاماته المالية حسب الفصل 48 {يجب الإشهاد بالطلاق لدى عدلين منتصبين للإشهاد في دائرة اختصاص القاضي التي يوجد بها بيت الزوجية}، والإجراءات ذاتها يلزم الزوجة اتباعها إذا ملكت حق الطلاق وكانت هي طالبته، وإذا تعذر الصلح تأذن المحكمة للزوجة بالإشهاد على الطلاق وتبت في مستحقات الزوجة والأطفال “عند الاقتضاء” طبقا للمادة 89.

الاستدعاء

وطبقا للمادة 81 من المدونة تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح. فإذا توصل الزوج شخصيا بالاستدعاء ولم يحضر، اعتبر ذلك منه تراجعا عن طلبه، وإذا توصلت الزوجة شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر ولم تقدم ملاحظات مكتوبة أخطرتها المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر سيتم البت في الملف، وإذا تبين أن عنوان الزوجة مجهول استعانت المحكمة بالنيابة العامة للوصول إلى الحقيقة، وإذا ثبت تحايل الزوج طبقت عليه العقوبة المنصوص عليها في المادة 361 من القانون الجنائي بطلب من الزوجـة.

ولعل المشرع يرمي من هذا الإجراء تفادي ظاهرة الطلاق الغيابي، والذي كـان من أقوى الأسباب في تشريع هذا النوع من العقاب، وهي ظاهرة دعمها قانونيا ما جـاء في الفصل 48 من مدونة الأحوال الشخصية {إذا توصلت الزوجة بالاستدعاء ولـم تحضر، وأصر الزوج على إيقاع الطلاق، استغني عن حضورها}.

مسطرة البت في الطلاق

وفي حالة ما إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين تحدد المحكمة طبقا للمادة 83 مبلغا يودعه الزوج بكتابة الضبط بالمحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما لأداء مستحقات الزوجة والأطفال الملزم بالإنفاق عليهم المنصوص عليها في المادتين 84
و85. وقد فصلت مدونة الأسرة في الاعتبارات الواجب الأخذ بها في تقدير قيمة المتعة، فيما أجملت مدونة الأحوال الشخصية القول في تقرير المتعة ضمن الفصل 52 مكرر {يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره وحالها، إلا التي سمي لها الصداق وطلقت قبل الدخول.

إذا ثبت للقاضي أن الزوج طلق بدون مبرر مقبول تعين عليه أن يراعي عند تقدير المتعة ما يمكن أن يلحق الزوجة من أضرار}.

الحدود الموضوعية:

وإلى جانب الحدود الإجرائية حدد المشرع مجموعة مواد في نصوص تضمنت تطبيق أحكام فقهية معينة في باب الطلاق وآثاره الشرعية، مستقاة من المذهب المالكي على وجه الخصوص، ألغت بعض ما جاءت به مدونة الأحوال الشخصية.

شرعية الطلاق ومستحقاته

فطبقا للمواد 90-91-92-93 من مدونة الأسرة أقر المشرع شروطا لصحة قبول الطلاق، فلا يقبل طلب الإذن بطلاق السكران الطافح والمكره وكذا الغضبان إذا كان مطبقا، والحلف باليمين أو الحرام لا يقع به طلاق، والطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة أو كتابة لا يقع إلا واحدا.

ولا يعتد بالطلاق الشفوي في هاته الحالات، وهي ذات الشروط التي نصت عليها المدونة السابقة في الفصول 49-50-51-52، وفيما يتعلق بطلاق التمليك إذا ماتأكدت المحكمة من توفر شروطه لا يمكن للزوج أن يعزل زوجته من ممارسة حقها في التمليك الذي ملكها إياه بمقتضى الفقرة الرابعة من الفصل 89. كما أقر المشرع نفقة المتعة ضمن مستحقات الزوجة وجعلها واجبة.

حق الرجعة

وطبقا للمادة 123 من المدونة {كل طلاق أوقعه الزوج فهو رجعي، إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل البناء والطلاق بالاتفاق والخلع والمملك}. وللزوج أن يراجع زوجته طبقا للمادة 124، وهو حكم شرعي قيد المشرع إطلاقه بالفقرة الثالثة من نفس المادة {يجب على القاضي قبل الخطاب على وثيقة الرجعة استدعاء الزوجة لإخبارها بذلك، فإذا امتنعت ورفضت الرجوع، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المادة 94} وهو إجراء مستحدث أبطل حق الزوج في مراجعة زوجته بالإرادة المنفردة، والذي كان مخولا له في ضوء أحكام المدونة السابقة.

مكان المعتدة ومدة العدة

وقد أبقت المدونة على الحكم الأصلي في اعتداد المطلقة في بيت الزوجية، لكن على وجه التخيير لا الإلزام بمقتضى نص المادة 131 {تعتد المطلقة والمتوفى عنها زوجها في منزل الزوجية، أو في منزل آخر يخصص لها}. وطبقا لأحكام المدونة فإن الزوجة ذات الحيض تعتد ثلاثة أطهار، وثلاثة أشهر للتي لم تحض أصلا أو التي يئست من المحيض، فإن حاضت قبل انقضاء العدة استأنفتها بثلاثة أطهار، وتتربص متأخرة الحيض أو التي لم تميزه من غيره تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أطهار.

ومن مجموع هاته الأحكام الفقهية ومواد قانونية خط المشرع حدودا يترسمها قاضي التوثيق وهو يقضي بين الزوجين بما يحقق غاية المشرع في تقييد الطلاق، لكنه فتح باب الاجتهاد واسعا في كل ما لم يرد به نص في هاته المدونة.