بحث حول مسئولية الدولة عن الجرائم الواقعة ضد الأفراد

أن الدولة ليست شخصاً طبيعياً يمكن إسناد الخطأ إليه بل هي شخص معنوي يؤدي نشاطاته المرفقية أو الضبطية بواسطة أشخاص طبيعيين، لذا فإن مسئولية الدولة عما يرتكبه هؤلاء الأشخاص من أفعال غير مشروعة تقوم استناداً إلى ما يوجد من تلازم موضوعي في العلاقة بين الدولة وموظفيها.(1)
وقد نصت المادة(39) من الدستور بأن:
(الشرطة هيئة مدنية نظامية تؤدي واجبها لخدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتعمل على حفظ النظام والأمن العام والآداب العامة وتنفيذ ما تصدره السلطة إليها السلطة القضائية من أوامر كما تتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات وذلك كله على الوجه المبين في القانون)

والجديد بالذكر أن المشرع قد أولى ومن خلال نص المادة(39) من الدستور سالفة الذكر بأن الحفاظ على النظام والأمن من اختصاص هيئة الشرطة لذلك يجب التنبه إلى تعريف الضبط الإداري والتمييز بينه وبين الضبط القضائي حتى تتوصل إلى نتائج البحث وما ننوه إليه على أن المشرع اليمني قد حدد الطبيعة الخاصة لهيئة الشرطة بأنها هيئة مدنية نظامية.(2)

ومن خصوصياتهم أنهم دون غيرهم من سائر الموظفين العموميين يجمعون بين صفتي الضبطية القضائية والضبطية الإدارية وأنهم دون غيرهم منحهم المشرع حق استعمال الأسلحة النارية لأداء واجباتهم عند الاقتضاء.(3)

وما يجب أن ننوه إليه في هذا البحث هو ضرورة التفريق بين رجال الضبط القضائي ورجال الضبط الإداري وكذلك التعريف بالضبط الإداري ووسائله وهيئاته حتى تتحقق النتيجة من هذا البحث ومن ثم كيفية إسناد الجرائم الواقعة ضد الأفراد من قبل مأموري الضبط إلى الجهة التابعين لها.
تعريف الضبط الإداري:
“هو مجموعة الإجراءات الملزمة التي تفرضها السلطة العامة بقصد تنظيم حريات الأفراد ونقيد أنشطتهم بهدف صون النظام العام في المجتمع”.
فكل فرد له حق التمتع بحريته وممارسة حقوقه بشرط عدم تجاوز حرية الغير أو الاعتداء على حقوقه.
لذلك وللتمييز بين الضبط الإداري والضبط القضائي(4)يقوم على أساس النظر إلى الهدف من إجراءات الضبط فإذا كان الهدف من الضبط وضع إجراءات وقائية غايتها منع الإخلال بالنظام العام وتوقى حدوث الجرائم كان ذلك ضبطاً إدارياً.
أما إذا كان الهدف ملاحقة مرتكبي الجرائم والقبض والتحقيق معهم وجمع الأدلة ذات الصلة بالجريمة وإحالتهم إلى الجهات القضائية المختصة فإن ذلك الضبط يعتبر ضبطاً قضائياً.
فالضبط القضائي شأنها معاقبة مرتكبي الجرائم.
وإجراءات الضبط الإداري تهدف إلى منع وقوع الجرائم بغض النظر عن السلطة التي تتخذ هذه الإجراءات.
وينبني على التفرقة بين إجراءات الضبط الإداري وإجراءات الضبط القضائي نتيجة هامة هي:
1) أن قرارات الضبط الإداري تعتبر قرارات إدارية وتخضع لما تخضع له القرارات الإدارية من حيث جواز الطعن فيها بالإلغاء والتعويض.
2) أما إجراءات الضبط القضائي فلا تخضع لمثل هذا الطعن.(5)
أغراض الضبط الإداري:
يسعى الضبط الإداري إلى صيانة النظام العام في المجتمع ويتفرع إلى شعب ثلاث هي: الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة وسوف نتكلم عن الأمن العام.

ويعني توفير الحد الضروري من الطمأنينة لأفراد الجماعة على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من خطر الاعتداء عليهم ويأتي ذلك باتخاذ الإدارة الضبطية اللازمة لمنع وقوع الجرائم أياً كان نوعها.(6)
وسائل الضبط الإداري

أ_ لوائح الضبط الإداري:
تعتبر أهم وسيلة من وسائل الضبط إذ عن طريقها تصنع الإدارة قواعد موضوعية تتميز بالعمومية والتجريد صوناً للنظام العام.

لذلك فإن رجال الضبط الإداري مقيدون بقواعد هذه اللوائح ومن ثم إذا خرجوا على هذه القواعد بما من شأنه الأضرار بالأفراد فإن من حق هؤلاء استخدام وسائل الطعن المتاحة في القرارات الإدارية غير المشروعة إلغاءً وتعويضاً.

والقواعد التي تتضمنها لوائح الضبط بشأن تنظيم وتقيد النشاط الفردي تظهر في صور ثلاث هي:
1) الحظر
2) الحصول على إذن سابق.
3) الأحظار السابق.
ب_ قرارات الضبط الفردية
ج_ استخدام القوة الجبرية.(7)

قد لا تجد القواعد اللائحية والقرارات الفردية كوسيلتين للضبط الإداري وحينئذ لابد أن تتاح للإدارة وسيلة تتمكن بها من إجبار الأفراد على احترام وتنفيذ القوانين واللوائح والقرارات الضبطية وهي حق استخدام القوة المادية.(8)

ونصت المادة(12) فقرة (3) بشأن واجبات وصلاحيات الشرطة من القرار الجمهوري بالقانون رقم(24) سنة 1991م على أنه: (لا يجوز للشرطة استخدام الأسلحة النارية إلا في الحالات الآتية:
أ_ بهدف إعاقة القيام أو مواصلة ارتكاب أفعال جنائية ذات خطورة اجتماعية بالغة وعلى وجه الخصوص في الجرائم التالية:
– الجرائم الواقعة ضد الدولة والشعب.
– جرائم الاعتداء على الأشخاص.
– الجرائم الواقعة ضد الأمن العام المرتكبة بواسطة السلاح الناري أو المتفجرات.
ب_ بهدف إعاقة الهروب والقبض على الأشخاص.)

هيئات الضبط الإداري

تتعدد هيئات الضبط الإداري تبعاً لتعدد أغراض الضبط والمكان الذي تم فيه إجراءات الضبط.
ويمكن القول بصفة عامة إن هيئة الشرطة هي الجهة المناط بها صيانة الأمن العام، وإن الجهات الإدارية ذات الصلة بالصحة العامة والسكينة العامة هي أيضاً من هيئات الضبط الإداري، فضلاً عن الجهات الإدارية التي تناط بها حق اتخاذ إجراءات الضبط الخاص.(9)

وإذا كانت الإدارة المركزية في العاصمة تتركز في يدها سلطات الضبط فإن ممثلي السلطة التنفيذية في الأقاليم كالمحافظين ومديري المديريات يختصون بالضبط وفقاً لقانون الإدارة المحلية حيث أوكل إليهم القانون حفظ النظام العام والأمن العام وهم يرأسون كل الموظفين الإداريين في أقاليمهم، وهو ما يعني مسئوليتهم الأولى عن صيانة النظام العام بشعبة الثلاث.(10)

أساس مسئولية وزارة الداخلية عن أعمال رجالها “حفظه الأمن ” في جميع الأحوال هو مظنة أو افتراض الخطأ من جانبها في اختيار رجالها ومستخدميها وعمالها أو في مراقبتهم وتوجيههم وهو افتراض غير قابل للعكس فمتي ثبت وقوع خطأ من رجل الشرطة أثناء تأدية وظيفته أو بسببها فإن وزارة الداخلية تصبح المسئولة عن تثبت أنها أحسنت من جانبها الاختيار أو أنها لم تقصر في واجب التوجيه والرقابة.

وفقط يجوز لدرء المسئولية عن نفسها إثبات أن الضرر الذي أصاب الغير قد وقع قضاءً وقدراً أو بقوة قاهرة أو بفعل الغير أو بخطأ المضرور وحده وبذلك تنتفي المسئولية عن رجل الشرطة وبالتالي عن وزارة الداخلية ويكون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعة بعمله غير المشروع متي كان واقعاً منه في حالة تأدية وظيفته أو بسببهاً.(11)
لكي تتحقق مسئولية وزارة الداخلية يلزم توافر شرطين:
1) علاقة التبعية.
2) خطأ رجل الشرطة (التابع) حالة تأدية وظيفته أو بسببها.(12)
المضرور حرفي أن يختار من يرجع عليه من المسئولين الثلاث، رجل الشرطة، أو وزارة الداخلية، أو شريك رجل الشرطة.(13)

إذا كان للشرطة الإدارية أهداف مخصصة فليس لها أن تخرج عليها أو تتخذ منها ستاراً للتوصل إلى أهداف أخرى مشروعة أو غير مشروعة وإلا كان تصرفها مشوياً بعيب الانحراف ولكي لا يحدث هذا الانحراف فتكون ثمار الإجراءات باطلة فإنه ينبغي أن يكون إجراءات الإدارة مستنده إلى قواعد قانونية فإن تصرفت على غير مقتضى هذه القواعد بما من شأنه تقييد الحريات وإلحاق الأضرار بالأفراد فإن العمل سيكون عرضه للطعن بالإلغاء أمام القضاء وذلك من قبل صاحب المصلحة ناهيك عن طلبه التعويض عن الأضرار الناجمة عنه.(14)

كان الأصل قبل صدور التشريعات الحديثة أن يتمتع القضاء العادي اليمني بالولاية العامة في النظر بشأن المنازعات الإدارية وغير الإدارية وقد تقرر هذا الأصل كذلك ضمن هذه التشريعات.

من هذه التشريعات قانون السلطة القضائية حيث جاء فيها(المحاكم هي الجهات القضائية التي تختص بالفصل في جميع المنازعات والجرائم).
* ومع ذلك فقد ظلت الإدارة حتى فترة قريبة خصماً وحكماً في وقت واحد وذلك بسبب عدم إحاطة القاضي بفقه الإدارة. وعدم معرفته بالتفريق بين مسئولية الموظف الشخصية عن الأعمال الإدارية التي يقوم بها وبين مسئولية الدولة عن أعمالها وقد يرجع السبب بحسب تقديري إلى قله الوعي الشرعي والقانوني لدى الغالبية العظمي من أبناء المجتمع اليمني- أصحاب المصلحة – بشأن حقهم في رفع الدعوى ولعدم استقلالية القضاء من الناحية العملية ولعدم وجود قضاء متخصص للنظر في المنازعات الإدارية (15)أو عدم وجود قضاء مشابه كقضاء المظالم الذي طبق في ظل النظام الإسلامي.(16)

ناهيك عن تدني الظروف بأجملها لدى الشعب اليمني حيث تؤدي بهم هذه الظروف بهم إلى ندرة لجوئهم إلى القضاء للدفاع عن حرياتهم وحقوقهم.(17)
على الرغم لما سبق ذكره فقد صدرت أحكام من قبل بعض المحاكم اليمنية العادية وذلك ضد الحكومة أو بعض الوزارات المكونة لها نذكر منها على سبيل المثال:
1_ الحكم الصادر بشأن دعوى حسبة ضد حكومة الجمهورية اليمنية آنذاك ممثلةٌ/ بحيدر أبو بكر العطاس.
أهم ما تضمنه منطوق الحكم عدم دستورية موازنة المؤسسة الوطنية لصناعة الكحول….ورصد ميزانية هذا المصنع لوجه الإنفاق الحكومي المشروع.
– حكم محكمة صنعاء الجزائية الابتدائية رقم(226) لسنة1411هـ.
2_ الحكم الصادر ضد وزارة المالية أهم ما جاء فيه استحقاق الموظف المستأنف للمرتب الأصلي والبدلات حسب قانون السلطة القضائية- محكمة استئناف صنعاء رقم(61) لسنة 1413هـ.
ومن أمثلة الأحكام القضائية التي تضمنت مسئولية الدولة عن أعمال تابعيها العاملين في مجال الضبط الإداري:
1- الحكم الصادر بشأن قضية قتل ضابط المرور في جولة الشراعي بصنعاء أثناء أداء واجبة الوظيفي على أثر نزاع حدث بين أحد جنود المرور الذي كان يؤدي الواجب نفسه بالمكان نفسه.
وضابط أخر يعمل بالقوات المسلحة بسبب مخالفة هذا الأخير للتعليمات المرورية.
واهم ما تضمنه منطوق الحكم هو تقرير المسئولية الشخصية على ضابط الجيش…. وكذا تقرير مسئولية وزارة الداخلية التعويض عن الضرر الذي أحدثه الجندي بضابط المرور، طبقاً لقاعدة تحمل المتبرع مسئولية تابعة….
2_حكم محكمة صنعاء الابتدائية الصادر بالجلسة المنعقدة في يوم 27أكتوبر 1994م بشأن القضية الإدارية رقم(7) لسنة1414هـ.
3-ونظراً للطابع القبلي السائد في المجتمع اليمني فإن للأحكام العرفية باعاً كبيراً بشأن تقرير مسئولية الدولة بصفة عامة وزارة الداخلية بصفة خاصة لما تلقاه هذه الأحكام من تأييد من قبل هذه الوزارة حيث تعمل قيادتها المتعاقبة على استكمال إجراءات دفع التعويضات أو الديات المقررة على الوزارة أو على أحد منتسبيها وذلك للمجني عليهم من أفراد المجتمع أو ورثتهم.
4- وقد يتمثل التأييد النزول عن بعض الأحكام العرفية المتضمنة إدراج أسماء المجني عليهم من هؤلاء الأفراد ضمن قائمة شهداء الشرطة.
5-الحكم الصادر من عبد الله حسين الأحمر وابنه صادق المؤرخ في 11/3/1995م والحكم الصادر من الأخ العقيد الركن/ علي محسن صالح أركان حرب الفرقة الأولى مدرع المؤرخ في 22فبراير 1995م(أرشيف الإدارة العامة للشئون القانونية بوزارة الداخلية).
على الرغم من أن هذه الأحكام العرفية تسهم في معالجة بعض مشكلات المجتمع اليمني.
إلا أنها حسب تقديري تحد من تطبيق الشريعة الإسلامية والقوانين المستمدة منها.
مما تؤثر سلباً على سلطات الدولة من أن تقوم برسالتها.

ومما أورده الدكتور/ العميد محمد محمد المصري في كتابه السلطات الإدارية للشرطة هو نفيه القاطع بعدم وجود أي مبدأ صدر من قبل المحكمة العليا بشأن تقرير مسئولية الدولة عن الجرائم الواقعة من قبل موظفيها بالرغم من أن التشريعات القانونية قد أثرت هذا الموضوع بكثير من المواد القانونية وهو ما يميز التشريع اليمني عن التشريع المصري.

* لذلك ولكل ما سبق بحثه فإن الثابت ومن خلال المراجع التي تم الاستناد إليها في هذا البحث فإن ما يظهر لي على أن وزارة الداخلية هي المسئولة عن الجرائم الواقعة ضد الأفراد من قبل مأموري الضبط الإداري التابعين لها والمتمثل برفع دعوى ضد هذه الوزارة لمن لحقه ضرر من متبوعيها.
والله من وراء القصد،،،

(1) صـ17ـ المسئولية المدنية للدولة عن أخطاء موظفيها . د/عادل الطائي.
(2) صـ27ـ الحماية الجنائية للموظف العام. د/عوض يعيش.
(3) صـ32ـ مرجع سابق. د/عوض يعيش.
(4) صـ101ـ الوجيز في القانون الإداري اليمني . د/عبد الرحمن شرف الدين.
(5) صـ103ـ الوجيز في القانون الإداري اليمني . د/عبد الرحمن شرف الدين.
(6) صـ104ـ الوجيز في القانون الإداري. د/عبد الرحمن شرف الدين.
(7) صـ105ـ المرجع السابق _ الوجيز في القانون الإداري .
(8) صـ108ـ المرجع السابق – الوجيز في القانون الإداري اليمني.
(9) صـ114ــ المرجع السابق – د/عبد الرحمن شرف الدين.
(10) صـ114ـ الوجيز في القانون الإداري اليمني. د/عبد الرحمن شرف الدين.
(11) صـ167ـ جرائم السلطة الشرطية .فدري الشهاري
(12) صـ168ـ جرائم السلطة الشرطية.
(13) صـ180ـ جرائم السلطة الشرطية
(14) السلطات الإدارية للشرطة /عميد د/علي علي المصري صـ28ـ
(15) دستور ج-ع-ي مادة(154) لسنة 1997م
(16) قضاء المظالم أ.أحمد عبد الملك صــ495ـــ
(17) سعاد الشرقاوي- النظم السياسية في العالم المعاصر صــ329ـ

إعادة نشر بواسطة محاماة نت
المحامي اليمني أمين حفظ الله الربيعي