قراءة أولية للوضع الراهن للوظيفة العمومية بالمغرب

بداية من منتصف تسعينات القرن الماضي و تقارير البنك العالمي تشير إلى ارتفاع كتلة الأجور بالمغرب و تأثيرها على الاقتصاد الوطني و الميزانية العامة للدولة لتدخل الحكومات المتعاقبة على خطة طريق البنك العالمي و تشن حربا شرسة على الوظيفة العمومية من خلال سن مجموعة من الإجراءات بداية بوقف التوظيف إلى التضييق على المسار المهني أو الحياة الإدارية للموظفين من خلال سن قوانين استئصالية و تابيدية المرسوم 2.05.1367 المتعلق بالتنقيط و المرسوم 2.04.403 بتحديد شروط الترقي في الدرجة مع استهداف الأنظمة الأساسية من خلال تفكيكها و انتهاج سياسة فئوية ( المتصرفون ، المحررون ، ….) مرسوم وضع حد للتوظيف في السلالم الدنيا من 1 إلى 4 و تفويت مهامهم إلى القطاع الخاص ليتم خوصصة السلالم الدنيا بالوظيفة العمومية ( النظافة ، الحراسة ، ….) التلويح بمشروع مرسوم التوظيف بعقدة بموازاة ذلك تم اعتماد المغادرة الطوعية و التي كان من نتائجها المباشرة زيادة العبء على الموظفين الممارسين و تراجع الأداء الإداري للوظيفة العمومية كيفا و كما ، إن هاته الترسانة القانونية التي عرفت النور بضغط و توصيات خارجية و التي اتسمت بالارتجال في محاولة للتغطية على معضلة منظومة الأجور بالمغرب و الارتكاز على معالجة كتلة الأجور بدلا من ذلك من خلال إجراءات عملية للتقليص من أعداد الموظفين الوافدين على الوظيفة العمومية منشور الوزير الأول 13/2003 و تاريخ 26 شتنبر 2003 باستعمال المناصب المالية الشاغرة و الذي اصبح بمقتضاه الوزير الأول متحكما في عملية التوظيف مباشرة مما يعني إلغاء الدور الاجتماعي للوظيفة العمومية و تازيم الوضع بشكل ممنهج بدل اللجوء إلى الإصلاح الجذري و ذلك بإحداث نظام أساسي عام للوظيفة العمومية يؤسس لاصلاح حداثي ديمقراطي للإدارة المغربية يضمن مكتسبات الموظفين و يجعل الإدارة قاطرة للتنمية البشرية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية لكافة المواطنين مع إصلاح منظومة الأجور بالتقليص من الفوارق بين الأجور العليا و الدنيا و حل فضيحة الموظفين دوي الدخل الأقل من الحد الأدنى للأجر و ارتفاع نسبة الضرائب على الأجر الخام للموظف و لاضفاءالشرعية على هاته القوانين تم اللجوء إلى إحداث المجلس الأعلى للوظيفة العمومية و بشكل فوقي و على أساس مبدا التعيين ( أغلبيته من ممثلي الإدارة) ، إلا انه فشل في تسويق تلك القوانين و الالتفاف على تنامي الوعي لدى الموظفين بالحفاظ على مكتسباتهم بخصوص المسار المهني هذا مع ضغط ارتفاع الأسعار و ضعف القدرة الشرائية لدوى الدخل المحدود مما حدى بالبعض للجوء للانتحار (( حالة العربي رابح، موظف السلم 2 ( وزارة العدل، المجلس الأعلى ) )) و من أهم هاته المراسيم المرسوم 2.04.403 و الذي اثر بشكل جوهري في الحياة الإدارية لعموم الموظفين و التي تمت مقاومته منذ صدوره من خلال رفع دعاوى إلغائه من طرف موظفين و كأفراد ( مجموعة من موظفي وزارة المالية و الخوصصة ( 38 موظف) في مواجهة الوزير الأول بسبب التجاوز في استعمال السلطة ، إن هذا المرسوم و أمام الضغط لم يتجاوز سنته الأولى حتى تم تعديله بمقتضى المرسوم رقم 2.06.356 الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 2 أكتوبر 2006 ، و ذلك بإضافة موظفي قطاعات وزارية إلى قائمة المستثنين منه في خرق سافر للدستور و خاصة الفصل الخامس منه ( …. جميع المغاربة سواء أمام القانون ) و كذلك لخرقه في مادته السادسة للفصل الرابع من الدستور المغربي و التي تنص على (….، و ليس للقانون اثر رجعي) ، مما جعلنا أمام سابقة غريبة في مجال الترقي و هو ترقي موظفين و في نفس الإطار و بنفس السنة و بمدد مختلفة من حيث المدة المطلوبة للترقي ( خمس سنوات و عشر سنوات ) .

هذا و إن المرسوم الجاري به العمل حاليا أسس لنسقين ومختلفين للترقية الداخلية بين الموظفين التابعين للنظام الأساسي للوظيفة العمومية كما وقع تغييره و تتميمه ، و كذا حتى بالنسبة للموظفين الخاضعين لمقتضياته حيث انه شكل تراجعا للمكتسبات للترقي بالنسبة للموظفين من السلم 1 إلى 9 عكس السلالم ما فوق السلم 10 و لو بشكل نسبي ( ترقية السلم 5 إلى السلم 6 في إطار الكتاب لم تكن خاضعة لنظام الكوطا أصلا و بأقدمية خمس سنوات فقط لتصبح حاليا عشر سنوات عكس السلم 11 إلى خارج السلم التي تم الاحتفاظ بنفس المدة المطلوبة للترقي و لم يقع عليها أي تغيير) خلافا لصيغة مشروع المرسوم 2.04.403 قبل عرضه على المجلس الحكومي و الذي حدد المدة المطلوبة للترقي في عشر سنوات بين مختلف الدرجات.

أما الأعوان المرتبون في سلالم الأجور من 1 إلى 4 فقد تم وضع حد عمليا لامكانية ولوجهم للسلم 5 عن طريق المباريات التي كانت تفتح في وجه الأحرار و الأعوان الذين قضوا أربع سنوات من الخدمة الفعلية في الإدارة، و كذا إمكانية تغيير الإطار بشكل أفقي ( عون عمومي الصنف الثاني السلم 5 إلى درجة كاتب السلم 5 أو عون عمومي خارج الصنف السلم 8 إلى درجة محرر السلم 8 ) ، أي أن تغيير الانتماء من نظام أساسي معين إلى آخر في إطار الوظيفة العمومية تم الإجهاز عليه بمقتضى المرسوم الجديد

و بموازاة ذلك فان نظام التنقيط الحالي المرتبط بالمرسوم 2.04.403 للترقي بالاختيار و الذي يعمل به لمرحلة انتقالية ستدوم لتسع سنوات الذي اعتمد على الجمع بين نظامين للتنقيط متناقضين المرسوم الملكي رقم 988.68 و الذي يعتمد على ثلاث عناصر للتنقيط و هي المعلومات المهنية ، الفعالية و الإنتاج و السلوك عكس المرسوم 2.05.1367 و الذي يعتمد على خمسة عناصر و هي إنجاز الأعمال المرتبطة بالوظيـــفة( بعض الوزارات لم تقنن هاته الوظائف بعد ) المر دودية – القدرة على التنظيم – السلوك المهني – البحث و الابتكار، خصوصا و أن هذا المرسوم لم يرد ذكره في ديباجة المرسوم 2.04.403 و لا في أي فصل من فصوله حيث تمت الإشارة في بنائه في الفقرة الرابعة للمرسوم الملكي 988.68 الصادر في 17 ماي 1968 على أن المرسوم الجديد صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 دجنبر 2005 أي قبل صدور المرسوم 2.04.403 بشان الترقي في الدرجة و لقد لجأت الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العامة إلى استصدار منشور تطبيقي رقم 4 و. ع تاريخ 25 شتنبر 2006 حاولت من خلاله إيجاد معادلة لاعادة ملائمة التنقيط القديم مع النظام الجديد في ظل تباين واضح لمكونات النظامين، و لقد تم نسخ جل فصول المرسوم الملكي رقم 988.68 و ذلك فيما يتعلق بالجانب التقني للتنقيط مما يعطي الانطباع بإلغاء باقي فصول المرسوم الملكي للتنقيط رقم 688.68 على أن دليل التنقيط لم يتطرق الفصول الغير الملغاة و اقتصر على شرح المرسوم الجديد للتنقيط.

و للإشارة فان نظام الحصيص وفق المرسوم الجديد اصبح يحتسب على أساس عدد الموظفين المستوفين لشروط الترقي بدلا على أساس عدد المناصب المسجلة في الميزانية كما كان جاري به العمل سابقا و هو ما يحد من عدد المناصب المتبارى بشأنها أما بالنسبة للامتحانات المهنية فانه لم يكن يعمل بنظام الحصيص ( الكوطا ) و كان يتم تحويل المناصب المالية للناجحين و ما زال الأمر جاريا به العمل بالنسبة للموظفين المستثنين من المرسوم 2.04.403 و ذلك استنادا لمنشور الوظيفة العمومية عدد8/2001 بتاريخ 28 فبراير 2001 حول تدبير المباريات و الامتحانات المهنية.
و أمام التعثر الذي عرفه تطبيق هذا الأخير نظرا للإشكاليات القانونية و التقنية التي أنتجتها مختلف مواده تمت محاولة الالتفاف على ذلك من طرف وزارة تحديث القطاعات العامة من خلال استصدار مناشير تطبيقية و هو ما يؤكد ظروف الارتجال التي واكبت صياغة المرسوم تماشيا مع تعليمات البنك العالمي و لتمريره بموازاة المغادرة الطوعية.

و بالرجوع للمناشير التطبيقية فان المنشور التطبيقي رقم 2 بتاريخ 21 أبريل 2006 ، أعطى مفهوما جديدا للمرسوم و أفرغه حتى من ذلك البصيص من الأمل مركزا في صفحته الثالثة بشان الترقي بالاختيار في الفقرة باء على اعتماد المرسوم 2.05.1367 بتحديد مسطرة التنقيط في الوقت الذي لم يشر إليه المرسوم 2.04.403 بشكل مطلق .

أما المنشور التطبيقي الثاني رقم 2 الصادر في 3 مايو 2007 فأتى ليجهز على نظام الحصيص المحدد في 11 % بخصوص الامتحانات المهنية ليلزم الإدارات بإجراء الامتحانات المهنية الكتابية و الشفوية قبل متم سنة الترقي و هو ما يعني الإقصاء المنهجي للعديد من الموظفين المستوفين لشروط الترقي خلال شهر دجنبر على الأقل و هو ما ينعكس على حصة الكوطا تلقائيا و يفسح المجال للإدارات لممارسة سلطتها التقديرية كيفما شاءت لتنظم الامتحانات في الوقت الذي تراه مناسبا لها. و لتفرغ الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العامة بصفة نهائية المرسوم 2.04.403 حتى من حصيص 11 % من الموظفين المستوفين لشروط المشاركة في الامتحانات المهنية و التي رفعها إلى ست سنوات بدل أربع سنوات عمدت إلى اشتراط الحصول على المعدل للنجاح و اعتبار النقطة اقل من 5/20 موجبة للإقصاء و لو في حالة توفر نظام الحصيص و ذلك في القرارات المنظمة لمواد الامتحانات المهنية لتدق آخر مسمار في نعش الامتحانات المهنية.

إن نظام الترقي الجديد و مرسوم التنقيط المرتبط به يفتقدان لعامل التحفيز الإداري رغم كونه أسس لمبدأ تعميم امتحان الكفاءة المهنية للترقي إلى الدرجات أو الأطر المرتبة في سلاليم الأجور من 2 الى 11 و بشكل سنوي مما جعل الموظفين يتفاعلون معهما بشكل عكسي حيث كانت ردة الفعل تتراوح بين التأسيس لقيم جديدة تكرس الزبونية و المحسوبية و الارتشاء خاصة بالنسبة لنظام التنقيط و الذي فوض للرئيس المباشر صلاحيات مطلقة في عملية التنقيط مع التجاوزات التي عرفتها عملية التطبيق خاصة فيما يتعلق بتقرير التقييم و الذي ما زال يتم في غيبة المعني بالأمر ، أما الامتحانات المهنية فلازمتها ظاهرة الغش و بشكل مفضوح مما أدى إلى التاتير سلبا على المنتوج الإداري و بموازاة ذلك عمدت الإدارة إلى اللجوء إلى المراقبة الإلكترونية لضبط الموظفين حسب تقديرها مما خلق جوا من التشنج و قطع روابط التواصل بين الإدارة و الموظفين (وزارة المالية نموذجا) ، هذا في الوقت الذي تنامت فيه ردود الفعل للموظفين عن نتائج الترقية لا في شقها المتعلق بالاختيار أو الامتحانات المهنية ( التعليم ، الصحة ، الشبيبة و الرياضة ، العدل) فهل ستفلح البطاقات المغناطيسية في إصلاح ما أفسدته المراسيم السالفة الذكر.

خلاصة إن المرسوم 2.04.403 المحدد لنظام الترقي حكم على موظفي السلالم الدنيا بتأبيد وضعيتهم الإدارية و جعلهم عبيد الدولة بامتياز و لن يزيد الوضع إلا تأزما حتى بالنسبة لمختلف باقي الأسلاك الإدارية بما فيها الأطر التربوية و يعتبر إلغاء المرسوم 2.04.403 هو بداية المصالحة مع الذات و احترام الدستور و دولة الحق و القانون و بداية لتأسيس لنظام للترقي يضمن مكتسبات الموظفين في إطار إصلاح شمولي للوظيفة العمومية لان النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية كما وقع تعديله و تغييره اصبح متجاوزا في ذكراه الخمسينية حيث ذهب اصله و بقيت رقعه لكثرة التعديلات .

و للتاريخ لقد ساهم الوضع الراهن للحركة النقابية ذاتيا من خلال تفكك مجموعة من النقابات المركزية لانعدام الديمقراطية الداخلية ، و لتفضيل أغلبية النقابيين لخيار المغادرة الطوعية و لتمسك أغلبية القيادات النقابية بمواقع القرار رغم إحالتهم على التقاعد و عدم ممارستهم و مواكبتهم للوضع العام المعاش للموظفين، و لحالة الارتباك في التعامل مع مستجدات الوضع الحالي و إيجاد الإجابات الملائمة للمرحلة هذا مع غياب مشروع وطني واضح لدى المركزيات النقابية لاصلاح الوظيفة العمومية و برنامج كفاحي يؤسس للفعل النقابي الحق و يجدده ووضع مصلحة شغيلة الوظيفة العمومية فوق أي اعتبار بعيدا عن حرب المواقع و التجاذب السياسي.