العقوبات تصل إلى الحبس: القانون العُماني وضع مواد تُوفِّر الحماية للحيوان، فما هي؟
المحامي: صلاح بن خليفة المقبالي

الرفــق بالحيوان واجب ديني وأخلاقي، والتزام قانوني. فمن ناحية أولى، ارتبط في أذهان البعض بأن الرفق بالحيوان فكرة أوروبية غربيــة. وربمــا يرجع ذلك إلــى أن الدول الأوروبية أول من عرف إنشــاء جمعيات للرفق بالحيوان؛ فقد تأسســت أول جمعية للرفق بالحيوان في إنجلترا، ســنة 1824م، تحت اســم “الجمعية الملكية للرفق بالحيوان”.

ويرجــع الفضل في نشــأة هــذه الجمعية إلى “ريتشــارد مارتــن” (1754 ــ 1834 ) الذي كان عضــوًا أيرلنديًا في البرلمـان الإنجليزي. كذلك، كان هــذا النائب البرلماني وراء صدور قانون في إنجلترا يجرّم الاعتداء على الماشــية، وهو القانون المعروف باسم “قانون مارتني”.

والواقع أن الرفق بالحيوان خلقٌ إسلامي دعا إليه الإسلام منذ أربعة عشــر قرنا، وقبل أن تعرف أوروبا هذا الموضوع بقرون طويلة؛ إذ يعتمد الإسلام مبدأ الرفق في جميع شؤون الحياة، فيجعل منه سمة تميــز المؤمن، وعنصراً يقوي الإيمــان، وفضيلة تزيّن العمل.

وينظر الإسلام إلى عالم الحيوان إجمالا علــى أهميته في الحياة ونفعه للإنسان ، وتعاونه معه في عمارة الكون واستمرار الحياة، ولا أدل على ذلك من أن عدة سور في القرآن الكريم وضــع الله لهــا العناوين من أســماء الحيوان مثل ســورة البقرة، وســورة الأنعــام، وســورة النحل ، وسورة العنكبوت ، وسورة الفيل.

وفي هذه الزاوية القانونية عبر “أثير” سنتعرف على الرأي القانون في حماية الحيوانات بالسلطنة.

القوانين المتعلقة بحماية الحيوان بالسلطنة:-

منذ بزوغ شمس ٢٣ يوليو المجيد 1970م بقيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه- والسلطنة رائدة في عدة مجالات بما يعود بالنفع للوطن والمواطن ، فتم سن القوانين والتشريعات التي تنظم حياة الفرد في المجتمع، وتضمن له الحياة الكريمة ، كما أن القوانين التي سنها المشرع العماني والتي تحمي الحيوان من الأخطار وعدم الإضرار به بدأت منذ فجر النهضة بدءًا من قانون الجزاء المُلغى الصادر بالمرسوم السلطاني (٧/٧٤) .

قانون الرفق بالحيوان

نظرا لتوسع المدنية وتطورها، وما صاحبها من آثار اجتماعية ، فقد أصدر جلالة السلطان المرسوم السلطاني رقم (٢١/٢٠١٧) القاضي بإصدار قانون الرفق بالحيوان ، وجاءت أحكام هذا القانون بإلزام ملاك الحيوانات والقائمين على رعايتها بتوفير المنشآت المناسبة والظروف المعيشية الضرورية لإيواء الحيوانات ومعاينتها وتفقدها يوميا وتغذيتها حسب صنفها وأعمارها ومتابعة حالتها الصحية وعرضها للبيطري للكشف عنها .

وكذلك خوّلت أحكام هذا القانون لموظفي وزارة الزراعة والثروة السمكية (الجهة المختصة) ممن لهم صفة الضبطية القضائية دخول أي منشأة معدة للحيوانات لتفتيشها والتأكد من تطبيق أحكام هذا القانون ، وإحالة المخالفين للجهات القضائية .

كما حظر قانون الرفق بالحيوان الاتجار بأي حيوان ظهرت عليه أعراض مرضية أو إعياء أو تسييب الحيوانات وتركها في غير الأماكن المخصصة لها. ويُحظر أيضا استخدام الحيوانات لأغراض التجارب العلمية إلا بعد الحصول على ترخيص من الجهة المختصة.

وفُرِضت عقوبة حبسية وغرامة مالية على كل من يخالف أحكام قانون الرفق بالحيوان ولائحته التنفيذية، فجاءت عقوبة السجن مدة لا تتجاوز الشهر، والغرامة لا تتجاوز (٥٠٠) ريال عماني ، أو بإحدى هاتين العقوبتين .

قانون الجزاء ودوره في حماية الحيوان:-

لم تقتصر حماية الحيوانات على قانون الرفق بالحيوان ، بل صدر قانون الجزاء الجديد بالمرسوم السلطاني رقم (٧/٢٠١٨) وجاءت أحكامه رادعة لكل من تسول له نفسه إهمال الحيوانات وتسييبها أو الإضرار بها بشتى الممارسات الخاطئة.
وسنقوم بعرض المواد التي تناولت حماية الحيوانات وفقًا للتالي:-
– نصت المادة (٢٩٤/د) بـ ” عقوبة كل من سيّب أو أطلق حيوانًا كان في حيازته ولم يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع خطره وضرره سواء على المرافق العامة أو على سلامة الأفراد ، السجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على (٣) ثلاثة شهور ، وبغرامة لا تقل عن (١٠٠) مائة ريال ولا تزيد على (٣٠٠) ثلاثمائة ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

– تناولت المادة (٣٧٤) “عقوبة من يرتكب فعلا شهوانيا مع حيوان وذلك بالسجن مدة لا تقل عن (٦) ستة أشهر ولا تزيد على سنة “.

– جاءت المادة (٣٧٥) ” لتحمي دواب الغير (الحمير، الخيول ، الجمال ، الأغنام) من القتل العمد أو الإضرار الجسيم وبدون وجه حق ، وعاقبت من يرتكب ذلك بالسجن مدة لا تقل عن (١٠) عشرة أيام ولا تزيد على سنة ، وبغرامة لا تقل عن (١٠٠) مائة ريال عماني ، ولا تزيد على (٥٠٠) خمسمائة ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين “.

– جرمت المادة (٣٧٦) “كل من يقتل مجموعة من النحل أو أي حيوان داجن (الدجاج والطيور) ، أو مستأنس (الكلاب، القطط، الأبقار) مملوكة للغير ، وحددت العقوبة بالسجن مدة لا تقل عن (١٠) عشرة أيام ولا تزيد على (٣) ثلاثة شهور ، وبغرامة لا تقل عن (١٠٠) ولا تزيد على (٥٠٠) خمسمائة ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين” .

– جرمت المادة (٣٧٧) ” كل من ضرب بقسوة أو عذب الحيوانات المستأنسة والداجنة والمتوحشة المأسورة (النمر ، الأسد)، أو أرهق حيوانا بركوبه أو سوقه أو تحميله بأكثر مما يطيق. وكذلك كل من اشتط في استخدام حيوان غير صالح للعمل بسنه أو مرضه . فجاءت عقوبة هذه الأفعال بالسجن مدة لا تقل عن (١٠) عشرة أيام ولا تزيد على شهر ، وبغرامة لا تقل عن (٥٠) خمسين ريالا عماينا ولا تزيد على (١٠٠) مائة ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين “.

ويثور هنا تساؤل : من له الحق في تحريك الجرائم الواقعة على الحيوان؟

والجواب أن مخالفة أحكام قانون الرفق بالحيوان ولائحته التنفيذية والمواد التي وردت في قانون الجزاء والمتعلقة بحماية الحيوان ما عدا المادتين (٣٧٥ و٣٧٦) ، تُعدّ من الدعاوى العمومية، وهي اختصاص أصيل للادعاء العام. وقد ألزم القانون كل من شهد أو علم بوقوع جريمة بإخطار الجهات المختصة، فمتى ما وصلت الجريمة إلى علم مأمور الضبط القضائي أصبح مُلزمَا بإخطار الادعاء العام الذي عليه واجب التحقيق في الجرائم محل الاتهام والتقرير بحفظها أو بإحالتها للمحكمة.

بينما في المادتين (٣٧٥ ، ٣٧٦) فإن الملاحقة الجزائية تكون بشكوى من المجني عليه (مالك الحيوان).

إعادة نشر بواسطة محاماة نت