المبادئ والخصائص القانونية لعقد التأمين

عصام الغامدي
لكل عقد أو تصرف شكله القانوني وخصائصه التي تميزه عن غيره من العقود والتصرفات. فلو قلنا أنه في عقد بيع، مثلاً، قام البائع بتسليم المبيع للمشتري، دون أن يلتزم المشتري بأداء المقابل سواء أكان نقديا أو عينيا أو قيام بعمل أو أية منفعة أخرى، وذلك لِتنازل البائع عن المقابل، ثم طالب المشتري بضمان البائع للعيوب الخفية في المبيع، لقلنا أن هذه المطالبة وإن صحت في عقد البيع إلا أنها لا تصح في هذه الحالة لأن هذا العقد هو عقد هبة والهبة من التبرعات لا من عقود المعاوضة بغض النظر عن تسمية العقد بالبيع. أي أن التنازل عن المقابل في عقد البيع، والذي يعد عنصرا جوهريا في البيع، غيّر من الشكل القانوني للبيع وصيّره عقدا آخر وهو الهبة.

في هذا المقال نتعرف إلى عقد التأمين من خلال صفاته وخصائصه القانونية التي تميزه عن غيره من العقود والتصرفات القانونية الأخرى.

فيما يخص تعريف عقد التأمين، لم يتفق فقهاء القانون على تعريف محدد لهذا العقد ولكن من أشهر التعريفات بخصوصه ما جاء في القانون المصري. تعرف المادة 747 من القانون المدني المصري عقد التأمين بأنه: (عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له، أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه، مبلغاً من المال أو ايراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن).

ولأن هذا التعريف منتقد من قبل الكثير من الفقهاء القانونيين لعدم شموله لجانبي التأمين الفني والقانوني ولإغفاله احتمالية الخطر أو الحادث المؤمن ضده، كان لابد من التعرف إلى عقد التأمين عن طريق معرفة خصائصه وصفاته القانونية. فبينما تُعرّف قوانين بعض الدول، ومنها عربية، عقد التأمين بتعريف محدد، نجد أن عددا آخر من قوانين البلاد الأخرى كانجلترا مثلا، تفضل وصف عقد التأمين ولا تعرّفه وسبب ذلك أن تعريف عقد التأمين تعريفا محددا يؤدي إلى استثناء بعض أشكال التأمين التي يتوجب شمولها في تعريف هذا العقد.

ولعقد التأمين صفات وخصائص ومبادئ قانونية يمكن إجمال أبرزها فيما يلي:

1 – أن طالب التأمين عند التعاقد يلتزم ابتداءً بسداد قسط التأمين أو سداد أول دفعة منه في حال تقسيم مبلغ قسط التأمين إلى دفعات أو على الأقل إدراج في العقد ما يفيد سداد القسط في وقت لاحق متفق عليه عند التعاقد. أما المؤمن فيلتزم بتقديم وثيقة للمؤمن له هي بوليصة التأمين والتي يقدم من خلالها تعهد بالتعويض أو ما يجبر الضرر الحاصل من وقوع الخطر المؤمن ضده وهذا الالتزام هو احتمالي بعكس التزام المؤمن له وهو مؤكد وواقعي.

2 – عقد التأمين قائم على مصلحة تأمينية للمؤمن له، وهي علاقة قانونية اقتصادية مشروعة بين المؤمن له والمؤمن عليه وهي الدافع وراء إبرام عقد التأمين كتأمين المالك على ملكه وتأمين الشخص ضد إصابة العمل وتأمين الشخص على مسئوليته في مواجهة الغير ،كالتأمين على حوادث السيارات، وتأمين الشخص على حياته، بحيث أن المؤمن له يتحمل خسارة اقتصادية أو مسئولية بسبب وقوع الخطر المؤمن ضده.

3 – عقد التأمين هو أداة نقل عبء الخطر من على كاهل المؤمن له إلى المؤمن (أو شركة التأمين) بحيث أن الأخير هو من يتحمل نتائج ما يسببه وقوع الخطر المؤمن ضده من خسارة اقتصادية.

4 – ينبني عقد التأمين على مبدأ منتهى حسن النية، والأصل أن يلتزم طرفي العقد بتنفيذ الالتزام بهذا المبدأ. وفي الواقع، يقع تنفيذ هذا الالتزام في الغالب على المؤمن له. ويعني هذا الالتزام أن المؤمن له يلتزم بالإفصاح عن أية معلومة جوهرية وإجابة أية أسئلة من قبل المؤمن وتقديم معلومات صحيحة من شأنها التأثير على حكم المؤمن قبول تأمين الخطر من عدمه أو تحديد مقدار قسط أو أقساط التأمين. فمثلاً، لو قام صاحب مصنع بالتأمين على معدات الإنتاج في المصنع ضد الحريق وأثناء التعاقد سأل المؤمن عن بلد صنع المعدات فأجاب المؤمن له أنها ألمانية مثلاً. ثم تبين عند وقوع الخطر أنها صينية الصنع، فللمؤمن عندها الامتناع، جدلاً، عن التعويض لعدم التزام المؤمن له بمبدأ منتهى حسن النية عندما لم يقدم معلومات صحيحة.

5 – في عقد التأمين يلتزم المؤمن له بتنفيذ الشروط الجوهرية في العقد. فلو ذُكِرَ شرط بالعقد أن ساعات العمل على المعدات، بالمثال السابق، لا تتعدى 8 ساعات وبعد وقوع الخطر، أي الحريق، تبين أن سبب الحريق هو أن العمل على المعدات امتد لمدة 14 ساعة مما أدى إلى زيادة الضغط عليها وبالتالي نشوب الحريق، فالمؤمن غير ملتزم بالتعويض بسبب عدم التزام المؤمن له بشرط جوهري بالعقد. وكذلك الحال لو اشتُرِط بالعقد بأن يلتزم المؤمن له، في التأمين على السيارات، بإبلاغ شركة التأمين بقيادة سيارته خارج حدود المملكة قبل القيام بذلك، ولم يلتزم المؤمن له بهذا الشرط، كأن يقوم المؤمن له بالسفر إلى إحدى دول الخليج بسيارته دون إبلاغ شركة التأمين بذلك قبل سفره، فإن المؤمن يكون غير ملتزم بتغطية الخطر بعد الإخلال بهذا الالتزام.

6 – عقد التأمين من عقود الغرر أو ما يسمى ((Aleatory contract، وهذه الصفة في عقد التأمين مُسَلّم بها في كثير من قوانين الدول المختلفة كالقانون الاسترالي والكندي والأمريكي والانجليزي. ووجه الغرر في التأمين على الممتلكات يكمن في أن الحادث المؤمن ضده لابد وأن يكون احتمالياً، بمعنى أنه غير محقق الوقوع ولا يمكن التنبؤ، وقت التعاقد، ما إذا كان الحادث سيقع أم لا. وعليه، فقد تنتهي مدة العقد فيكسب المؤمن قسط التأمين، وقد يقع الخطر المؤمن ضده فيخسر المؤمن أكثر من قسط التأمين عند الالتزام بالتعويض. أما في التأمين على الحياة، وله صور متعددة كالتأمين للوفاة والتأمين للبقاء، وفيه يتعهد المؤمن أن يدفع للمؤمن له مبلغ التأمين في حال بلوغه سن معين أو يدفع للمستفيد في حال موت المؤمن له، فالغرر يكمن في عدم معرفة وقت الوفاة وما إذا كان المؤمن له سيعيش حتى بلوغ السن المحدد بالعقد.

7 – عقد التأمين من العقود المستمرة أي أن الزمن يعتبر عنصرا جوهريا في العقد. فإذا وقع الخطر بعد انتهاء العقد بدقائق، حيث أن زمن العقد يحدد تحديدا دقيقا باليوم والساعة والدقيقة، فالمؤمن يكون قد كسب قسط التأمين وعلى المؤمن له تحمل خسارته في حال أنه لم يجدد العقد مع نفس المؤمن أو لم يدخل في عقد تأمين مع شركة تأمين أخرى. وأيضاً لو أراد المؤمن له أن يفسخ العقد قبل مدة نهايته فللمؤمن أن يستقطع من القسط ما يعادل المدة التي انقضت من عمر العقد ويُرجع الباقي من قسط التأمين للمؤمن له، وهذا في حال ما إذا سمح العقد بهذا الإجراء.

8 – عقد التأمين عقد معاوضة، أي أن المؤمن له يدفع قسط التأمين نظير تعهد المؤمن بتعويض المؤمن له أو أداء منفعة اقتصادية في حال وقوع الحادث الاحتمالي المبين في العقد خلال فترة سريانه. بمعنى آخر، أن المؤمن له عندما يشتري بوليصة تأمين إنما يشتري تعهد، تعهد فقط بتعويض أو أداء منفعة اقتصادية عند وقوع الخطر. وعند حصول الخطر المؤمن ضده لكل حادث حديث. ولا يشترط أن يدفع المؤمن للمؤمن له مبلغا نقديا كمقابل تأمين، بل يمكن أن يكون هذا المقابل أي منفعة اقتصادية. وعليه يعتبر تأميناً لو كان هناك اتفاق بين شخص وشركة بحيث يلتزم الشخص بدفع اشتراك سنوي على أن تقوم الشركة بإصلاح أية عطل قد يصيب سيارته أو توفير سيارة بديله خلال فترة الإصلاح إن لزم الأمر.

9 – عقد التأمين يوفر حق الحلول للمؤمن، أي أن المؤمن، في التأمين الشامل على السيارات مثلا، عندما يقوم بتعويض المؤمن له عن حادث تسبب به الغير، فله أن يحل محل المؤمن له في مواجهة الغير المسئول بحيث يطالبه بمبلغ التعويض الذي تم دفعه للمؤمن له لجبر ضرره، ويجب على المؤمن له حفظ جميع الحقوق وتقديم الأدلة اللازمة للمؤمن والتي تمكنه من استيفاء حقه في مواجهة الغير.

10 – عقد التأمين هو في الغالب الأعظم عقد تجاري، وخصوصا عندما يُباشر من قبل شركة تأمين فهو عقد تجاري بحت، حيث أن شركة التأمين تحقق أرباحها من قيمة الفارق بين مجموع الأقساط المدفوعة من المؤمن لهم وقيمة التعويضات التي تم بالفعل دفعها للمتضررين منهم من جراء وقوع الأخطار المؤمن ضدها.

هذه الصفات التي تتوفر في عقد التأمين قد لا تتوافر جميعها في عقود أخرى تشبه التأمين كعقد ضمان المبيع وعقد الكفالة المالية والتي تختلف اختلافا جوهريا عن عقد التأمين، وإن التقيا في بعض الصفات والخصائص مع عقد التأمين. وسيتم بحث ذلك في المستقبل القريب إن شاء الله.

٭ باحث قانوني

إعادة نشر بواسطة محاماة نت