قـراءات في قانـون الأحـوال الشـخصيـة العمــاني

يشرفنا أن نقدم هذه السلسلة من القراءات في بعض من مواد قانون الأحوال الشخصية العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (32) لسنة 1997م ، وعليه نبدأ بمشيئة الله وتوفيقه في القراءة الأولى والتي سنخصصها للحديث عن أهلية الزواج .

( القراءة الأولى )
أهلية الزواج

نصت المادة السابعة على أن : ” تكتمل أهلية الزواج بالعقل وإتمام الثامنة عشر من العمر ” هذه الأهلية الكاملة يقصد بها أهلية الرجل والمرأة .
فيقال فلان أهل لإجراء التصرف ، ويقصد بذلك قدرته على إنشاء التصرف الصحيح النافذ على نفسه ، وهو ما يسميه الفقهاء بالولاية القاصرة ، وقد بين القانون في المادة السابقة بأن أهلية الزواج تكتمل بالعقل وتمام الثامنة عشر من العمر .
وكذلك فإن القانون عندما اشترط العقل في أهلية الشخص للزواج ، أعتبر العقل ركنا لا ينعقد الزواج بدونه فنص في المادة الثامنة فقرة (ب) على أن : ” لا يأذن القاضي بزواج المجنون أو المعتوه إلا بعد توافر الشروط التالية :-
1- قبول الطرف الآخر التزوج منه بعد اطلاعه على حالته .
2- كون مرضه لا ينتقل منه إلى نسله .
3- كون زواجه فيه مصلحة له . ويتم التثبت في الشرطين الأخيرين بتقرير لجنة من ذوي الاختصاص .
والعقل له حد أدنى وحد أعلى – فالحد الأدنى من العقل هو عقل الصبي المميز ومقتضى هذا يمكن القول بأن الصبي المميز يمكنه التعبير عن إرادته الزواج فيصدر منه إيجاب – أو قبول – إلا أن هذا القول لا يستقيم مع الأهلية التي وضع القانون لها ضابطين لا بد من قيامهما معا : العقل وإتمام الثامنة عشرة من العمر . هذان العنصران لازمان لإبرام عقد الزواج ، وليس للزواج ، بدليل أن المجنون والمعتوه ينعقد زواجهما بصدور إذن لهما من القاضي بالزواج .
كما أن من أتم الثامنة عشرة من عمره ولم يكن عاقلا لا ينعقد بإيجابه عقد الزواج لأن أهلية الزواج – أي عقد الزواج – شرطها العقل وإتمام الثامنة عشرة من العمر .
يلاحظ على نص المادة السابعة أنه لم يجعل البلوغ شرطا في أهلية الزواج على اعتبار أن الفقهاء جعلوا أقصى سن للبلوغ – عند من لم تظهر عليه علامات البلوغ هو خمس عشرة سنة .

زواج المجنون والمعتوه :

زواج المجنون أو المعتوه – رغم عدم توافر العقل – جائز إذا ظهرت مصلحة في ذلك ، ولكن هذا الزواج لا يعقده المجنون أو المعتوه – لعدم توافر العقل – وإنما يعقده وليه ، فقد نصت المادة الثامنة فقرة (أ) من القانون على أن ” لا ينعقد زواج المجنون أو المعتوه إلا من وليه بعد صدور إذن من القاضي بذلك ” . فزواج المجنون أو المعتوه لا ينعقد إلا إذا باشره وليه ، والولي في الزواج هو ولي النفس الذي حددته المادة (159) من القانون ” الولاية على النفس للأب ، ثم للعاصب بنفسه على ترتيب الإرث .
وولي المجنون أو المعتوه لا يمكنه أن يعقد زواج أي منهما إلا بعد صدور إذن من القاضي بهذا الزواج ، وأذن القاضي قيده القانون بشروط هي :
1- أن يقبل الطرف الآخر في عقد الزواج على التزوج من المجنون أو المعتوه – بعد أن يكون قد علم بحاله – هذا ويلاحظ أن المجنون هنا قد يكون الرجل وقد يكون المرأة .
2- أن يكون مرض المجنون أو المعتوه غير قابل للانتقال منه إلى نسله .
3- أن يكون زواج المجنون فيه مصلحة له .
والشرطان الثاني والثالث يتم التثبت منهما بتقرير تقدمه لجنة من ذوي الاختصاص إذا توافرت الشروط السابقة أمام القاضي أذن لولي المجنون أو المعتوه في أن يعقد زواجه .

زواج المحجور عليه للسفه :

السفه هو تبذير المال وإتلافه فيما لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضا صحيحا ، والسفه فكرة معيارية تبنى بوجه عام على إساءة استعمال الحقوق ، فهي خفه تعتري الإنسان فتحمله على العمل على خلاف مقتضى العقل والشرع .
السفه يؤثر على تصرفات السفيه المالية ، من أجل ذلك يضعه القانون تحت الحجر ، ولذلك لم يمنع القانون السفيه من أن يتقدم للقاضي طالبا الأذن بتزويج نفسه ، والمادة التاسعة من القانون نصت على أنه ” لا يأذن القاضي بزواج المحجور عليه لسفه إلا بموافقة وليه … ” فالسفيه إذا تقدم للقاضي للأذن له بالزواج ، عليه أن يقدم موافقة وليه على هذا الزواج أو مرافقة الولي له للمثول أمام القاضي .
نص المادة التاسعة لم يرد به أن القاضي يأذن للسفيه أن يزوج نفسه ، وإنما الأذن يكون للولي ليقوم هو بتزويج السفيه ، يدل على هذا قول النص ” فإذا امتنع الولي طلب القاضي موافقته خلال مدة يحددها له ، فإن لم يتعرض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار زوجه القاضي ” .
القاضي لا يأذن لولي السفيه بزواجه إلا بعد أن يتأكد القاضي من ملائمة الصداق لحالة السفيه المادية ، وسبب ذلك أن السفيه تعتريه خفه تحمله على تبذير المال فيما لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضا صحيحا – من أجل ذلك كانت الضرورة إلى تدخل القاضي ليتأكد من ملائمة الصداق لحالة السفيه حتى لا يبتذه المتعامل معه .
ولي السفيه قد لا يوافق على زواجه – في هذه الحالة لا يرفض القاضي طلب السفيه للزواج ، وإنما يعطيه القاضي أجلا يوافق فيه – فإذا لم يبد اعتراضا يقبله القاضي أو لم يعترض أصلا وانتهى الأجل الذي حدده القاضي – كان على القاضي أن يزوج السفيه.

زواج ذي الغفلة :

تناولت المادة التاسعة حكم طلب السفيه الزواج – ولم يرد بها حكم طلب ذي الغفلة زواجه ، لكن المادة (155) اعتبرت الجنون والعته والغفلة والسفه من عوارض الأهلية . وعرفت ذي الغفلة بأنه من يغبن في معاملاته المالية لسهولة خدعه ، فذو الغفلة يتساوى مع السفيه في اعتبار كل منهما ناقص الأهلية – المادة ( 141/ب ) وهذا يقتضي أن يعامل ذو الغفلة معاملة السفيه إذا طلب من القاضي زواجه ، باعتبار أن الغفلة امتداد لفكرة السفه .
ذو الغفلة يحجر عليه للمحافظة على ماله حتى لا يصبح عالة على مجتمعه ، وكذلك المحافظة على مصالح أسرته من أجل ذلك وردت النصوص في القانون على اعتباره ناقص الأهلية ومعاملته معاملة السفيه.
إذن القاضي في زواج فاقد الأهلية وناقصها يحقق أمرين ، أولهما يعطي الولي صلاحية إبرام عقد الزواج وصلاحية تحصيل الزوجة الصالحة التي ترعى مثل هؤلاء – بمعنى أن هناك صلاحية مؤكدة لمن هو ولي عنه في عقد الزواج . والثاني دور القاضي في التأكيد على أن فاقد الأهلية أو ناقصها لا يمنع فقد أهليته أو نقصها من أن يكون طرفا في العلاقة الزوجية – فالقاضي يستعين في الأذن بتقرير لجنة من ذوي الاختصاص ، وبذلك نرى أنه في حالة فقد الأهلية للجنون أو العته إذا كانت أحدهما فيها خطر على الطرف الآخر في العلاقة الزوجية بأن كان لا يعي ما يدور حوله ، وأنه قد يكون عدوانيا يضر بشريك حياته ، في هذه الحالة يقف القاضي عن الأذن بزواج مثل هذا الشخص حتى تتحقق الشروط التي أوردتها المادة الثامنة في فقرتها (ب) من القانون .

زواج من اكمل سن الثامنة عشرة من عمره :

نصت المادة العاشرة فقرة (أ) على أنه ” إذا طلب من أكمل الثامنة عشرة من عمره الزواج وامتنع وليه عن تزويجه جاز له رفع الأمر إلى القاضي ” . هذا النص يعطى العديد من الملاحظات :-
1- أن من أتم الثامنة عشرة من عمره ما زال تحت الولاية في مسائل الأحوال الشخصية – والولاية هنا ولاية على النفس .
2- أن من أتم الثامنة عشرة من عمره لا يستطيع أن يزوج نفسه بدون وليه .
3- أن من أتم الثامنة عشرة من عمره في مسائل الولاية على النفس يمكنه أن يلجأ إلى القاضي طالبا التزويج .
4- أن ولي النفس يمكنه أن يمنع من أتم الثامنة عشر من أن يتزوج .
5- أن القاضي لابد أن يتدخل ليزوج من أتم الثامنة عشرة من عمره إذا امتنع وليه عن تزويجه – أو ليأذن لهذا الولي بأن يزوجه .
6- القانون في مسائل الولاية على المال نص على اعتبار من أتم الثامنة عشرة من عمره رشيدا ( مادة 139 ) ونص المادة (151) يكون رشيدا من أكمل سن الرشد – ما لم يحجر عليه لعارض من عوارض الأهلية ، كما أن القاضي قد يرشد القاصر الذي أتم الخامسة عشرة من عمره ، ومهمة الوصي تنتهي بترشيد القاصر أو بلوغه سن الرشد ، هذه الضوابط التي وضعها القانون ليكون الشخص كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية ، ما لم يقرر القانون خلاف ذلك ( مادة 138) خاصة بالولاية على المال – أما الولاية على النفس فلم يتعرض القانون لرفع هذه الولاية عن الشخص حتى أن الشخص الرشيد الذي أكمل الثامنة عشرة من عمره إذا أراد الزواج لا يستطيع ذلك إلا إذا طلب من وليه الزواج ، وهذا الأخير قد يمتنع وقد يرضى .
أن القانون أجاز لمن أكمل الثامنة عشرة من العمر أن يطلب من القاضي تزويجه أذا امتنع وليه عن ذلك ، وقد رسم القانون دور القاضي في ذلك بأن يقوم باستدعاء الولي الذي امتنع عن تزويج من هو تحت ولايته ليسمع منه أسباب امتناعه عن التزويج . والقاضي يحدد لهذا الولي أجلا للحضور أمامه ، فإن حضر وتبين للقاضي إن امتناعه غير سائغ ، زوجه القاضي ، بعد التحقق من سن طالب الزواج وتوافر شروط التزويج ( مادة 10/ب ) ” يحدد القاضي مدة لحضور الولي يبين خلالها أقواله ، فإن لم يحضر أصلا ، أو كان اعتراضه غير سائغ زوجه القاضي ” .

زواج من لم يكمل الثامنة من عمره :

قد يتقدم الشخص الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره للقاضي طالبا تزويجه لأن وليه امتنع عن ذلك ، في هذه الحالة يطلب القاضي الولي ويحدد له مدة للحضور أمامه لسماع أقواله – فإذا حضر وكان اعتراضه غير سائغ – أو لم يحضر أصلا زوجه القاضي بشرط أن يتحقق من المصلحة في هذا الزواج ، وقد نصت المادة (10/ج ) على ذلك بقولها ” مع مراعاة أحكام الفقرة (ب) من هذه المادة لا يزوج من لم يكمل الثامنة عشرة من عمره إلا بإذن القاضي بعد التحقق من المصلحة ” .
هذا النص يعطي فضلا عما تقدم حكما عاما هو أنه لا يجوز لولي الشخص الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره أن يزوجه إلا بإذن من القاضي ، وعليه أن يبين للقاضي المصلحة في تزويج المولى عليه