قانون الشركات الجديد يغفل تحديث إجراءات الإفلاس و الإعسار

بســم الله الرحمــن الرحيــم

ذكرت مصادر أن البنك الدولي اقترح على وزارة التجارة والصناعة وضع قانون للإعسار المالي لمعالجة الشركات المتعثرة ووضع آلية مستعجلة لإيجاد حلول خارج إطار المحاكم للديون المتعثرة لمعالجة مشاكل السداد القائمة بين شركات الاستثمار والشركات المتعثرة ودائنيها.

وقد صرّح وزير التجارة، أخيراً، بأن الوزارة تسعى إلى أن يكون القانون الجديد مواكباً لأنظمة الإعسار والإفلاس في الدول المتقدمة، ويلائم طبيعة الأعمال في الكويت.

وأكد الوزير أن القانون المذكور سوف يكون محايداً ولا يحمي طرفاً على حساب طرف آخر، ولكنه سييسر الإجراءات المعقّدة للإفلاس بشكل يحافظ على حقوق الدائنين ويمنع التدليس والهروب من المسؤولية بشكل قاطع، كما سيعمل على تنظيم العلاقة بين الدائنين وتنسيق الجهود والشفافية للحصول على المعلومات.

من سياق ما تقدم، يتبين أن الوزارة بصدد دراسة قوانين تتعلق بالإفلاس والإعسار.

وبداية، تجدر الإشارة إلى أن قانون الشركات الجديد رقم 25 لسنة 2012 لم يورد أي أحكام تخص إفلاس الشركات إلا ما ورد من ذكر لشهر الإفلاس كأحد الأسباب التي تنقضي بها الشركة، إلا أنها أوردت نصوصاً من المواد 309 إلى 326 عن التصفية وأحكامها، وبذلك يكون المشرّع قد ترك أحكام الإفلاس الواردة في قانون التجارة رقم 68 لسنة 1980 كما هي دون أي تعديل، ولم يكن في القانون الكويتي من قبل أي إشارة إلى الإعسار ولم يرد له ذكر في أي من التشريعات، إلا ما كان مفهوماً من عموم النصوص التي وردت في قانون المرافعات المدنية والتجارية تحت الباب الرابع عند الحديث عن حبس المدين، ذلك أنه وفق المادة 292 من هذا القانون «يجوز حبس المدين المقتدر الممتنع عن الوفاء، فالاقتدار هو الأساس لصدور أمر الحبس، وبمفهوم المخالفة أن المدين غير المقتدر والمعسر لا يجوز حبسه لإجباره على الوفاء بدينه».

ومشروع القانون المطروح للمناقشة يعالج مسألتي الإعسار والإفلاس.

والإفلاس هو اضطراب في أحوال التاجر المالية، حيث لا يكون قادراً على الوفاء بالتزاماته المالية، ويتوقف عن سداد ديونه.

وقال ابن رشد «الإفلاس في الشرع يطلق على معنيين: أحدهما أن يستغرق الدين مال المدين فلا يكون ماله كافياً للوفاء بديونه، الثاني ألا يكون له مال معلوم أصلاً».

والإعسار ملازم لحالة الإفلاس ومرتبط به وهو مقدمة له ومن أعراضه، ولأن الإعسار هو تعذر وجود المال، ويقال أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة، وهي الحالة التي يتعسر فيها وجود المال.

ومما سلف ننتهي إلى أن حالة الإعسار هي حالة الإفلاس نفسها، وهي عدم كفاية الأموال لسداد الالتزامات، ومن هنا يكون الإعسار طريقاً للإفلاس.

وإفلاس الشركة قانوناً هو طريقة من طرق انقضاء الشركة وتصفية أموالها وقسمتها بين الدائنين قسمة عزماء، وبهذه الصورة يكون نظام الإفلاس الحالي خطراً على الدائنين مما يؤدي إلى عدم استيفائهم كامل حقوقهم وأحياناً كلها. وبذلك تزداد المخاطر التجارية وحالات تعثر الشركات مما تكون له آثار سلبية على مستوى الاقتصاد بصفة عامة، ومن هنا جاءت فكرة قانون الإعسار ليكون بالإمكان مساعدة المتعثرين على سداد ديونهم والتزاماتهم المالية دون توقف عجلة الإنتاج.

ولما كان نظام الإفلاس الحالي لا يخدم إعادة الهيكلة للشركات والنهوض بها من جديد، لذلك يجب الأخذ بالحسبان في مشروع قانون الإفلاس الجديد الأسس الحديثة في إدارة عمليات الإعسار والإفلاس، حيث يجب أن يهتم مشروع القانون بضرورة توفير إجراءات واضحة وسهلة تسمح بإعادة هيكلة الديون بأساليب مرنة تضمن حقوق وواجبات كل الأطراف، مع مراعاة ضرورة دعم المدين لوضع خطة لإعادة هيكلة أعماله وتنفيذها، ويكون بمنأى عن الملاحقات القضائية ومساعدته على الوفاء بالتزاماته، وتكون تصفية أصوله كحل أخير، وهذه المراحل تسبق إجراءات الإفلاس وتصفية الأصول من خلال إعادة التنظيم المالي ثم إجراءات إعادة الهيكلة، بحيث يراعي تحقيق التوازن الحذر بين التصفية وإعادة هيكلة أعمال المدين والسماح بالتحول بالإجراءات من إجراء إلى آخر، ومنع الدائنين من التصرف المتسرع في أصول المدين.

وقد أصدر المشرّع الكويتي قانوناً مشابهاً وهو القانون رقم 5 لسنة 2009، بشأن تعزيز الاستقرار المالي في الدولة، حيث إنه بموجب هذا القانون بمقدور الشركات المتعثرة اللجوء إلى القضاء لحمايتها من الدائنين إذا تقدّمت ببرنامج إعادة هيكلة وفق الشروط والآليات الواردة بهذا القانون. والحقيقة، أن نظام الإعسار له أصله التشريعي في القانون المدني، تطبيقاً لمبدأ نظرية الظروف الطارئة، والتي تعطي المدين الحق في الطلب بالتخفف من التزاماته، إذا ما حصل طارئ لم يكن متوقعاً عند نشأة الالتزام.