ظاهرة العنف ضد المرأة – دراسة مقارنة

مقال حول: ظاهرة العنف ضد المرأة – دراسة مقارنة

المرأة بالمغرب “دراسة قانونية مقارنة”

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

مقدمة

تعد الأسرة نواة المجتمع ينمو فى رحابها الصغار حتى يبلغون مرحلة البلوغ والنضج. ومنذ ولادة الطفل يتلقى خلاصة الخبرة من أسرته، وبفضل رعاية أسرته له صحيا واجتماعيا يشب وينمو وتكتمل ملكاته وقدراته الذهينة . ولقد عرفت المجتمعات بأشكالها المختلفة ( سواء بدوية أو ريفية أو حضرية) الحياة الزوجية والحياة الأسرية. والأسرة بمفهومها الاجتماعى تعمل على استمرار بقائها ورسوخها واستقرارها عن طريق استمرار العلاقات الاجتماعية والثقافية، ومن خلال التعليم والتدريب. وتنظم الأسرة سلوك النشئ وتراقب علاقاته بغيره من أفراد المجتمع.

وتعد المرأة لب الأسرة ونواتها، وقد سطرت المرأة في العصور القديمة والحديثة وخاصة في المجتمعات الإسلامية أسطر من نور في جميع المجالات، حيث كانت ملكة وقاضية وشاعرة وفنانة وأديبة وفقيهة ومحاربة وراوية للأحاديث النبوية الشريفة. وإلى الآن مازالت المرأة في المجتمعات الإسلامية تكد وتكدح وتساهم بكل طاقاتها في رعاية بيتها وأفراد أسرتها، فهي الأم التي تقع على عاتقها مسؤولية تربية الأجيال القادمة، وهي الزوجة التي تدير البيت وتوجه اقتصادياته، وهي بنت أو أخت أو زوجة، وهذا يجعل الدور الذي تقوم به المرأة في بناء المجتمع دورا لا يمكن إغفاله أو التقليل من خطورته.

ولقد عاشت المرأة مسلسلا كثير الحلقات، وعاشت حياة مليئة بالأحداث حيث كانت توءذ وتدفن حية في عصور الجاهلية خوفا من جلب العار، كما كانت تباع وتشترى في أسواق النخاسة فتسلب كرامتها وحريتها ويقضي كل من امتلكها وطره منها. ومع مجيء الإسلام لاحت أول خيوط التفاؤل بالنسبة لها حيث حررها من العبودية ورفع من شأنها بل أعطاها مكانة هامة تستحقها وقال تعالى في ذلك: “ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء”ّ[1]. وقال تعالى أيضا: ” ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.. “[2].

ومنذ بداية العقد العالمي للمرأة (1985-75) وحتى مؤتمر بكين 1996، بدأ الاهتمام العالمي بقضية المرأة وتمكينها من أداء أدوارها بفعالية مثل الرجل، والمشاركة في اتخاذ القرار في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد واكب هذا الاهتمام العالمي اهتمام كثير من الدول والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية، وذلك من خلال عقد سلسلة من الندوات والمناقشات وأوراش العمل والمؤتمرات، كان آخرها منتدى قمة المرأة العربية بالمنامة في أبريل 2000، مرورا بمؤتمر القمة الأول للمراة العربية “القاهرة 2000”، ومؤتمر القمة الاستثنائية للمرأة العربية بالمغرب “نوفمبر 2001″، بالإضافة إلى عدة منتديات حول المرأة والسياسة، والمرأة والمجتمع، والمرأة والإعلام، والمرأة والاقتصاد، والمرأة في بلاد المهجر، التي عقدت في عدة دول عربية.

وقد حاول المغرب كباقي الدول، منح المرأة مجموعة من الحقوق والضمانات التي تكفل لها مساهمتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل فعال ومحاربة ظاهرة العنف ضدها، وجعلها متساوية مع الرجل. فما هي ظاهرة العنف ضد المرأة؟ وكيف حاول المشرع المغربي حماية المرأة من خلال القوانين المرتبطة بها؟

أولا: مشكلة العنف ضد المرأة في المجتمع المغربي

أعلنت الجمعية العامة في هيئة الأمم المتحدة يوم 25 / تشرين الثاني – نوفمبر من كل عام, يوما دوليا للقضاء على العنف ضد المرأة. ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة في ذلك اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام بتلك المشكلة العالمية[3].

وقد درج أنصار حقوق المرأة على الاحتفال بيوم 25 / تشرين الثاني بوصفه يوما لمناهضة العنف ضد المرأة منذ 1981، وقد استُمد ذلك التاريخ بمناسبة الاغتيال الوحشي في سنة 1961للاخوات الثلاثة (ميرا بال) اللواتي كن سياسيات ناشطات في جمهورية الدومينيك بناء على أوامر حاكم الدومينيك روفاييل تروخيليو الذي حكم الدومينيك 1936 – 1961[4].

إلا أن العنف ضد المرأة لم ينشأ في هذا التاريخ وإنما منذ قديم الزمان، ولكن الاهتمام العالمي بهذه المشكلة شهد مراحل متطورة وسجل أفعالا عديدة عدّها أشكالا من العنف ضد النساء بحسب العوامل المؤثرة في المجتمعات وبحسب الأسباب الدافعة أو المساعدة على تفشّي هذه المشكلة – الجريمة – وهذا ما سنتعرف عليه فيما يلي.

تطور الاهتمام بظاهرة العنف ضد المرأة

يرتبط العنف ضد المرأة ارتباطا وثيقا بعلاقات القوى غير المتكافئة بين الرجال والنساء والتمييز القائم على النوع الاجتماعي ويتفاعل معهما. ويشكل الحق القائم في عدم التعرض للعنف والتمييز القائمين على العرق أو الجنس أو التعبير أو الهوية أو العمر أو النسب أو الدين وكذلك الكرامة المتأصلة والمتكافئة لكل امرأة ورجل وطفل، أساسا لحقوق الإنسان.

إن العنف ضد النساء هو نتيجة للتراكمات التاريخية غير المتساوية بين الرجال والنساء والتي أدت إلى الهيمنة والتمييز ضد النساء من قبل الرجال والى منع التقدم الكامل للمرأة، وهذا العنف ضد النساء هو احد الآليات الاجتماعية الحاسمة التي أجبرت بها المرأة على التنازل عن احتلال مواقع متساوية مع الرجل.

فالاعتراف بمسألة العنف ضد المرأة والتمييز القائم ضدها مرّ بتطورات تاريخية مهمة وما الاعتراف الدولي لهذه القضية إلا نتيجة لسنوات من العمل على جميع الصعد والتي من أهمها المؤتمرات الدولية ومواثيق الأمم المتحدة.

فقد لقي العنف ضد المرأة اهتماما متناميا من الأمم المتحدة كونه شكلا من أشكال التمييز ضد المرأة وانتهاكا لحقوقها الإنسانية، وألزم المجتمع الدولي نفسه بحماية حقوق الفرد امرأة كان أو رجلا, وكرامته بمعاهدات وإعلانات متعددة[5].

هذا ويعد ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمد في سان فرانسيسكو سنة 1945 أول معاهدة دولية تشير في عبارات محددة إلى تساوي الرجال والنساء في الحقوق . إذ ورد في ديباجته ( …. وان نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ….) كما ورد في المادة الأولى من الميثاق وفي الفقرة (3) منها أن من ضمن مقاصد الأمم المتحدة تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء. تلا الميثاق، وتحديدا في سنة 1948، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليؤكد ذات المبدأ وهو مبدأ المساواة في الحقوق الإنسانية للرجال والنساء وذلك في ديباجة الإعلان وكذلك في المادة (2) منه.

وفي سنة 1966 الحق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وقد ورد مبدأ الحقوق المتساوية للرجال والنساء في التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية في المادة (3) المشتركة في العهدين.

تلا ذلك اتفاقية غاية في الأهمية بالنسبة للمرأة وحقوقها الإنسانية ألا وهي اتفاقية القضاء على القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979 ودخلت حيز التنفيذ عام 1981 والتي تعد ثمرة ثلاثين عام من الجهود والأعمال التي قام بها مركز المرأة في الأمم المتحدة لتحسين أوضاع المرأة ونشر حقوقها.

وقد أكدت ديباجة الاتفاقية أيضا على مبدأ التساوي في الحقوق بين الرجال والنساء وضرورة تحقيق هذا المبدأ من اجل نمو ورخاء المجتمع والأسرة, وأكدت في المادة (6) من الاتفاقية على الدول الأطراف فيها بأن تتخذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لمكافحة شكل من أشكال العنف ضد المرأة إلا وهو الاتجار بالمرأة واستغلال دعارة المرأة.

وقد اتخذت مسألة العنف ضد المرأة مكانا بارزا بسبب عمل المنظمات والحركات النسائية على مستوى القاعدة الشعبية في العالم اجمع.

وقد دعت النساء إلى اتخاذ تدابير لمعالجة هذه الانتهاكات على الصعيدين الوطني والدولي, وكشفن عن دور العنف ضد المرأة كشكل من أشكال التمييز وآلية لأدامته.

ونتيجة لذلك وضعت مسألة العنف ضد المرأة على جدول الأعمال في سياق العمل على إحقاق حقوق المرأة في الأمم المتحدة وكان للتفاعل بين الدفاع عن المرأة في مختلف أنحاء العالم ومبادرات الأمم المتحدة على مدى بضعة عقود الماضية عاملا محرّكا في تحقيق هذا الانتباه.

غير أن زيادة الانتباه إلى العنف ضد المرأة برزت بالدرجة الأولى في سياق عقد الأمم المتحدة للمرأة (1975 – 1985)، وعملت الجهود النسائية حافزا في توسيع نطاق فهم العنف ضد المرأة. إن المبادرات المبكرة لمعالجة العنف ضد المرأة على الصعيد الدولي ركزت بالدرجة الأولى على الأسرة. ومما يذكر إن خطة العمل العالمية للمرأة التي اعتمدها المؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة في مدينة مكسيكو في سنة 1975، لفتت الانتباه إلى ضرورة وضع برامج تعليمية وطرق لحل النزاع العائلي تضمن الكرامة والمساواة والأمن لكل فرد من أفراد الأسرة، لكنها لم تشر بصراحة إلى العنف , غير أن محكمة المنظمات غير الحكومية التي عقدت بالتوازي مع المؤتمر في مدينة مكسيكو، وكذلك المحكمة الدولية المعنية بالجرائم ضد المرأة التي عقدت في بروكسل سنة 1976, أبرزتا أشكالا من العنف ضد المرأة أكثر بكثير من العنف في نطاق الأسرة.

وازداد العمل النسائي لمكافحة العنف ضد المرأة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي وأصبحت المسألة أكثر بروزا في المؤتمر العالمي الثالث المعني بالمرأة, المعقود في نيروبي في سنة 1985. واعترفت استراتيجيات نيروبي للنهوض بالمرأة، بانتشار العنف ضد المرأة في أشكال مختلفة في الحياة اليومية في كل المجتمعات، وعرّفت مظاهر متنوعة للعنف بلفت الانتباه إلى النساء اللائي يتعرّضن للإساءة والاعتداء في المنزل،

والنساء اللائي يقعن ضحايا للبغاء ألقسري، والنساء المعتقلات، والنساء في النزاعات المسلحة. وبدأت إقامة الصلة بين العنف ضد المرأة والمسائل الأخرى على جدول أعمال الأمم المتحدة باعتبار ذلك العنف عقبة رئيسية أمام تحقيق أهداف العقد الدولي للمرأة: المساواة والتنمية والسلم. ودعت إلى اتخاذ سياسات وقائية وتدابير قانونية ووضع آلية وطنية وتقديم مساعدة شاملة للنساء اللائي يقعن ضحايا العنف. واعترفت أيضا بالحاجة إلى توعية الرأي العام للعنف ضد المرأة كمشكلة مجتمعية.

وفي أوائل التسعينات من القرن الماضي اكتسبت جهود الحركة النسائية – لكسب الاعتراف بأن العنف ضد المرأة مسألة تتعلق بحقوق الإنسان – زخما كبيرا. وفي المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المعقود في فيينا في سنة 1993, تجمّعت النساء وضغطن على الصعيدين العالمي والإقليمي لإعادة تعريف معالم قانون حقوق الإنسان ليشمل ما تمرّ به النساء من خبرات، وقدّمن إلى المندوبين للمؤتمر ما يقرب من نصف مليون توقيع جمعت من 128 دولة تطلب الاعتراف بأن هذا العنف يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان للمرأة . وعقدن محكمة عالمية قدّمت إليها شهادات من النساء في إطار حقوق الإنسان بما في ذلك قضايا عنف من مختلف أنحاء العالم. واشتمل إعلان وبرنامج عمل فيينا على توكيد عالمية حقوق المرأة باعتبارها حقوق إنسان ودعوة إلى القضاء على العنف القائم على أساس نوع الجنس.

وأضاف مؤتمر فيينا دعما كبيرا إلى اعتماد الجمعية العامة إعلان القضاء على العنف ضد المرأة لسنة 1993. وينص هذا الإعلان على أن العنف ضد المرأة مظهر لعلاقات قوى غير متكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ أدت إلى هيمنة الرجل على المرأة وممارسته التمييز ضدها والحيلولة دون النهوض بالمرأة نهوضا كاملا. كما ويبرز هذا الإعلان المواضع المختلفة للعنف ضد المرأة كالعنف في الأسرة والعنف في المجتمع والعنف الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه.

وأشار الإعلان إلى حقيقة إن فئات معينة من النساء معرضات بوجه خاص للعنف, بما في ذلك الأقليات ونساء الشعوب الأصلية واللاجئات والفقيرات فقرا مدقعا والنساء المعتقلات في مؤسسات إصلاحية أو في سجون والفتيات والنساء المعاقات والنساء المسنات والنساء في أوضاع النزاع المسلح. كما ويضع هذا الإعلان سلسلة من التدابير التي يجب أن تتخذها الدول لمنع هذا العنف والقضاء عليه ويقتضي من الدول أن تدين العنف ضد المرأة وان لا تتذرع بالعادات أو التقاليد أو الدين كي تتجنب واجباتها في القضاء على هذا العنف.[6]

وفي سنة 1995 تمكن إعلان ومنهاج عمل بيجين[7] من تجميع هذه المكاسب بتوكيد أن العنف ضد المرأة انتهاك لحقوق الإنسان وعائق لتمتع المرأة التام بكل حقوق الإنسان. وتحول التركيز إلى المطالبة بمسائلة الدولة عن تدابير منع العنف ضد المرأة والقضاء عليه التي اتخذتها. وانشأ مجال القلق الهام جدا في منهاج عمل بيجين المتعلق بالعنف ضد المرأة أهدافا إستراتيجية ثلاث هي :-

(1)- اتخاذ تدابير متكاملة لمنع العنف ضد المرأة والقضاء عليه.

(2)- دراسة أسباب العنف ضد المرأة وعواقبه وفعالية التدابير الوقائية.

(3)- القضاء على الاتجار بالمرأة ومساعدة ضحايا العنف الناتج عن البغاء والاتجار.

وفي إطار هذه الأهداف وضع منهاج العمل سلسلة من التدابير الملموسة التي يجب أن تتخذها الحكومات بما في ذلك تنفيذ الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والسياسات والبرامج الهادفة إلى حماية النساء اللائي وقعن ضحايا للعنف ومساندتهن، التوعية والتعليم، ……..الخ.

أشكال العنف ضد المرأة
يتخذ العنف ضد المرأة أشكالا عدّة ويمكن أن تشمل عنفا بدنيا وجنسيا ونفسيا وإساءة معاملة اقتصادية واستغلالا في سلسلة من الأوضاع من القطاع الخاص إلى القطاع العام، وفي عالم اليوم المتسم بالعولمة تتجاوز الحدود الوطنية. وتعد تسمية أشكال ومظاهر من العنف ضد المرأة خطوة هامة نحو الاعتراف بها ومعالجتها. وقد أظهر تقرير أصدرته الأمم المتحدة في عام 2001 إن واحدة من بين كل ثلاث نساء في العالم تتعرض للضرب أو الإكراه على ممارسة الجنس أو إلى إساءة المعاملة بصورة أو بأخرى, وغالبا ما تتم هذه الانتهاكات لحقوق المرأة بواسطة إنسان يعرفنه.[8]

كما وتتفاوت أشكال العنف ضد المرأة ومظاهره باختلاف السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي في مجتمع ما أو دولة ما، فربما تزداد بعض أشكال العنف أهمية بينما تنخفض أهمية بعضها الآخر كلما مرّت المجتمعات بتغيرات ديموغرافية وإعادة تشكيل الاقتصاد وتحولات اجتماعية وثقافية.

وبعد عشر سنوات من دعوة منهاج عمل بيجين إلى تحسين البحوث وجمع البيانات عن أشكال مختلفة من العنف ضد المرأة, فأن الأدلة المتوافرة ما زالت متفاوتة، وفي بعض الأحيان غير موجودة.

ويحدث كثير من أشكال العنف ضد المرأة مثالها الممارسات التقليدية المؤذية التي تكون الأسرة والمجتمع المحلي طرفا فيها وتتغاضى عنها الدول. فالعنف ضد المرأة في النزاعات المسلحة شكل من أشكال العنف ضد المرأة له صلة بالأسرة والمجتمع والدولة كذلك الاتجار بالنساء يمتد هو أيضا ويعبر الحدود الدولية.[9]

وثمة سلسلة من العوامل أيضا تؤثر في أشكال العنف التي تعانيها النساء وربما تكون أشكال مختلفة من العنف ضد المرأة مرتبطة بعضها ببعض أو يعزز بعضها بعضا.

1- فالعنف ضد المرأة داخل الأسرة: تمتد أشكاله عبر دورة حياتها من العنف قبل الولادة إلى العنف ضدها كامرأة مسنّة.

(أ)- فالعنف بين الشريكين في علاقات حميمة أو كما يشار له بعبارة العنف العائلي أو إساءة المعاملة بين الزوجين ثبت انه الأوسع انتشارا بين أشكال العنف ضد المرأة كافة. ويشمل الأشكال الآتية ( أعمال الإكراه الجنسي والنفسي والبدني التي يمارسها ضد نساء بالغات أو مراهقات شركائهم دون رضاهن. والعنف البدني الذي يشمل استخدام القوة البدنية أو القوة المادية أو السلاح قصدا لإيذاء أو جرح المرأة. أما العنف الجنسي فيشمل الاتصال الجنسي بصورة اعتداء دون رضاء المرأة – سواء المتزوجة أم غير المتزوجة – , في حين يشمل العنف النفسي السيطرة على المرأة أو عزلها وإذلالها أو إحراجها , ويشمل العنف الاقتصادي حرمان المرأة من الحصول على الموارد الأساسية والتحكم بها ).

(ب)- أما في الممارسات التقليدية المؤذية فيشكل وأد البنات، واختيار جنس الجنين , والزواج المبكر، والعنف المتصل بالمهر, وختان الإناث, والجرائم التي ترتكب باسم الشرف، وإساءة معاملة الأرامل بما في ذلك دفعهن للانتحار, قلنا يشكل ذلك شكلا من أشكال العنف ضد المرأة التي تعد ممارسات تقليدية مؤذية ويمكن أن تشارك فيها الأسرة والمجتمع المحلي.[10]

ثانيا: الإطار القانوني والسياق الوطني الخاص بالمرأة بالمغرب

يعتبر الإطار القانوني المنظم لحقوق وامتيازات المرأة بالمغرب إحدى الآليات التي تعجل باندماج المرأة في الحياة العامة بشكل سلس وتعبر عن مدى احترام الدولة للمرأة، واحترام المواثيق الدولية الداعية إلى تمكين المرأة من جميع حقوقها الأساسية من أجل لعبها لدورها الأساسي داخل المجتمع بشكل مساوي لعمل الرجل. ويعتبر الدستور المغربي لسنة 2011، والقوانين المرتبطة التي تمس المرأة بشكل مباشر، كالقانون الجنائي وقانون الأسرة الذين عرفا تعديلات مهمة خصوصا في ما يتعلق بالمرأة، إطارا مهما يجب معرفة خباياه، ومعرفة ما الجديد الذي جاء به على مستوى حقوق المرأة.

الدستور المغربي الجديد:
خلال شهر يوليوز من سنة 2011، تمت المصادقة على دستور جديد عن طريق استفتاء دستوري وقد تم إصدار هذا الأخير[11]. وتجدر الإشارة إلى أن الدستور الجديد يحتوي على بعض المواد والمقتضيات التي إذا تم تطبيقها بشكل ناجع من شأنها أن تساند مقاربة إيجابية وفاعلة في التعامل مع العنف الممارس ضد النساء بالمغرب[12]. إن المادة 19 تقر بالمساواة بين الجنسيين من حيث الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية. كما تقر المادة 20 الحق في الحياة والمادة 21 الحق في السلامة الشخصية وتعتبر المادة 22 مادة صميمية من حيث حظرها لجميع الخروقات التي تمس بالسلامة البدنية والعقلية والكرامة وكذلك لجميع ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهنية تحت أية ظرفية سواء تمت هذه الخروقات من طرف موظفين رسميين أو من طرف أشخاص لا ينتسبون للأجهزة الحكومية.

إن الدستور الجديد يؤكد على أهمية المنظمات غير الحكومية بإقراره لحرية تنظيم الأنشطة (المادة 12) والحق في التجمع وخلق الجمعيات (المادة 29) وحق المواطنين في تقديم العرائض للسلطات العمومية (المادة 15) والحق في المشاركة الفاعلة في المسار التشريعي عن طريق تقديم مشاريع قانون للبرلمان (المادة 14) بالإضافة إلى الحق في المعلومة كما هو وارد في المادة 27.

إن الدستور الجديد يسمح بخلق مؤسسات يمكن لها أن تلعب دورا حقيقيا وفاعلا في المضي قدما بمشروع القانون المرتبط بالعنف الممارس ضد النساء، من ضمنها هيأة المناصفة ومحاربة جميع أنواع التمييز (حسب ما هو وارد في المادة 19) والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة (المادتين 32 و 169) والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (المادة 151) والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (المادة 161).

المرأة في القانون الجنائي:
تم إدراج العديد من التعديلات على القانون الجنائي لسنة 1962 (وتعتبر التعديلات الخاصة بالعنف الممارس ضد النساء ضمن آخر التعديلات التي تم إدخالها سنة 2003) والتي كان لها أثر على الوضع القانوني للنساء إضافة إلى توفيرها للحماية لضحايا العنف وإمكانية محاكمة المعتدين. وكما سبقت الإشارة إلى ذلك. ليست هناك أية قوانين لتجريم العنف المنزلي في القانون الجنائي المغربي إلا أن القانون الجنائي المغربي يتضمن أحكاما عامة للحظر والمنع والتي يمكن تطبيقها على العنف المنزلي، بما في ذلك مقتضيات تقتضي بأن العلاقة الزوجية تشكل ظرفا من الظروف التشديدية في المتابعة والمحاكمة في حالات الاعتداء والضرب[13].

غير أن التحسينات المتتالية التي أدخلت على القانون الجنائي قد أدت إلى تجريم- التحرش الجنسي- وبعض أشكال العنف المنزلي وبعض جوانب التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي من جهة، وإلى تشديد العقوبة على جرائم الاغتصاب وهتك عرض المرأة. لكن،وبموجب الفصلين486و488، يعتبر الاغتصاب جريمة ضدالأخلاق وليس ضد الشخص. كما أن القانون الجنائي لا يجرم الاغتصاب الزوجي والتحرش الجنسي في الأماكن العامة والعنف النفسي.

المرأة في مدونة الأسرة:
لقد أدخلت مدونة الأسرة لسنة 2004 بعض التعديلات على الوضع القانوني للنساء إذ أن مدونة الأسرة الجديدة حرصت على رفع السن الأدنى لزواج الفتيات من 15 إلى 18 سنة[14]. بالإضافة إلى هذا، فإن مدونة الأسرة حرصت على تقنين الحق في طلب الطلاق على أساس مبدأ التطليق للشقاق[15]. وإلا استوجب على المرأة بخلاف الرجل تبرير طلب التطليق للشقاق على أساس أحد هذه الأسباب: إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج، الضرر، عدم الإنفاق، غياب الزوج، العيب، الإيلاء و الهجر[16].

كما شكلت المستجدات الواردة في مدونة الأسرة سنة 2004 مقارنة بالمقتضيات الواردة في مدونة الأحوال الشخصية السابقة لخدمة المرأة والطفل قفزة نوعية ومهمة في تاريخ المرأة النضالي للظفر بحقوقها والتمتع بها على أكمل وجه سيما فيما يتعلق بمؤسسة الزواج التي كانت تعرف في ظل مدونة الأحوال الشخصية إشكالات جمة. ومن مظاهر المساواة بين الرجل والمرأة في مدونة الأسرة نجد:

المساواة في رعاية الأسرة؛
المساواة في سن الزواج وهو 18 سنة شمسية كاملة (بدل 15 سنة للفتاة و 18 سنة للفتى سابقا)؛
جعل الولاية في الزواج حقا للمرأة تمارسه الرشيدة حسب اختيارها ومصلحتها؛
تقييد إمكانية التعدد بشروط صارمة تكاد أن تجعله شبه مستحيل؛
إقرار جواز الإتفاق بين الزوج والزوجة على إيجاد إطار لتنظيم تدبير واستثمار أموالها المكتسبة خلال فترة الزواج؛
إثبات نسب الأطفال المولودين أثناء فترة الخطبة؛
توسيع حق المرأة في الحضانة.
زيادة على ذلك، وفيما يخص مستحقات الزوجة والأطفال، فتنص الفقرة الأخيرة من المادة 113 من مدونة الأسرة على أنه: “تبت المحكمة أيضا عند الاقتضاء في مستحقات الزوجة والأطفال المحددة في المادتين 84 و85 أعلاه”.

فحسب هذه المادة فإن المحكمة تتمتع بسلطة تقديرية تخولها منح المستحقات المالية للزوجة والأطفال من عدمه ما دام النص القانوني لا يلزمها بذلك، حيث استعملت المادة 113 عبارة “عند الاقتضاء”،وهذا مايلاحظ في الأحكام الصادرة بالتطليق لعدم الانفاق ،بحيث أن بعض المحاكم لاتبث اطلاقا في مستحقات الزوجة والأطفال .

وفي نظرنا فإن القضاء عليه أن يمنح للزوجة المطلقة مستحقاتها في جميع الأحوال حتى في حالة التطليق لكون الزوج معسرا ومعدوما أو غائبا في مكان مجهول بحيث تبقى هذه الحقوق دينا في ذمة الزوج يؤديها متى حضر أو أيسر[17].

بالإضافة إلى ذلك فإن استعمال المشرع لعبارة “عند الاقتضاء” ينطوي على حيف كبير بالنسبة للزوجة والأطفال ويطرح مجموعة من الإشكاليات كالتالي:

– ماهي المعايير التي ستعتمدها المحكمة للحكم بالمستحقات من عدمه؟ هل ستأخذ بعين الاعتبار عسر الزوج فقط وتغض الطرف عن وضعية الزوجة والأطفال؟

– إذا ارتأت المحكمة عدم البت في المستحقات، فهل يمكن مطالبة الدولة بأداء هذه المستحقات، لا سيما وأنها وفق المادة 54 من مدونة الأسرة تعتبر مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتهم طبقا للقانون؟

– أليس من شأن تطبيق المادة 113 من مدونة الأسرة في فقرتها الأخيرة أن يخلق ارتباكا في العمل القضائي، فقد تبت محكمة ما في مستحقات الزوجة والأطفال بينما تقرر محكمة أخرى وفي قضية مشابهة عدم البت في المستحقات؟

نعتقد أنه كان على المشرع أن ينص على تدبير مقابل يتفادى به الإشكالات التي تطرحها عبارة “عند الاقتضاء”، ومن ذلك إحداث صندوق لضمان النفقة ومستحقات الزوجة والأطفال تكون مهمته الحلول محل الزوج عند ثبوت عجزه عن الأداء أو عند إعفاءه من المستحقات، وهذا الاقتراح هو المعمول به في التشريع التونسي الذي أنشأ صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق بمقتضى القانون عدد 65 المؤرخ في 5 يوليوز 1993 والهدف من إحداث هذا الصندوق هو حماية المرأة والأبناء عند ما يظهر عجز المحكوم عليه عن الأداء أو عند تبرئة ذمته منه لسبب من الأسباب[18].

المرأة المغربية في مدونة الانتخابات
تندرج مدونة الانتخابات ضمن الإصلاحات التي جاء بها دستور 2011، والتي ينظمها القانون رقم 43.15 الصادر بتاريخ 04 أبريل 2015، ونصت هذه المدونة في الفصل الثالث منها على هوية الناخبين الذين يحق لهم المشـاركة فـي الانتخابات، وهم “المغاربة ذكورا وإناثا البالغون من العمر 20 سنة شمسية كاملة في تاريخ الاقتراع، وغير الموجودين في إحدى حالات فقدان الأهلية الانتخابية المنصوص عليها قانونا”، وتنص المدونة صراحة على المساواة بين المواطنين ذكورا وإناثا، ضمن شروط الأهلية المحددة سابقا[19].

كما تنص مدونة الانتخابات في المادة 41 على تساوي المواطنين المغاربة إناثا وذكورا علـى حق الترشيح في الانتخابات، ضمن الشروط التالية: “ناخبا مغربي الجنسية، بالغا من العمر 23 سـنة 15 شمسية كاملة يوم الاقتراع -” وقد عدلت المادة 41 بتخفيضها سن الترشيح إلى 21 سنة فيما بعـد ،- مع العلم أن الباب الأول من المدونة المادة الثانية، ذكر أن المرأة “ناخبة” مثلها مثل الرجل، ولا يوجـد أي مانع يفقدها صفة الترشيح للانتخابات كالرجل.

وبالرغم من منح مدونة الانتخابات الحق للمرأة المغربية الحق في الانتخاب والترشـيح، إلاّ أن الجمعيات النسائية المغربية طالبت بمراجعة مدونة الانتخابات وإدخال تعديلات واقتراحات عليها لخلق ظروف ايجابية تسمح بتمكين المرأة المغاربية من ممارسة جميع حقوقها السياسية، حيث لا تزال امرأة المغربية غير محمية قانونا من الممارسات الذكورية تجاه منعها أو التأثير على رغبتها في التصـويت أو الترشيح .

ثم رفعت الجمعيات النسائية المغربية سقف مطالبها لتطالب بتبنّي قـوانين انتخابيـة منصـفة للمرأة، وضمان وضع لوائح الترشيح في إطار (الكوتا) التي تحدد حصصا للمرأة، بنسبة لا تقلّ عـن 20 بالمائة كمرحلة أولى تسبق المطالبة بالمناصفة مستقبلا، إضافة إلى العمل في النظـام الانتخـابي باللائحة في انتخابات أعضاء مجلس النواب. وكانت أربع جمعيات بدأت هذه الحركة المطلبيـة سـنة 1996، قبل أن يلتف حولها أكثر من 20 تنظيما غير حكومي سنة 2001، أفضى إلى إصدار مذكّرة العشرين التي تطالب بمراجعة القانون الانتخابي، لدفع الحكومة ومجلس النواب والأحزاب السياسـية إلى تبنّي قوانين منصفة وعادلة تعطي فرصا للمرأة لضمان مشاركة حقيقية لها في الحياة السياسية[20].

إن إقرار هذه الحقوقلم يأت بشكل فجائي أو في ظرف وجيز، وإنما جاء نتاج تراكم نضالات ومجهودات سنوات عديدة بالمطالبة بحقوقها من منظور إنسانيتها –كونها إنسانا- شأنها شأن الرجل، ومن كونها تساهم في إدارة شؤون مجتمعاتها مثلها مثل الرجل، ومن كون مواثيق حقوق الإنسان تتناول عددا كبيرا من الحقوق تتعلق بالمرأة بشكل خاص وبالأسرة وبالطفل، فضلا عن كون العديد من النساء قد حظين بتعليم مماثل ومتفوق في بعض الأحيان للتعليم الذي حصل عليه الرجل. وإذا كانت المرأة قد نجحت في العديد من دول العالم في نيل قسط من حقوقها من منظور حقوق الإنسان، إلا أنها ما لبثت أن أدركت أن تفعيل هذه الحقوق على أرض الواقع لا يتوقف على منح الحق فقط، وإنما يرتبط بشكل وثيق ببرمجة تلك الحقوق وإحداث تحول في الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة بما يسمح بإعمال هذه الحقوق التي تعنى بتمكين المرأة ومناهضة كافة أشكال التمييز التي قد تستهدفها[21].

ثالثا: المرأة وضعف المشاركة في الحياة العامة مقارنة بين موريتانيا وتونس والجزائر

في بلادنا لم يتم بعد رفع التحفظات الرسمية للمغرب عن اتفاقية السيداو للقضاء على كافـة أشـكال التمييز ضد المرأة، ما جعل الجمعيات الحقوقية النسائية تطالب برفعها، وانضمام المغرب للبروتوكول الاختياري المتعلق بهذه الاتفاقية . كما أنها لم تصل المرأة إلى استوزار كامل، ما يعني أن المرأة لا تشارك في الهيئة التنفيذيـة فـي مناصب قيادية، وهي لا تستطيع أن تتحرك في هذه الهيئة دون إشراف شخصية ذكورية، ورغم ارتفاع نسب النساء كمساعدات وكاتبات في العديد من الهيئات الرسمية، غير أنها لم تمنح الثقة الكاملة لحصول على استوزار كامل.

زيادة على ارتفاع الأمية في صفوف النساء، فبالرغم من أن الأمية كانت منتشرة في صفوف الرجـال أيضا غير أنها لم تكن مانعا من نجاح ترشيح رجال أميين كنواب في البرلمان، إضافة إلـى الثقافـة الذكورية والنظرة الدونية للمرأة .

كذلك المعوقات التي تجدها المرأة بخصوص خروج المرأة للعمل والتمييز الواقع عليها في العديد من مناحي الحياة، حيث تخضع المرأة حسب بنود مدونة الأحوال الشخصية إلى تحميلهـا مسـؤوليات تجعلها غير قادرة على المشاركة في الحياة السياسية، أو حتى في اجتماعات الأحـزاب، لأن تحـول الأحزاب إلى منتديات ذكورية كرسته وضعية اجتماعية معقّدة زاد من سوئها غيابات المرأة عن الحياة السياسية بالانتظام الكافي الذي يمنحها الحقّ في تمثيل نفسها بشكل مباشر . واشتداد الصراع داخل الأحزاب الذي يدفع إلى تهميش المرأة وضعف تمثيلها لازال موجودا رغم اعتماد نظام الكوتا المضمون، ونتيجة لاستمرار الثقافة الذكورية التسلطية داخل الأحزاب، تجـد المرأة المغربية صعوبة في طرح مطالبها باعتماد مبدأ المناصفة مستقبلا للمناقشـة لـدى مؤسسـات المجتمع المدني، وبين الأحزاب السياسية.

وقد تمكنت المرأة المغربية من دخول الحياة السياسية منذ نيل الاستقلال سنة 1956 عبر الانخـراط في النقابات والأحزاب السياسية والجمعيات، غير أن مشاركتها السياسية ظلت محتشمة بسبب الصورة النمطية لها كمسؤول عن الطفل والبيت، والبيئة التي لم تكن تسمح بولوج المرأة الأحزاب التي عـدت آنذاك ناديا للرجال “منتديات سياسية ذكورية”، في الأحزاب وحتى في بقية مؤسسات المجتمع المـدني كالجمعيات والنقابات.

وبالرغم من تلك الصورة الذهنية المهيمنة على تفكير الأفراد، كانت المرأة المغربيـة حاضـرة على الدوام “كناخبة” في الاستحقاقات الانتخابية، غير أن حضورها “كمترشحة” تنافس على الظفر بمقعد وعضوية معترف بها مجلس النواب، واستفادت الأحزاب السياسية من هذه الظروف التي حولت النساء إلى “خزان من الأصوات” تستخدمه الأحزاب متى شاءت، نتيجة ثنائية المشاركة في التصويت والغياب عن الترشح[22].

لم تتجاوز نسبة النساء في انتخابات سنة 1977 6.0 بالمائة من مجموع البرلمانيين (امرأتـان في مجلس النواب وامرأتان في مجلس المستشارين)، وكذاك سنة 1993، حيث سجلت المـرأة نفـس النسبة 6.0 بالمائة، بعد تسجيلها نسبة 0 بالمائة سنة 1984، وهي نسب ضـئيلة مقارنـة مـع دول كسوريا وتونس والجزائر التي تجاوزت 06 بالمائة، ولم تصل إلى نسبة 02 بالمائة المسجلة في لبنان ومصر.

كان هذا الوضع قبل سنة 2002، لكن بعد انتخابات سبتمبر 2002، وصلت 35 امـرأة إلـى مجلس النواب بنسبة 9.10 بالمائة، وانتقل المغرب إلى المرتبة الثانية عربيا بعـد تـونس، واحتـل المرتبة 62 عالميا بعد أن يصنّف في المرتبة 121، بسبب هذه النتائج اللافتة. ويعود الفضل في هـذه النتائج للتعديلات التي طرأت على نصوص القانون التنظيمي لخاصة بمجلس النواب، وكان قد دعا لها المجلس الدستوري في يونيو 2002، وتتلخص في التالي: “اعتماد الاقتراع النسبي باللائحة الوطنيـة بحيث يتم انتخاب 295 عضوا على صعيد الدوائر الانتخابية المحلية و 30 عضـوا علـى الصـعيد 19 الوطني ،” والانتقال من نظام الاقتراع الفردي إلى نظام الاقتراع باللائحة[23].

ونتيجة لهذا التعديل، اتفقت الأحزاب المغربية فيما بينها على تخصيص لوائحها الوطنية للنسـاء لضمان وصول 30 امرأة لمجلس النواب، وتقدم كلّ حزب بلوائح وطنية تضم 30 اسما للنساء فقـط، وأفضت العملية في النهاية إلى تخصيص 10 بالمائة من مقاعد البرلمان للمرأة، وهو مـانح المـرأة المغربية 30 مقعدا نسائيا في البرلمان، إضافة إلى المقاعد الخمسة المتبقية، التي جاءت عـن طريـق الترشيح في اللوائح الإقليمية لتحقّق نسبة 9.10 بالمائة. واعتبرت هذه المنحة الحزبية مستحقة للمرأة المغربية التي كانت المبادرة عن طريق مذكرة العشرين، للمطالبـة بمراجعـة القوانين الانتخابية، وتبنّي نظام اقتراع عادل لا يقصي النساء من خلال التخلّي عن نظـام الاقتـراع الأحادي الاسمي.

وبهذا تكون المرأة المغربية قد نجحت في رهانها بضمان مكانـة مسـتحقة داخـل الأحـزاب السياسية، التي عملت بمبدأ الكوتا على تخصيص نسب تمثيل للمرأة تراوحت بين و 10 20 بالمائة[24].

ونجحت المرأة المغربية في تخطّي النظام الانتخابي السابق الذي كان يجعل الصـراع يشـتد داخـل الأحزاب الوصول إلى رأس اللائحة، وهو سبب تهميش المرأة ووضعها في ذيل القائمة الانتخابية . وقد تأسست في المغرب حركة تدعى (حركة الثلث من أجل المناصفة)، تتولى طـرح مسـألة المطالب النسائية ما بعد النجاح في ضمان الكوتا، وتطالب هذه الحركة باتخاذ إجراءات تمييز ايجابي للرفع من التمثيلية السياسية للنساء، وأن تعطى هذه الإجراءات صبغة دستورية، خصوصا وأن عـددا من الأحزاب قد بدأ يتخلى عن تحديد حصص للمرأة في القوائم الانتخابية الإضافية[25].

وفي انتخابات 25 يونيو 2011، أدرج البرلمان في القانون التنظيمي الجديد لمجلس النواب الصادر في 4 أكتوبر 2011 كوطا نسائية، باعتماد لائحة وطنية خصصت 60 مقعدا للنساء و30 للشباب دون سن الأربعين مع اقتصار لائحة الشباب على الذكور فقط. وصلت نسبة النساء المنتخبات في مجلس النواب 16.7 في هذه الانتخابات وذلك بفوز 60 امرأة في اللائحة الوطنية و 7 نساء في اللوائح المحلية.

في تونس
واجهت المرأة العديد من الصعوبات لتصل إلى تحقيق هذه المكانة الرائدة في العـالم العربـي، بنسبة تمثيل تقترب من 12 بالمائة، وهي الأولى عربيا. أولى الصعوبات، تمثلت في عدم تفصيل الدستور التونسي حق المرأة التونسية التي تأخّرت عن الرجل لتمنح حقّها في امتلاك صفة “ناخب” إلى سنة 1957، بعد إقصـائها قانونيـا مـن المشـاركة السياسية في انتخابات سنة 1956 التي اقتصرت المشاركة فيها على الرجال .

ثم انطلقت المرأة التونسية في مواجهة ترسانة قانونية مبهمة، حيث لم ترد تفصيلات في دستور التونسي حول حقوق المرأة السياسية، إلى أن جاءت نصوص المجلة الانتخابية بالتفصيلات التي مكّنتها من تحقيق طالبها في المشاركة السياسية بالتصويت والترشّح. وقامت المجلة الانتخابية في تونس برفع اللبس الدستوري لمعنى كلمة “مواطن”، بأنّه يعني “ضمان حق الانتخاب لجميع التونسيين والتونسيات”. وعلى هذا الأساس شاركت المرأة التونسية في الانتخابات البلدية التشريعية والرئاسية . وتواجه المرأة التونسية صعوبة في الانخراط الحزبي في صفوف أحزاب المعارضـة، مقابـل الازدياد المستمر للعنصر النسوي في صفوف الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي)، إضافة إلى عدم تمكنها من الحصول على فرصة استوزار كاملة، حيث تمكنت المرأة التونسية بعد وصـولها للبرلمان (مجلس النواب)، تمكنت من الوصول إلى منصب كاتبة دولة ووزيرة منتدبة

في الجزائر
حصلت المرأة الجزائرية على فرصة المشاركة السياسية منذ الاستقلال سنة 1962، وتمكنت من دخول البرلمان سنة 1977 أثناء فترة الحزب الواحد، وزادت حظوظها في المشاركة السياسية بالترشّح بعد التحول إلى التعددية السياسية التي مكنتها من الوصول إلى مناصب هامة، كوزيرة ورئيسة حزب وقاضية، في ظلّ الحقوق الدستورية التي ضمنت حقها في المشاركة والانتخاب والترشّـح، وسـاعد التواجد القوي للمرأة الجزائرية في الساحة السياسية في زيادة تواجدها في الأحزاب، لكـن لا تـزال حظوظها بالفوز بمقاعد في البرلمان محتشمة وضئيلة، وهي التي لم تتجاوز نسبة 08 بالمائة.

ورغم أن الجزائر وقّعت على الاتفاقيات الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المـرأة، وتقدمت بتقريرين عن سير تنفيذ هذه الاتفاقيات، إلاّ أنّها تقدمت بتحفّظات حول هذه الاتفاقيات، إضافة إلى وقوع إشكال سنة 1997 حول نظام النيابة والوكالة الانتخابية عن المرأة باعتباره نظاما استثنائيا، وتمكّنت الجزائر من حلّ هذه المسألة نهائيا بإلغاء نظام العمل بهذا النظام، لإزالة كلّ لبس قد يكلفهـا مساءلة دولية حول إضرار هذا الإجراء بالنظام الانتخابي، والتأثير على حظوظ المرأة في النجاح في العملية الانتخاب .

في موريتانيا
كرس الدستور الموريتاني الصادر في 12 يوليو 1991 حقوق المرأة والمساواة القانونية بـين الرجال والنساء، إذ تنص المادة 6 من القانون الأساسي على أن جميع المـواطنين متسـاوون أمـام القانون،وهو أكبر ضمان بأن المرأة الموريتانية لها الحق في التمتع بجميع حقوقها السياسية ومواطنتها الكاملة. وتمكنت المرأة الموريتانية من الوصول إلى مراكز صنع القرار بعد أن حقّقت نسبة تمثيل في البرلمان تقدر بـ: 3.03 بالمائة في البرلمان و6.03 بالمائة في مجلس الشيوخ، حيـث تتواجـد 04 نساء تتولين مناصب وزارية هامة، منها وزارة الخارجية، التي تتولاها وزيرة .

مع ذلك، لا تزال مسألة تمكين المرأة الموريتانية تواجه العديد من النواقص والصعوبات المؤثرة فغي طموحات المرأة الموريتانية لرفع نسبة تمثيلها السياسي،خصوصا الاضـطرابات الحـادة التـي شهدتها موريتانيا، والانقلابات العسكرية المتتالية التي رهنت المكاسب الديمقراطية المحققة، نتيجة عدم احترام خيار الشعب، وأدخلت البلد في دوامة من الفوضى والعنف، وأثّرت على الاستقرار والأمن.

رابعا: سؤال إصلاح أوضاع المرأة بالمغرب

رغم أنّ الإصلاحات الدّستورية والمعيارية قد مكّنت من إحراز تقدّم في مجال مساهمة المرأة في التنمية، فإنّ فعليتها تبقى غير كافية في ظلّ غياب رؤية واضحة للتحقيق الفعليّ للمساواة بين الجنسين على المستويات المؤسساتية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

1.المساواة بين الرجال والنساء

يعد موْضوع المساواة بين النّساء والرجال في الحياة الاقتصادية من المواضيع المهمة التي تشغل بال مختلف الفاعلين في مجال المرةأة ببلادنا. ذلكَ أنّ البُعد الاقتصادي يهمّ حصّة النساء في مجال الإنتاج وتبادل السلع والخدمات، كما يهمّ الوقوف عند مدى تأثيرِ مختلف السياسات العموميّة على حصّة النساء في توْزيع المَداخيل والثروات، وعلى المكانة المُخَصّصة لهنّ داخل المؤسّسات والآليات الاقتصادية.

إن المســاواة بيــن الرجــل والمــرأة وتمكيــن المــرأة تعــد مــن العوامــل الهامــة لتحقيــق النمــوُ الاقتصادي والتنميــة المســتدامة. فعلــى المســتوى العالمــي التغلــب علــي عــدم المســاواة بيــن الرجــل والمــرأة2025 وتصــل هــذه الزيــادة إلــي 12 مليــار دولار.يترتــب عليــه زيــادة الناتــج المحلــي الإجمالــي فــي عــاممــن اليابــان وألمانيــا والمملكــة المتحــدةًوهــو مــا يــوازي حجــم الناتــج المحلــي الإجمالــي لاقتصــادات كلا18 فــي المائــةمجتمعيــن.

أمــا علــى المســتوى الإقليمــي نجــد أن نصيــب المــرأة مــن الناتــج المحلــي مــا يــوازيفــي المائــة أو نصــف حجــم الســكان،فقــط فــي دول الشــرق الأوســط وشــمال أفريقيــا، بينمــا تمثــل المــرأة 50 وفــي منطقــة الشــرق الأوســط فــي شــمال أفريقيــا نجــد أن ارتفــاع مشــاركة المــرأة فــي القــوة العاملــة ســوف 85 فــي المائــة زيــادة فــي حجــم الفــرص الاقتصاديــة المتوفــرة، وتوضــح الدراســات أن هــذه الزيــادة يترتــب عليــه, فــي الناتــج قــد تصــل إلــى مســتوى 47 فــي المائــة مــن حجــم الناتــج المحلــي الإجمالــي للمنطقــة (2015 McKinsey). ومــع ذلــك يشــير الواقــع إلــى أنــه مــازال هنــاك فجــوات فــي مجــال العمــل بيــن المــرأة والرجــل فــيالــدول العربيــة ســواء كان ذلــك فــي مجــال العمــل مدفــوع الأجــر أو غيــر مدفــوع الأجــر، العمــل الرســمي أو غيــرالرســمي، العمــل فــي القطــاع الخــاص أو العــام، فــي الزراعــة أو فــي ريــادة الأعمــال

ففي المغرب حواليْ 12، 3 مليون امرأة تبلغُن سنّ العمل (15 سنة فما فوق)، أيْ بإضافَةِ 2، 5 مليون قياساً إلى سنة 2000، مُعْظمهنّ يَعشْنَ في المناطق الحَضَرية (60، 3 بالمائة)، وأكثر من نصفهنّ يعانينَ من الأميّة (52، 6 بالمائة) وأقلّ من الثلث (32، 9 بالمائة) يتوفّرْنَ على شهادة[26].

تتجلّى المُلاحظة الأولى والأكثر إثارة للقلق في هذا التقرير، في كوْنِ نسبة المُشاركة الاقتصادية للمرأة التي عرفتْ انخفاضا في السنوات الأخيرة. فلقد انتقلتْ نسبة النساء النشيطات من 28، 1 بالمائة في سنة 2000 إلى 25، 1 بالمائة في سنة 2013. وفي الوقت نفسه، ارتفَعَ عدد ربّات البيوت بصورةٍ أسْرع بين النساء البالغات سنّ العمل.

هذه الأرقام تنعكِسُ على التصْنيفات الدوليّة للمغرب، الذي يحتلّ المرتبة 133 من أصل 142 بلداً في التفاوت بين الجنسيْن، في سنة 2014، بينما كان يحتلّ المرتبة 129 في 2013، والمرتبة 127 في 2010. أمّا على صعيد المشاركة الاقتصاديّة للمرأة، فالمغرب يحتلّ المرتبة 135، برسم سنة 2014. كما يحتلُّ المرتبة 24 من أصل 30، فيما يتعلّق بسياساتِ وآلياتِ دَعْمِ ومُواكبة المقاولات النسائية ذات الإمكانات القويّة، علاوةً على تصنيفه ضمْن البلدانِ التي لها ثقافة محافظة من حيث قبول الدّور السوسيو- اقتصادي الذي تلعبُهُ النساءُ في المجتمع[27].

ويتفق العديدُ من المراقبين على أنّ النساءَ متمركزات في الأنشطة ذات المردودية والقيمة الضعيفة في سوق الشغل، وأنهن ضحايا التمييز على مستوى الأجور. أما اللّواتي تابعْنَ تعليمهنّ فهنَّ الأكثر عُرضة للبطالة. أضفْ إلى هذا أنّ المقاولات الخصوصيّة لا تحترمُ، في غالب الأحيان، الالتزامات الواردة في قانون الشغل. وتظلّ الوظيفة العموميّة غيْر مُؤنّثة بما يكفي على مستوى القيادة، كما يبْقى وصول النساءِ إلى مراكزِ اتّخاذ القرار محْدوداً جدًّا.

المرأة المغربية في العمل الوضع الحالي:
إن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمرأة العاملة لم تزدد إلا تدهورا في ظل الأوضاع العامة بالمغرب، فالرأسمالية أجهزت على المكاسب الاجتماعية للطبقة العاملة عموما وللمرأة العاملة بشكل خاص باعتبارها العنصر الأساسي المعتمد عليه للرفع من أرباحها منذ بداية تطبيق سياسة التقويم الهيكلي، مرورا بالعولمة اللبرالية المتوحشة وصولا إلى الأزمة المالية العالمية الحالية، مما يؤكد على ضرورة تغيير هذه الأوضاع بكل الوسائل الممكنة.

فإذا كانت الوضعية الاجتماعية للمرأة صعبة جدا داخل وسطنا التقليدي فان الأستاذ محمد القري اليوسفي يؤكد ان “التحاق المرأة وانخراطها في عالم الشغل وخاصة في الدول المتخلفة لم يقبل بسهولة كظاهرة مرافقة لتطور طبيعي للتشكيلة الاجتماعية لهذه الدول وفي الغالب كان هذا الالتحاق بصورة قسرية وغير متناغم مع التطور الثقافي لهذه المجتمعات”[28].

إلا انه مما يعمق الإشكالية ويعطيها بعدا خاصا هو ازدواجية المهام الملقاة على عاتق المرأة، فبالإضافة لكونها عاملة فهي الزوجة والأم وربة البيت، مسؤولة أمام المجتمع في تربية الأبناء وتنشئتهم ،الشيء الذي يُلقي على المشرع المغربي مسؤولية جسيمة في العمل على خلق وضعية تشريعية متميزة تمشي في إطار جعل التوازن حاصلا باستمرار المرأة في القيام بوظائفها البيولوجية والتربوية والاجتماعية وحماية حقها في الشغل.

إنه لمن مساوئ انكار هذا الدورالذي تُسهم به المراة العاملة في قيام الاسرة واستمرار المجتمع على المستوى الكمي ،دفعها للقيام بالاختيار لصالح التفرغ لمهامها كعاملة ورفضت الانخراط في الدور الاجتماعي ببقائها عازبة بدون البحث عن بيت الزوجية،فقد أصدر المشرع الفرنسي سنة 1940 قانونا يرمي الى تشجيع النساء على اختيار البقاء في منازلهن وترك العمل مقابل إعانات خاصة، نظرا لهذا العزوف الاسروي لصالح الشغل.

في هذا السياق الذي تفرضه سيكولوجية عمل المرأة لا يسع المشرع سوى الاخد بعين الاعتبار رغبة المجتمع في بقائه واستمراره بيولوجيا، لذلك فقد تضمنت المدونة الجديدة مواد قانونية لحماية المراة العاملة من فساد عقد عملها عند الوضع، هذا بالإضافة الى تمتعها بامتياز قانوني يخول لها الحصول الأوتوماتيكي على نفقتها ونفقة أولادها من اجرة مطلقها، كما :” أن المرأة المتزوجة –بحكم ظروفها الخاصة –أكثر تغيبا من زميلتها التي لم تتزوج.ومن أجل ذلك ينبغي توافر إمكانيات مختلفة مثل إجازات الوضع ودور الحضانة وإعطاء المرأة فرصة ترك العمل ثم العودة إليه مرة أخرى متى كبر الأطفال.”[29]

فمدونة الشغل أعطت حماية لمطلقة الأجير من خلال النفقة، وقد أولت المدونة عناية خاصة بالمرأة في شخص زوجة الأجير المطلقة والتي تتمتع بالنفقة انطلاقا من حكم صادر حيث جعلتها تحضى بالحماية القانونية يقول ذ.محمد الشرقاني ” لذلك قررت المدونة استثناء على القاعدة السابقة للحجز الجزئي يتعلق بالزوجة الدائنة لزوجها الاجير سواء بنفقتها أو نفقة أبنائها أو هما معا حيث يجب اقتطاع المبلغ (موضوع الدين )بكامله كل شهر اذا كانت النفقة واجبة الاداء شهريا ، بل ويحجز القسط الشهري حتى من الجزء غير القابل للحجز”[30]، ان حماية أسرة الاجير شكلت نقلة نوعية في الاهتمام بالمرأة المادة 390 تقول”اذا كانت النفقة المستحقة للزوجة طبقا لمدونة الاحوال الشخصية واجبة الاداء شهريا، لزم اقتطاع مبلغها بأكمله، كل شهر، من حصة الأجر التي لا يمكن حجزها، سواء سددت هذه النفقة عن طريق حجز ما للمدين لدى الغير، أو عن طريق حوالة الاجر”.

أما أثناء الحمل، فقد حمى المشرع المرأة العاملة الحامل من الطرد التعسفي بسبب حملها عبرنصوص قانونية منها المادة 159 التي تقول ” لا يمكن للمشغل إنهاء عقد شغل الاجيرة ، التي ثبت حملها بشهادة طبية، سواء أثناء الحمل، أو بعد الوضع بأربعة عشر أسبوعا. كما لا يمكن انهاء عقد شغل الاجيرة ،أثناء فترة توقفها عن الشغل بسبب نشوء حالة مرضية عن الحمل أو النفاس ،مثبتة بشهادة طبية”.

لقد تحدث المشرع عن المغادرة الطوعية للاجيرة الحامل وتبرئة ذمتها من اذائها التعويض عن انهاء عقد الشغل عبر ثلات مواد متتالية، المادة 156 يقول “يحق للام الاجيرة ، الا تستأنف شغلها بعد مضي سبعة أسابيع على الوضع ” والمادة 157 التي جاء فيها “يمكن للام الاجيرة ، العدول عن استأناف شغلها،” وبالمادة 158 كذلك ” يمكن للاجيرة الحامل، اذا أثبتت حملها بشهادة طبية ، أن تترك شغلها دون إخطار..”.

إن هذه المواد لا تشعر بحرج دفع الاجيرة الى انهاء عقد الشغل بسبب الحمل وكأن الحمل والامومة والشغل لا يتعايشون داخل المقاولة، ومن هنا تتبين ذكورية المنطلقات والتصورات التي حكمت البناء المفهومي للمدونة، وتظهرالتدابير التي اتخدت بهذه المواد كتدابير تمييزية تتعامل بشكل مختلف مع الرجل، وقد تحدد هذه المواد مجتمعة عمق التوجه الذكوري للتشريع وخاصة التنصيص الاشعوري بدونية المراة العاملة ، والتقديس المجتمعي والميثولوجي لدروها الامومي على أهميتها الاقتصادية والانتاجية، مع تحديد فضائها الحقيقي (البيت) كتصور وحيد للمشرع الذي يكاد يصرخ من خلال مدونة الاحوال الشخصية السابقة باعلان القوامة الرجالية.

وخلال الوضع، أو مبدا توفير الحماية للأمومة، فقد تطرقت له الاتفاقية المراجعة لمنظمة العمل الدولية رقم 103 والتوصية رقم 95، والتي تنص على مجموعة من التدابير لحماية المراة العاملة قبل وبعد الولادة وخاصة حماية حقها في الشغل، كما التزمت كل الاتفاقيات الدولية بتقييد وحضر تشغيل النساء خاصة في فترات الحمل والوضع والرضاغة ،كما نصت مدونة الشغل على اعتبار وضع المراة الصحي والاجتماعي بالمادة 152، على مدة اجازة الوضع المحددة في اربعة عشر أسبوعا مع ترك الباب مفتوحا للاستثناءات الافيد في هذا الباب تقول ” تتمتع الاجيرة، التي ثبت حملها بشهادة طبية، باجازة ولادة مدتها أربعة عشر أسبوعا، ما لم تكن هناك مقتضيات أفيد في عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي “.

وقد حلل ذ. القري اليوسفي المادة 154 فوجدها لاتؤدي الا الى معنى يحقق إمكانية تشغيل المرأة ان رغبت في ذلك- خلال ستة أسابيع السابقة على الوضع ،تقول هذه المادة ” حق للمرأة الأجيرة ، ان توقف سريان عقد الشغل فترة تبتدئ قبل تاريخ توقع الوضع بسبعة أسابيع وتنتهي بعد تاريخ الوضع بسبعة أسابيع. “كما كان تساؤله مملوءا بالاستفهام القانوني المتجدر حيث قال متسائلا ” فهل يسمح ذلك بالقول بأن صحة المرأة قبل الوضع أكثر قدرة على تحمل العمل وبالتالي بإمكانها الاشتغال إلى آخر ساعة تضع فيها حملها ؟.”[31].

إن حق الأجيرة ورغبتها في مواصلة عملها قبل الوضع دون وعيها للمخاطر المحدقة بصحتها وبصحة جنينها ، وسعيا منها ” للحصول على ما قد يوفر لها موارد إضافية لمواجهة التكاليف الطبية والاجتماعية للولادة في غياب التغطية الكاملة “[32] يستدعي ضرورة المراجعة النصية على فترة توقف إجبارية قُبيل الوضع حماية لصحة المرأة وسلامة وصحة المولود المرتقب، وهذا ما لم تستجيب له المدونة الجديدة بشكل قطعي إجباري ، غير ان المدونة وضعت المادة 154 لتحقيق هذا التوقف الاختياري في حدود النص الذي يقول ” حق المرأة الأجيرة ، أن توقف سريان عقد الشغل فترة تبتدئ قبل تاريخ توقع الوضع بسبعة أسابيع ، وتنتهي بعد تاريخ الوضع بسبعة أسابيع”.

أما في شق حماية النساء من التشغيل الليلي، فمنذ تأسيسها أصدرت منظمة العمل الدولية الاتفاقية رقم 4 سنة (1919) حول التشغيل الليلي للنساء حيث عملت على تحريمه كما صادق المغرب بالاضافة الى اتفاقية رقم4، على اتفاقية رقم 41 المعدلة لها، هذه الاتفاقية المتضمنة لاستثناءات خاصة .

لقد تخلت و تراجعت المدونة عن صيغة منع تشغيل النساء في أي شغل ليلي التي جاء بها المشروع نحو اقرار قاعدة الإمكان حيث تقول المادة172 ،” يمكن تشغيل النساء ، مع الاخذ بعين الاعتبار وضعهن الصحي والاجتماعي ،في أي شغل ليلي ” .إذ اكتفت احكام المدونة باحترام تدابير شروط الصحة والسلامة بالنسبة لتشغيل النساء ليلا . كما حددت نفس المادة الشغل الليلي في :- النشاطات غير الفلاحية “كل شغل يؤدى فيما بين الساعة التاسعة ليلا والسادسة صباحا”.- النشاطات الفلاحية “كل شغل يؤدى فيما بين الساعة الثامنة ليلا والخامسة صباحا”.” لكن التساؤل يبقى معلقا بحدود الاستثناءات التي ستحدد بنص تنظيمي ، هل ستبقى محصورة في بعض المهن والقطاعات التي تستوجب طبيعتها اباحة الشغل الليلي للعاملات؟”[33].

يبقى أن مراعاة الاستثناءات بعد الاستشارة المهنية والنقابية ستعزز رفض العاملات للشغل الليلي والمتزوجات على الخصوص لما يقوم به الازواج من رد فعل للاهمال الذي سوف تتعرض له الاسرة من جهة وللاخطار المحدقة بها كأنثى ما بين منزلها ومقر عملها الشيء الذي يستوجب تأمين تنقيلها خاصة وان الفترة ما بين 9 ليلا و6 صباحا هي فترة تتدهور فيها الاخلاق بشوارعنا قد يشكل تواجد العاملة بإحدى الازقة أو الشوارع موضوعا للتحرش الجنسي يجعل فضاء الليل مفتوحا على كل أشكال العنف المحتملة .ان النص التنظيمي المشار إليه في المادة 172، قد أصبح لاغيا استجابة لنشاط المقاولة المتواصل أو الموسمي ، فالمادة 173 ، التي تقول:” لا تسري أحكام الفقرتين الاولى والثالثة من المادة 172 على المؤسسات التي تحتم الضرورة أن يكون النشاط فيها متواصلا أو موسميا ،

أو أن يكون الشغل فيها منصبا على استعمال مواد أولية ، أو مواد في طور الإعداد ، أو على استخدام محاصيل فلاحية سريعة التلف.” تعلن صراحة بعدم سريان أحكام الفقرتين من المادة السابقة على هذه المؤسسات مما يجعل المدونة تعطي بيد من فضة وتأخد بيد من حديد، خاصة إعطاء صلاحيات الخرق القانوني فيما يتعلق بتشغيل الأجيرات دون سن السادسة عشر وخاصة استغلال تلك الفئة العمرية في تكسير الاضراب المغلف داخل المدونة بصيغ تمويهية كما جاء في المادة 175″ يمكن للمشغل ، في حالة بطالة ناتجة عن قوة قاهرة أو توقف عارض، لايكتسي طابعا دوريا…” وكما جاء كذلك في المادة 176 “يمكن للمشغل ، أن يخالف مؤقتا…..عندما يقتضي الامر اتقاء حوادث وشيكة الوقوع، …” إن تقنين الخرق فيما يخص تشغيل الاحداث دون 16 سنة يعتبر آلة من آليات تكسير الاضراب تضعه المدونة بيد المشغل وبالتالي تكون قد أجهزت على المكتسبات التي تحققت في اطار المشروعية النقابية.

وقد جاءت خلاصة الاستاذ القري ذات دلالة من حيث أن الاستثناء سيصبح هو القاعدة في هذا الباب يقول: “وهكذا يبدو أن إمكانيات الخروج على مبدأ تحريم التشغيل الليلي للعاملات واسعة في إطار المشروع وستزداد توسعا بمقتضى النص التنظيمي الموعود به.ويتعزز هذا التوسع بضعف العقوبات المقررة لمخالفة هذا التحريم إذ لاتتجاوز هذه العقوبة غرامة تتراوح بين 100 و200 درهما “[34].

في الأخير، وجب العمل على تقوية دور المرأة داخل مجتمعنا، وذلك عبر وضع تدابير ميدانية تعمل على تقليص تكاليف تدبير المشاريع و المساهمة في تخفيض نسب فائدة القروضَ لفائدة النساء، وخاصة في المناطق النائية، وكذا تعميمالصغيرة، وتعزيز قدرات طالبي القروض من خال َ ل التكوين والمواكبّ المعطيات المتعلقة بهذا الموضوع في التقارير الخاصة بنشاط هذه المؤسسات. وإحداث منظومة قروض الربط relais crédits لتشجيع االنتقال من قروض صغيرة إلى قروض أعلى، في إطارّ أنظمة بنكية لفائدة النساء والرجال على السواء.ْ

إنصاف في الولوج إلى جانب إعطاء الأولوية للقروض التي تطلبها النساء في المناطق النائية، اللواتي يعانين من عدم الوصول إلى التمويل. وتعميم المعطيات المتعلقة بمنح القروض بحسب النوع الاجتماعي في الانظمة البنكية. تعزيز التجارب الناجحة في هذا المجال عن طريق اتخاذ إجراءات تحفيزية جوائز، مسابقات وطنية، برامج تلفزيونية، وإنجاز دراسة معمقة حول ولوج النساء إلى المقاولة، وتطوره في مختلف البرامج التي أعدتها الدولة، والمتعلقةْ بتأهيل التشغيل إدماج، تأهيل، مقاولتي، وفي جميع البرامج القطاعية الحكومية، ورسملة النجاحات التي حققتهاْ هذه البرامج، من أجل تعزيز تطورها.

[1]– القرآن الكريم سورة النساء الأية 1.

[2] – القرآن الكريم سورة الحجرات الأية 13.

[3] – القرار رقم 54 / 34 في 17 / كانون الأول – ديسمبر / 1999

[4] – حسين درويش العادلي، العنف ضد المرأة الأسباب والنتائج، منشور على الموقع www.annabaa.org.

[5]– تقرير الأمين العام- الجمعية العامة–الأمم المتحدة– دراسة متعمقة بشأن جميع أشكال العنف ضد المرأةA/61/122/Add .1- 6 July 2006- P. 18

[6] – ينظر فيما تقدم : تقرير الأمين العام – المصدر السابق – ص 18 وما بعدها.

[7] – اعتمدته 189 دولة – المغرب من ضمنها – في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في 1995.

[8] – هيفاء أبو غزالة، تقرير حول العنف ضد المرأة – المجلس الوطني لشؤون الأسرة، ص 6.

[9] – د.فائزة باباخان، الوضع القانوني لحقوق المرأة في التشريعاتظ، دراسة مقارنة – دار الرواد المزدهرة للطباعة والنشر – سنة 2009، ص 33.

[10] – لمزيد من التفاصيل ينظر: فائزة باباخان – الوضع القانوني لحقوق المرأة في التشريعات، مصدر سابق، ص 34 وما بعدها.

[11] – الصيغة الفرنسية الرسمية لدستور 2011، متوفر على الموقع الالكتروني:

http://www.sgg.gov.ma/constitution_2011_Fr.pdf (تمت آخر زيارة يوم 12 أكتوبر 2011)

[12] – انظر المرجع السابق.

[13] – القانون الجنائي المغربي، المواد 404 و 414، انظر إلى رد الحكومة على قائمة القضايا للجنة المكلفة بالنظر إلى التقارير الدورية، الفقرة 72، انظر أيضا إلى Freedom House التقارير الخاصة على الموقع الالكتروني:

http://www.freedomhouse.org/template.cfm?page=178

[14] – مدونة الأسرة المغربية، الكتاب 1، العنوان 2، الباب I، المادة 19.

[15] – مدونة الأسرة المغربية، الكتاب 2: المواد 97-94.

[16] – مدونة الأسرة المغربية، الكتاب 2: المادة 98.

[17] – إدريس الفاخوري –قيم حقوق الإنسان من خلال مشروع مدونة الأسرة- محاضرة ألقيت يوم الجمعة 9 يناير 2004 بمقر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين للجهة الشرقية بوجدة- ص: 9.

[18] – عبد الخالق أحمدون الزواج والطلاق في مدونة الأسرة، دراسة مقارنة مع أحكام الفقه الإسلامي وقوانين دول المغرب العربي والاتفاقيات الدولية، مطبعة طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى 2006، ، ص: 423.

[19] – دامية بن خويا، واقع المشاركة السياسية للمرأة المغربية في المشاركة السياسية للمرأة العربية… تحديات أمـام التكـريس الفعلي للمواطنة، دراسات ميدانية في أحد عشر بلدا عربيا، تونس، المعهد العربي لحقوق الإنسان، 2004، 432.

[20] – دامية بن خويا، مرجع سابق، ص 440.

[21] – أنس سعدون، وضعية المرأة المغربية على ضوء منهاج عمل بيجين، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، السنة الجامعية: 2016-2017.

[22]– دامية بن خويا، مرجع سابق، ص 440.

[23]– دامية بن خويا، نفس المرجع، ص 441.

[24] – جامية بن خويا، مرجع سابق، ص 446.

[25]– دراسة حول تمثيلية النساء في الانتخابات الجماعية لـ 12 يونيو 2009 ،” حركة لكّل الديمقراطيين، الربـاط، ( 19 يونيـو 2009)، ص 03.

[26] – تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، النهوض بالمساواة بين النساء والرجال في الحياة الاقتصاديةوالاجتماعية والثقافية والسياسية، أشكال التمييز ضد النساء في الحياة الاقتصادية: حقائق وتوصيات، سنة 2014، ص 7. منشور بالموقع الرسمي للمجلس: http://www.ces.ma

[27] – تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مرجع سابق، ص 7.

[28] – محمد القري اليوسفي، ذ.محمد الشرقاني، ذ.عبد العزيز العتيقي، دراسة تحليلية نقدية لمدونة الشغل المرتقبة (مشروع 1998)،مطبعة دار الجسور، وجدة الطبعة الاولى 1999،ص 109.

[29] – كاميليا ابراهيم عبد الفتاح، سيكولوجية المرأة العاملة، دار النهضة العربية، بيروت 1974، ص 80.

[30] – محمد الشرقاني ،”علاقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل” ، ص 249-250.

[31] – محمد الشرقاني، مرجع سابق، ص 124.

[32] – محمد الشرقاني، نفس المرجع، ص 124.

[33] – دراسة تحليلية نقدية لمدونة الشغل المرتقبة، مشروع 1998، ص:120.

[34] – دراسة تحليلية نقدية لمدونة الشغل المرتقبة، نفس المرجع، ص 121، 122.

المرأة بالمغرب “دراسة قانونية مقارنة”

نورة البوهالي

باحثة بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –سلا-

فقط ضع ايميلك هنــا وإنضـــم لعشرات الآلاف من المتابع

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.