كتابات و مقالات – السودان

مقال قانوني عن سمات تنظيم العدالة الجنائية في السبعينات

الدكتور محمد إبراهيم زيد *·

في هذا الوقت بالذات ما تزال هناك أصوات تنادي بالتعديلات الجزئية في مجال تنظيم العدالة الجنائية ، فتدعو لابقاء أو إلغاء مستشار الإحالة وتنسي بل لا تتناسي أن العدالة لن تتحقق بدون تغيير جذري شمولي للنظام الإجرائي التقليدي للدعوة الجنائية . ومن العجيب أن يتكلم البعض عن مسح فكرة الإجرائي التقليدي للدعوة الجنائية . ومن العجيب أن يتكلم البعض عن مسح فكرة الخصومة الجنائية ولا يحدد لنا بصورة علمية واضحة ماهي الخصومة ، وماهي أهدافها وما هو دور الدولة فيها ومامدي رقابة الشعب عليها ، وماهي درجة مساهمة المواطنين في إدارتها أن العدالة الجنائية لا تقتصر علي ابقاء أو إلغاء مستشار الإحالة . أن العدالة الجنائية لا تقف عند حد مرحلة التحقيق والضوابط القضائية لها ، أن العدالة الجنائية لا ينبغي أن تكون عدالة تقليدية ، بل هي عدالة اجتماعية تضع في الاعتبار التطورات الحديثة والحاجات الإقليمية في إطار قانوني ذي أهداف وغاية .

 
وقد كان من الصعب علي الفقهاء التقليديين أن يتقبلوا مثل هذا التطور الطبيعي ، ذلك لأنهم حددوا نطاق تحاليلهم بحيث بدت مجردة عن واقع تدور في نطاقه فكرة العدالة الجنائية . أن دور القانون في نظر هؤلاء هو القضاء علي الجريمة عن طريق تطبيق عقوبة رادعة زاجرة تحقق الردع العام والردع الخاص . وعلي هذا الأساس يكون الإطار الإجرائي للدعوى الجنائية الذي يعمل علي تحقيق غايات القانوني الموضوعي . ولذلك جاءت هذه العبارات الخالية المضمون أفلاطونية التفكير . يقولون : ( يجب علي الدولة في علاقاتها مع منتهك القاعدة القانونية أن تطبق عن طريق القاضي شق الجزاء ). والي هنا يقف تفكير المشرع والقاضي بل والجاني ، ويتصور الجميع أن الظاهرة الإجرامية قد تم القضاء عليها وان المجتمع ككل قد حقق النجاح في الضرب علي أيدي الجناة ،وان الجاني قد تم زجره ولن يرتكب السلوك غير الاجتماعي في المستقبل . وكان الواقع علي طول الزمن يناقض ذلك التفكير كله ، ودليلنا علي ذلك الزيادة المطردة في الظاهرة الإجرامية وبصفة خاصة نسبة العود في المجتمع .
ولقد كان لتطور النظم القانونية في مجال العقوبات أثر في ظهور عيد من المشاكل في رحاب تطبيق العدالة الجنائية سواء بالنسبة للمراحل السابقة علي الحكم أو لمرحلة الحكم واخيراً بالنسبة لمرحلة التنفيذ العقابي ، وكان هناك مظهر تشريعي لهذه المشاكل يبدو واضحاً في التعديلات المستمرة الكلية والجزئية لتقنين الإجراءات الجنائية في الدول المختلفة . وكان كل تعديل يراد به توفير ضمانات الدفاع عن المتهم ، وحماية المواطنين وإزالة العيوب الجوهرية في مسار الدعوة الجنائية ، وتوفير الضمانات المرتبطة بحقوق الإنسان في الدعوى وبصفة خاصة خلال المراحل السابقة علي الحكم (1)[1] ولقد كانت العدالة الجنائية في الماضي تدور حول محورين :
الجريمة والعقوبة ، أما اليوم فأنها تتبلور حول ثلاثة : الجريمة والجاني والمعاملة . وكان للدولة دور في هذا المجال فأذا ما انصب اهتمام الدولة علي الجريمة وقرر المشرع العقوبة علي أساس تحديد للمسؤولية وعلاقة السببية والأهلية الجنائية فان العدالة هنا تكون عدالة تقليدية . أما إذا وضع المشرع في اعتباره دراسة شخصية الجاني مع تفريد المعاملة تبعاً لحاجته فان هذه العدالة  إذن هي  عدالة اجتماعية . وبمعني أخر يجب علي الدولة في تحقيقها للعدالة الجنائية إصلاح حال المتهم واقلمته علي الحياة الاجتماعية بدلاً من معاقبته وزجره وردعه . والهدف الأساسي هنا هو التوفيق بين مقتضيات العدالة الواقعة التي يمثلها سد حاجات الجاني وتحقيق الدفاع عن المجتمع . أن الركيزة الأساسية التي تدور حولها الدعوى الجنائية بمعناها الحديث هو تحديد مسؤولية الجاني ودراسة شخصيته . ومن هنا ظهرت الدعوة إلي التغيير الجوهري لشكل الدعوى الجنائية، فبدلاً من أن تكون مركزة في مرحلة واحدة اصبح لها مرحلتين وبمعني آخر اتباع نظام التقسيم الثنائي للدعوى الجنائية . أن الانتقاء في نظام الاختبار الفضائي ، والإشراف في نظام البارول ، وضرورات المعاملة في العقوبة غير محددة المدة كل ذلك يتطلب دراسة لشخصية الجاني وتوجب هذه الدراسة ملاحظة للجاني سابقة علي اختيار المعاملة الاجتماعية والإنسانية ، ومتابعة دائمة للجاني خلال خضوعه للمعاملة الاجتماعية ، ومرونة في تطبيق هذه المعاملة بحيث يمكن تغييرها واستبدالها وتعديلها واعادة النظر فيها علي ضوء الظروف التي تقابل عملية إعادة الأقلمة علي الحياة الاجتماعية . ومن هنا ظهرت ضرورات التقسيم الثنائي للدعوى الجنائية، أي تقسيم الدعوى إلي مرحلتين : الأولى لتحديد الأذناب والثانية لتقرير المعاملة الاجتماعية الواجبة (1)[2]
ولايعد هذا الاتجاه جديداً بل كان تطوراً للأطر الإجرائية الجنائية بعد الحرب العالمية الثانية وهو مابدأ واضحاً من مؤتمر سان مارتن 1950، والحلقة الدراسية التي عقدت في لندن عام 1952، ومؤتمر انفرس 1954، ومؤتمر سيراكوزا 1969 ومؤتمر روما 1969، وحلقة تنظيم العدالة الجنائية التي نظمها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عام 1969، والحلقة العربية الثانية للدفاع الاجتماعي 1970.
وكان من أهم الأسباب التي دعت إلي الآخذ بهذا النظام هو أن التقسيم الثنائي فائدة في نطاق التطور الحديث لمعني العقوبة والتدبير الاجتماعي ، وان التشريعات الحديثة تبتعد اليوم عن التطبيق الآلي للنصوص القانونية والنطق بالحكم علي قرار الأساليب التقليدية . لقد سار الفقه والقضاء في الماضي علي أن الأذناب شرط العقوبة ، وان علي القاضي أن يستشير النص القانوني فور ذلك النطق بالحكم . ولكن مبدأ تفريد المعاملة أدي إلي عدم اتباع الآلية في إصدار الأحكام . أن المعاملة الحديثة تعمل علي تصفية الحالة الخطرة التي لا علاقة لها بالإسناد بمعناه التقليدي أو بمادية الأفعال المرتكبة . ولا ادري كيف يري البعض إلي أن مثل تلك النظام غير مقبول علي إطلاقه وغير لازم ، وان الدول التي أخذت به يستحسن أن تتركه ، وانه يجب أن لاتهجر تقاليدنا الإجرائية المستقلة إلا إذا كانت ثمة فائدة موجودة .لقد كان من الأولى علي هذا الفريق أن يقول ما هو واقعنا اليوم لا تقاليد ألامس وان يظهر لنا عيوب هذا التطور لا أن يدعو الدول لهجرة . ماهي الدراسات العلمية التي قام بها هؤلاء حتى يرتكزوا عليها ويطلقوا مثل هذه الأحكام ؟ ماهي الأسانيد الواقعية التي تدل علي أن تقاليدنا الإجرائية مستقرة؟ أين هي دراسة الشخصية في واقع محاكمنا الجنائية اليوم ؟ أين هو تفريد المعاملة القضائية والتنفيذية الحائر بين المحاكم والمؤسسات العقابية ؟
يقولون أن فحص الشخصية يمكن أن يجري في نفس الوقت مع بحث الوقائع ، وان الجريمة ليست امراً نفسياً بحتاً فهناك أيضا الخطيئة أو الآثم وهي كلها أمور لا يمكن تجزئتها علي أساس بحث الوقائع في مرحلة وبحث الجوانب المعنوية في مرحلة أخري . وهذا القول فيه مغالطة واضحة .أن دراسة الشخصية مسالة علمية للبحث عن أسباب السلوك الاجتماعي وتحديد المعاملة المناسبة، أما إسناد السلوك وتحديد العلاقة بين النتيجة والسلوك فمسالة قانونية تحكمها نصوص لنسب الجريمة إلي مرتكب آثم خاطئ. وقد نتفق علي أن الجريمة ليست نتاجاً لحالة نفسية بحت بل هي جماع لتفاعل بيولوجي نفسي اجتماعي ، ولكن أين دور الأثم والخطأ في مثل هذا التفاعل. أن مشكلات العدالة الجنائية لا تقتصر عالي مستشار الإحالة بل تحيط بمراحل الدعوى الثلاثة : المراحل السابقة علي المحاكمة – مرحلة المحاكمة – مرحلة التنفيذ .
وما من شك في أن من أهم المراحل الأولى مرحلة القبض والتحقيق وما يتم فيها من إجراءات وتدابير تقيد من حرية الحركة بالنسبة للمتهمين والمشتبه في أمرهم . وهاتان المرحلتان هما في الواقع من اخطر المراحل  حيث تجد التنظيمات القانونية صعوبة لاحد لها في تنظيم عمليات الاستيقاف والقبض والتفتيش والتحقيق ، ومايلي ذلك من إجراءات من  كالحبس الاحتياطي والافراج  بكفالة . وهنا تبدو مشكلة النظام الإجرائي الذي يتبعه المشرع عند تنظيمه لمرحلة التحقيق وتوفير الضمانات القانونية والقضائية والشعبية بحيث تتوفر الرقابة والاشراف . وفي هذا الشأن يتكلمون عن دور المفوض البرلماني ombudsman ومدي اتصاله بمسالة الاشراف والرقابة تجاه الافعال التي ترتكبها الأدارة والقضاء وتعد قيداً علي حرية المواطن .
ولقد تبين لنا في دراسة الواقع في عمليات القبض في جمهورية مصر العربية أن 66% من حالات القبض التي تمت بواسطة الشرطة قد أطلق سراح المقبوض عليهم بعد اصطحابهم إلي  قسم الشرطة . لو ان النيابة العامة أمرت بحبس 31% من حالات القبض حبساً احتياطياً وطلقت سراح 69% التي تمثل الباقي سواء بكفالة أو بدون كفالة أو بدون ضمان أو بضمان شخص . وقد تم سؤال اعضاء النيابة العامة السؤال التالي : هل تعتقد أن احوال القبض التي تعرض عليك تكون سليمة في تقريرها في غالبية الاحوال ؟ وكانت الاجابات نعم 72% ،لا 73%(1).[3]
أما مشاكل المحكمة فترتبط بتنظيم المشرع لكل من نوعية المحاكمة ،هدف المحاكمة ،اصدار الحكم . يثور بالنسبة لنوعية المحاكمة موضوع مساهمة المواطنين في تنظيم العدالة الجنائية وهو النظام المعروف بأسم (نظام المحلفين )في الدول الغربية ، و(قضاة الشعب في الدول الاشتراكية ) ولقد كانت هناك دعوات لدراسة هذا النظام ومعرفة مدي تطبيقه في واقع حياتنا العربية ، ولكن ذهبت هذه الصيحات في غمار الفنية القانونية والشرح علي المتون . وبالنسبة لهدف المحاكمة فان العدالة ليس لها مطمع سوى إعادة إدماج الجاني في الحياة الاجتماعية ، وعلي هذا يجب أن تهدف المحاكمة إلي معرفة الجاني . وتتم هذه المعرفة عن طريق دراسة الشخصية بالطرق العلمية . ومن هنا تظهر أهمية (دوسيه الشخصية ) الذي يعد إجراء جوهرياً في الدعوى الجنائية بمعناها الحديث  أما إصدار الحكم فقد اصبح علي القاضي أن يبحث عن صياغة مرضية للحكم بحيث تتفق مع متطلبات وحاجات شخصية الجاني .
وينتهي بنا المطاف إلي مرحلة التنفيذ العقابي والتي تعد أهم مرحلة تعمل علي تدعيم أهداف الدفاع عن المجتمع ، ورقابة من يخضع إلي المعاملة والأشراف عليه للتحقيق من إصلاحه واعادة إدماجه في الحياة الاجتماعية . وهنا تبدو مشكلتين أساسيتين : شكل الجهاز الذي يقرر له حق الأشراف علي عملية التنفيذ (قاضي الإشراف علي التنفيذ ) ، والضمانات التي تقرر للفرد خلال هذه المرحلة (قواعد الحد الأدنى لمعاملة المذنبين ).(1)[4]
هذه قلة من المشاكل التي تقابل تنظيم العدالة الجنائية ، والتي لن تحل عن طريق دعوات جزئية للإصلاح أو تقديم مشروعات لقوانين لا تختلف في صورتها عن تلك التي تبين انها عاجزة عن السير مع التقدم العلمي والفقهي . أن الدراسة العلمية المقارنة يجب أن تكون ركيزة المشرع في تخطيطه لاهداف وغايات الأطر القانونية الإجرائية للمجتمع ولن تكون لهذه الدراسة  العلمية قيمة إلا عن طريق التحام المشرع العربي بها . وإذا ما استعرضنا تيارات الإصلاح في السبعينات نجد انها شملت الغالبية سواء بالنسبة للقانون الموضوعي أو القانون الإجرائي . وهناك ملاحظة عامة علي هذا التيار انه قد أصبح لأول مرة ينظر إلي تنظيم العدالة الجنائية بجناحيها الموضوعي والإجرائي حيث فشلت عملية الفصل التحكيمي بين الموضوع والشكل في السياسة الجنائية الحديثة . لقد أظهرت النظم الإجرائية المعمول بها فشلاً واضحاً في الوصول إلي الحقيقة ، واصبحت هذه النظم في حالة عسر دائم ، تسير بالدفع الذاتي ويحيط بها عدداً من العقبات والصعاب . أن الوصول إلي الحقيقة قد اصبح اليوم مشكلة في أي نظام إجرائي ، وأمست معاملة الجاني تعاني  كذلك من نقص في الخبرات والأدوات بل ومن النظريات أيضاً . وتحسس سمات تنظيم العدالة في السبعينات يتطلب منا اتباع منهج عام قوامه تحديد اتجاهات تنظيم العدالة في القانون المقارن ، ثم مواجهة ومقارنة هذه الاتجاهات بالمعايير الدولية التي تنادي بها المؤسسات والهيئات الدولية لحماية المتهم وتوفير محاكمة عادلة له .
1- اتجاهات تنظيم العدالة الجنائية في القانون المقارن 
لم تكن دراسات تنظيم العدالة الجنائية تعتمد في أول الأمر إلا علي منهج الملاحظة الشخصية المبني علي الاستنباط والتحليل .وما تزال هذه الدراسات حتى اليوم قائمة وخاصة بين فقهاء التشريعات التي تتبع النمط اللاتيني . وكان هنري ويجمور أول الداعين في عام 1909 إلي تغير هذه المنهج في مؤتمر قانون العقوبات وعلم الإجرام بجامعة نورث وست بشيكاغو وجاءت الحرب العالمية الثانية ألقت الضوء الساطع علي دراسات تنظيم العدالة الجنائية التي تتبع منهج علم الاجتماع القانوني في التحليل واللإستنتاج والتقييم وهو ما تأكد بصورة خاصة علي التنظيم  والتطبيق العلمي لوقائع القبض . ولقد كان هذا التحول منطلقاً للغضب الشعبي وعدم الرضاء بعجلة العدالة الجنائية وإذا ما حاولنا تحليل عدم الرضاء الشعبي في ذلك الوقت نجد انه مرتبط بالعوامل التالية (1).
(أ‌)  التطبيق الآلي للقواعد والقوانين التي تحكم  تنظيم العدالة الجنائية .
(ب‌)                        الاختلاف في معدل التطور بين القانون والرأي العام .
(ت‌)        الافتراض السائد بأن تنظيم العدالة مهمة سهلة يستطيع غير المتخصص القيام بها .
(ث‌)        الارتباط الشديد بين إدارة تنظيم العدالة والسياسة .
(ج‌)الرغبة الزائدة في الانتقام عند اقتراف  الجاني للسلوك الإجرامي وضرورة تعبير القانون عن هذه الرغبة.
واهتمت الجامعات والمراكز العلمية بهذا النوع الجديد من الدراسات بل وظهرت عدة معاهد متخصصة في هذا المجال (2) وبدأت أوربا بالاهتمام بدراسة تنظيم العدالة حيث ظهرت عدة دراسات منها دراسة ريجلنسون بهولندا عن قياس اتجاه النزلاء تجاه تنظيم العدالة الجنائية . ودراسة هنري بيسوتيه عن التنظيم الإجرائي لمحاكم الأحداث ، ودراسة المعهد الفيدرالي للجريمة بألمانيا عن طريق المستخدمة في الكشف عن الجريمة  ،ودراسة كلاى ليتهنر عن دور النيابة العامة في السويد ،ودراسة ليفاسير عن قياس اتجاهات المواطنين تجاه العدالة الجنائية في فرنسا .
وواكبت جمهورية مصر العربية هذا التطور العلمي في دراسات تنظيم العدالة الجنائية ،ولم يكن اهتمام مشروع قواعد الحد الأدنى لتنظيم العدالة الجنائية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عارضاَ . وقد قام المشرع بنشر ثلاثة دراسات في معايير القبض : دراسة المساواة في تنظيم العدالة القضائية ودراسة دور القاضي في تنفيذ الجزاء الجنائي .
     ويقوم المشروع حالياً بالانتهاء من دراسة مساهمة المواطنين في تنظيم العدالة
الجنائية : نظام المحلفين وقضاة الشعب ، ودراسة الإشراف القضائي علي التحقيق (دراسة ميدانية )وكان لهذه  الدراسات جميعها تأثير علي المشرع وسياسته تجاه تنظيم العدالة وخاصة في مشروعات القوانين المطروحة حالياً علي بساط البحث والمناقشة . وقد يكون من المفيد اختيار مجموعة منتقاة من المشروعات الجديدة لتحديد الاتجاهات الحديثة بها . وفي هذا الشأن سنتعرض لمشروع تقنين الإجراءات الجنائية في إيطاليا (مشروع مانيلوتي) علي أساس انه يمثل المدرسة الوضعية وتطورها ، ومشروع تقنين المراحل السابقة علي المحاكمة الذي قدمه معهد القانون الأمريكي لكي يكون نواة لآي تشريع في الولايات المتحدة الأمريكية ، ومشروع تقنين الإجراءات الجنائية في جمهورية مصر العربية (مشروع حافظ سابق ).
(أ‌)  مشروع الإجراءات الإيطالي
          (مشروع كارنيلوتي)
عهد إلي كارنيلوتي بصياغة تقنين الإجراءات الجنائية الإيطالي الجديد وذلك بعد أن شعر الفقه والقضاء بأن تنظيم العدالة الجنائية في حاجة إلي التعديل بعد تغيير المبادئ والغايات في الثلاثين سنة الأخيرة . ولقد تمثل هذا الانطباع في المؤتمرات المحلية التي عقدت في إيطاليا ابتداء من مؤتمر مركز الثقافة والحضارة تحت عنوان (مشاكل تعديل الدعوى الجنائية فينسيا 1961ومؤتمر انريكودي نيكولا (المعايير الموجهة لتعديل الدعوى الجنائية ) ليتشي 1964 إلي المؤتمر القومي السابع لقانون العقوبات السابع لقانون العقوبات ((في خطوط إصلاح مرحلة التحقيق الجنائي )) كانتزارو1965. ولقد ظهر من هذه المؤتمرات بصورة  واضحة في العدالة الجنائية مازالت في حاجة  إلي نظام  Ordineمحدد حديث (1).وكان من الواضح أن الهدف الأول في هذا الإصلاح لا بد أن ينصب علي توحيد الأنماط المتعددة لنظم التحقيق الذي تقوم به النيابة sommaria 1.ويلاحظ أن هناك تياراً قوياً في الفقه الإيطالي يري أن النظام الاتهامي المعمول به في التشريعات الانجلوسكسونية لا يجد قبولاً في إيطاليا ، وذلك لان هذا النظام يتعارض مع التقاليد والعادات البيئية (2) .ولهذا فان الإصلاح لا بد أن يضع في الاعتبار ضرورة تركيز عمليات التحقيق بين يدي النيابة العامة . لكن في مقابل ذلك التيار السابق يوجد أيضا تيار آخر يري ضرورة أن يكون التوحيد لنظم التحقيق في صالح قاضي التحقيق وليس النيابة العامة . فإذا كانت للنيابة العامة سمة قضائية فإن ذلك لا ينفي انها طرف parte في الدعوى
(3)أن النيابة العامة جهاز للدولة التي بجانب قيامها بمهمة المحاكمة تقف في مركز الاتهام accusa  ، وهذا الموقف (الحكم والاتهام ) لا يعد حياداً وهو النقد الذي وجه لمشروع كارنيلوتي الذي لم يضع علي قدم المساواة سلطات النيابة العامة في التحقيق والدفاع الذي يكون في هذه المرحلة مجرد من أي سلاح . ومن المعروف أن كارنيلوتي يفضل نظام النيابة العامة ، ويؤكد انه يستخدم اصطلاح (التحقيق الابتدائي ) بدلاً من (التحقيق) ذلك لان هذا الاصطلاح يعد ملائماً لتحديد معني التحقيق ووظائفه حيث انه يستخدم لتوفير العناصر الضرورية للمحاكمة لا تلك الضرورية للإدانة أو البراءة . وهو ما نصت عليه م 86/1 من مشروعه (يجب أن يعمل التحقيق الابتدائي علي تحديد احتمال أن يكون الجريمة قد ارتكبت ، لا ارتكاب الجريمة بصورة مؤكدة ) وفي نظر كارنيلوتي أن ذلك تجنباً للخطأ الذي وقع فيه القانون الحالي في م 299 والتي ينص علي أن التحقيق الذي يقوم به القاضي يجب أن يعمل علي الوصول إلي الحقيقة .ويري كارنيلوتي أن التحقيق الابتدائي يعادل التحقيق بواسطة النيابة المعمول به حالياً    I..S.ولكنه يختلف عنه بصورة جذرية بالنسبة لوظائفه حيث أن النظام الحالي يرمي إلي عرض نتائجه مباشرة علي قاضي الموضوع لا ستخدامها في المحاكمة . بينما التحقيق الابتدائي يعطي نتائجه فقط للنيابة العامة لاستخدامها في المحاكمة ومن هنا يعلم القاضي بها عن طريق النيابة العامة . وتنص م 131 من المشروع الجديد علي ان تقوم النيابة بالكشف عن وثائقها في حالة الضرورة القصوى قبل المحاكمة ، وذلك بهدف ضمان سمة الخصومة  CONTRADITTCRIOبالنسبة للأدلة التي يعتمد عليها القاضي في تحديد اقتناعه .
       ويري البعض انه من الضروري في الدعوى الجنائية الاحتفاظ بسمة الخصومة بين الأطراف نظراً لان الدعوى في ذاتها ماهي إلا صراع بين المصالح وصراع بين الأشخاص . والقول بأن النيابة العامة طرف في الدعوى يوجب التمسك بفكرة المساواة بين الأطراف أمام القانون . الأمر الذي له أهمية في النظام الذي يتبع نظرية الفصل بين السلطات (1). ولقد أدي النقاش الدائر حول توحيد نظم التحقيق إلي ثلاثة طرق يجب علي المشروع الحديث أن يختار أحدهما :
(1)  وجوب أن يكون التحقيق بصورة خالصة لقاضي التحقيق .
(2)  أن يعهد بالتحقيق إلي النيابة مع توفير ضمانات مناسبة للدفاع .
(3)  استبدال التحقيق بنظام جديد للتحريات وجمع الأدلة .
ويسود الاعتقاد بين الفقهاء في إيطاليا انه علي الرغم من أن الدعوى بمعناها الحديث خليط بين النظام الاتهامي ونظام التنقيب والتحري إلا انه يجب هيمنة سمات النظام الأول . ومن الصعب بمكان تحديد أفضلية نظام علي آخر ، ولكن من المؤكد أن اختلاف النظامين يرجع إلي اختلاف النظام السياسي المعمول به . إذ يقال أن النظام الاتهامي يرتبط بالنظم الديمقراطية والجمهورية ، أما نظام التنقيب والتحري فانه مرتبط بالنظم الملكية . وقد نوه كارميناني بارتباط الديمقراطية والنظام التهامي ، وأعتبر هذا الارتباط نتيجة طبيعية مباشرة للسلطة السائدة والسيطرة علي أعضاء الجماعة السياسية .(2)وعلي الرغم من أن الفقه يقاوم وبشدة في إيطاليا سمات الدعوى الاتهامية عن طريق الوقوف موقفاً وسطاً ، إلا أن هناك اتجاه كبير نحو النظام الاتهامي في مرحلة التحقيق ومرحلة المحاكمة ظهر أثره واضحاً في موافقة البرلمان أل إيطالي علي المعايير التي يجب أن توضع في الاعتبار في أيى تعديل جديد لتنظيم العدالة الجنائية ومن بينها وجوب أن تتخذ الدعوى الجنائية سمات النظام الاتهامي .
ويقولون أن مبدأ الخصومة لا يتم عندما يصدر القاضي حكمه علي أساس محاضر التحقيق الا إذا كان المراد هو نزع قيمة المرافعة في حد ذاتها  ولا يكون هناك محل للقول بأنه يوجد في إجراءات التحقيق الحالية ضمان لمحاكمات لا معني لها ، وإنها تعمل بلا شك في إطار الضمانات المحولة للمواطن ، ذلك لأن علانية الإجراءات خلال التحقيق مع الاحتفاظ بوحدة الزمن وضمانه أفضل من التحقيق الطويل الأمد الذي تعقده السرية المطلقة أو النسبية (1) وذا كان النظام الاتهامي من وجهة النظر الاجتماعية يشكل وسيلة قانونية لمواجهة الكراهية والعداء من جانب منتكهي القاعدة القانونية إلا انه يحتاج إلي مناخ حضاري متقدم سليم من إيحاءات الخداع والأحابيل الشخصية ولقد تأكد  بصورة واضحة من اتجاه القانون الإنجليزي إلي تدعيم سلطات جهاز المدعي العام . وعلي اساس هذه الحجة يري بعض الفقهاء وعلي رأسهم جوفاني ليوني انه من الصعب قبول النظام الاتهامي في مرحلة التحقيق نظراً لعدم تجاوبه مع العادات الاجتماعية والسياسية في إيطاليا .(2)
ونتيجة لاتجاه توحيد نظم التحقيق في إيطاليا ثارت مشكلتان أساسيتان الأولي تتعلق بجمع الأدلة ، والثانية بالحرية الفردية للمتهم .
لقد حاول كارنيلوتي في مشروعه (تنظيم الأدلة ) وضمان حرية المتهم في المواد من 65 –73 . وجدير بالذكر هنا أن المادة 67 تحكم سؤال المتهم الشهود حيث تعترف للمتهم بحق السكوت والصمت وعدم الإجابة ، ولكن تضع علي عاتقه التزام بالظهور أمام القاضي حيث تنص علي انه (يلتزم المتهم بالظهور عند دعوته ولكن لا يلتزم بالإجابة ) .
        وفي تنظيمه للأدلة نجد أن المادة 72 تقرر : (لا يكون لتقارير ضباط الشرطة ورجال القضائية ومحاضر الاستدلالات أية قيمة في الإثبات ولا تعتبر من الدلائل ) وفي هذا الإطار لجمع أدلة تثور مشكلة السرية ، فلقد تم تبرير صفة السرية لاعمال التحقيق بضمان حسن سيره لتسهيل الوصول إلي الحقيقة (1) . ويجمع معضدو السرية بين ضرورتها وبين مبدأ حرية القاضي في الاقتناع . ويؤكد الفقه التقليدي السرية لمحاولة تجنب أن يقوم بإثارة عناصر قريبة عن الدعوى تعمل علي بلبلة أفكار القاضي وتضليله في أن يلحق الضرر باقتناعه . ومن الواضح أنم مبدأ سرية التحقيق في مواجهة أطراف الدعوى ومبدأ الخصومة الجنائية لا يتفقان ،ذلك لان هذا المبدأ الأخير يعمل علي المساواة بين الأطراف بحيث يسمح إلي كل منهما التأثير في القرار النهائي لجهة الاختصاص في التحقيق . ولذلك نجد أن هناك محاولات للوقوف موقفاً وسطاً . إذ يري بعض الفقهاء وعلي رأسهم دي مارسيكو انه لابد من وجود علاقة بين التوسع في السرية والمرحلة التي تباشر فيها إجراءات التحقيق . فبالنسبة لاعمال الشرطة التي لها سمة السرعة لا يجوز مساهمة الدفاع وتكون لها سرية مطلقة أما بالنسبة لتحقيق النيابة العامة فيكون هناك احتمال مساهمة الدفاع حتى نهاية التحقيق.(2). ولذلك نجد أن مؤتمر سان جورجيو يؤكد منح الدفاع حق حضور استجواب المتهم  ، وان يعطي للدفاع حق توجيه الأسئلة في المحضر لخدمة التحقيق (3).
    أما بالنسبة للحرية الفردية للمتهم فأن البعض يري أن هناك عدم مساواة بين شكل التحقيق وتقييد الحرية الشخصية باعتبار أن كل منهما أداة للبحث في الحقيقة . ويثور هنا سؤال : كيف يمكن تحقيق الحماية القانونية لحق الحرية الفردية ؟ لقد ظهر في دراسات الفقه الإيطالي اهتمام كبير بشكل التحقيق دون الاهتمام بتنظيم الحقوق الفردية . وقد داى ذلك الشباب من الفقهاء إلي القيام بحملة واسعة للدعوة لهذا التنظيم ، وقد ظهرت كتابات قوية انعكس رد فعلها علي مؤتمر كالابريا بالذات حيث أدعى إلي إصدار تعديل تشريعي لحماية الحرية الفردية خلال التحقيق (4) . وقد أكد ليوني في تقرير له منذ عام 1948ضرورة احترام الحرية الفردية  علي إطلاقها وابرز التنظيم الواجب سواء بالنسبة للحقوق الفردية التي يحميها الدستور أو الحقوق التي ينظمها تقنين الإجراءات الجنائية (5) . ويري بعض الفقهاء التقليديون أن تقنين الإجراءات يحمي مباشرة حقوق وسلطات الدولة وليس الحقوق الشخصية للأفراد . الا أن الفقه الحديث يكاد يتفق علي ضرورة أن تعمل القاعدة القانونية الجنائية علي حماية الحرية الفردية (6)ويحاول الفقه تحديد
الإطار القانوني للحرية الفردية علي أساس أن هذا الحرية هي حق عمل كل ما يسمح به القانون ، فالفرد حر في الانتقال من مكان إلي آخر مع احترام تلك القيود التي يحققها القانون ، حر في مسكنه ، ماعدا تلك الحالات الاستثنائية التي تقيد الحرية _ حر في التراسل مع الآخرين ماعدا تلك التي ترد علي هذه الحرية _ حر في الاجتماع وتنظيم الاجتماعات (1) ….الخ .
وقد لاحظ الفقه أن افتراض براءة المتهم حتى صدور الحكم بالإدانة مبدأ لم يكن له تطبيق واضح في إيطاليا ولا اعتبار مؤثر لدي الجهة التحقيق بها ، حيث أن الحبس الاحتياطي يوقع آلياً علي اعتبار انه (مقدم ) يسبق العقوبة التي سيحكم بها علي أساس العناصر المؤكدة للإدانة . وما من شك في أن تنفيذ الحرية الفردية يجد تبريراَ له في وجود وحاجة التحقيق ما عدا الحالات الاستثنائية التي قد يؤدي إلي اتباع معيار آخر كما هو الحال في حالة خشية الهرب مثلاً . ومن هنا ظهرت الحاجة إلي التفرقة بين الضمانات المرتبطة بالقبض ، والضمانات المرتبطة بنشاط المحقق . وحماية هذه الضمانات عن طريق الطعن فيها أمام المحكمة وأمام تنظيم خاص للإشراف والرقابة علي قرار النظام الإنجليزي Eabeas Corpusأو نظام المراقب البرلماني Ombudsman(2). ولقد قام كانيولوتي عند صياغته لمشروعه باتباع نظام  خاص ، ذلك انه أعترف بضرورة وضع المتهم تحت تدابير مقيدة  خلال التحقيق misure coercitive   بمعرفة النيابه واعطى لهذه الأخيرة حتى إصدار وتطبيق هذه التدابير، ويرى كارنيلوتى  انه بينما يعرف التقنين الحالى بالحبس الاحتياطى  وبديله تحديد الاقامة الاجبارى  نجد أن مشروعه ينص ثلاثة انماط من التدابير المقيدة : رقابة الشرطة (م 98)، وتحديد الإقامة (م 99) والحبس الاحتياطي .
    ويعطي المشروع لقاضي الموضوع سلطة تصديق أو تأييد Convalidazionهذه القرارات حيث نصت (م 101)علي انه ((تقرر النيابة العامة التدابير الوقائية بقرارات مسببة وتحيلها في ظرف 24 ساعة إلي قاضي الموضوع الذي يقوم بالتصديق عليها ويجوز الطعن بالنقض في القرارات الصادرة بالرفض أو القبول ، وإذا لم يتم التصديق علي القرار يجب وقف التدبير الوقائي مباشرة .)) وقد أهتم كارنيلوتي بمدة التدبير الوقائي نظر للهجوم علي التنظيم
الحالي في التشريع الإيطالي حيث وصف بأنه تنظيم غير إنساني وغير حضاري ولذلك كانت هناك حدود للتحقيق الابتدائي عند كارنيلوتي حيث نصت (م 95) علي انه ((يجب أن ينتهي التحقيق الابتدائي بعد ثلاثة أشهر من يوم وصول البلاغ وإذا لم يتم ذلك لاسباب خطيرة يجوز للنيابة العامة أن تطلب من قاضي الموضوع مد الأجل مرة واحدة والتي يجب أن تحدد بثلاثة أشهر أخري ))ونص المشروع أيضا علي تنفيذ مدة الحبس الاحتياطي وتحديد الاحتياطي وتحديد الإقامة بحيث أوجب أن تنتهي هذه المدة بعد ثلاثة أشهر منذ اليوم الذي بدأ  تنفيذها فيه ما دام لم تتم إدانة المتهم بحكم نهائي بعقوبة سالبة للجزية تزيد عن هذه المدة .
(ب )-التقنين النموذجي الأمريكي
لا مفر من الاعترافات بأن هناك فرقاً بين النظرية والتطبيق ،فلقد رأينا أن المجتمع الأمريكي كان أول من وجه الأنظار نحو ضرورة تنظيم العدالة بمعناها الحديث ولكن ما زال هذا المجتمع ينتظر هذا الإصلاح حتى اليوم .
ودليلنا على ذلك اهتمام بعض المجلات الأسبوعية بإصدار عدد خاص نيوز ويك 8 مارس 1971) بعنوان (العدالة في الميزان )   JUSTICE ON Trialوهذا عنوان صارخ لفشل العدالة وتنظيمها في مجتمع ديمقراطي . لقد اعترفوا بأنفسهم بهذا الفشل حين قالوا ، أن ما لدينا هو شبه نظام لا يعمل علي متابعة المجرمين والقبض عليهم ، ولا تقوم المحاكم بمحاكمة هذا الفريق الأخير ، ولا تعمل السجون علي إصلاحهم ). ووجهت سهام النقد للشرطة ونشاطها واعتدائها علي الحريات الفردية ، والي المحاكم وتأخرها في البت في القضايا ، والي المؤسسات العقابية ونزلائها الذين وصفوا بأنهم (يتامي العدالة الأمريكية ).
ولقد كان دور الدراسات الحديثة في تقييم هذا الوضع المعيب ، فأجرت دراسة تجريبية لقياس الرأي العام في الولايات المتحدة علي عينة ممثلة لجميع قطاعات المجتمع الأمريكي (1717حالة ) تجاه العدالة وتنظيمها ، وأظهرت الدراسة أن المجتمع الأمريكي يرغب في إعادة النظر الكلية في النظام القائم ، وان التدهور مستمر في السنين الخمسة الأخيرة . ولقد كانت الإجابات علي سؤال: ما الذي يثقل كاهل العدالة الأمريكية ؟ ))علي النحو التالي :
إطلاق سراح المتهم قبل المحاكمة بسهولة 75%
مرور فترة طويلة حتى يحال المتهم إلي المحكمة 67%
إذدحام المؤسسات العقابية 43%
تعيين القضاة لأسباب سياسية فقط 39%
عدم استطاعة الرجل العادي تحمل نفقات المحامين 32%
انتشار الرشوة والفساد بين رجال الشرطة 27%
تقرير الكفالة المالية بصورة مجحفة علي الفقراء 21%
لا يضع المحامي مصلحة العملاء في الاعتبار 20%
عدم أهلية المحلفين أو تضليلهم 18%
انحياز كثير من القضاة إلي أحد الجانين بصور غير عادلة 17%
عدم وجود أعضاء نيابة متخصصين 13%
وإذا ما اقتصر تحليلنا علي أزمة تنظيم العدالة الجنائية في المراحل السابقة علي المحاكمة ثم علي مرحلة المحاكمة نجد أن هذه الأزمة في الحالة الأولى تدور حول محور سلطة الشرطة في القبض . ومن المعروف أن جهاز الشرطة في المجتمع الأمريكي يضم حوالي (000/420) فرد موزعين علي (000/40)هيئة مستقلة كل منها  عن الأخرى وينقسم المجتمع الأمريكي أمام نشاط الشرطة إلي فريقين : فريق يطالب بزيادة سلطة الشرطة للقضاء علي الجريمة وحفظ الأمن وفريق آخر يطالب بوضع  قيود علي هذا النشاط سعياً وراء حماية الحرية الفردية وحصر النشاط التعسفي . ويقول الفريق الأول أن رجل الشرطة في إصدار الأوامر والقرارات يقوم بعمل روتيني . وفي ممارسته لهذه السلطة لا يعرض الحرية الفردية لأي تهديد أساسي وهو الأمر الذي تقبله هيئات السلطة والرأي العام ويعتبرونه منطقياً سليماً (1) . وان كانت سلطة القبض من أخطر السلطات علي الحرية الفرية فأنه يكون من المنطقي تحليل أحكام هذه السلطة في التشريع الأمريكي . أن القبض في الولايات المتحدة قد يتم بناء علي أمر القبض Warrant أو بدونه . والأمر بالقبض قد يصدر من قاض بناء علي وجود سبب محتمل يثير الاعتقاد بان المشتبه في أمره مذنب بارتكاب الجريمة . وقد يصدر الأمر بالقبض في غالبية الولايات بناء علي معلومات أو افتراضات ظنية . ويعتبر إصدار أوامر القبض نظرياً وظيفة إدارية شرطية يقوم بها كاتب بصورة روتينية بحيث لا يمكن القول بأن هناك احتمال في إعادة النظر في هذا القرار أو وجود أشراف قضائي علي إصداره (2). أما بالنسبة للقبض بدون أمر قبض فهناك تفرقة بين القبض بسبب الجناية Felonyوالقبض بسبب المخالفة MISDEMEANOURويقال أن القبض بسبب الجناية يتم عندما يكون لدي رجل الشرطة بواعث منطقية Reasonable Grounds  تدعو إلي الاعتقاد بأن جناية قد أرتكبت ،أو ان شخصاً معيناً بالذات هو المطلوب القبض عليه لارتكابها .وفي في بعض التشريعات نجد أن القبض في هذه الحالة بغض النظر عن وجود معلومات لدي رجل الشرطة تؤدي به منطقياً إلي اعتبار أن هذا الشخص قد ارتكب الجريمة . ومن الصعب بالنسبة للقبض بسبب مخالفة وضع قاعدة عامة ولكن هناك ثلاثة احتمالات بارزة :
(أ‌)  حالة ارتكاب المخالفة في وجود رجل الشرطة .
(ب‌)    تعطي التشريعات حقاً مطلقاً في القبض لارتكاب مخالفة ولو في غير حضور رجل الشرطة
(ج) تعطي بعض التشريعات الأخرى هذا الحق إذا كانت هناك بواعث منطقية تؤدي إلي الاعتقاد بان المخالفة ارتكبت .
       وتقف لجنة رئيس الجمهورية في تقريرها عن تنظيم العدالة إلي جانب تدعيم سلطة رجل الشرطة حيث أوصت علي انه (يجب علي تشريعات الولايات ان تعمل علي تنظيم سلطة رجال الشرطة في استيقاف الأفراد لمجرد السؤال وذلك بتحديد ظروف وحدود الاستيقاف المسموح به (1) . وقد عمل مشروع تقنين المراحل السابقة علي المحاكمة الذي قدمه معهد القانون الأمريكي ومشروع قواعد الحد الأدنى للعدالة الجنائية بجامعة نيو يورك عام 1966 لكي يكون تقنيناً نموذجاً يحكم الاستيقافStoppingفي الفقرة الثانية من المادة الثانية حيث نص علي :
(1)  استيقاف أشخاص لديهم علم بالجريمة
( يجوز لرجل الشرطة الذي يوجد في أي مكان بصورة قانونية أن يأمر المتهم بأن يظل أو بالقرب من المكان الذي يتواجد فيه رجل الشرطة لمدة تزيد عن عشرين دقيقة إذا كان لديه سبب معقول لكي يعتقد بأن جناية أو مخالفة قد ارتكبت وان هذا الشخص لديه معلومات قد تساعده مادياً في التحقيق.)
2- استيقاف أشخاص في ظروف مريبة
( يجوز لأي رجل شرطة يوجد في أي مكان بصورة قانونية إذا ما شاهد شخصاً في ظروف توحي إليه بأنه قد ارتكب أو في سبيل ارتكاب جناية أو مخالفة ، أن يأمر هذا الشخص بان يظل في أو بالقرب من المكان الذي يتواجد فيه لمدة لا تزيد عن عشرين دقيقة بشرط أن يكون ذلك ضروريا لمساعدة ضابط الشرطة لتحقيق من مشروعية سلوك هذا الشخص .)
3- الأعمال التي يجوز القيام بها خلال مرحلة الاستيقاف
( لرجل الشرطة أن يطلب من المتهم أن يظل في حضرته طبقا للبندين (1،2) من الفقرة السابقة إذا كان ذلك ضرورياً لكي:-
(أ‌)  يتم له التعرف علي المتهم
(ب‌)        للحصول علي معلومات جاهزة تساعد علي التعرف علي شخص ما
(ت‌)        لطلب المساعدة طبقاً لما ورد في نص المادة الثانية الفقرة الأولى .
(ث‌)        للحصول علي معلومات جاهزة تجاه وجود المتهم أو سلوكه أو أي معلومات أخري يحصل عليها من هذا الشخص .)(1)
وهناك فريق آخر يقف موقفاً معادياً لنشاط الشرطة وذلك بعد اتفاق الدراسات علي أن نشاط الشرطة يعد قيداً علي الحرية لا حامياً لها .لقد أظهرت الدراسات التجريبية أن الشرطة تستخدم القوة غير المشروعة علي نطاق واسع ، وأن القائمين علي تنظيم الشرطة لا يستطيعون بل لا يرغبون في توقيع الجزاء علي من يستخدم هذه القوة غير المشروعة من زملائهم وان هؤلاء يرفضون صراحة هذا الأمر الذي يشجع هذا الفريق علي الماضي فيه . وكانت إجابات تبرير استخدام القوة علي النحو التالي :-
(أ)استخدام القوة بسبب احتقار المواطنين لرجال الشرطة                 37%
(ب)استخدام القوة عند استحالة تجنبها                                  23%
(ج) استخدام القوة للحصول علي معلومات                         19%
(د)استخدام القوة للقيام بالقبض                                           8%
(ه) استخدام القوة عند معرفة أن الجاني مذنب                           3%
(و)استخدام القوة مع الجناة الشرسين                                       5%
(ز) استخدام القوة تجاه الجناة الذين يرتكبون جرائم جنسية           3%
      وقد أجري مركز بحوث الرأي العام الأمريكي دراسة علي قياس اتجاهات المواطنين تجاه الشرطة لمعرفة رأي الاقليات بصفة خاصة ، وقد كانت نتيجة الإجابة علي السؤال :-
هل تقوم الشرطة بوظائفها بصورة حسنة ؟ الإجابة 38% موزعة علي النحو التالي :
للبيض 23% لغير البيض 15% . وكان من نتيجة في سبيل ممارسة السلطات التي خولت له بناء علي 1،2 من الفقرة السابقة أن يستخدم القوة غير المميتة إذا ما كان ذلك ضرورياً وبصورة معقولة لاجبار المتهم علي أن يظل في حضرته .
      وقد حاولت الدراسات معرفة سبب انعزال الشرطة عن المجتمع ، وانصبت هذه الدراسات علي أسباب العزلة الاجتماعية لرجل الشرطة ومدي تفاعل الشرطة مع المجتمع وخالصة الوكالات الأخرى للضبط الاجتماعي ، وقياس بعض المواقف الأخلاقية لدي الرأي العام ورجال الشرطة (1).
       وكان من نتيجة هذه الدراسات أن أوصت لجنة رئيس الجمهورية علي انه من الضروري لكل هيئة للشرطة أن تعد رجالها من رجال العلاقات الاجتماعية ، وان تحصل وحداتها علي برامج تدريبية في هذا الخصوص ، ومن الضروري لكي وحدة  أو هيئة يوجد بها لجنة استشارية تعمل بانتظام علي حل المشاكل التي تثار بين الشرطة والمجتمع (2)
ويعاني الأمريكيون من الحجز غير الشرعي illegal detintion الذي  تمارسه الشرطة . ولقد اجري الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية دراسة علي حالات الحجز (2038حالة) في شيكاغو وتبين أن 50% من حالات القبض التي قدمت إلي محكمة الجنايات قد ظلت 17 ساعة بدون توجيه اتهام ، وبلغت الحالات التي تم فيها الحجز بصورة شرعية20% ن وظهر أن متهم واحد بين كل عشرة متهمين أمام محكمة الجنايات يتم حجزه 60 ساعة فاكثر وان كل واحد من 40 متهماً قضي 3 أيام في الحجز قبل توجيه الاتهام إليه وقد أثبتت  هذه الدراسة أن الحجز في مركز الشرطة بدون اتهام قد اصبح إجراء عادياً في شيكاغو وكذلك في الولايات الأخرى (1). ولقد عني التقنين النموذجي لمعهد القانون الأمريكي بفترة الإيداع حيث نصت المادة 4/4 علي انه (إذا صدر أمر تطبيقياً لنص م 4/2 يجوز مد فترة الإيداع بدون استصدار أمر القبض وذلك بغرض إتاحة الفرصة لاتخاذ قراراً فيماً إذا كان هناك ما يبرر أمرا باتهامه لارتكاب الجنايات المنصوص عليها في م 4/4  وتبدأ فترة الإيداع الجديدة من تاريخ صدور الأمر تطبيقا لنص م 4/4 . وتنتهي بإيداع الشخص طبقاً لاحكام الفرقتين 2،5 من هذه المادة . ويتعين علي رجل الشرطة أن يجري الإيداع في موعد لا يتجاوز المدة المنصوص عليها في الفقرات  من أ  إلي ج التالية:-
(أ)إذا احضر الشخص إلي مقر الشرطة فيما بين منتصف الليل والساعة الثامنة صباحاً يتعين أن يتم الإيداع قبل الساعة الرابعة من مساء اليوم ذاته .
(ب)إذا أحضر الشخص إلي مقر الشرطة فيما بين  الثامنة صباحاً والساعة الثامنة مساء يتعين أن يتم الإيداع قبل الساعة العاشرة من مساء اليوم ذاته .
(ج‌)إذا احضر الشخص إلي مقر الشرطة فيما بين الساعة الثامنة مساء وبين منتصف الليل يتعين أن يتم الإيداع قبل الساعة الثانية عشر صباح اليوم التالي .(2)
وهكذا نجد أن الفقه الأمريكي يحاول تحديد الضمانات التي تقف دون إساءة استخدام السلطة من جانب الشرطة . لقد ثبت أن التعويضات المدنية عن الأضرار لم تعد سلاحاً كافياً لمنع الشرطة عن إساءة استخدام السلطة .
     واذا ماتم أبطال الإجراء الذي اتخذه رجل الشرطة وتقرر إطلاق سراح المتهم فان ذلك في نظر البعض انتهاك لمبدأ انه يجب إدانة المتهم وانه بقبول ذلك الأبطال فأننا نعاقب المجتمع لا رجل الشرطة ، نكافئ المتهم ونحبط جهود العدالة . ولذلك نجد أن لجنة قانون العقوبات والإجراءات المدنية التي تعمل علي تعويض المخطئ وتغريم الوحدة التي قام رجل الشرطة بها علي انتهاك الحقوق الفردية للمقبوض عليه سواء كان هذا الأخير مذنباً أو برياً.(1)
واذا كان التقنين النموذجي قد ركز اهتمامه علي المراحل السابقة علي المحاكمة فأنه علاوة علي مرحلة جمع الاستدلالات (م 2) , ومرحلة القبض(م 2)،ومرحلة الإيداع (م 4 )نظم شروط التحقيق (م 5) وبداية الإجراءات (م 6) والظهور لأول مرة لسماع الأقوال (م 7), والكفالة والإفراج المؤقت (م 8).
وجدير بالذكر أن هذا التقنين النموذجي قد قرر وجوب تنبيه المتهم لحقوقه عند القبض عليه فتنص م 4/1 علي انه (يخبر الضابط المسؤول المقبوض عليه بالفترة التي سيحجز فيها قبل الإفراج عنه أو نسب الجريمة إليه وينصحه بشكل واضح وبلغة مفهومة .
          (أ ) انه إذا ما نسبت إليه الجريمة فسيطلق سراحه بعد دفع الكفالة أو يقتاد إلي القاضي بأسرع وقت ممكن .
(ت‌)    انه ليس ملزما بأن يقول شيئاً وان أقواله ستستخدم كدليل ضده .
(ث‌)    انه يستطيع الاتصال فوراً بمحاميه أو أقاربه أو أصحابه وانه في حالة الضرورة سيزود بالمال اللازم للقيام بذلك .
(ج‌) انه سيسمح للمحامي  أو القريب أو الصديق بالاتصال به علي النحو الوارد في الفقرة 7 من المادة .
وعالج التقنين كذلك تنبيه الأمين في المادة 4/3 حيث نص علي انه( إذا كان المقبوض عليه أميا فان الضابط المسؤول يلقي عليه شفاهه التنبيه المطلوب في البند 2 من هذه الفقرة في حضور شاهد , ويسجل الضابط ذلك كتابة بعد أن يوقع هو والشاهد بأنه قد  قرأ التنبيه المطلوب وانه لم يقدم بياناً مكتوباً  بسبب أن المقبوض عليه أمياً . وجاء هذا التقنين النموذجي بحكم جديد في م 5/8 حيث
( قرر لا يجوز  للضابط المسؤول استجواب المقبوض عليه أو أن يحاول أثناء العرض الابتدائي في الحصول منه علي أقوال ما لم يكن هذا المتهم قد استعان بمحام وبشرط أن يكون هذا المحامي موجوداً ويقبل هو وموكله الاستجواب .
وحرم التقنين النموذجي استخدام المواد المخدرة والتنويم المغناطيسي واستخدام جهاز كشف الكذب أو أي أساليب فنية أخرى خلال سؤال المتهم المقبوض عليه . ولكن جاء هذا التحريم مشروطاً إذا نصت المادة نفسها إلا إذا ارتضي المتهم استخدام مثل هذه الأساليب وبعد أن يوضع له الضابط انه غير ملزم بقبولها ).
    وتمر العدالة الجنائية بالولايات المتحدة بأزمة رهيبة تنصب علي  مرحلة المحاكمة , وإذ1 ما أردنا تصوير هذه الأزمة لا بد أن نشير إلي مركز المحاكم بصفة عامة في هذا البلد . ويري الفقه أن  للمحاكم هدفين : الأول تنظيمي باعتبارها وكالة تعمل علي  تطبيق القانون , والثاني تربوي باعتبارها مؤسسات تعمل علي تنظيم العلاقة بين الفرد والمجتمع ويحكم تنظيم المحاكم في الولايات المتحدة معايير ثلاثة :
(أ‌)  أن المحاكم تعمل تجاه أفعال إجرامية محددة ولاشان لها بالكشف عن المستقبل بالنسبة للظاهرة الإجرامية .
(ب‌)    أن الشرعية   Due process هي محور التنظيم ، إذا أن لكل فرد يوجه له اتهام يجب أن يكون هذا الاتهام محدداً ، وتترك له الفرصة لجلب شهود وتقديم أدلته . وتقدر هذه الادلة بواسطة محلفين محايدين تحت رقابة قاض.
(ج)أن هناك قيودا علي سلطة الاتهام في الإثبات حيث يحظر عليها إجبار المتهم علي جلب الادلة أو تقديم شهادة .
     ولكن عند التطبيق العلمي لتلك المعايير ظهرت بوادر الخلل بسبب عدم مسايرة التنظيم القضائي للتغيير الاجتماعي والاقتصادي . فإذا كانت وحدة العمل في الولايات المتحدة هي المقاطعة County وما دامت المقاطعة في اغلبها بساط ريفي متسع الأطراف فان ظهور المدن الكبيرة قد اثر علي وظيفة المحاكم حتى اصبح للمحكمة في المدينة Urban courtمشاكل تختلف عن تلك التي تثور أمام محكمة الريف Ruralcourt(1) بينما في المدن الجميع غرباء ونتيجة لذلك لا تدري سلطات الاتهام والقضاء شيئاً عن الإطار المرجعي للجاني وسماته وخصائصه وطباعه أو طريقة معيشته . وينعكس ذلك علي القرارات الفردية الصادرة عن القاضي في تحديد الكلفة أو تقرير الاتهام أو تحديد المحكمة المختصة . والحصول علي مثل هذه المعلومات في المدن يحتاج إلي كادرات ذات تخصص معين وتدريب خاص لا يتوفر في الظروف الحاضر وقد بلغت هذه المشاكل درجة قصوى أجبرت المسئولين علي دراستها علي المستوي الإقليمي والمستوي الدولي . ونجد أن موضوع (أزمة تنظيم العدالة في المدن الكبرى ) هو من أهم أقسام الحلقة الدولية التي عقدت في باريس عام 1971 .
     وتجابه المحاكم في الولايات المتحدة مشكلة العدد الضخم من القضايا وخاصة في المدن ، وقد أدي ذلك إلي ظهور نوع من الإجراءات الإدارية الروتينية غير الرسمية تطبق تجاه المتهمين . وكان من نتيجة ذلك أن قيام القضاة والادعاء يرفض ما يبلغ نصف عدد القضايا المعروضة قبل مرحلة المحكمة . واذا ما لاحظنا أن 90% من الإدانة أمام المحاكم تكون نتيجة للاعتراف بعد أن تحث المحكمة أو الادعاء أو الدفاع المتهم علي ذلك ولو بطريق التهديد غير المنظور بتشديد العقاب ، فان صورة العدالة تبدو بعيده كل البعد عن تلك التي ينادي بها التشريع والدستور .
     ووجهت الاتهامات إلي القضاة وانتشر الاعتقاد بأنهم آلهة أو نصف آلهة أو علي الاقل لا يتسمون بالانسانية بل هم معادين لها ولم يكن ذلك بجديد علي المجتمع الأمريكي الذي ظل رافعاً هذا الشعار منذ القرن الثامن عشر (2).
    قالوا أن القضاة  رجال سياسة ولا يوجد قاض دون أن يقف وراء حزب سياسي  ولذلك فان العدالة سياسة في تطبيقها هوائية في تنفيذها . ويبدو ذلك واضحاً عند قرب ميعاد انتخاب المحكمة العليا مثلاً التي تتجدد جزئياً حيث تتضارب أحكامها مع قرب أو بعد ميعاد الانتخاب ، ومن المعروف أن أحكام المحكمة العليا في الولايات المتحدة لها قوة التشريع .
    واذا ما نظرنا إلي القاضي ذاته نجده في الواقع نتاج لعمليات لاشعورية نابعة من توحد مع خبرات اكتسبها خلال طفولته وشبابه وشيخوخته . ويحكم تلك الشخصية التناقض الاجتماعي في المجتمع الامريكي ومع ذلك يجلس علي مقعد القضاة يقرر في شان الصواب والخطأ ، في شأن العدل والظلم ، ويتخذ القرارات والأحكام العديدة بناءا علي انطباعاته الشخصية التي يحكمها إطار اجتماعي معين يحكمه الخطأ في الإدراك، وتنازع الثقافات والأهواء الشخصية . ولذلك ظهرت الحاجة إلي الالتجاء لقاض فني وخاصة في محاكم الدرجة الأولى Lower courtsومن هنا ظهرت الدعوة تتلخص من قضاة الصلح Justice of peace وهو ماتم في بعض الولايات الأمريكية . وقد أوصت لجنة رئيس الجمهورية لتنظيم العدالة الجنائية بأن (علي الولايات والحكومة الفيدرالية أن تصدر تشريعاًَ بإلغاء أو إعادة النظر في نظام قاضي الصلح ونظم القومسيورات في الولايات المتحدة  (1)
واذا كان هذا الأمر بالنسبة لقاضي الصلح فما هو الحال بالنسبة للقاضي الفني الذي يشترك في محاكم المحلفين ؟ يري الفقهاء ضرورة توافر أمرين :
أ‌-           أن يعمل هذا القاضي علي الكشف عن ذاته Self- exploration حتى يكون علي أدراك ووعي كامل بافتراضه والعوامل التي تؤثر علي أهليته في جذب الانتباه حيث لا يؤثر بذلك علي الشهود عند الأداء بالشهادة .
ب‌-  أن يحصل علي التدريب كاف لإزالة الشعور بالاستعلاء علي المحلفين ظن واذا كان الواقع يؤكد انه في مستوي أعلي من هذا الفريق نظراً لمعرفته القانونية وخبرته في الإمساك بالشاهد . الا أن هناك عوامل بيئية نفسية واجتماعية تؤدي به إلي الانحراف عن تطبيق العدالة
ولذلك نجد أن عملية الانتقاء للقضاة قد أصبحت ذات أهمية نظراً لاختلاف النظم المعمول بها لتوفر القضاة في الولايات المتحدة . واذا ما أردنا مسح كيفية اختيار القضاة نجد أن بعض الولايات يعين فيها القضاة حاكم الولاية أو المجلس النيابي . أحيانا ما يختار هؤلاء القضاة ثم يقدمون للانتخابات ويتم الانتخاب في 15 ولاية بدون شروط مسبقة بينما نجد أن 9 ولايات تتطلب شروط مهنية . ولقد أثبتت عملية الانتخاب فشلها الذريع في عملية الانتقاء خاصة إذا كان المرشحون يتقدمون عن طريق الأحزاب السياسية ولهذا نجد أن تقرير لجنة رئيس الجمهورية للعدالة الجنائية يفضل التعيين كطريقة من طرق الانتقاء ، ولو أن اللجنة رأت ضرورة الانتخاب في المجتمعات الحضرية حتى يكون لاعضاء هذا المجتمع التمثيل المناسب في القضاة(1) واوصت اللجنة باتباع منهج ولاية ميسوري للانتقاء وذلك علي الوضع التالي :
(أ‌)  قيام لجنة محايدة بوضع قائمة مرشحين للعمل بالقضاء من المحاميين وغيرهم ممن تتوفر فيهم الصلاحية للعمل في هذا المنصب .
(ب‌)        ضرورة أن تقوم السلطات التنفيذية في الولاية بتعيين القضاء من هذه القائمة .
(ت‌)        إعادة النظر في صلاحية هذا الفريق عن طريق سؤال الناخب في الولاية : هل يصلح للقاضي البقاء في منصبه؟
ج- مشروع تقنين الإجراءات الجنائية في جمهورية مصر العربية
يثور النقاش في الآونة الأخيرة بجمهورية مصر العربية حول مشروع تقنين الإجراءات الجنائية الذي قدمته وزارة العدل بعد صياغته بواسطة لجنة من الفقهاء برئاسة حافظ سابق . وقد جاء هذا المشروع في 526 مادة موزعة علي سبعة كتب علي النحو  التالي
الكتاب الأول – للدعوى أمام المحاكم (الدعوى الجنائية والدعوى المدنية ) .
الكتاب الثاني – لجمع الاستدلالات والتحقيق بواسطة النيابة وقاضي التحقيق .
الكتاب الثالث – للمحاكمة من حيث الاختصاص ، وإجراءات المحاكمة وإصدار الأحكام والبطلان وقوة الأحكام الباتة .
الكتاب الرابع – للتنفيذ ( الإعدام – العقوبات السالبة للحرية – التدابير ).
الكتاب الخامس – أحكام متنوعة
الكتاب السادس – أحكام المخالفات
       واذا كان الوقت لا يتسع لتحليل محتويات هذا المشروع بأكمله الا  انه من الضروري أن نركز علي الإطار الذي سار فيه المشروع ، ومدي موافقة هذا الإطار للاتجاهات الحديثة في تنظيم العدالة الجنائية . وما من شك في أن أصحاب هذا المشروع قد حاولوا التجديد ولكن جانبهم الحظ في ذلك فجاء هذا المشروع صورة منقحة للتقنين الحالي المعمول به . كل ما هناك أن بعض النصوص قد عدلت مع أضافه بعض المواد لا دخال بعض النظم الجديدة (قاضي التنفيذ ) وإلغاء بعض المواد التي تنص علي بعض النظم المعارضة ، (مستشار الإحالة ) . ولقد اعترفت لجنة المشروع انها اتبعت في صياغته نفس الدرب الذي سار فيه تقنين المرافعات المدنية ، فلقد ورد في السطور الأولى من المذكرة الإيضاحية (علي نفس الدرب ،أقوم الدروب ،واقصرها ، واكثرها امناً الذي مشت فيه من قبل نصوص قانون المرافعات المدنية تجمل بمضمونها ومعناها أمانة الحق تؤيدها إلي ذويها بغير عنت أو عناء علي ذلك الدرب تمشي نصوص هذا المشروع ). والغريب هنا أن تقول اللجنة مثل هذا القول
وعند البحث بين دفتي المشروع لم نجد حكما واحدا له علاقة مع هذا التقسيم . لقد كان من الأولى علي هذه اللجنة أن تبحث أولا عن هذه القيم التي تقننها وتقنن أحكامها وتبرر علاقتها . كان يجب عليها  . دراسة العلاقات الإجرائية وتنظيم العدالة في إطار مستقل لا في إطار المرافعات المدنية . لقد اصبح للفقه الجنائي كيانه واستقلاله وقيمته وعلاقاته ونظرياته فالي متي يظل موكب التبعية موجودا ؟ لقد نصت من هذا المشروع (لا يجوز القبض علي احد الا بأمر السلطات المختصة بذلك قانونا).
      ونصت م 3 علي انه (لا يجوز حبس أحد الا في الأماكن المخصصة لذلك وبناء علي أمر موقع عليه من السلطات المختصة ..) .
ونصت م 3 علي انه (لا يجوز لا فراد السلطة العامة الدخول في أي محل مسكون الا في الأحوال المبينة في القانون ).
ونصت المادة 6 علي انه (لا يجوز توقيع العقوبات والتدابير الجنائية المقررة بالقانون لاي جريمة الا بمقتضي حكم جاء من محكمة مختصة )…
ونصت المادة 5 علي أحكام حماية حق الدفاع حيث تعطي للمتهم والخصوم الحق دائما في اصطحاب وكلائهم في التحقيق . أن يكون لكل متهم في جناية محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة ، فان وإلا يندب له محام تتحمل الدولة أتعابه وللمتهم المحبوس الاتصال دائما بالمدافع عنه بدون حضور أحد .
       ونظمت المادة 7 الأشراف علي التنفيذ حيث نصت (يتولي الإشراف علي تنفيذ العقوبات والتدابير والفصل في المنازعات المتعلقة به قاضي التنفيذ وقد وردت هذه العقوبات تحت القواعد تحت عنوان أحكام عامة وسوف نركز علي موضوعين هامين :-
الأول : معايير القبض والثاني : اتجاهات رجال القضاء نحو المشروع :
1- معايير القبض
تنص م 63 من المشروع علي انه (( لعضو الضبط القضائي أن يأمر بالقبض علي المتهم الذي توجد دلائل كافية علي اتهامه في الأحوال التالية :
أولا – في الجنايات .
ثانياً – في الجنح المتلبس بها إذا كان القانون يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر. ثالثاً – في الجنح المعاقب عليها بالحبس إذا كان المتهم موضوعاً تحت المراقبة أو كان قد سبق الحكم عليه طبقاً للبند الثاني من المادة 57 / عقوبات ، أو إذا لم يكن له محل إقامة ثابت ومعروف في الجمهورية .
رابعاً- في جنح السرقة والاحتيال والتعدي الشديد والقوادة والاتجار بالنساء والأطفال وانتهاك حرمة الآداب .
وهذه المادة في الواقع لا تخرج في كثير أو قليل في صياغة م 34 من التقنين الحالي وهي  السمة التي واكبت غالبية نصوص المشروع
  والقبض هو عملية مادية يقصد بها منع المتهم من التحرك وفقاً لمشيئته وهي كقاعدة عامة تطبق لفترة قصيرة ويختلف مداها باختلاف التشريعات ، إلي أن يعرض أمره علي السلطة المختصة – وهي غالبا قضائية – لتنظر في أمر الشخص من حيث حبسه أو الإفراج عنه [5](1). ولقد عرفته محكمة النقض  عندنا بأنه إمساك الشخص من جسمه وتقييد حركته وحرمانه من حرية التجول دون أن يتعلق الأمر علي قضاء فترة زمنية معينة (نقض 27 إبريل سنة 1959 مجموعة أحكام النقض السنة العاشرة ص 105 ).لقد جاء في تقرير لجنة حقوق الإنسان في جلستها الثامنة عشر سنه 1962 (ص 29) أن القبض يلقي الحياة الخاصة للفرد ويقيد حقه في التجول بحرية ، ويفصله عن أسرته ولا يسمح له بمباشرة الحقوق السياسية والاقتصادية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق  الإنسان .
       وتنبغي التفرقة علي الأساس السابق بين القبض وبعض الإجراءات الأخرى المشابهة له . وأول هذه الإجراءات هي التكليف بالحضور وهو عبارة عن دعوة المتهم للمثول أمام المحقق في زمان ومكان محددين في الطلب ، ولا يترتب عليه أي حجز علي حرية المتهم الشخصية فهو كإعلان الشاهد أو الإعلان في الدعاوى المدنية ، وتنفيذه متروك لارادة المتهم ويصدر الأمر به من المحقق في أي جريمة سواء كانت جنائية أو جنحة أو مخالفة فقد نصت المادة 126 من قانون الإجراءات الجنائية علي انه لقاضي التحقيق في جميع المواد أن يصدر حسب الأحوال أمر بحضور المتهم .. وهو يتم عادة بإعلانه إلي الفرد عن طريق رجال  الإدارة أو الحفظ كما يتم إعلانه علي يد محضر . وقد نصت المادة 128 من قانون الإجراءات الجنائية علي انه ( تعلن االاوامر إلي المتهم بمعرفة أحد المحضرين أو أحد رجال السلطة العامة وتسلم له صورة منها .)والغرض من هذا الإجراء هو استجواب المتهم عن الواقعة المسندة إليه ، ومواجهته بأقوال الشهود في الدعوى . ويختلف طلب التكليف بالحضور عن أمر القبض والإحضار في أن الأخير عبارة عن الأمر الصادر لأحد المحضرين أو لاحد رجال السلطة العامة بالقبض علي المتهم أو إحضاره جبراً إذا أتقتضي الحال أمام الأمر به ، ويجبر عند الضرورة تنفيذه بالقوة في حين أن الإجراءات الجنائية علي أن (( يشمل أمر القبض والإحضار تكليف رجال السلطة العامة بالقبض علي المتهم وإحضاره أمام القاضي إذا رفض الحضور طوعاً في الحال )).
   ويثور السؤال عما إذا كان هناك في المضمون القانوني بين القبض علي المتهم وبين إصدار الأمر بالقبض عليه وإحضاره إلي ضبطه وإحضاره ، ويدعو إلي هذا استعمال المشرع لهذه المصطلحات المتعددة[6](1)فنجد الفصل الثالث  من الباب الثاني من قانون الإجراءات الجنائية ((في القبض علي المتهم ))  ويأتي صدور المادة 34 منه عبارة لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض علي المتهم الحاضر ، ثم تأتي المادة 35 في فقرتها الأولي من نفس الفصل وتنص علي انه ((إذا لم يكن المتهم حاضر في الأحوال المبينة في المادة السابقة جاز لمأمور الضبط القضائي أن يصدر أمراً بضبطه وإحضاره ، ويذكر ذلك في المحضر )). ويستخدم المشروع لفظ القبض في المادتين 39 و 40 من قانون الإجراءات الجنائية . وعند الكلام عن التحقيق بمعرفة قاضي التحقيق نجد أن المادة 126 تنص علي أن  لقاضي التحقيق في جميع المواد أن يصدر حسب الأحوال امراً بحور المتهم أو بالقبض عليه وإحضاره ، واستخدمت المادة 127 بعد هذا عبارة أمر القبض والاحتضار ، وكذلك المادة 130 . فهل هناك معان متغايرة في هذه الاستعمالات المختلفة ؟
      أن الإجراءات التي تباشر قبل المتهم وتتعلق بشخصيته علي نوعين ، الأول منهما لا يقتضي أي قيد علي حريته وهو التكليف بالحضور أو طلب  الحضور ، والنوع الأخر من شانه أن يعد قيداً علي حرية المتهم لوقت قد يكون  قصيراً نسبياً أو يطول ، وطول القيد علي الحرية يتمثل في الحبس الاحتياطي علي ما سنري . أما القيد علي الحرية أن كان قصيراً نسبياً أي تتحدد مدته لاقصر وقت ممكن فهو الذي يتمثل في حالة المتهم المقبوض عليه وعلي هذا الأساس لا يوجد إلا نوع واحد من القيد علي الحرية القصير الأمد هو القبض .
      ويكون التنوع في المصطلحات لا يعني إلا هذا الأمر ولعل المشرع أراد أن يفرق بين صورتين : الأولى منهما حين يكون المتهم حاضراً أمام الضبط القضائي وحينئذ يسمي الإجراء أمرا بالضبط . ويختلف الأثر الذي يرتبه القانون في كل من الحالتين ، ففي الصورة الأولي يتعين فيها عرض المتهم علي النيابة العامة خلال أربعة وعشرين ساعة أن لم يأت بما يبرئه ، وفي الأخرى يبقي الأمر قائماً لمدة ستة أشهر مالم يجدد مرة أخري . ومع هذا فان تنفيذ أيهما لا يعني الا القيد المؤقت علي الحرية الفردية .
ويفترق القبض علي الحبس الذي يؤدي إلي سلب حرية المتهم لفترة ما أثناء التحقيق الابتدائي – وأحياناً النهائي – ويوضع المتهم بموجب أمر الحبس الاحتياطي في السجن إلي أن يتقرر الإفراج عنه أو تنفيذ الحكم الصادر بإدانته فالقبض والحبس الاحتياطي وان كانا يتفقان في تقييدهما لحرية المتهم الا أن الفارق بينهما يقوم أساسا علي مدة كم منهما ، وفضلا عن هذا فهناك مجال بحث من يمكنه مباشرتهما ،وكذلك في أي الأحوال يجوز ذلك .
ولما كانت تلك  هي خطورة الحبس الاحتياطي نجد المشرع يوليه عناية  خاصة ، فلم يمنح الحق في الأمر به ألا لسلطة التحقيق لما تتمتع به من ضمانات تدعو للاطمئنان معها إلي حسن استعماله ، فلم يجزه مثلاً لمأموري الضبط القضائي .وفضلاً عن هذا قد وضع قيوداً
لا ستعماله بعضها موضوعي وبعضها أجرائي . فمن الناحية الموضوعية حدد نوع الجريمة التي يجوز أن يصدر فيها الأمر بالحبس الاحتياطي واشترط توافر دلائل كافية علي ارتكاب المتهم للفعل المسند إليه ، ومن الناحية الشكلية أوجب استجواب المتهم قبل إصدار الأمر بحبسه حتى يعرف الفعل المسند إليه ليفسر الظروف التي أحاطت به وأدت إلي اتهامه .واخيراً فأن المشرع لم يطلق مدة الحبس الاحتياطي بغير حد ، بل انه قد اتبع نظام التجديد الدوري للمدة ، حتى يحقق للمتهم ضماناً عند كل مرة ينظر فيها أو مد الحبس الاحتياطي .
وتدق التفرقة علي الوجه الذي سبق تعريبه ، ومجرد استيقاف المتهم سواء بمعرفة أحد مأموري الضبط القضائي أو أحد رجال السلطة العامة ، لا سيما وان المشرع لم يورد بين نصوص القانون أي ذكر الاستيقاف ، ومع هذا فقد عرضت له محكمة النقض كثيراً . وقد عرفته بأنه موقف يوضع فيه الشخص موضع الشبهات والريب بما يستلزم تدخل المستوقف للكشف عن حقيقة أمره (نقض 30/ 12/1975 أحكام النقض ، س 8 ق 272، 29/1/63 أحكام النقض س 14ق12) . وفي حكم حديث لها قالت أن الاستيقاف قانوناً لا يعدو أن يكون مجرد إيقاف إنسان وضع نفسه موضع الريبة في سبيل التعرف علي شخصيته ، وهو مشروط بان لا تتضمن إجراءاته تحرضاً مادياً للمتحري عنه يمكن أن يكون فيه مساس بحريته الشخصية أو اعتداء عليها (نقص 16 /5/1966 أحكام النقض س 17 ق 120 ) وفيصل التفرقة بين الاستيقاف والقبض هو أن الأول يتضمن مجرد التعرض المادي لحرية الشخص في الحركة في حين أنه في القبض تقييد لهذه  الحرية ، بمعني أن الاستيقاف لا يقتضي الا التحقيق من الشبهات التي سارت لدي المستوقف في ذات مكان وجود الشخص المشتبه فيه . ويتعين لصحة الاستيقاف أن تتوافر مظاهر تبرره .
والاستيقاف إجراء يجوز لرجال السلطة العامة مباشرته ، فلرجل البوليس باعتباره من رجال السلطة العامة أن يستوقف المتهم ويتحري أمره إذا أيقن بحق ظروف الحادث وملابساته أن هذا من واجبه (نقض 20/59/أحكام النقض ، س 9ق12)فإذا كشف الاستيقاف أثر ذلك عن حالة تلبس بالجريمة جاز لرجل السلطة العامة أن يحضره ويسلمه إلي أقرب مأمور منى مأموري الضبط القضائي (نقض 11/10/1966، أحكام النقض س 17 ق172).
ومن الصور العلمية التي تجيز الاستيقاف – علي ما ذهبت إليه محكمة النقض – إسراع المتهم بوضع ما يشبه علية من الصفيح في فمه بمجرد رؤية المخبر ومضغها بأسنانه ومحاولة ابتلاعها (نقض 20/4/1959، أحكام النقض س 10 ق 96 )وانحراف أشخاص سائرين علي الأقدام في الليل عن خط سيرهم العادي بمجرد رؤية أفراد الدورية (نقض 10/11/1958 أحكام النقض س 9 ق 120) وسير المتهم بالسيارة بغير نور في وقت متأخر من الليل وهروب راكبين منهم يحملان سلاحاً ناريا عند رؤية رجال الهجانة (نقض 20/10/1958 أحكام النقض س 9 ق200)وفتح مخبر باب مقعد القيادة بحثاً عن محكوم عليه فار من وجه العدالة أمر داخل في نطاق المهمة التي كلف بها والتي تبيح له استيقاف السيارة ولا يعد فعله تفتيشاً (نقض 24/10/ 1960 ،أحكام النقض س 11 ق 135)واذا كان المتهم قد وضع نفسه موضع الريبة عندما حاول الهرب لمجرد سماعه المخبرين وهما يفصحان عن شخصيتهما لغيره وانهما حاولا استيقافه لذلك ، وعندئذ أقر لهما بإحرازه المخدر ثم تبينا انتفاخه في جيبه ،فكان لازم هذا الإقرار تحقيق ما اقر به والتثبيت من صحته ، وكان للمخبرين أن يقتاداه إلي مأمور الضبط القضائي الذي تلقي منه المخدر الذي كان يحمله ، فأن الدفع بطلان التفتيش يكون علي غير أساس (نقض 14/2/1961، أحكام النقض ص 12 ق 38 ).
وفي رأينا أن الاستيقاف لا يخرج عن صورة من ثلاثة ، الأولى : يتضح فيها أن المظاهر التي أثارت الريب والشبهات لدي المستوقف لم تسفر عن شي ، كما أن شاهد شخصا يحمل حقيبة في آخر الليل ، ولما سأله عن شخصيته وما معه كشف له عنها وبأنه علي سفر لأمر طارئ وعاجل ، وهذه الصورة لا تثير أشكال يدعو للبحث . وفي الصورة الثانية : يكشف الاستيقاف مجردا عن جريمة في حالة تلبس ، وصورتها الظاهرة أن يتخلي الشخص أثر استيقافه علي ما يعد جسم الجريمة –كمخدر – وحينئذ تباشر مختلف الإجراءات المترتبة علي حالة التلبس ، وهذه الصورة لا تثير صعوبة ما دامت مظاهر الواقعة كانت تبرر الاستيقاف .
أما الصورة الثالثة : فهي التي تثور فيها شبهة المستوقف في الشخص ، ويمتنع الأخير عن الكشف عن شخصيته أو اله أسباب الشبهات التي قامت لدي المستوقف ، فهل يحق لهذا أن يقتاده إلي مقر الشرطة أو إلي مأمور الضبط القضائي وواضح انه لا تتوافر حالة التلبس في هذا الغرض .إننا لو رجعنا إلي النصوص القانونية لوجدنا أن المشرع قد عني برعاية الحرية الشخصية ، ووضع الضمانات لها . ويبدو هذا بالنسبة إلي القبض في أمرين الأول منهما انه لم يجزه الا لإفراد الضبط القضائي ، والأخر انه حدد أحواله علي سبيل الحصر . والقبض علي ما سبق القول عبارة عن إمساك الشخص من جسمه بما من شأنه أن يعطل حريته في الحركة فإذا كان الأمر كذلك فأنه ينبغي علي هذه النظرة البحث عن السند القانوني للاستيقاف ونطاق هذا الإجراء .
اضطرت أحكام النقض علي أن الاستيقاف أجراء تجوز مباشرته بمعرفة أي  من أفراد السلطة العامة ولو لم يكونوا من مأموري الضبط القضائي ، ووصفته بأنه لا يعدو إجراء من إجراءات الاستدلال . وقد سبق لنا القول بأن نصوص قانون الإجراءات الجنائية لم تتناول الاستيقاف وانما اقتصرت علي بيان حق مأموري الضبط القضائي في مباشرة الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى وهو أمر يأتي تاليا لوقوع الجريمة ، في حين أن الاستيقاف – يجري بدون قيام دليل علي ارتكاب جريمة معينة . فإذا رجعنا إلي القانون   الخاص بنظام الشرطة واختصاصاتها وتكوينها وجدنا انها تنص علي أن تختص هيئة الشرطة بالمحافظة علي النظام والأمن العام ، وعلي الأخص منع الجرائم وضبطها وحماية الأرواح والأعراض والأموال – يقوم حق رجال السلطة العامة في مباشرة الاستيقاف لان من شأنه أن يوصل إلي تلك الغاية.
وذا أردنا تحديد نطاق هذا الجزاء لوجب أن يقتصر علي التعرض المادي للمشتبه فيه في مكان استيقافه لتحري حقيقة أمره ، ولا يجوز له بأية حال أن يصحبه إلي مقر الشرطة ، لان هذه المصاحبة لا تعدو في حقيقتها القبض كما هو معترف به قانونا . ونكون قد أعطينا لرجال السلطة العامة سلطانا في القبض لا يملكه مأمور الضبط القضائي . وهنا يبرز السؤال عما يستطيع رجل السلطة العامة مباشرته بالنسبة إلي من ثارت شبهته فيه واستوقفه ولم يستطع أن ستجلى حقيقة أمره . في رأينا انه في هذه الصورة يقضي علي أن يكف رجال السلطة العامة من التعرض المادي للمستوقف ،فلا يملك اقتياده إلي مقر الشرطة .
ولو استعرضنا أحكام محكمة النقض في صدد الاستيقاف لوجدناها تتفق مع الرأي الذي نقول به ، بيد انها في أحكامها الحديثة غيرت رأيها .
قد قضي أن يعد قبضا لا استيقافا إمساك المخبر بالمتهم عقب نزوله من القطار واقتياده علي هذه الحال إلي مركز البوليس لانه ينطوي علي تعطيل حريته الشخصية (نقض 20/1/1959أحكام النقض س 10ق16 ) واشتباه المخبر في أمر آلمتهم لمجرد تلفته وهو سائر في الطريق عمل تنافي مع طبائع الأمور والاستيقاف لا يعدو أن يكون قبضاً (نقض 30/12/1975أحكام النقض س 8ق273)واذا كان الثابت أن المتهم قد ارتبك عندما رأي الضابطين ومد يده إلي صد يريه وحاول الخروج من المقهى ثم عدل عن ذلك فليس في ذلك كله م يدعو إلي الاشتباه في أمره واستيقافه ، لان ما أتاه لا يتنافي مع طبيعة الأمور ،ومن  ثم فأن الاستيقاف احد الضابطين له وإمساكه بيده وفتحها أنما هو القبض الذي لا سند له من القانون (نقض 10/4/1968، أحكام النقض س 13 ق 85).
علي انها قضت بأنه متي كان الحكم قد أستظهر أن الطاعن وضع نفسه باختياره موضع الريبة بفتحه أحد الدواليب الموضوعة بفناء محطة القاهرة بعد أن تعددت شكاواهم من سرقة متعلقا تهم من هذه الدواليب ما يبرر لرجال السلطة العامة استسقافه للكشف عن حقيقة أمره، كانت حالة التلبس   بالجريمة قد تحققت أثر هذا الاستيقاف بإلقاء الطاعن لفافة المخدر المضبوطة علي طواعية واختياره ، فقد حق لرجل الضبط القضائي تفتيشه ومن ثم فان ما يثيره من قبض رجلي الشرطة الملكيين عليه قبل إلقاء لفافة المخدر علي خلاف ما أورد الحكم لا يغير من الأمر شيئا ، إذا طالما أن مبررات الاستيقاف قد توافرت فقد حق لرجل الشرطة اقتياده إلي مأمور الضبط القضائي لاستيضاحه والتحري عن الحقيقة أمره دون أن يعد ذلك في صحيح القانون (نقض 25/3/1968أحكام النقض س ق 44).
واذا كانت هذه هي الأحكام القانونية فما هو الواقع التجريبي لها؟
    لقد أدت الدراسة الميدانية التي قمنا بها نحو معايير القبض علي 817 حالة في الفترة ما بين أول ديسمبر 1967 إلي آخر ديسمبر 1967 علي مستوي عشر محافظات في جمهورية مصر العربية أن وقائع الاعتداء علي الأشخاص هي التي سجلت المرتبة الأولى (276،4/34% )، تليها جرائم الاعتداء علي المال (253، 7، 30%) فجرائم الاعتداء علي الثقة العامة( 117 ، 2، 14%)فجرائم الاعتداء علي العائلة والأخلاق والتقاليد (96، 6، 11%).
وعند تحليل وقائع الاعتداء علي الأشخاص اتضح أن الإصابة الخطأ هي الأكثر الوقائع التي يتم القبض فيها (167، 5 ،60%)، ويلي ذلك القتل العمد (45 3نت فق 16%) أما وقائع الاعتداء علي الأموال فقد سجلت السرقة المعتبرة من الجنح النسبة الغالبة (118، 6/46%)وكانت المرتبة الثانية من نصيب حالات الاشتباه والتحري والمخالفات بصفة عامة وكذلك التجول بدون بطاقة (67 ، 6/26%).
           وعند سؤال العينة : هل أطلق سراح المتهم عند اصطحابه لقسم الشرطة للسؤال تبين أن حوالي غالبية الإجابات كانت لمتهمين تم إطلاق سراحهم بعد السؤال في قسم الشرطة (294، 2،66%)دون أن تحولهم الشرطة إلي النيابة العامة .
 اتجاهات رجال القضاء نحو تنظيم العدالة
أصبح مذهب الدفاع الاجتماعي أسلوبا وغاية تهدف إلي تحقيقها للتشريعات العقابية الحديثة .وقد استتبع هذا المذهب إدراك الحاجة إلي ضرورة تعديل النظام الإجرائي في أهدافه وغاياته وفي وسائله وادواته بحيث تكون غاية الإجراءات الجنائية هي تحسين (حالة الفرد) وليست مجرد الإيقاع واثبات التهمه عليه ([7]1)ولذلك تتجه النظم الإجرائية الحديثة إلي إتاحة الفرصة كاملة للقضاء لكي يتمكن من (دراسة شخصية ) المتهم توطئة للحكم بأكثر التدابير الإصلاحية ملاءمة لمواجهة العوامل التي دفعته إلي ارتكاب الجريمة ، ولإتاحة الفرصة له لكي يعود إلي الطريق القويم.
كما واجهت النظم الإجرائية الحديثة مشكلة التوفيق بين اعتناق مذهب الدفاع الاجتماعي وبين الحفاظ علي الضمانات والحريات الفردية التي اكتسبها الفرد بكفاحه وثورته ضد السلطة واستبداد الحكم المطلق .
في ضوء هذين المبدأين اللذين سادا في ظل النظم الإجرائية الحديثة ، يتجه القضاء والفقه المقارن إلي التوفيق وتحقيق التوازن بين غرضين تحقيق حماية المجتمع من المذنب من جهة،  ومن جهة أخري إحاطة المذنب خلال المراحل المتعاقبة للدعوى الجنائية بسياج من الضمانات الكفيلة بصون حريته وبالحفاظ علي كرامته .
وقد تأثر المشروع في جمهورية مصر العربية بهذه الاعتبارات ، وهو ما  حداه إلي إعداد مشروع جديد للإجراءات الجنائية ضمنه تطوير لقواعد تنظيم العدالة الجنائية .وقد حاولنا استطلاع أراء رجال القانون العاملين في المجال العلمي ، حول أهم التعديلات التي أدخلت علي المشروع(2) وقد وجه إليهم سؤال عام حول مدي الحاجة إلي تطوير أحكام القانون الإجراءات الحالي ، وعن مدي أو درجة التعديل المقترح إدخاله وكانت الإجابات علي الوجه التالي :
+ يحتاج التنظيم الحالي للإجراءات الجنائية إلي مجرد التنقيح البسيط 4/ 51%
+ يحتاج التنظيم الحالي للإجراءات الجنائية (5/ 36%)تعديل جوهري
+ موافقة علي التنظيم الحالي دون حاجة إلي تعديل (5/ 9%) أو التنقيح ومن الواضح أن نسبة كبيرة ممن تم استفتاهم (5/ 87%) يستشعرون الحاجة إلي تعديل النظم الإجرائية معمول بها حاليا في جمهورية مصر العربية وان اختلفوا في درجة التعديل المقترح إدخاله علي قانون الإجراءات الجنائية .
وما من شك أن هناك حاجة تدعو إلي النظر في تعديل بعض النظم الإجرائية المعمول بها في جمهورية مصر العربية ، الا أننا ننبه إلي انه مع اتفاقنا مع الرأي القائل لا لحاجة إلي التعديل ، الا أننا ننبه إلي انه هناك حاجة تدعو إلي ثورة في مجال التشريع الإجرائي – بل تتجاوز قولنا هذا إلي تأكيد أن تشريعنا الإجرائي يتضمن نظما وضمانات يجدر بنا الحفاظ عليها لكونها تمثل جزء من تراثنا القانوني الذي طالما اعتززنا وتمسكنا به ، واعتبرناه حصيلة كفاح لاجيال من اجل الحصول علي الحرية وصيانة الكرامة الإنسانية . وليس معني ذلك أننا ضد التغيير أو التطوير ، بل ندعو إلي التطوير المتزن الذي يحافظ علي القيم والنظم التي أثبتت التجربة صلاحيتها ، وفي الوقت ذاته يساير التطور العالمي بشرط أن يتفق مع ظروف وطبيعة بيئتنا وبعبارة مختصرة نحن ضد (التهور ) في النقل من النظم الأجنبية لمجرد كونها تمثل اتجاهات حديثة أو لمجرد محاكاة نظم أجنبية طبقت في بيئات مغايرة لبيئتن.
ومن المبادئ الأساسية التي قام عليها نظامنا الجنائي في جمهورية مصر العربية قاعدتان حيويتان نري عدم جواز المساس بهما تحت الدستورية والقانونية والتي كفلها التراث القانوني في جمهورية مصر العربية ، بل وفي كافة الدول التي تعتز بكفالتها للحريات العامة .
المبدأ الأول : الشرعية واستقرار النظام القانوني :
ابرز الضمانات التي تكفل الحماية لحقوقه الإنسانية هو ما يحققه التطبيق السليم لمبدأ الشرعية بما يترتب عليه من سيادة القانون واستقرار النظام القانوني بحيث لا يفاجأ الفرد بما لم يكن يعلمه أ يتوقعه .
         ومطلب الشرعية لا يتحقق الا بتوفير قدر كبير من الثبات والاستقرار القانوني ونضيف أن المقصود بالشرعية لا يعني تحقيق شرعية شكلية ، بل تتحقق الشرعية الحقة بإحرام المشرع لجميع القيم الأساسية التي تسود المجتمع المحلي والتي تعرف عليها المجتمع الإنساني لحماية حقوق الإنسان  .
    المبدأ الثاني : من بين المبادئ والمكاسب الخالدة التي نتجت عن انتفاضة الفرد من أجل تحقيق الحرية في ظل الثورة الفرنسية ، مبدأ هام قوامه المساواة التامة أمام المحاكم (1 ). ولتحقيق هذه الغاية اعتنقت الدول المختلفة نظماً تكفل صيانة حرية الفرد من بطش السلطة وفي الوقت ذاته تهدف إلي تحقيق العدالة عن طريق تطبيق علمي واع لاحكام القانون . وأننا نؤمن انه لا يمكن تحقيق هذه الغايات الا في ظل اعتناق نظام قضائي مستقل تكفل فيه للقضاة الضمانات التي تشعرهم بالطمأنينة والحيدة . ولهذه الاعتبارات ذاتها يعارض البعض اتجاهات بعض رجال القانون المنادين بإشراك (عناصر شعبية ) أي غير قضائية في تشكيل الهيئة القضائية علي اساس المبررات التالية :
(1)        يتطلب العمل القضائي أعدادا خاصا لا يتوافر الا لشخص اجتاز دراسة قانونية واكتسب –بالإضافة إلي دراسته – خبرة عملية تثري خلفيته العلمية . وقد أثبتت التجربة فشل المحاولات التي بذلت لاشراك عناصر غير قضائية في أداء العمل القضائي (2). وكان آخر هذه المحاولات ما نص عليه قانون المرافعات المدنية من تكوين لجان للتصالح.
وقد تعذر العمل بهذه النصوص وتقرر إيقاف العمل بها .
(2)   اظهر تطوير النظم القانونية المعاصرة ، الحاجة إلي تخصص رجال القضاء . فقد تبين أن المصلحة العامة تقتضي أن يتخصص كل قاض في فرع من فروع القانون . وقد اعتنق هذا المبدأ قانون السلطة القضائية في جمهورية مصر العربية (المادة 11) ومن الواضح أن هذا التنظيم الذي دعت إليه التجارب العلمية علي مر السنين ، إنما يدحض الرأي القائل باشراك عناصر غير قضائية في مباشرة العمل القضائي .
(2)        وفي المجال الجنائي نادي مذهب الدفاع الاجتماعي الحديث بضرورة تخصص القضاء الجنائي بحيث ينال القاضي دراسة خاصة – بالإضافة إلي ثقافته القانونية- تؤهله لتفهم الظاهرة الإجرامية ولدراسة أساليب مكافحة الجريمة تحقيقا لحماية المجتمع والإصلاح المذنب (1). ويذهب أنصار مذهب الدفاع الاجتماعي الحديث إلي أن يقتصر تشكيل المحاكم الجنائية علي العناصر القضائية . ويضيفون أن هذا المطلب يعتبر شرطاً أساسيا لتحقيق حماية فعالة لحقوق الإنسان ويقولون أن إشراك عناصر غير قضائية في تشكيل المحكمة يترتب عليه مساس خطير بالحريات (2).
من بين الإجراءات التي تناولها اكثر من تعديل للنظام الإجرائي المعمول به في جمهورية مصر العربية تلك الأحكام التي تنظم إجراءات التحقيق والسلطة المختصة بمباشرته .
(أ‌)  ويسبق البحث في إجراءات التحقيق سؤال هام مفاده البحث عن المعيار المنظم الإجراءات القبض علي المتهمين المشتبه في ارتكابهم جرائم .
والملاحظ أن النظم المقارنة تتقارب كثيراً فيما تعتنقه من معايير للقبض فتأخذ التشريعات الانجلوسكسونية بمعيار (السبب المحتمل )Probable Cause بينما يشير التشريع الكندي إلي معيار آخر وجود (شوك معقولة ) Reasonable groundsوتقتصر بعض التشريعات اللاتينية حق رجال الضبط القضائي في القبض علي حالات التلبس فقط (1 ).وفي غير هذه الحالات تتطلب هذه التشريعات استصدار أذن سابق من القاضي أو النيابة العامة (ومثالها قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي المادة 222). أما قانون الاجراءات الجنائية المصري فقد نص في المادة 34 علي أن المعيار الذي يجيز القبض علي المتهم هو (وجود دلائل كافية علي الاتهام ).
كما نصت المادة 63 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية علي انه لعضو الضبط القضائي أن يأمر بالقبض علي المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية علي اتهامه في الأحوال … وقد تضمنت الاستفتاء السؤال التالي:
هل تعتقد انه توجد صعوبات عملية بالنسبة لتقدير الدلائل الكافية )).
وكانت الإجابة علي الوجه التالي :
أجاب (8، 33%) بانه توجد صعوبات بالفعل .
ونفي (9، 64%) وجود صعوبات لتقدير المعيار الذي يجيز القبض .
ووجه سؤال آخر لمن أجاب بوجود صعوبات بالنسبة لتقدير معيار الدلائل الكافية .
في حالة الإجابة بنعم (أي بوجود صعوبات )اذكر اقتراحاتك في شان إعادة صياغة هذه الفقرة ، بحيث يتحدد المعيار المطلوب :
وكانت الإجابات علي الوجه التالي
(1)قصر القبض علي حالات محددة (اتجهت غالبة الآراء علي أن تكون حالات التلبس
(8/ 22%).
(2)يلزم وضع معيار أو تعريف لمدلول الدلائل الكافية (8/ 22%).
(3)استبدال عبارة (دلائل كافية ) بعبارة أخرى اكثر تحديدا (مثل دلائل ظاهرة –دلائل معقولة – دلائل مادية واضحة – دلائل واضحة محددة –مادية ظاهرة ).(8/ 22%).
(3)         قصر سلطة القبض علي بعض –وليس كل – المخول لهم سلطة الضبطية القضائية (وماثلهم الضباط القانونيين )(2/18%).
وذكر آخرون إجابات مختلفة مثل :
* ترك المعيار لتقدير المحكمة أن يكون لعضو الضبطية القضائية أن يأمر باحتجاز المتهم الذي توجد أدلة كافية علي اتهامه ، ثم يعرض الأمر علي النيابة فوراً لتقرير القبض عليه أو إخلاء سبيله .
      وبمناسبة التعرض لموضوع معايير القبض ، نري الإشارة إلي أن الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الموقعة سنة 1950 تضمنت المبادئ التالية(1[8]):
(1)  لكل شخص مقبوض عليه الحق في أن يخطر في اقصر فترة ممكنة وبلغة مفهومة بأسباب القبض عليه بالتهمة المسندة إليه .
(2)  كل فرد يحرم من حريته بسبب القبض عليه أو حبسه ، له الحق في الطعن أمام المحكمة لكي تفصل في شرعية هذا الحبس .
(ب) في مجال تحديد السلطة المختصة بإجراء التحقيق الابتدائي وتنظيم أحكامه التفصيلية ، تباينت أحكام قوانين الإجراءات المتعاقبة في جمهورية مصر العربية فبعد أن كان قانون الإجراءات الجنائية الصادر برقم 150 لسنة 1950 ينص علي اختصاص قاضي التحقيق بمباشرة التحقيق الابتدائي ، عدل القانون المذكور بمقتضي القانون رقم 107 لسنة 1962 واصبحت النيابة العامة مختصة بسلطة التحقيق ، علي أن يكون للنيابة الحق إذا رأت أن تحقيق الدعوى بمعرفة قاضي التحقيق اكثر ملائمة ، أن تطلب من رئيس المحكمة الابتدائية ندب أحد قضاة المحكمة لمباشرته (المادة 64 من قانون الإجراءات ) وقد تضمن مشروع قانون الإجراءات الجنائية أحكامها مماثلة للنظم المعمول بها حالياً في الجمهورية .
وقد وجه السؤال التالي في الاستفتاء الذي أجريناه :
هل تري العمل بنظام  قاضي التحقيق المعمول به حالياً ؟
وانقسمت الإجابات إلي 6/48% من الآراء توافق علي العمل بنظام قاضي التحقيق حسب تنظيمه الحالي في قانون الإجراءات ، بينما رفض 4/ 51% فكرة العمل بهذا النظام وتعتبر هذه النتيجة بصدق عن الانقسام في الرأي حول تحديد السلطة المختصة بأجراء التحقيق الابتدائي . وفي رأينا الا وجه الاختلاف حول الأمور التالية :
(1)  تختص النيابة العامة بوصفها سلطة الاتهام بتحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها .(1)
(2)  يختص القضاء مباشرة التحقيق النهائي والحكم في الدعوى الجنائية .
(3)  بحسب الأصل يعتبر التحقيق الابتدائي من قبل الأعمال القضائية .
وبناء عليه يتعين أن ينعقد الاختصاص في إجراء التحقيق الابتدائي للسلطة القضائية .  كما انه من المستقر عليه أن النيابة العامة تعتبر طرفاً في الخصومة الجنائية ، وبالتالي فأن تحقيق الحماية للمتهم أثناء نظر الدعوى الجنائية يتطلب وجود توازن كافي بين حقوق الاتهام وحقوق الدفاع . وهو ما يستتبع القول بضرورة الفصل بين عمل سلطتي الاتهام والحكم .
وقد تضمن الاستفتاء السؤال التالي : لم ينص المشروع الجديد علي التحقيق بمعرفة غرفة الاتهام ، بل أعطى سلطة التحقيق للنيابة العامة ولقاضي التحقيق ، فهل توافقون علي هذا الاتجاه؟.
وقد أجاب بالإيجاب (77%)
 من السادة القضاة ووكلاء النائب العام الذين تم استفتاؤهم . بينما عارض هذا التنظيم (23%) من الأصوات .
ثم وجهنا إلي السادة القضاة ووكلاء النائب العام السؤال التالي :
نظم المشروع الجديد عمل قاضي التحقيق ، فأعطي للنائب العام الحق في أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية ، ندب أحد قضاة المحكمة للقيام بالتحقيق كما قرر للمتهم وللمدعي بالحق المدني الحق في أن يطلب ذلك من رئيس المحكمة الابتدائية .
فهل توافق علي هذا التنظيم ؟
وقد كان رد (2، 66% ) بالإيجاب ، بينما عارض (1، 31%) ممن تم استفتاؤهم هذا التنظيم . وبسؤال المعترضين عن أسباب التي دعتهم إلي معارضة نظام قاضي التحقيق ، ذكروا الاعتراضات التالية:
عدد تكرار كل إعتراض
الأعراض
14
1/ إطالة إجراءات الدعوى وتعطيلها وتعقيدها.
10
2/ تعدد الجبهات التي يسأل الشهود أمامها يؤدي إلي ثغرات وتناقض ويؤثر على سلامة الأدلة ويثير إشكالات علمية.
10
3/ لا فرق بين النيابة وقاضي التحقيق. خاصة وإن النيابة تقوم بهذا العمل حالياً بكفاءة.
6
4/ إساءة استعمال المتهم والمدعى بالحق المدني لهذا  الحق.
5
5/ عدم وجود عدد كاف من القضاة خاصة إن قاضي التحقيق يجب أن يكون متفرغاً.
2
6/ الأخذ بهذا النظام يزعزع الثقة في النيابة.
2
7/ لم ينجح هذا النظام عندما كان معمولاً به. ولم يلجأ إليه إلا نادراً.
1
8/ تطبيقات النص محدودة إذ أن الأمر منوط بموافقة رئيس المحكمة الابتدائية.
1
9/ عدم مساواة المواطنين جميعاً في ظروف التحقيق و من يباشره.
1
10/ النيابة خصم شريف.
ورغم هذه الاعتراضات هذه وما أشرات إليه من عيوب اقترنت بتطبيق نظام قاضي التحقيق في الماضي، إلا أننا نرى إن الاعتراضات لا تدحض نظام مزايا قاضي التحقيق في تحقيق الحيدة و الاطمئنان للمتهم وصون حريته أثناء تمحيص الأدلة المقدمة ضده للتثبيت من سلامة الاتهام الموجه له سلطة الاتهام. هذا بالإضافة إلي أن التنظيم الحالي الذي اعتنقه قانون الإجراءات الجنائية قد أدى إلي وجود تناقض و اضطراب في أحكام القانون. و على سبيل المثال نذكر إن للنيابة أن تطلب ندب أحد القضاة للقيام بهمة التحقيق إذا ما رأت النيابة موجباً لذلك. وفي هذه الحالة يكون لقاضي التحقيق أن يطلب من أحد أعضاء النيابة أن يعاونه في بعض أعمال التحقيق (المادة 70) و يتبين الاضطراب والتناقض إذا ما قارنا الأحكام السابقة بما تقرره نصوص أخرى من حقوق للنيابة العامة باعتبارها خصماً في الدعوى الجنائية،ومثالها ما تنص عليها المادة 81 إذ تقضي بأن النيابة وباقي الخصوم أن يقدموا إلي قاضي التحقيق الدفوع والطلبات التي يرون تقديمها أثناء التحقيق. ويتجلى التناقض بما تقرره المادة (161) إجراءات إذ تنص على إن للنيابة العامة أن تستأنف جميع الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق.
وبعد نرى إن الأمر يتطلب معالجة حاسمة تفصل بين وظيفتي الاتهام والتحقيق، حتى يتحقق للمتهم ضمان هام قوامه اختصاص القضاء بكل مراحل التحقيق.
ج- نصت المادة 18 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية إن لمحكمة الجنايات ولمحكمة النقض حق التصدي برفع الدعوى على المتهمين الذين لم تقم عليهم الدعوى العامة. وأضافت تلك المادة إن للمحكمة- بعد إقامة الدعوى- أن تجري تحقيقها ثم تفصل فيها وفقاً للإجراءات المقررة في القانون.
ونرى ضرورة التمسك بالمبادئ التي أستقر عليها نظامنا القانوني. وقد عبرة المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية عن هذه المبادئ بقولها إن لمحكمة الجنايات أن تقيم الدعوى، وفي الحالة يتعين عليها أن تحليها إلي النيابة العامة لتحقيقها. ومع ذلك فللمحكمة أن تندب أحد أعضائها لقيام بإحراء التحقيق. فإذا صدر قرار في نيابة التحقيق بإحالة الدعوى إلي المحكمة وجب إحالتها إلي محكمة أخرى.
وبذلك لا تجمع المحكمة ذاتها بحق التصدي في إقامة الدعوى الجنائية ثم سلطة الحكم فيها، فإذا صدر قرار في نيابة التحقيق الدعوى إلي المحكمة وجب إحالتها إلي محكمة أخرى.
وبذلك لا تجمع المحكمة ذاتها بحق التصدي في إقامة الدعوى الجنائية ثم سلطة الحكم فيها، وذلك منعاً لخلق وضع ماس بحقوق المتهم الأساسية.
بطلان الإجراءات
يقضي قانون الإجراءات الجنائية الذي يسير العمل بمقتضاه حالياً في جمهورية مصر العربية على أن يعتبر الإجراء باطلاً في حالة عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري (المادة 331).
أما مشروع قانون الإجراءات الجديد فقد قضى بأن يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون على بطلانه أو إذا شابه عيب لم يتحقق بسببه الغاية من الإجراء. وقد وجه سؤال للسادة القضاة و وكلاء النائب العام عما إذا كانوا يوافقون على نص المشروع. وقد رد (78.4%) بالإيجاب وعارضه (21.6%).
و واقع الأمر إن المشروع إتجه إلي وضع نظرية عامة للبطلان مفرقاً بين البطلان القانوني- الذي قصره على حالات البطلان التي نص عليها القانون صراحة- وبين البطلان الذاتي ومناطه وعدم تحقيق الغاية من الإجراء المطلوب. وقد أجاز المشروع للمحكمة ألا تقضي بالبطلان وذلك إذا اعترضت لجنة الجامعات التي شكلت لتقييم المشروع و تقديم مقترحاتها في هذا الخصوص، وقالت إن نص المادة (320) من المشروع يحتمل التأويل، وذكرت مثلاً لذلك إنه قد يلزم لصحة الإجراء- كالتفتيش- مراعاة عدد من القواعد لكل منهما غاية، وقد يقال إن غاية التفتيش تتحقق بمجرد حصول الضبط، وقد يقال إن مجرد تحقق الغاية يغنى عن مخالفة أحكام الإجراءات[9].
وقد اقترحت لجنة الجامعات الصياغة التالية لنص المادة 320 من المشروع (يكون الإجراء باطلاً إذا شابه عيب بسبب مخالفة أحكامه الأساسية أو الجوهرية).
ويقول في هذا الصدد الأستاذ محمود مصطفى أنه إذا كان الغرض من الإجراء هو المحافظة على مصلحة عامة أو مصلحة المتهم أو غيره من الخصوم فإنه يكون جوهريا ً ويترتب على عدم مراعاته البطلان[10].
نظرية الإنعدام
يفرق الفقه بين الإجراء الباطل والإجراء المنعدم ويقال إن لكل عمل قانوني كيان خاص، بحيث يتحدد كيانه وتكوينه و وجوده وفقاً لتوافر عناصر معينة يعتمد وجوده على توافرها. وإذا ما تخلف أحد الأركان لا ينتج الإجراء المنعدم أثره القانوني[11].
ويلاحظ إنه يترتب على الأخذ بنظرية الانعدام النتائج التالية:
(1)    الانعدام يترتب بقوة القانون.
(2)    الانعدام لا يقبل التصحيح.
(3)    لكل ذي مصلحة الحق في التمسك به، وعلى القاضي أن يقضي به من تلقاء نفسه.
(4)    وأخيراً يقال إن الانعدام ليس في حاجة إلي تنظيم قانوني أي ورود نص صريح ينص على اعتناق هذه النظرية[12].
وقد تضمن الاستفتاء سؤالاً مضمونه: هل توافق على إدخال نظام الانعدام الإجرائي إلي جانب البطلان المتعلق بالنظام العام والبطلان النسبي؟
وكانت الإجابة على الوجه التالي (62.2%) يوافقون و (35.1%) يعارضون ذلك.
كما رؤى سؤال السادة القضاة و وكلاء النائب العام عما إذا كانت هناك ضرورة لأن ينص المشروع على ماهية الإجراء الجنائي ومضمونه حتى تسهل عملية التطبيق العملي،وعلى وجه الخصوص بالنسبة لأحكام البطلان.
وقد أظهرت نتائج الإستفتاء إن (77.7%) من الآراء تؤيد الأخذ بهذا الإتجاه، وعارضه (20.3%) فقط.
طرق الطعن في الأحكام الجنائية:
أولاً: المعارضة:
تعتبر المعارضة في الحكم طريقاً عادياً يسلكه من صدر عليه ا لحكم في غيبته وقد تضمن قانون الإجراءات الجنائية تنظيماً للإجراءات التي تتبع في شأن الطعن في الأحكام النيابية (تراجع المادة 397 و 398 وما بعدهما).
غير إن المشروع المقترح لم ينص على الأخذ بنظام المعارضة كطريق من طرق الطعن في الأحكام ولذا رأينا سؤال السادة القضاء و وكلاء النائب العام في إتجاه المشروع الجديد.
فاتجه (56.8%) منهم إلي الموافقة على عدم الأخذ بنظام المعارضة بينما عارض (43.2%)0 هذا الاتجاه الجديد.
والملاحظ إن غالبية التشريعات تجيز هذا الطريق من طرق الطعن والقلة لا تجيزه في عدم عرقلة سير الدعوى والإبطاء في الوصول إلي حكم نهائي عاجل ومع ذلك فمزايا المعارضة تربو على عيوبها. وهناك الكثير من المبررات التي تساق في هذا المجال فمثلا ً إن صحيفة الدعوى قد لا تصل إلي علم الغائب شخصياً، و إذا وصلته فقد يكون له عذر يبرر غيابه وليس من العدالة أن يحتج عليه بحكم صدر على أقوال خصومه ودون أن يتمكن هو من إبداء أوجه دفاعه.
وتضيف لجنة أساتذة الجامعات إلي ما سبق إلي أن المشرع قد آثر الإسراع في الفصل في الدعوى على حساب مصلحة المتهم. وقد يقال في تبرير إلغاء المعارضة إن أمام المحكوم عليه طريق الطعن بالاستئناف. غير إنه من المعلوم إن محكمة الاستئناف. غير إنه من المعلوم إن محكمة الاستئناف لا تجري- بحسب الأصل – تحقيقاً و بالإضافة إلي ذلك فلا يسوغ حرمان المتهم بغير مبرر من نظر قضيته على درجتين[13].
ثانياً: طلب إعادة النظر:
هو طريق عادي في الطعن في الأحكام الجنائية. فقد رأى الشارع إن بعض أخطاء القضاء تكون من الجسامة و الوضوح حيث تستاهل التصحيح والتضحية بمبدأ قوة الشيء المقضي به. ولذلك أجاز قانون الإجراءات الجنائية طلب إعادة النظر في الأحكام النهائية الصادرة بالعقوبة في مواد الجنايات والجنح (المادة 441/1) وذلك حسب الشروط في الأحوال المبينة في القانون.
و رؤى  استطلاع الرأي في هذا النظام، وكانت نتائج الإستفتاء حسب التالي:
(89.2%) من الآراء ترى ضرورة التمسك بنظام إعادة النظر، بينما اتجه (9.5%) من الآراء إلي إلغائه.
رد الإعتبار:
نص المشروع الجديد على آجال يكون فيهال رد الإعتبار وجوباً وهي أربع سنوات إذا كانت العقوبة جنائية و سنتان إذا كانت العقوبة جنحة، وقد رأينا سؤال السادة القضاة و وكلاء النائب العام إذا كانوا يوافقون على هذا المدد.
وأسفر الإستفتاء عن موافقة (66.2%) على المدد المشار إليها، بينما عارضها (31.8%).
وبسؤال من أبدوا عدم موافقتهم في الآجال التي تضمنها المشروع لرد الإعتبار، عن المدد التي يقترحونها بالنسبة للجنايات أدلوا بالنتائج التالية:
النسبة المئوية
المدة المقترحة
13%
سنتان
8.7%
3سنوات
4.3%
4 سنوات
21.7%
5 سنوات
4.3%
6 سنوات
4.3%
7 سنوات
4.3%
8 سنوات
4.3%
10 سنوات
4.3%
تترك دون تحديد
4.3%
نصف المدة المحكوم بها
4.3%
بحد أدنى سنة
و اقترحوا المدد التالية بالنسبة لرد الاعتبار في الجنح0:
النسبة المئوية
المدة المقترحة
4.3%
ستة شهور
17.4%
سنة
12.7%
سنتان
3.4%
3سنوات
8.7%
5سنوات
4.3%
نصف مدة العقوبة بحد أدنى سنة
4.3%
تترك دون تحديد
و اقترح البعض مضاعفة المدة اللازمة لرد الاعتبار إذا كان الشخص من ذوي السوابق. ونود أن ننبه إلي أن نظام رد الاعتبار لا يتعارض مع القول بوجوب توفير العمل لكل محكوم عليه فور الإفراج عنه. وعلى هذا الأساس شروط اللياقة لشغل الوظائف العامة ألا يكون قد سبق الحكم على الشخص بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره في الحالتين.
ولهذا الاعتبار أقترحنا الأخذ بالنظام التالي:
يعتبر العزل أو الحرمان من تولي الوظيفة أو مهنة تدبيراً احترازياً لا يحكم به إلا في الحالات التي يتضح فيها للمحكمة إن الجاني- بممارسته لهذا العمل أو هذه الوظيفة- يظهر خطورة إجرامية قوامها إحتمال إساءة ممارسة هذا العمل أو الوظيفة مستقلا ً في إرتكاب جرائم جديدة. وإن الواضح إن مثل هذا الحرمان لا يتعارض مع إباحة اشتغال الجاني في مجال آخر يرتزق منه- ولو كان ذلك العمل في وظيفة حكومية أخرى(1).
الإشراف على المؤسسات العقابية:
أعطى المشروع الجديد لأعضاء النيابة العامة وقاضي التنفيذ وقاضي التحقيق ورئيس المحكمة الابتدائية ورئيس المحكمة الاستئنافية ورئيس محكمة النقض حق الدخول للمؤسسات العقابية من أجل الإشراف القضائي على المنشآت العقابية.
وبسؤال السادة الذين تم استفتاؤهم عن رأيهم في هذا الاتجاه، أيده (82.4%) ، بينما عارض الأخذ به )61.2%).
وقد وجه إليهم سؤال آخر عما إذا كانوا يرون قصر حق الإشراف القضائي على قاضي التنفيذ، فأبدى (28.4%) موافقتهم على هذا الاتجاه بينما عارضه (68.9%).
تسليم المجرمين والإنابة القضائية:
تضمن المشروع قواعد خاصة لتنظيم تسليم المجرمين و الإنابة القضائية وذلك في الكتاب الخامس (البابان الاول والثاني ) وقد سئل المستفتون عما إذا كانوا يوافقون على تضمين مشروع قانون الإجراءات هذه الأحكام. فرد 77% بالإيجاب، بينما عارض هذا الإتجاه (17.6%) و وجه السؤال التالي لمن أجاب بالنفي:
طالما إنك تعارض تضمين قانون الإجراءات نصوصاً لتنظيم الإنابة وتسليم المجرمين، فما هو إذن القانون الذي تراه أكثر ملائمة لتنظيم هذه الأحكام.
وكانت الردود موزعة على الوجه التالي:
القانون الدولي الخاص               30.8%
المعاهدات والاتفاقات الدولية        61.5%
القانون الدستوري                   7.7%
مما سبق يبدو واضحاً إن هناك ثورة حديثة في تنظيم العدالة الجنائية. وأنه لكي يمكن لنا المسير في ركاب هذه الثورة فلابد أن نعرف أي نحن حتى نحدد الطريق ونقول إلي أين نسير. وإذا ما تحددت الأهداف فلابد من إستخدام الوسائل العلمية التجريبية حتى تتبين لنا تلك العلاقات القانونية والإجرائية الإجتماعية التي تسربت لها قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا و حاجاتنا المحلية. وطريق التعديل طريق طويل وحاجتنا إليه ماسة فلا تسرع ولا تهيب ولا خشية ولا رهبة فالعلم للجميع.
[1]  د. محمد ابراهيم زيد – الاتجاهات الحديثة في تنظيم العدالة الجنائية : الحلقة العربية الثانية للدفاع الاجتماعي – المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ، جامعة الدول العربية ،1970 صفحة 7.
(1)     أنظر التقرير العام في المؤتمر العاشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات
Rev Inter .de dr . pen روما 1969Johannes AndenaesNO.314,P.659.
[3] (1)د . حسن صادق المرصفاوي ود محمد ابراهيم زيد معايير القبض دراسة ميدانية –المجلة الجنائية القومية مارس 1970 صفحة 3.
(1 )د. محمد ابراهيم زيد : السياسة الجنائية التنفيذية ، مجلة مصر المعاصرة يوليو 1970 – العدد 341 صفحة 135.
[5] معايير القبض – دراسة مقارنة ودراسة ميدانية – د. حسن صادق المرصفاوي د. محمد ابر أهيم زيد ، منشورات للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية سبتمبر 1968 صفحة 11-17.
(1) وحير وصف مختصر لهذه المصطلحات ما سنعرضه في شان القبض والاستيقاف والحبس الاحتياطي من الدراسة التي قام بها كم من :د حسن صادق المصفاوي معايير القبض ..المرجع السابق .
(1)     دكتور محمد إبراهيم زيد – الاتجاهات الحديثة في تنظيم العدالة الجنائية ، تقرير مقدم في الحلقة الدراسية التي قدمها المركز القومي للبحوث الاجتماعية في الآفاق الحديثة في تنظيم العدالة الجنائية ، 1971 ص 9 .
(2)     قام بصياغة استمارة استطلاع الرأي والتخطيط للعمل الميداني د محمد إبراهيم زيد ،وقام الدكتور عادل بتحليل المادة التي جمعت
0(1)يراجع الدكتور احمد فتحي سرور في الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية 1970 ، ص 66
(1)  يراجع الأستاذ / مدحت لطفي- الإتجاهات الحديثة في مشروع تقنين الإجراءات الجنائية، في الحلقة الدراسية عن الآفاق الحديثة في تنظيم العدالة الجنائية سابق الإشارة إليه ص62.
(2) يراجع الدكتور محمود مصطفى، شرح قانون الإجراءات الجنائية 1964 ص34.
(3) يراجع الدكتور أحمد فتحي سرور- نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية 1959، ص178-179.
(4) يراجع الدكتور أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص184.
(5) يراجع الأستاذ مدحت لطفي، المرجع السابق، ص65.
خبير أول بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – القاهرة
أستاذ مساعد لقانون العقوبات لكلية الحقوق – جامعة القاهرة فرع الخرطوم .
دكتوراه في القانون