بواسطة باحث قانوني
صحة الرضا
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم والصلاة والسلام على الحبب المصطفى

مقدمة :

المبحث الأول: مفهوم الرضا وأهليته
المطلب الأول: تعريف الرضا
المطلب الثاني : أهلية الرضا

المبحــــــــث الثــــــــــاني : عيوب الرضا
المـطـــــلب الأول : الغــــــــلط
المطــــــلب الثـــــــاني : الغش والخداع أو التدليس
المـطلــــــب الثالث : الإكــــــــــراه

الخاتمة

المبحث الأول: مفهوم الرضا وأهليته
الرضا هو الركن الأول في عقد البيع,إذيشترط إقتران إرادتين متطابقتين أي وجود إيجاب معين وقبول مطابق له , واقتران الأخيربالأول أي وصوله إلى علم موجب , وتسري على تبادل الإيجاب والقبول الأحكام العامةالتي نص عليها المشرع في المواد 59 إلى ما بعدها.
وبصفة عامة يجوز التعبير عن كلمن الإيجاب والقبول باللفظ والكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا.
إلا أنه استثناءهناك حالات نص عليها القانون , يباع الشيء على صاحبه فلا يشترط رضاه مثل نزع ملكيةشيء مملوك للمدين وفاء لدين عليه ونزع الملكية للمصلحة العامة.

المطلب الأول: تعريف الرضا
يشترط في العقد إقتران إرادتين متطابقتين وهذا ماسبق أن عرفناه , لأجل إحداث أثر قانوني معين وهذا يعبر عنه بالرضا.
وبما أنإرادة الشخص هي أمر كامن بذاته فلابد لها إذا أن تخرج إلى العالم الخارجي وذلكبالتعبير عنها حتى تتطابق مع إرادة أخرى وبالتالي انعقاد العقد. و تنص المادة 59 منالقانون المدني الجزائري على أنه:
“يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عنإرادتهما المتطابقتان دون الإخلال بنصوص القانونية”
والمشرع الجزائري لم يكتفيبالقول بأن العقد يتم بتوافق الإرادتين بل أكد من خلال المادة 60 عن طرق التعبير عنهذه الإرادة حيث “التعبير عن الإرادة يكون باللفظ و بالكتابة أو بالإشارة المتداولةعرفا كما يكون باتحاد موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه. و يجوز أن يكونالتعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكونصريحا”

المطلب الثاني : أهلية الرضا
إشتراط التمييز في أهلية الأداء أمر طبيعي ،كي يكون من الممكن أن تصدر عنه تصرفات يعتمد بها القانون وهي تتدرج مع التميز وجودا وعدما ،إذ أعطى القانون الأهلية لشخص فلا يجوز الإتفاق على حرمانه منها كما لايجوزالإتفاق على إعتبار شخص ما مكتمل الإهلية حين يعتبره القانون ناقصها تتأثر الأهلية بحسب السن فبنسبة لصبي غير المميز فقدان التمييز فليس له ان يقوم بأي تصرف حتى ولو كان نافعا نفعاً محضاً
كقبول الهبة مثلاً وإلا عد تصرفه باطلاً.
أما الصبي المميز فتكون أهلية الأداء ناقصة ،فله أن يقوم بالتصرفات التي تعود عليه بنفع المحض كقبول الهبة أما التصرفات التي تنطوي على التبرع فتقع منه باطلة ،أما التصرفات التي تقبل الربح والخسارة وتدور بين النفع والضر فهي موقوفة على إجازة الولي في الحدود التي يجوز فيها التصرف إبتداء أو إجازة القاصر بعد بلوغه سن الرشد .
اما البالغ سن الرشد – تمام الأهلية – فإذا بلغ السن 13 متمتعا بقواه العقلية ولم يكن محجورا عليه عداً مكتملاً لإهليته فله أن يقوم بكافة انواع التصرافات وهو يستمر على ذلك مالم يصرأ عليه شيء من عوارض الأهلية ،وعوارض الأهلية قد تصيب العقل وقد تفسد التدبير لدى الإنسان وقد تكون عبارة عن عاهة مزدوجة – أصم ، أبكم – فيتعذر عليه إذن التعبير عن إردته .

المبحــــــــث الثــــــــــاني : عيوب الرضا

المطلب الأول : الغــــــــلط
تعريف : الغلط هو الاعتقاد بصحته ما ليس بصحيح أو بعدم صحة ما هو صحيح و هو عيب من عيوب الرضا : إذا يسمح القانون لمن وقع فيه أن يطلب إبطال العمل الحقيقي ، عندما يبلغ حدا كافيا من الجسامة .
(مثال ذلك أن يعقد شخصان عقدا ، الأول منهما يبغى من وراء هذا العقد بيع ماله ، والثاني يعتقد إستجاره
-و مثاله أيضا أن يشتري إنسان شيئا يعتقد أنه قديم بينما هو حديث
– و العكس ، فإذا ذكرت في العقد، بعض الشروط ثم لم تتوفر فإن العقد لا يوصف بأنه قابل للإبطال للغلط، وإنما يكون صحيحا قابلا للفسخ لعدم إمكان تنفيذه بالصورة المتفق عليها.
-انواع الغلط
1- النوع الأول من الغلط : هو الغلط المانع الذي يبطل العقد بطلا مطلقا، بعبارة أخرى ، هو الغلط الذي يعدم الرضا ، و يكون في ماهية العقد ، أو في ذاتية محل الالتزام ، أو في سبب الالتزام.
2- النوع الثاني من الغلط : هو الغلط المعيب للرضا الذي يبطل العقد بطلانا نسبيا ، و يكون في حالتين هما الغلط في مادة الشيء ، والغلط في شخص المتعاقد ، إذا كانت شخصيته محل اعتبار.
3 – النوع الثالث من الغلط : هو الغلط الغير مؤثرالذي أثره له في صحة العقد ، أي الغلط فيه صفة غير جوهرية.
المشرع الجزائري وضع معيار عاما ، و أخذ بالمعيار الذاتي في المادتين 81 و 82 من القانون المدني .
حسب المادة 81 : ” يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد ، أن يطلب إبطاله.”
و تضيف المادة 82 من نفس القانون .” يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع عن إبرام العقد لو يقع في هذا الغلط “.

المطــــــلب الثـــــــاني : الغش والخداع أو التدليس
التغرير هو أن يخدع أحد المتعاقدين الآخر بوسائل احتيالية قولية أو فعلية تحمله على الرضا بما لم يكن ليرضى به بغيرها.
يلاحظ في تعريف التغرير أنه لا يعتبر في الواقع عيباً من عيوب الرضا وإنما هو علة لعيب آخر هو (الغلط في محل العقد) لأنه الغلط قد يكون تلقائياً أي ينزلق إليه الشخص من تلقاء نفسه أو يكون مستثاراً ، أي تثيره في الذهن الحيل التي استعملت مع العاقد وفي كلا الحالتين يكون العقد معيباً .
وذلك حسب المادة 86 الفقرة 1 من القانون المدني : ” يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها المتعاقدين أو النائب عنه ، من الجسام بحيث لولاها لما إبرام الطرف الثاني العقد “.

· أنواع التغرير :
1- قوليا ، أي ناتج عن قول المتعاقد الآخر (كقوله هذه الساعة كانت تعود ملكيتها في يوم من الأيام لبلقيس ملكة سبأ ، فيقع ذلك في نفس المشتري ويقبل بالشراء ظنناً منه أنها ثرية).
2- فعليا ، أي ناتج عن فعل المتعاقد الآخر (كصبغ الثوب القديم ليظهر بأنه جديد وهكذا).

· عناصر التغرير :
لكي يكون التغرير عيباً من عيوب الرضا لا بد له من عناصر أو شروط هي :
1-استعمال الحيلة : لأن الحيلة قد تكون بصور شتى ومختلفة بإ ختلاف حالة العاقد المغرور ، فهي بذلك تكون وفق معيار ذاتي ، بحيث تتكون هذه الحيل من وقائع إيجابية أي من تأكيدات كاذبة تسندها طرق احتيالية بقصد إخفاء حقيقة الأمر عن المتعاقد .
2- نية التضليل للوصول إلى غرض غير مشروع : لابد في الحلية التي يستعملها المتعاقد في التغرير مصحوبة بنية التضليل والخداع للوصول إلى هدف غير مشروع ، فبدون نية التضليل والخداع ، لا نكون أمام تغرير كحال بعض الباعة الذين يختارون أحسن الأوصاف لسلعهم والتي تصل إلى درجة المبالغة بغرض الترويج لها فهذا يعتبر من قبيل الكذب المباح الذي لا يؤثر على صحة الرضا ، وحتى لو ابرم المتعاقد العقد نتيجة لهذا العمل فله الحق بالطعن في هذا العقد على أساس الغلط لا على أساس التغرير أو التدليس…كما يجب أن يكون الهدف من التضليل هو الوصول الى غرض غير مشروع وإن كان الغرض مشروعاً فلا نكون أمام تغرير كما لو استعمل المودع طرق احتيالية بهدف تضليل المودع عنده لحمله على الإقرار بوجود الوديعة لديه إذا تبين له عدم أمانته.
3-أن تكون الحيلة مؤثرة : يقصد بها أن تكون الحيلة قد بلغت من الجسامة حداًُ يعتبر دافعاً للمتعاقد على التعاقد وجسامة الحيلة يرجع فيها إلى معيار ذاتي أي متعلق بشخصية المغرور أي أنها تتوقف على حالة المغرور (أي الشخص المدلس عليه) فهناك أناس يسهل خداعهم وأناس من الصعب خداعهم.

المـــــــطلـــــــب الثالث : الإكــــــــــراه
تعريف : الإكراه هو الضغط المادي أو المعنوي الذي يوجه إلى شخص بغية حمله التعاقد.
او هو الضغط بقصد الوصول إلى غرض مشروع يعترض له العاقد، فيولد في نفسه رهبة تدفعه إلى التعاقد.
للإكراه عند دراسته إطارين يتمثل الأول بالإكراه المعدم للرضا كمن يمسك بيد المُكره ويجبره على توقيع عقد تفيد التزامه يشيء معين . فهنا تكون الإرادة معدومة وبالتالي يترتب عليه بطلان العقد ومنه فان الاكراه هو الذي يصيب اختيار الشخص ، فهو يعلم ما هو مقدم عليه لكن هذا لا يقع منه وهو بكامل حريته ، وانما تحت تهديد واجبار .مما يجعل هذا الاكراه مفسد للرضا لكنه لا يعدمه مطلقا
شروطه : لكي يكون الإكراه عيباً من عيوب الرضا لابد من توافر شروط هي :
1-عدم مشروعية الإكراه (( إذا كان الغرض من الإكراه هو الحصول المُكره على شي ليس له فيه حق كان الإكراه غير مشروع كمن يهدد شخص بالتشهير به إن لم يحصل على قطعة أرض يملكها فهنا يكون الإكراه غير مشروع ، إلا انه قد يكون الإكراه مشروعاً أي الغاية منه حصول المكره على حق له كالمودع الذي يهدد المودع له بإبلاغ النيابة العامة إن لم يوقع له على سند بما أودعه عنده في حالة تبديد المودع عنده بالوديعة ، فهنا على الرغم من أن الإكراه له تأثير على الإرادة إلا انه يعتبر مشروعاً ولا يمكن الاعتداد به (لوقف العقد)
2-قدرة المكره على إيقاع ما هدد به (( فيشترط ان يكون المكره قادرا على ايقاع ماهدد به وان يغلب على ظن المكره وقوع الاكراه عاجلا ان لم يفعل ما اكره عليه.
بمعنى ان يكون الشخص قادرا على ايقاع تهديده والا ما قام به الاكراه ولكي تعتبر الرهبة قائمة على نفس الشخص يجب ان يغلب على ظنه ان هناك خطر يتهدده اذا لم يستجب لارادة المكره حتى ولو كان ذلك في مخيلته فقط وليس حقيقة فالشخص الذي يهدد اخر ببندقية ليس بها عيار ناري فيبعث الرهبة في نفس الاخير مما يجعله يرضخ لمشيئته ويبرم معه التصرف المطلوب ، فلا شك ان هذا الشخص قد تعرض لإكراه في ابرامه للتصرف )).
3-بعث الرهبة في نفس المكره ((الإكراه في ذاته لا يعيب الرضا وإنما يعيبه ما يولده في نفس المكره من رهبة ، وهذه الرهبة عاده ما تنبعث من التهديد بإلحاق الأذى بالنفس كالقتل أو بالجسم كالضرب أو بالمال كالإتلاف ولا يشترط في الرهبة أن يكون التهديد بإلحاق الأذى خاصاً بشخص المتعاقد أو بماله وشرفه وإنما يشمل كل من يرتبط معه برابطة القرابة والنسب وللرهبة شروط هي :
– أن تكون قائمة على أساس ظروف الحال التي تصور للطرف المكره أن خطراً محدداً ، وعليه لا يعتبر التهديد العام دون بيان نوع الخطر الذي قد يصيب المكره لا يعتبر إكراهاً مفسداً للرضا.
– أن يكون الخطر جسيماً ، معيار تحديد جسامة الخطر هو معيار ذاتي ، يرجع في تقديره إلى ظروف المتعاقد الشخصية من حيث جنسه بأن يكون ذكراً أو أنثى ، ومن حيث حالته الجسمانية بأن كان شاباً أو شيخاً ، ومن حيث حالته الاجتماعية بأن كان متعلماً أو أميا ، ومن حيث ظروف الزمان كظرف الليل أو الوحدة ، وتطبيقاً للمعيار الذاتي فأن استعمال وسائل غير جدية كأعمال الشعوذة قد يفسد الإكراه الرضا ولو كان الخطر المهدد به وهمي ، ويشترط بصفة عامة في جسامة الخطر أنه لا يكون بإمكان المكره تلافيه بسهوله ، لأنه إذا كان بإمكانه الإفلات ولم يفعل فلن يقبل منه الادعاء بفساد الرضا.
– أن يكون الخطر محدقاً ، أي وشيك الوقوع ، فالخطر الحال هو الذي يولد عادة الرهبة في نفس المتعاقد ،بعكس التهديد بخطر مستقبل فقد لا يولدها لاحتمال تلافيه مع فسحة الوقت ، إلا أن هذه القاعدة لا يجوز الأخذ بها على إطلاقها ، لأن العبرة في تقدير الخطر هو بما يولده من رهبه حالة لا بكونه هو حالاً أو مستقبلاً .