دعوى الإلغاء- تعريفها. حكومة جمهورية السودان الديمقراطية

المحكمة: المحكمة العليا
العدد: 1981
المبادئ:
قانون إداري – دعوى الإلغاء- تعريفها.

دعوى الإلغاء هي دعوى يرمي رافعها إلى الحصول على حكم بإلغاء القرار الإداري النهائي، ولذلك فهي ليست دعوى قاصرة على إعلان حق أو الاكتفاء بتقرير حقيقة.

عليه فالحكم الصادر ليس حكماً تقريرياً فحسب بل هو حكم يترتب عليه إلغاء القرار الإداري المعيب.

الحكم:
المحكمــة العليــا
عبد الرحمن محمد عبد الله الطاعن

ضـــد
1- حكومة جمهورية السودان الديمقراطية

2- علي النعيم علي المطعون ضدها

م ع/ط م /159/1981م

الحكـــم

26/7/1984

القاضي د. علي إبراهيم الإمام:

هذا طعن بطريق النقض ضد الحكم الصادر من محكمة استئناف الجزيرة والنيلين الذي أمرت بمقتضاه بشطب عريضة الطعن الإداري الذي تقدم بها الطاعن لعدم تجاوبه مع أمر المحكمة السابق بتقديم عريضة طعن أفضل.

من ناحية الشكل يلتمس الطاعن التجاوز عن مدة التأخير في تقديم طلبه أمام هذه المحكمة ويذكر أنه قد تأخر لمدة خمسة أيام عن الموعد المحددة بسبب عدم تمكنه من الاتصال بمحاميه ولظروف رمضان وموسم الأمطار.

ومن ناحية الموضوع يحتج الطاعن بأن ليس هناك في المادتين 309 و 313 من قانون الإجراءات المدنية ما يشير إلى أن ولاية المحاكم ورقابتها على القرارات الإدارية قاصرة على إصدار أحكام تقريرية وأن ولاية المحاكم في إنجلترا تمتد إلى تكليف المحكمة العليا للمحاكم الدنيا برفع يدها عن أي دعوى وإحالتها للمحكمة العليا للفصل فيها أي ما يعرف بالـ Certiorari ولهذا يرى ضرورة ضم المطعون ضده الثاني للدعوى ولا يرى مبرراً لاستبعاده لأن الطعن المقام أساساً ضد القرار الإداري الذي منح بموجبه قطعة الأرض التي يدعي الطاعن أنه أحق بها.

في رده على عريضة الطعن اعترض المطعون ضده الثاني على مد المواعيد ذاكراً أن الأسباب التي ساقها الطاعن كعذر للتأخير لمدة خمسة أيام تناقض بعضها البعض. ومن ناحية الموضوع أفاد المطعون ضده الثاني في رده أنه يحوز القطعة موضوع النزاع منذ اثنين وعشرين سنة وأن الطاحونة التي يدعي الطاعن ملكيتها لا صلة لها بهذه القطعة وقد كانت مشيدة على قطعة أخرى أصبحت شارعاً نتيجة لتخطيط المنطقة.

طلب الطعن مقبول من ناحية الشكل لأن العذر الذي ساقه الطاعن معقول ومقبول ولم أتبين وجه التناقض في الأسباب التي قدمها الطاعن فهو قد تأخر لمدة خمسة أيام ولم يتمكن من تقديم طلبه في الموعد المحدد له لظروف قاهرة هي ظروف موسم الأمطار التي أضاف إليها حلول شهر رمضان وعدم تمكنه من الاتصال بمحاميه.

يبني الطاعن عريضة طعنه الإداري ضد المطعون ضدها الأولى (حكومة السودان محافظة مديرية النيل الأزرق) والمطعون ضده الثاني على أن مساعد المحافظ لمنطقة شمال سنار كون لجنة لتخطيط أراضي حي فنقوقه الغربية بالمدينة وتخصيص أراضيها للمستحقين. وقد منحت لجنة التخطيط قطعة الأرض التي يحوز عليها للمطعون ضده الثاني متجاوزة بذلك مبدأ أساسي هو مبدأ أفضلية التخصيص. وبحرمانه من القطعة التي كان يحوز عليها أصدرت اللجنة قراراً مجحفاً وأساءت استعمال السلطة الممنوحة لها بتجاوز مبدأ أفضلية التخصيص.

وفي 30/3/1981 قررت محكمة الاستئناف أن ليس من سلطاتها إصدار أمر بمنح قطعة الأرض للطاعن أو استبدال اسمه باسم المطعون ضده الثاني وان كان ما يمكن أن تصدره هو حكم تقرري declaratory ولهذا رأت المحكمة حذف اسم المطعون ضده الثاني وتقديم عريضة دعوى أفضل بهذا المعنى. ولما لم يمتثل الطاعن لهذا الأمر قررت محكمة في 27/6/81 شطب عريضة الطعن الإداري فكان الطعن المقام أمامنا.

بداية نقرر أن ما ساقه المطعون ضده كرد على عريضة الطعن المرفوع أمام هذه المحكمة لا يصلح لدفع الأسباب التي برر بها الطاعن طلبه ذلك لأن الطاعن يطعن في صحة قرار محكمة الاستئناف القاضي باستبعاد المطعون ضده الثاني من الدعوى بمقولة أن ما سوف يصدر هو حكم تقريري ولهذا يلزم تقديم عريضة أفضل – في حين أن المطعون ضده الثاني يتكلم في رده عن أحقيته لقطعة الأرض مثار النزاع تأسيساً على حيازته الأسبق والأفضل.

المسألة المثارة أمامنا لا تتعلق بموضوع الحيازة الأفضل وانما تتعلق بطبيعة الحكم الذي سوف يصدر وأثره وعلاقة المطعون ضده الثاني بفحواه وتأثره به مما يستوجب ضمه واستبعاده من عريضة الطعن الإداري. بمعنى آخر أن المسألة المطروحة أمامنا هي مدى صحة قرار محكمة الاستئناف المطعون ضده الثاني من عريضة الدعوى وتقديم عريضة طعن إداري أفضل بحجة أن ما سوف يصدر هو حكم تقريري لا يتأثر به المطعون ضده الثاني تأثيراً مباشراً ولهذا فلا مبرر لضمه الطعن الإداري.

رغم أن القانون الإداري قانون حديث ما زال في طور التكوين وما زالت مبادؤه وقواعده تتبلور وتتشكل في مختلف أنحاء العالم وبصفة خاصة في بلادنا حيث هو أكثر حداثة في التطبيق والتفسير.

ورغم أن المشرع السوداني اكتفى بنصوص قانونية قليلة في قانون الإجراءات المدنية في هذا المجال تاركاً أمر بلورة هذا القانون وإرساء أسسه وقواعده وتطبيقاته للمحكمة القضائية ولقضاء المحاكم. رغم كل هذا فإن هناك مبادئ أساسية استقرت هنا وهناك وتبناها المشرع في تشريعاته المتلاحقة وأول هذه المبادئ هو رد المظالم ومراجعة القرار الإداري بما يكفل تحقيق هذه الغاية وثاني هذه المبادئ هو الوصول لهذه الغاية عن طريق دعوى إلغاء القرار الإدارية أو التعويض وقد أشار قانوننا إلى دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في المادة 315 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1974 والتي تقابل المادة 315 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983 وكذلك المادة 425 من قانون المرافعات المدنية لسنة 1972 الملغي.

ونص هذه المادة كما يلي:-

“لا يجوز تنفيذ الحكم الصادر بإلغاء القرار الإداري أو التعويض عن الضرر الناتج منه إلا إذا صدر نهائياً بالفصل في الطعن فيه بطرق الطعن المتاحة أو بفوات ميعاد الطعن”.

ويفهم من هذا النص أن حكماً قد يصدر بإلغاء القرار الإداري وأن هذا الحكم يجوز تنفيذه فيما بعد وهو بهذه الصفة لا يكون حكما تقريرياً فحسب declaratory judgment بل هو حكم يترتب عليه إلغاء القرار الإداري المعيب ذلك لأن دعوى الإلغاء تهدف كما ذكر الدكتور محمد الشافعي أبو راس في مؤلفه القضاء الإداري” (في ص 195) تهدف “إلى تطهير الجو القانوني من أن يحوي قرارات إدارية غير مشروعة” ولهذا كما قال الدكتور الشافعي أبو راس في مؤلفه سالف الذكر في صفحة 194 فإن الإدارة تختصم عادة فيها لتدافع عن قرارها المطعون فيه إذ سيوجه إليها فيما بعد طلب تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى ذلك لأن دعوى الإلغاء – كما عرفت- عبارة عن دعوى يبغي رافعها الحصول على حكم بإلغاء قرار إداري نهائي-

ولهذا فهي لا تتدخل في كيفية صدور القرار الإداري من حيث ملاءمته من الناحية التقديرية أي في وزن مناسبة القرار الإداري مما يدخل في صميم اختصاص السلطة التقديرية للجهة الإدارية صاحبة القرار- ولكن مراقبة المحكمة لازمة للتأكد من مشروعية القرار – أي للتأكد من عدم صدوره من جهة غير مختصة أو لعدم وجود عيب فيه في الشكل أو للتأكد من عدم إساءة استعمال السلطة. وقد أخذ بهذا الرأي القانون المصري فقها وقضاء (راجع مؤلف الدكتور الشافعي سالف الذكر – ص 195) كما أخذ به القانون الأمريكي حينما نص جزء من المادة 706 (قانون الإجراءات الإدارية الباب الخامس).

Administraative procedure Act title. The reviewing court shall:

1. compel agency action unlawfully withheld or unreasonably delayed : and

2- hold unlawful and set aside agencey action: findings and conclusions found to be:

(A) arbitrary capricious and abuse of deseretion or otherwise not in accordance with law.

(B) Contrary to constitutional right: power, privilege or immunity;

(C) Contrary to constitutional jurisdiction, authority or limitations or short of statufory right?

(D) Without observance of procedure required by law.

وقد ساقت الأسباب الواردة بعالية كمبرر لرفع دعوى الطعن الإداري المادة 313(ج) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1974. وعندما تقرأ هذه المادة مع المادة 315 من نفس القانون نصل لنتيجة واحدة وهي أن قانوننا يقرر إقامة دعوى الإلغاء أو دعوى التعويض للأسباب سالفة الذكر.

ونخلص من كل هذا إلى أن الدعوى التي أقامها الطاعن هي دعوى لإلغاء قرار إداري وليست دعوى تقريرية قصد منها إصدار حكم تقريري declaratory judgment كما قررت محكمة الاستئناف ولهذا فإن ضم المطعون ضده الثاني للدعوى وللخصومة أمر ضروري ولازم لأنه بالتأكيد يتأثر بنتيجة القرار الذي سوف يصدر في الطعن الإداري الذي خصصت بموجبه قطعة الأرض له، ذلك لأن إلغاء القرار الإداري المطعون فيه يعني بالضرورة فقدانه لقطعة الأرض مثار النزاع.

ولهذا فليس هناك ما يدعو لتقديم عريضة دعوى أفضل. وعليه ولكل ما تقدم أمر بما يلي:-

1- يقبل الطعن ويلغى الحكم المطعون فيه.

2- يضم المطعون ضده الثاني للدعوى.

3- تعاد الأوراق لمحكمة الاستئناف لموالاة السير في إجراءات الطعن الإداري وفقاً لما جاء بهذا المذكرة وبعريضة الطعن الإداري الأصلية.

4- لا أمر بشأن الرسوم.