كيف يُسهم الوعي في حفظ الحقوق، والأحكام القضائية في ردع المخالفين؟

تُعدّ الثقافة القانونية مُسهمًا كبيرًا في التقليل من الشكاوى والبلاغات المتعلقة بالمخالفات في الأسواق، فهي ترسّخ لدى المستهلك ومزوّد الخدمة الحقوق والواجبات لكلٍ منهما، الأمر الذي ينتج عنه معرفة كليهما للقوانين المنظمة للعملية الاستهلاكية والعقوبات المقررة ضد المخالفين. وفي هذا الجانب تقوم الدائرة القانونية في الهيئة العامة لحماية المستهلك بجهود كبيرة اتجاه الشكاوى المقدمة من قبل المستهلكين لاتخاذ الاجراء اللازم بحق المخالفين، تطبيقاً لقانون حماية المستهلك. وتسلّط صفحة “المستهلك” لهذا الأسبوع الضوء على هذه الجهود عبر آراء متعددة.

العقوبات الجزائية والغرامات الإدارية آتت أكلها

بداية قال محمود بن راشد المطاعني مدير الدائرة القانونية بالهيئة بالندب: كما هو معلوم أن حماية المستهلك في اتخاذها للإجراءات اللازمة في تلقي الشكاوى وضبط المخالفات والتحقق فيها، لها أن تتصرف في المخالفة على نحوين، إما قضائياً أو إدارياً. وينطوي التصرف القضائي على إحالة ملف القضية إلى الجهات القضائية – الادعاء العام – أما التصرف الإداري فيكون إما بتوقيع مخالفة إدارية والتي تتمثل بالغرامة الإدارية أو يحل موضوع المخالفة بالتسوية الودية إذا كانت المخالفة واردة بشكوى من أحد المستهلكين.

حلّ الشكاوى

وأضاف المطاعني بأن هذه الصلاحية تأتي في مضمون المادة 35 من قانون حماية المستهلك رقم 66/2014م والتي نصت على أنه “يتم ضبط المخالفات وتحقيقها والتصرف فيها إداريا أو قضائيا حسب الأحوال على النحو الذي تحدده اللائحة، وطبقا للقوانين واللوائح والقرارات المعمول بها”، وأوضح بأن التسوية تعتبر أول السبل التي تحاول الهيئة جاهدة في التوصل لها لحل النزاعات المعروضة، وذلك لما لها من إيجابيات تعود على جميع الأطراف، ومن أهم هذه الإيجابيات أن التسوية الودية تهدف إلى تعاون جميع الأطراف لحل الخلاف بشكل أسهل وأسرع وتوفر على الأطراف المسؤوليات والالتزامات والمشقة التي قد تقع عليهم إذا ما أحيلت القضية إلى جهات القضاء، كما أنها تخفف العبء على جهات القضاء المتمثلة في الادعاء العام والمحاكم.

وبالحديث عن الغرامات أوضح المطاعني بأنه بالنسبة لمجموع الغرامات الإدارية خلال الفترة من 2015 الى 2017 فقد قدّرت بحوالي (689,234) ريال عماني، بإجمالي 3491 مخالفة، أما الغرامات القضائية فقد بلغت حصيلتها حوالي (1,502025) ريال عماني خلال نفس الفترة.

في ضوء المتغيرات

تقول فاطمة بنت سالم الحجرية رئيسة قسم الدراسات والبحوث القانونية بالندب في الهيئة بأن قانون حماية المستهلك الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 66/2014 جاء كخير خلف لقانون حماية المستهلك السابق الذي لم يعد يلبي الحماية الكافية للمستهلك في ضوء المتغيرات الحاصلة في المنظومة الاقتصادية والاستهلاكية ، والذي أدى بالتالي إلى غياب الردع الكافي لمخالفي أحكامه؛ حيث ورد في القانون تعريفات لكلمات وعبارات جديدة لم تكن معرفة في قانون حماية المستهلك المُلغى كتعريف مصطلح التداول، والإعلان المضلل ، والعيب ،والمواصفات القياسية. وتضيف بأن القانون الحالي نص على جوازية استعانة الهيئة بخبراء متخصصين في حال نشوب خلاف بين المزود والمستهلك، بالإضافة إلى صلاحية الهيئة بطلب فحص السلع في أحد المختبرات الحكومية وغيرها من المختبرات المعتمدة كلما اقتضت المصلحة العامة. كما أضاف القانون إلى حقوق المستهلك المكفولة بمقتضى القانون السابق الحق في تمثيل مصالحه عند إعداد السياسات الخاصة بحماية المستهلك، بالإضافة إلى الحق في احترام القيم الدينية والعادات والتقاليد للمستهلك عند تزويده بأي سلعة أو تلقيه أي خدمة. وأن مدة حق المستهلك في استبدال أو إعادة أي سلعة أو استرداد قيمتها دون تكلفة إضافية إذا شاب السلعة عيب أو كانت غير مطابقة للمواصفات القياسية ، أو الغرض الذي تم التعاقد من أجله، شريطة تقديم ما يثبت شراءها من المزود، وعلى ألا يكون العيب ناتجا عن سوء استعمال المستهلك للسلعة هي (15) خمسة عشر يوما من تاريخ استلام السلعة، بعد أن كانت خلال (10) عشرة أيام من تاريخ شرائه السلعة في ظل القانون السابق.

التزامات جديدة

وأضافت: أيضا في ظل القانون الحالي فقد تم النص على واجبات والتزامات جديدة على كل من المزود والمعلن والوكيل لم تكن وارده في ظل القانون الملغى وهي حظر إجراء أي عروض ترويجية أو تخفيضات على أسعار السلع والخدمات إلا بعد الحصول على التراخيص والموافقات من الجهة المعنية بعد التنسيق من قبلها مع الهيئة للتأكد من الأسعار ،وإلزام المزود بتسليم المستهلك الفاتورة باللغة العربية، وبخط واضح يسهل قراءته، بالإضافة إلى التزامه بتمكين موظفي الهيئة المخوّلين صفة الضبطية من ممارسة اختصاصاتهم المقررة قانوناً والعمل على تسهيل أدائهم لأعمالهم.

العقوبات

وتوضح الحجرية بأن فصل العقوبات تضمن العديد من المفارقات الواضحة والرادعة لمخالفي أحكام القانون مقارنة لما تضمنه القانون السابق منها عقوبة السجن لمدة تصل لغاية خمس سنوات وغرامة تصل لغاية (50,000) مائة ألف ريال عماني، بالإضافة إلى الحكم بالمصادرة وإتلاف السلعة محل الجريمة والمواد والأدوات المستخدمة فيها ، وذلك على نفقة المحكوم عليه، أو وقف النشاط أو إغلاق المحل الذي وقعت فيه الجريمة بصفة مؤقتة أو نهائية، في حين أن القانون الملغى تضمن فقط عقوبة الغرامة التي لا تزيد على (5000) ريال عماني تضاعف في حالة تكرار المخالفة، بالإضافة إلى جواز غلق المحل التجاري ومصادرة السلع محل المخالفة، والحكم بالتعويض عند الاقتضاء.

وأشارت: كما أجاز القانون الحالي للمحكمة في حال الحكم بالإدانة أن تأمر بنشر ملخص الحكم في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار، إحداهما باللغة العربية وذلك على نفقة المحكوم عليه. وأجاز القانون للادعاء العام بناء على طلب مسبق من رئيس الهيئة أو من يفوضه أن يقرر بصفة مؤقته غلق المنشأة أو وقف النشاط لحين الفصل في الدعوى كما منح القانون رئيس مجلس إدارة الهيئة فرض غرامات إدارية فيما يصدره من لوائح وقرارات عما يرتكب من مخالفات لأحكام القانون أو اللائحة، وغيرها من النصوص.

تطوير وتحديث

ويوضح محمد بن مرهون الكاسبي رئيس قسم العقود والاتفاقيات بالهيئة أهم إنجازات الهيئة في المجال القانوني قائلاً بأن الهيئة شهدت العديد من التطوير والتحديث في مجال التشريعات القانونية لمواكبة النقلة النوعية الكبرى التي تشهدها السلطنة في كافة المجالات القانونية وغيرها ، لذا صدر قانون حماية المستهلك الصادر بالمرسوم السلطاني 66/2014 ، الذي احتوى على ستة فصول ثم قامت الهيئة بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون كما أصدرت العديد من القرارات التي تسهم في الحد والقضاء على العديد من الممارسات المحظورة والمضرة بصحة وسلامة المستهلك منها : القرار رقم : (12/2011) بشأن حظر رفع أسعار السلع والخدمات ، والقرار رقم : (254/2015) بشأن تنظيم تداول الأعشاب الطبيعية والمصنعة والمستخلصات النباتية والأجهزة الطبية والإعلان عنها، والقرار رقم : (255/2015) بحظر استخدام الإسفنج والأقمشة والملابس المستعملة في صناعة الأثاث، والقرار رقم : (256/2015) بشأن حظر تداول التبغ الممضوغ (غير المدخن) ، والقرار رقم : (257/2015) بشأن حظر تداول الإطارات المستعملة ، والقرار رقم : (258/2015) بتنظيم تداول الأجهزة الكهربائية والإلكترونية ، والقرار رقم : (697/2015) بشأن حظر تداول بعض المنتجات ، والقرار رقم : (698/2015) بشأن حظر تداول السيجارة والشيشة الإلكترونية ، والقرار رقم : (159/2017) بشأن تحديد رسوم طلبات رفع أسعار السلع والخدمات ، والقرار رقم : (245/2017) بشأن حظر تداول السلع التي تحتوي على مادة الأستبسوس ، والقرار رقم : (393/2017) بشأن حظر استخدام منتج الحناء السوداء .

ويضيف الكاسبي بأن الهيئة ممثلة بدائرة الإعلام تقوم بدور توعوي حيث يتم نشر المنشورات والعبارات التوعوية والأحكام القضائية في مختلف وسائل الإعلام كالصحف اليومية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتم عمل ندوات ومحاضرات ودورات عمل توعوية لمختلف الدوائر الحكومية والجامعات والكليات والمدارس والمؤسسات والشركات التجارية المختلفة وأيضاً المشاركة في المعارض التي تنظمها الجهات الحكومية أو الخاصة.

وتذكر بثينة بنت سالم الشكيلية باحثة قانونية بالدائرة القانونية أن من أبرز الوسائل التي تحقق بها الهيئة أهدافها في مراقبة الأسواق والخدمات ومكافحة الغش التجاري لحماية المستهلك ضبطيات التفتيش الميداني أو تلقي الشكاوى من المستهلكين، وفي الحالة الأخيرة يتم دراسة موضوع الشكوى وإيجاد الحلول المناسبة لها إن أمكن، وفي حالة تعذر ذلك يتم إحالة ملف المخالفة أو الشكوى إلى الادعاء العام ليباشر إجراءاته اللازمة في التصرف في موضوع القضية، ويتمثل ذلك إما في إصدار أمر جزائي بفرض غرامة جزائية، أو بإصدار قرار حفظ، أو أن يحيل الادعاء العام القضية الى المحكمة ، وفي الحالة الأخيرة يكون للمحكمة بعد النظر في القضية إصدار الحكم المناسب لها إما بالإدانة أو البراءة وذلك استناداً إلى وقائع الدعوى والأسانيد القانونية المقررة لها .

وتشير إلى أنه يُلاحظ اختلاف أعداد القضايا منذ بداية عمل الهيئة إلى الآن، فخلال الفترة من عام 2012 الى 2014 كانت نسبة أعداد القضايا في ازدياد مستمر بلغت ذروتها 2551 قضية، أما من عام 2015 إلى 2017 يلاحظ انخفاض أعداد القضايا الى 1057قضية. موضحةً بأن أسباب انخفاض نسبة القضايا تعود إلى زيادة وعي المستهلك مع الحملات التوعوية والتثقيفية، وإلى تكثيف عمليات الضبط والتفتيش والرقابة على الأسواق التي باشرتها الهيئة، أما منذ عام 2014 وبعد صدور القانون الجديد لحماية المستهلك بالمرسوم السلطاني رقم 66/2014، فقد أصبح وعي المستهلك والمزود معا على مستوى عال من الإدراك والفهم ولوحظ التعاون من قبل المزودين في السوق وأصحاب المحلات، وكذلك حققت العقوبات الجزائية التي نص عليها القانون دورها في تحقيق الردع العام والخاص على حد سواء، والذي نتج عنه انخفاض في أعداد القضايا، كما أن الصلاحيات التي منحت للهيئة بموجب قانون حماية المستهلك مكنها من تحرير المخالفات الإدارية وفرض غرامات إدارية على المخالفين دون إحالة الملف للادعاء العام مما كان سببًا كذلك في انخفاض أعداد القضايا في السنوات الثلاث الأخيرة، موضحةً بأن إجمالي الغرامات الإدارية التي فرضتها الهيئة منذ صدور القانون إلى منتصف العام الحالي بلغ ما يقدر بـ 626,725 ألف ريال عماني.

الثقافة القانونية للعادات الاستهلاكية

إن الثقافة القانونية ركيزة أساسية فاعلة في التبصير بحقوق المستهلك، وهي من أبرز سمات الوعي التي يرجع إليها المستهلك لحماية نفسه من الغش التجاري الذي قد يقع فيه نتيجة عدم إدراكه لحقوقه القانونية وواجباته.

وتعد الهيئة العامة لحماية المستهلك الداعم الأول والرئيسي لإيجاد مجتمع واعٍ، مدرك لحقوقه الاستهلاكية، فالمستهلك إذًا – كما عرفه قانون حماية المستهلك – هو كل شخص طبيعي أو اعتباري يحصل على سلعة أو يتلقى خدمة بمقابل أو بدون مقابل، ولكن عند حصول المستهلك على هذه السلعة أو الخدمة يجب أن يكون على قدر كاف من الوعي بالإجراءات التي يجب عليه القيام بها قبل الحصول عليها، وأن يكون على علم بالنصوص القانونية التي تنظم حقوقه وواجباته.

كل هذا لم يغفل عنه المشرع العماني، فقد قام بتنظيم علاقة المستهلك والمزود وأوجد لكل منهما حقوقًا وواجبات، وقد تمثل هذا التنظيم بصورة مرسوم سلطاني بإصدار قانون يحمي جميع الأطراف، وهو قانون حماية المستهلك رقم (66/2014 ) ، ثم صدرت اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك من الهيئة العامة لحماية المستهلك بالقرار رقم (77/2017)

ومن الملاحظ أن بعض المستهلكين عند حصولهم على السلع أو الخدمات التي يريدونها لا يصبون اهتماما بالغا بصلاحية هذه السلعة أو الخدمة ويجهلون حقوقهم التي يجب أن تُوَفر لهم.

ولهذا فإن المستهلك يجب أن يكون على قدر عال من الثقافة القانونية عند قيامه بالعملية الاستهلاكية؛ ليحفظ حقوقه وحقوق الآخرين.

ومن هذا المنبر سنسلط الضوء على بعض هذه الثقافات التي يجب أن يدركها كل مستهلك؛ لنشر ثقافة قانونية استهلاكية صحيحة، حيث ركزت القوانين السالفة الذكر على حقوق المستهلك وأفردت لها فصولا مستقلة؛ دلالة على الأهمية الكبرى لهذه الحقوق، والتي سنذكر بعضا منها .

فالمستهلك له الحق في الحصول على المعلومات الصحيحة عن السلعة التي يشتريها أو يستخدمها، أو الخدمة التي يتلقاها، وكذلك فإنه من واجب المزود أن يسلم المستهلك فاتورة تثبت شراءه للسلعة، سواء طلب ذلك أو لم يطلب، ويجب أن تتضمن هذه الفاتورة البيانات الأساسية للسلعة أو الخدمة.

ومن الأمور المهمة التي قد يجهلها المستهلك، حقه في استبدال السلعة أو إعادتها واسترداد قيمتها، باستثناء السلع القابلة للتلف السريع، فللمستهلك، إذا شاب السلعة عيب أو كانت غير مطابقة للمواصفات القياسية، أو الغرض الذي تم التعاقد من أجله، الحق في استبدال السلعة وذلك خلال مدة (15) يوما من تاريخ تسلمه السلعة، على أن يقدم المستهلك ما يثبت شراءه السلعة من المزود، وألا يكون العيب ناتجا عن سوء استعماله للمنتج.

وللمستهلك كذلك الحق بالمطالبة بتعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة حصوله على السلعة أو الخدمة واستعماله العادي لهما.

وهناك الكثير من الحقوق التي كفلها القانون للمستهلك والتي من المتوجب على كل فرد الاطلاع عليها والانتفاع بها ، ملتمسين من الجميع الرجوع إلى القوانين والاطلاع عليها لمزيد من الفائدة والمنفعة.

مع العلم بأنه يعد باطلا كل شرط من شأنه إعفاء المزود من المسؤولية المدنية تجاه المستهلك، ومن هذه الشروط وضع عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) أو تحديد مدة معينة للاسترداد تقل عن المدة القانونية، وغيرها من الشروط التي قد يضعها المزود والتي تمس حقوق المستهلك وتنتقصها.

سمر بنت سالم بن مرزوق الراشدية – محامية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت