بحث هام عن الاصول التاريخية للفساد و مواجهة القوانيين الحالية له

أ/ عبد الرحمن عطيه

ليس وليد اليوم أو أمس بل مضى عليه عصور فعند الرجوع إلى ما بعد عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم و الخلافة الراشدية التي امتدت من 11 هجري إلى 40 للهجرة بداية بالصديق و نهاية بالفدائي الأول في الإسلام.
انتقلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان عند مبايعة الحسن بن علي له و بدأت الخلافة الأموية و بدأ عصر الفتوحات بحثاً عن الثروة و الجاه و ليس لاعلاء كلمة الله و بهذا زاد المرض الذي ينتشر الآن و بكثرة و يصعب علاجه و لكن لن نستسلم و سنبقى لنصارع هذا الوباء ونقطعه من أصله و من خلفاء الدولة الأموية الذي وجد عندهم هذا المرض منهم يزيد بن عبدالملك بن مروان (1) و كذلك الخليفة الوليد الذي حاول نصب قبة فوق الكعبة ليشرب الخمر (2) و هذا يعد تدني من ناحية أخلاقية و التدني الخُلقي يجلب تدنيات أخرى لاحقة له إن لم تكن معه.

هذا الداء لم يتوقف عند الدولة الأموية بل استمر إلى الخلافة العباسية و منهم الخليفة الأمين ابن هارون الرشيد. (3)
وبهذا استمر الداء يوماً بعد يوم إلى أن وصلنا إلى يومنا هذا، وهناك أشخاص لا تتعايش بدونه وأصبح لهم مصدر رزقهم و عيشهم فالفساد هو الذي يطعمهم و يدفأهم و على ذلك يتيح لهم الكماليات.
قال تعالى : ” و يسعون في الأرض فسادا ” صدق الله العظيم .
و هذا دليل من عند خالق الخلق بوجود الفساد و وجود أناس تريده لكي يدمروا الأرض و يلحقوا بها الضرر، وكذلك يدل على وجود الفساد من مولد الإنسان بقيام أحد أولاد سيدنا آدم بقتل أخيه – بغض النظر عن اسمائهم لاختلافهم في الروايات- لاستغلال شيء ما و بذلك فالاستغلال بغير وجه حق يعد فساداً .

(1) تاريخ الخلفاء – السيوطي
(2) مروج الذهب – المسعود – ج2
(3) مرجع سابق
الفساد أصلها في اللغة من فسد و معاجم اللغة ذكروا عنه بأنه ضد صلُح فيقال فسد الشيء أي بطل و اضمحل و الفساد لغة البطلان (4) و هو التلف و العطب و الضطراب و الخلل و الجدب و القحط و يقصد به أيضاً إلحاق الضرر (5) .
أما في المعاجم الانكليزية، ففي معجم اكسفورد عرف الفساد على أنه انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الظائف العامة من خلال الرشوة و المحاباة.
و في الفقه قالوا عن الفساد بأنه اللهو و اللعب و أخذ المال ظلماً من دون وجه حق. و قد وضع البنك الدولي للأنشطة التي تندرج تحت تعريف الفساد بأنه إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص ……. (6) .
والفساد يعد أمر نسبي و يختلف من دولة إلى أخرى و من مكان لآخر و من زمان لآخر أيضا، فالرشوة في مجتمع ما قد تعني هدية في مجتمع آخر(7) .
وبعد تبيان الفساد بصورة موجزة من ناحية التاريخ و ذكر عدة معان له سنقسم بحثنا إلى مبحثين رئيسيين هما :
أولاً : أنواع الفساد .
ثانياً : آلية مكافحة الفساد .
(4) موسوعة ويكيبديا
(5) المعجم الوسيط – ج 2
(6) الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية – مجموعة من المؤلفين
(7) الفساد و الحكم / سوزان – روز أكرمان / ص 23

أولاً : أنواع الفساد :

بعد ما عرفنا الفساد لا بد من أن ننظر إلى أنواعه و سنتطرق إلى بعض منها، و سنقسم هذه الأنواع إلى فروع.

الفرع الأول : الفساد كمشكلة حضارية .
الفرع الثاني : الفساد الإدراي .
الفرع الثالث : الفساد السياسي.
الفرع الرابع : الفساد الاقتصادي .

الفرع الأول : الفساد كمشكلة حضارية

تتمثل هذه في الرشاوى و المحسوبية و إعطاء الهدية لأهداف مخفية و غيرها الكثير.
إذ تنتشر عادة داخل قطاعات العمل بفرعيه العام و الخاص إعطاء الهدايا و تظهر على أنه سلوك طبيعي و قد تنال تقدير من الجميع و لكن خلف هذه الهدية هناك مصلحة لجلب وظيفة ما أو لتوقيع عقد من جهة أخرى أو لطرف النظر عن موضوع ما، و مع هذا كله إلا أنه في شعوبنا ما زالت تنكر هذه الأفعال إلى حد ما لأنه مخالفة للعادات والتقاليد من جهة و مخالف لتعاليم ديننا الحنيف من جهة أخرى.
و على ذلك لا بد من أن نفرق بين الهدية و الرشوة، ونستطيع معرفة ذلك بالنظر لبعد المنفعة المتبادلة أي هل يوجد هناك منفعة متبادلة على أن نميزه عن البيع الذي ورد في القانون المدني على أن يكون هناك منفعة متبادلة إذ البيع يعد تمليك مال أو حق مالي لقاء عوض (8) و هنا منفعة متبادلة هي التمليك لقاء العوض و مع ذلك كله فإن في الفساد بعض النظر عن صورته قد يكن هناك منفعة متبادلة و بذلك لا بد أن نتأكد و أن نميز بينهم بكل دقة.
و في نهاية هذا الفرع لا بد من ذكر فكرة أن الفاسد و من يتعامل بالفساد ماذا سيحدث لسمعته، فالسمعة التي تطورت عبر الأداء المتكرر تصبح بديلاً عن القانون و عن علاقات الثقة الشخصية معاً. (9)
(8) المادة 465 – القانون المدني الأردني
(9) مرجع سابق
ونأكد على أن تعريف الرشوات و الهدايا هو مسألة حضارية لكن الحضارة تتحرك و تتغير باستمرار فالتصرف الذي يراه البعض فاسداً ينظر إليه البعض الآخر على أنه نوع من إعطاء الهدايا و المكافأة و يجب أن يتم تدوينه و إعطائه صفة شرعية (10).

الفرع الثاني : الفساد الإداري

في هذا الفرع سأعتمد على التحليل إلى المفهوم، إذ ذكرنا سابقاً بأن الفساد هو إساءة استعمال الوظيفة العامة للمصلحة الخاصة و بالتمعن في هذا التعريف نجد أنه ينطوي أكثر على القطاع العام إذ تعد الوظيفة العامة من ضمن القطاع العام و أرى بأن ما يدعم هذا الرأي أن الاداري يكون هناك دور للادارة و بالرجوع إلى الأصل و بالنظر بها من ناحية قانونية نجد بأن الإداري يكون للدولة علاقة و تكون طرف في العلاقة و بذلك الفساد الاداري يكون بالادارة التي تقوم بمحاباة طرف على آخر ولكن هذا الفساد لم يقتصر على القطاع العام و إنما امتد إلى القطاع الخاص و بذلك نجد هذا النوع من الفساد موجود لدى المؤسسات الحكومية و كذلك الشركات الخاصة.
إن الفساد الإداري يكون من الإدارة أي صاحبة النفوذ و القرار و يكون باستغلال المنصب و النفوذ الذي يملكه هذا الإداري بسبب منصبه الذي تاح له المغريات و سمح له بالتعدي على حقوق الأشخاص الذين يملكون هذه الحقوق بدلاً من أن يعطيها لأصحابها و لمظلة القطاع الذي يديره و يترأسه.
(10) الفساد و الحكم – سوزان

الفرع الثالث : الفساد السياسي

الفساد السياسي يتمثل جزء منه بالاسبداد إذ مع تطور نظام الحكم انداحت الدائرة التي يبسط الاستبداد فيها أذاه و في هذا العصر أصبح الاسبداد قدرة جهاز الحكم على فرض الالحاد و تزوير الانتخابات العامة(11) و غيرها صور عدة.
و الفساد السياسي يمكن مواجهته بالديمقراطية الذي عرفها بعض من شراح على أنها تعبير عام جداً لا يمكنه استيعاب سلسلة أشكال الحكومة التي تندرج تحتها (12) .
والفساد السياسي من أسبابه الرئيسية الحكام النهابون إلى النظام القانوني كمصدر الأرباح الشخصية إذ يمكنهم فرض القوانين و متطلبات التراخيص التي لا يوجد لها مبرر و كذلك نجد رفع في الأسعار و إن كان هناك سبب داعٍ لرفعه إلا أن هذا السبب هو الفساد السابق لها الذي يجب أن يتم محاسبتهم و أن يدفعوا هم سبب الفساد و هذه الخسارة وليست عامة الناس أو الأفراد الذين يعملون في قطاع ما بحسم جزء من أجرهم لتغطية هذا الفساد.
والفساد و بالأخص السياسي منه لا نستطيع أن نقول بأنه في القعر إذ لا يستطيع المرء أن يدعي بثقة أن الفساد في القمة هو أقل أذى منه في القعر (13) .
(11) الفساد السياسي في المجتمعات العربية و الإسلامية- محمد الغزالي
(12) التعريف المذكور مستنبط من الدكتور محمد الغزالي
(13) مرجع سابق
و للسيطرة على السلطة السياسية الذي يكون الفساد نابع منها لا بد من وضع قيود عليها مع وجود رقابة فعالة مستقلة و ذات تطبيق مستقل وأن نجعل تعدد لمصادر السلطة لكي لا تستأسد فئة معينة بالسلطة المطلقة وبذلك نجد استراتيجية منتجة لمكافحة الفساد السياسي على الأقل.

الفرع الرابع : الفساد الاقتصادي

جميع الدول سواء قمعية كانت أم متسامحة تسيطر على توزيع ثرواتها القيمة و فرض رسوم باهظة، ويتم توزيع الثروات و الرسوم بالعادة عن طريق مسؤولين رسميين هم من يمتلكون سلطات تشمل التقرير و التقييم وفقاً لما يروه مناسباً .(14)
و قد نجد الفساد في الاقتصاد لكي يتم تخفيض التكاليف أو التهرب من الضريبة أو لجلب مصلحة اقتصادية، والفساد الاقتصادي يظهر عند المسؤولين الكبار إذ غالباً ما تقوم الحكاومات بتحويل مبالغ مالية ضخمة للشركات الخاصة من خلال إبرام العقود ومنح الامتيازات.(15)
ولذلك جزء من الفقه اعتبر بأن الخصخصة تؤدي إلى التقليل من درجة الفساد من خلال رفع يد الحكومة عن الموجودات إلا أن العملية هذه تظل محفوظة بمخاطر الوقوع في الفساد ولكن هذا على أن يطبق الخصخصة بشكل صحيح ومنظم.

(14) التأثيرات الاقتصادية للفساد – الفساد و الحكم – سوزان – ص 29
(15) مرجع سابق – ص 59
ومن طرق مكافحة الفساد الاقتصادي أن يتم تقليص الدوافع و زيادة الرواتب بالإضافة إلى إصلاح نظام الخدمة المدنية و أن يتم جمع الضرائب و تنظيم الخدمات الحكومية و أن يوجد تنافسية بين الشركات ولا يوجد مصنف ما حكر بيد مجموعة معينة و أن يتم إصلاح و إعادة هيكلة للرواتب و النظر في المصالح لتعيين شخص لا يتم عنده تضارب في المصالح أي العمل على تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب.

و قبال التوجه لمبحثنا الثاني فمن وجهة نظري الشخصية أرى بأن سبب وجود كل هذه المشاكل هو الفساد و الانحطاط الأخلاقي الذي موت الضمير و سمح بأكل الحقوق و استباحة ما هو غير مباح.
و إذا أردنا التكلم عنه فلا يوجد إيجاز به بل سنبقى إلى خروج الشمس من المغرب بلا أدنى شك .

ثانياً : آلية مكافحة الفساد

لكل داء دواء و لهذا المرض هناك علاج و لكن لا بد من أخذه بشكل مناسب دون زيادة مفرطة ربما تؤدي إلى انقلاب – معوي – و دون نقصان مما يحول من شفائي و التوهم لي بالتعافي .
و من آليات مكافحة الفساد الديمقراطية التي لا تعتمد على المخرجات فحسب بل يجب أن تكون المدخلات كذلك أفضل لإعطاء قرارات جيدة و رقابة فعالة و ألا يكون هناك فساد في اختيار المدخلات بل تترك لمن يحق لهم فعلاً أن يختاروا مدخلاتهم لكي يحصلوا على مخرجات فعالة، أي أن المشكلة الكبرى تكمن في إفساد الديمقراطية إذ تعد أشد خطر من فرض نظام شمولي.
و الديمقراطية وحدها لا تكفي لمكافحة الفساد إذ يجب أن يكون هناك دور لمؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد و كذلك المجتمع الأهلي و يكون دور كل منهم في المساهمة في عملية التحول الاجتماعي و نشر الوعي السياسي وأن يكون الإعلام معهم إذ ينبغي الحذر من أن يتحول الإعلام إلى مادة إفساد عبر تشييء الإنسان عموماً و المرأة خصوصاً بواسطة الإعلان. (16)

و كذلك مؤسسات الدولة لا بد أن يكون لها دور في مكافحة الفساد و ذلك يكون باعطاء الشخص المناسب المكان المناسب لكي لا يتم استغلال المنصب العام لمصالح شخصية.

(16) رأي للدكتور غسان بن جدو – الفساد و الحكم الصالح في البلاد العربية

و كذلك هناك دور للمؤسسات الدولية و منظمات الشفافية في مكافحة الفساد ويكون ذلك بعمل أنشطة عملية أو ميدانية أو أنشطة معيارية أو تقنية و كذلك إعلامية و دعائية و أخرى تستهدف حماية حقوق الإنسان. (17)
و نجد بإن هناك معاهدات دولية إذ بقوتها القانونية تسمو على القوانين الداخلية و تأتي بمرتبة أدنى من الدستور كما هو مأخوذ في قوانيننا ومن هذه المعاهدات التي سنذكرها على سبيل المثال لا الحصر :
أ – معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد .
ب _ معاهدة الدول الأمريكية لمكافحة الفساد .
ج _ معاهدة القانون المدني و الجنائي لجلس أوروبا حول الفساد .
____________________________
(17) حسن نافعة – مرجع سابق – ص 531 و ما بعدها/ استنباط الفكرة

وفي النهاية لا بد من أن نوحد صفنا لمحاربة الفساد و أن نكون يداً واحدة في نشر الوعي عند عامة الناس و عند الطبقات المسؤولة و صاحبة القرار حول المسؤولية عن الآثار السلبية الناجمة عن الفساد و أن نكرسها في ثقافة العيب و ذكرها من وازعنا الديني.