دراسة توضح جريمة الإجهاض بين الشريعة الإسلامية والقانون العراقي

للمستشار القانوني رامي احمد الغالبي
امين سر رابطة المستشارين القانونيين

كلمة لا بد منها :
الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً دائماً ابدا لا تحصي له الخلائق عددا وصلاته وسلامه على خير خلقه احمدا, وعلى آله الغر الميامين صلاةً وسلاماً ازلياً سرمدا.
اما بعد .
لا يخفى على الجميع ما لموضوع الإجهاض من اهميةٍ كبرى في الساحة الشرعية و القانونية, كما لا يخفى على كل متتبع لهذا الموضوع من أن مسألة الإجهاض قد أُشبعت بحثاً فقهياً وقانونياً على كافة المستويات وخاصةً بعد تطور العلم الأكاديمي, والطبي اضافة الى المستحدثات الطارئة وموقف الفقهاء المعاصرين منها.
لكن هذا لا يعني من تسليط الضوء على هذه الجريمة البشعة التي بدأت تزداد بين المسلمين مع شديد الأسف.

وطرح تقريرٍ مبسطٍ نستعرض فيه خلاصة آراء الفقهاء المسلمين اضافة إلى رأي المشرع القانوني العراقي بخصوص العقوبات التي تحاول الحد من هذه الجريمة.

وتقتضي الأمانة العلمية أن أؤكد انه ليس لي من فضلٍ في طرح هذا التقرير البسيط جداً إلا إبراز شروحات من سبقوني بطرح ابحاثٍ مفصلةٍ عن هذه الجريمة, وإن كان لي من إضافةٍ في هذا المجال، فهو جهد المقل الذي لا يكاد يذكر .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد الأمين وعلى آله الغر الميامين.

الإجهاض لغةً :
قال ابن منظور: “أَجْهَضَت الناقةُ: إِجْهاضاً، وهي مُجْهِضٌ: أَلقت ولدها لغير تمام، والجمع مَجاهِيضُ… وقيل: الجَهِيض: السِّقْط الذي قد تمَّ خلقه ونُفِخ فيه الروح من غير أَن يعيش، والإِجْهاضُ: الإِزْلاق، والجَهِيض: السَّقِيط [1].
وقال الفيومي: أَجْهَضَتِ الناقة والمرأة ولدها: إِجْهَاضًا، أسقطته ناقص الخلق، فهي جَهِيضٌ ومُجْهِضَةٌ بالهاء، وقد تحذف، والجِهَاضُ بالكسر: اسم منه [2] .

الإجهاض اصطلاحاً :
هو إلقاء المرأة جنينها، قبل أن يستكمل مدة الحمل ميتاً أو حياً، دون أن يعيش، وقد استبان بعض خلقه، بفعلٍ منها، كاستعمال دواءٍ أو غيره، أو بفعلٍ من غيرها [3].

حكم الإجهاض وفق الشريعة الاسلامية

اولاً : حكم الإجهاض عند مذاهب العامة.

الإجهاض حرام في الشريعة الإسلامية، لأنَّه قتلٌ للنفس المحترمة، مضافاً إلى أنَّ للجنين حقاً في الحياة فلا يجوز أن يتعدى عليه بما يسبب الموت كالإجهاض أو أي وجهٍ من وجوه الإساءة التي تعرضه للتشوهات الخلقية والعاهات وذلك لحرمة إلحاق الضرر بالغير، والدليل على حرمة الإجهاض بخصوصه هو عين الدليل الدال على حرمة قتل النفس المحترمة كقوله تعالى: ((مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا))[4].
وعلى ضوء ما تقدم ذهب الحنفية[5]، والمالكية [6]، والشافعية [7]، والحنابلة [8] , إلى تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح.

اما قبل نفخ الروح فأختلف الفقهاء الى اقوال منها :ـ

ما جاء في الشرح الكبير[9]: ((لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يوماً)).
كما يقول ابن عابدين في حاشيته المشهورة [10] ((قال في النهر: بقي هل يباح الإسقاط بعد الحمل؟ نعم يباح، ما لم يتخلق منه شيء، ولن يكون ذلك إلا بعد مضي مائة وعشرين يوماً))”.
وعلق ابن عابدين: ((وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح، وإلا فهو غلط؛ لأن التخلق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة)).
وفي تبيين الحقائق [11] ((المرأة يسعها أن تعالج لإسقاط الحبل ما لم يستبن شيء من خلقه، وذلك ما لم يتم له مائة وعشرون يوماً)).
كما جاء في نهاية المحتاج للرملي ((قال الزركشي: وفي تعاليق بعض الفضلاء، قال الكرابيسي: سألت أبا بكر بن أبي سعيد الفراتي عن رجل سقى جارية شراباً لتسقط ولدها؟ فقال: ما دامت نظفة أو علقة فواسع له ذلك إن شاء الله تعالى.))[12]

ثانياً :ـ حكم الإجهاض عند المذهب الجعفري.
دلة الأخبار المتواترة على أنَّ قتل النفس المحترمة من أكبر الكبائر التي توعد الله عزَّ وجل فاعلها بالنار، وذلك بإعتبار أن الجنين خلق ونفس محترمة بعد ولوج الروح فيه وأما قبلها ففيه صور وكلام بين الفقهاء, فلا إشكال في حرمة الإجهاض شرعاً بالاتفاق بين الفقهاء, وللفقهاء في خصوص مورد الجواز عند الضرورة أقوال:
الأوّل: إذا كان قبل ولوج الروح, وكان حمل الجنين يضرّ الأمّ بحيث لا يكون قابلاً للتحمّل, جاز إسقاطه, وأمّا إذا كان بعد ولوج الروح , فإن كان بقاؤه مؤدّياً إلى هلاكها جاز إسقاطه , وإلا فلا.[13]
الثاني: لا يجوز الإجهاض وإسقاط الجنين إلا إذا كان في بقائه خطراً على حياة الأمّ, فيجوز قبل ولوج الروح, وأمّا بعد ولوج الروح فلا يجوز الإسقاط مطلقاً[14].
الثالث : إسقاط الجنين حرام شرعاً , ولا يجوز بحال , إلا فيما إذا كان في بقاء الحمل خطر على حياة الأمّ , فلا مانع في خصوص هذه الحالة من إسقاط الجنين قبل ولوج الروح فيه ,وأمّا بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز إسقاطه , وإن كان في بقائه خطر على حياة الأمّ , إلا فيما إذا كان في بقاء الحمل القضاءُ على حياته وعلى حياة الأمّ كليهما , ولم يمكن إنقاذ حياة الحمل بحال , ولكن يمكن إنقاذ حياة الأمّ وحدها بإسقاط الحمل .
وكون الجنين ناقص الخلقة ليس مجوّزاً شرعياً لإسقاطه حتى قبل ولوج الروح فيه.[15]
الرابع : إنّ الإجهاض إنّما يكون جائزاً في صورة أن تكون حياة الأمّ مهدّدة بالخطر فقط , وكذلك إذا كانت مريضة مرضاً شديداً يهدّد حياتها , ولم يبلغ الجنين مرحلة نفخ الروح فيه , وكذلك إذا كان التشخيص قطعياً بأنَّ هذا الجنين ناقص الخلقة بحيث يسبّب العسر والحرج لوالديه وأقربائه , بشرط أن يكون الإجهاض قبل ولوج الروح , ففي هذه الصور الثلاث يجوز الإجهاض .[16]
الخامس : وعلى المباشر لإسقاط الجنين الدية , تكون الدية مائة دينار إذا لم تلجه الروح , ذكراً كان أو أنثى , وإذا ولجته الروح فديّة كاملة للذكر , ونصفها للأنثى , وهذا محلّ اتفاق بين فقهاء الإمامية.[17]

حكم الإجهاض في القانون العراقي.

تعد واقعة الإجهاض جريمة يعاقب عليها وفقا لنصوص قانون العقوبات العراقي رقم (( 111 لسنة 1969 )) فقد تصل العقوبة لمدة لا تزيد على سنة وبغرامة أو أحدى هاتين العقوبتين لمن أجهضت نفسها عمدا بآية وسيلة كانت او مكنت غيرها من ذلك برضاها, وبنفس العقوبة أعلاه يعاقب من أجهضها عمداً وبرضاها.
وفي حال أفضى الإجهاض إلى موت المجنى عليها حتى لو لم يتم الإجهاض فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات.
ويعد ظرفاً قضائياً مشدداً للجاني اذا كان طبيباً او صيدلياً أو كيميائياً أو قابلة أو احد معاونيهم .
ومن جهة أخرى هناك ظرفٌ قضائي مخفف إجهاض المرأة لنفسها اتقاء للعارٍ, إذا كانت قد حملت به سفاحاً وكذلك الأمر في هذه الحالة بالنسبة لمن أجهضها من أقربائها إلى الدرجة الثانية.
وكل هذا حسب احكام المادة ( 417) من قانون العقوبات العراقي كما جاء في المادة (418 ) من نفس القانون عقوبة السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات كل من أجهض عمداً امرأة بدون رضاها .
اما إذا أفضى الإجهاض أو الوسيلة التي استعملت في إحداثه إلى موت المجنى عليها فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمسة عشر سنة , كما ورد في إحكام المادة ( 418) من ذات القانون أعلاه.
وعلى المحكمة أن تأمر بمنعه من مزاولة مهنته أو عمله مدة لا تزيد على ثلاث سنوات, وقد نصت المادة ( 419) منه :ـ ((يعاقب بالحبس من اعتدى عمداً على امرأةٍ مع علمه بحملها بالضرب أو بالجرح أو بالعنف أو بإعطاء مادةٍ ضارةٍ أو بارتكاب فعلٍ آخر مخالف للقانون دون أن يقصد إجهاضها وتسبب عن ذلك إجهاضها)).

ولا بد من الإشارة إلى انه نادراً ما يتم الإبلاغ والإخبار عن جرائم الإجهاض وذلك لأسباب اجتماعيه وغالباً ما تتم بسرية بالغة وقد تخشى المجنى عليها القتل من ذويها في حال ان أجهضها شخصٌ آخر إتقاء للعار .

وقبل أن يجف ريق القلم اقول ان الحمد لله رب العالمين

الهوامش

[1] . لسان العرب (( 7 / )131(( .

[2] . المصباح المنير (( 1/ 113 ))، وانظر: تاج العروس (( 1/ 1451((.

[3] . انظر: الفقه الإسلامي لمحمد بن ابراهيم التويجري (( 9/ 3093 )).

[4] . سورة المائدة / 32.

[5] . تبيين الحقائق ((2/166))، حاشية ابن عابدين (3/176)، البحر الرائق (( 8 / 233))

[6] . حاشية الدسوقي ((2/267))، أسهل المدارك (1/405)، حاشية العدوي، مطبوع مع الخرشي ((3/225))، منح الجليل ((3/360)).

[7] . نهاية المحتاج – الرملي ((8/442))، إحياء علوم الدين ((2/51))، حاشية الجمل (( 5/490)).

[8] . الفروع ((1/281))، الإنصاف((1/386))، كشاف القناع ((1/220)).

[9] . ((2/267)).

[10] . ((3/176)).

[11] .((2/166)).

[12] . ((8/442)).

[13] . صراط النجاة للسيد الخوئي والشيخ التبريزي (( 1 / 332)).

[14] . منهاج الصالحين للسيد السيستاني (( 1/ 461((, توضيح المسائل للشيخ بهجت ((547)).

[15] . أجوبة الاستفتاءات للسيد الخامنئي (( 2/ 251 , 252((.وانظر أيضاً لخصوص الفقرة الأخيرة كتاب الفتاوى للسيد محمد سعيد الحكيم )) 407)).

[16] . الفتاوى الجديدة للشيخ مكارم الشيرازي (( 3 / 469))

[17] . . الخلاف للشيخ الطوسي ((5 /291, 294 )) , المختصر النافع للمحقّق الحلّي (( 305 )), قواعد الأحكام للعلامة الحلّي (( 3 / 694 )) , جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفي (( 43 / 356 )) عن مقدار الدية قبل ولوج الروح قال : وفي الانتصار والغنية ومحكي الخلاف والسرائر وظاهر المبسوط الإجماع عليه . وفي (( 43 / 364 )) , وعن مقدار الدية بعد ولوج الروح قال : بلا خلاف ولا إشكال .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت