واجب الحياد عند المحامي في تحرير العقود لعملائه
إن أخلاقيات مهنة المحاماة المتمثلة بمجموعة من القيم والمبادئ التي يخضع لها سلوك المحامي وتصرفاته مع عملائه مبنية على قواعد شرعية وقانونية تضبط سلوكه ومهنية في الأداء والعمل، ومن أبرز هذه القيم والأخلاقيات الحرص على مصالح العملاء بشكل منفرد أو مزدوج، بتحقيق التوازن بين المصلحة أو المصالح من التعارض الذي يوقع الرابطة القانونية بالخلل في المستقبل، وذلك من خلال ما يعرف أخلاقيا بالحياد والمعاملة بمبدأ المساواة.

وبلا شك فإن ما من مؤسسة أو فرد يعمل في قطاع الخدمات بمختلف مستوياته إلا وله جملة من الانحيازات لعملائه تتمثل في السلوك الذي يمارسه، ونوعية الخدمة التي يقدمها لعملائه لكسب رضاهم وثقتهم به، ويعد الانحياز لمصلحة العميل قيمة مهنية من حيث إن مقدم الخدمة يحرص على مصلحة عملائه، ومهنة المحاماة من المهن التي تأخذ قيمها شيئا من المفارقات من أن المحامي يأخذ بمبدأ الانحياز لمصلحة العميل في بعض الخدمات التي يقدمها، وفي بعضها يلتزم وجوبا بالحياد ومعاملة كل عملائه بالمثل والمساواة، وهذه هي العدالة القانونية.

والبعض يظن أن المحامي لا يعرف الحياد، ولا يمكن أن يكون الحياد في مهنة المحاماة إطلاقا لأن المحامي مضطر إلى حماية مصالح موكله، وألا يجعل موكله الطرف الضعيف قانونيا في أي علاقة كانت، وهذا صحيح كما أشرنا من كون المحامي وكيلا لطرف من أطراف العلاقة، ولكن حالة أن طرفي العلاقة أو المصلحة ليس لديهم سابق علاقة تعاقدية مع المحامي فإن الواجب الأخلاقي والقانوني ألا ينحاز المحامي لطرف دون الآخر، خصوصا عند تقديم خدمة صياغة العقود لطرفين ليست لهما علاقة سابقة معه، لاعتبار أنه سيعاملهما على قدم المساواة بعيدا عن مبدأ الخصام والمواجهة والدفاع.

والمقصود بالحياد البعد عن حماية مصلحة طرف دون الآخر، ومعاملة كلا طرفي المصلحة على نفس النمط من النصح والإرشاد في ضمان سلامة علاقتهما التعاقدية في المستقبل من اللبس والخلاف، من خلال تسليط الضوء على ما يكون مظنة في المستقبل موضع خلاف أو سوء تفاهم، بصياغة بنود عقد تحقق الموازنة بين مصلحتي أطراف العلاقة دون تمايز وفق ما يتفق ويتراضى عليه الطرفان، بجمل واضحة تبين مراد أطراف العلاقة من هذا البند أو هذه النقطة في العقد.

والعقود لعبت دورا مهما في توثيق مصالح والتزامات الأفراد والمؤسسات، وفي المقابل أخذت دورا آخر أضاعت المصالح من خلال عدم وضوح الالتزامات بصياغة عامة وفضفاضة تفسر بعدة تفاسير، ربما أنها توظف لصالح طرف على الآخر، مما جعلها مصدر قلق وإشكالية في العلاقات التعاقدية بمختلف صورها وأشكالها، ولكن حينما يتجه أطراف العلاقة إلى المحامين لوضع وتحديد وتوضيح إرادة كلا طرفي المصلحة في بنود تصاغ بلغة قانونية وجمل تفصيلية فإن العقد يصبح موثقا ومصدر أمان على مصالح الناس التجارية والمالية.

عبدالله قاسم العنزي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت