حق الشعوب في مقاومة العدوان في القانون الدولي

حق المقاومة في القانون الدولي
******************

نستطيع اليوم أن نؤكد أن أحكام القانون الدولي المعاصر بحق كل الشعوب في مقاومة العدوان وشرعية المقاومة الوطنية, أو شرعية حرب التحرير للتخلص من الاحتلال, ليست مسألة طارئة فاجأت القانون الدولي, وإنما هي وجدت وطرحت في مطلع القرن المنصرم عندما جرت المحاولات الأولى لقوننة قواعد الحرب . وفي طليعة الوثائق والاتفاقات القانونية والمواثيق التي تكرس أو تدعم المبادئ المتعلقة بحق المقاومة ومشروعيتها تأتي:

أولاً: اتفاقية مؤتمر لاهاي 1899 و 1907:

إن الغرض من عقد هذين المؤتمرين كان التخفيف من ويلات الحروب وإيجاد الحلول السلمية للمنازعات الدولية.واعترفت الاتفاقية الصادرة عن هذين المؤتمرين بقانونية المقاومة الوطنية ضد العدوان والاحتلال. فقد عرفت المادة الثانية من لائحة لاهاي لعام 1907 “الشعب القائم أو المنتفض في وجه العدو” بأنه مجموعة المواطنين من السكان في الأراضي المحتلة, الذين يحملون السلاح ويتقدمون لقتال العدو, سواء أكان ذلك بأمر من حكومتهم, أو بدافع من وطنيتهم, وتنطبق عليهم صفة المحاربين بشرط حمل السلاح علناً والتقيد بقوانين الحرب.

ثانياً: ميثاق الأمم المتحدة:

لم يكتف الميثاق بتحريم الحرب وتحريم استخدام القوة, بل ذهب إلى أبعد من ذلك فحرم التهديد باستخدامها ( الفقرة 4 من المادة 2). هذا يعني أن الأمم المتحدة قد ألغت مبدأ الحرب القانونية في القانون الدولي, واعتبرت أن كل حرب هجومية حرباً عدوانية. ولم يسمح الميثاق بالحرب إلا في حالة الدفاع المشروع عن النفس واعتبرت المادة 51 أن للدول فردياً وجماعياً, حقاً طبيعياً في الدفاع عن نفسها إذا ما تعرضت لعدوان مسلح.

إلا أن الدول الاستعمارية أصرت على تفسير حق الدفاع عن النفس بشكل لا ينطبق على الواقع, فادعت أنه يقتصرعلى الدول فقط دون الشعوب, ورفضت بالتالي مبدأ حروب التحرير وحركات المقاومة الشعبية.

غير أن معظم الفقهاء رفضوا هذا المنطق واعتبروا أن للدول الصغيرة والدول الناشئة الحق في الدفاع المشروع عن نفسها عن طريق المقاومة بمختلف أشكالها وفي طليعتها المقاومة الشعبية وحرب العصابات. وقد مارست شعوب أوروبا هذا الأسلوب ضد العدوان النازي من أن تعتبر مقاومتها عملاً مخالفاً للمبدأ في المادة(51).

لقد انهارت الأنظمة الحاكمة أمام الاحتجاج النازي, فنهض الشعب وحل محل الحكومات في ممارسات حق الدفاع عن الأرض وكانت المقاومة الشعبية هي الشكل المعتمد والسائد, واعترفت الدول الكبرى بمشروعية هذه المقاومة, وتعاملت معها كممثل شرعي لشعوبها, وأمدتها بالمال والسلاح, وسمحت لها بافتتاح مكاتب ومراكز تدريب في أراضيها, فالولايات المحدة مثلاً لم تتوان عن دعم مختلف حركات المقاومة مادياً ومعنوياً. وكان تأيدها للمقاومة الفرنسية كبيراً. والواقع أن كل أنواع المقاومة في أوروبا حظيت بعطفها وتشجيعها. ففي سنة 1943, اعترفت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا بالمقاومة الفرنسية.

وفي تصريح أدلى به وزير الخارجية الأمريكي في كانون الثاني 1932 مسانداً جهود فرق المقاومة التي تعمل في البانيا ضد الاحتلال الإيطالي قال:

” إذا كانت مختلف الفلسفات القانونية تكرس حق الشعب في أن ينتفض ضد حكومته، فالمنطق يقود, من باب أول، إلى الاعتراف بحقه في الثورة على قوة غربية تحتل أرضه”.

ثالثاً: الاتفاقيات حول حقوق الانسان:

تجاوباً مع الرغبات التي أبداها المؤتمر الدولي لحقوق الانسان الذي انعقد في طهران سنة 1968, أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم 2444, دعت فيه الأمين العام لدراسة التدابير التي يمكن اتخاذها لضمان تطبيق أفضل للاتفاقات والقواعد الدولية ذات الطابع الإنساني.

وبعد أن رفع الأمين العام تقريراً عن التدابير التي يراها إلى الجمعية العامة, اتخذت الجمعية القرار رقم 2674 سنة 1970 والتي أعادت إلى تأكيدها على وجوب تجنب حروب العدوان والنزاعات المسلحة, وشجبت تصرفات الدول التي ما زالت تشن حروب العدوان, منتهكة بذلك ميثاق الأمم المتحدة ومتحدية مبادئ المواثيق الدولية من أمثال بروتوكول جنيف لسنة 1925, واتفاقيات جنيف لسنة 1949, وأعلن القرار أن الدول التي تخرق هذه المواثيق يجب أن تدان وتعد مسؤولة أمام الجماعة الدولية. وأكد القرار أيضاً أن الأشخاص الذين يسهمون في حركات المقاومة, وكذلك المواطنين من أجل الحرية, يجب أن يعاملوا, لدى القبض عليهم, كأسرى حرب.

وكان قد سبق للجمعية العامة أن أصدرت في سنة 1970, القرار رقم 2625 تحت عنوان “الإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي, الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة” وقد نص القرار أن:

“على كل دولة أن تمتنع على اللجوء إلى أي تدبير قسري من شأنه أن يحرم الشعوب من حقها في تقرير مصيرها من حريتها واستقلالها. وعندما تنتفض هذه الشعوب وتقاوم خلال ممارساتها حقها في تقرير مصيرها أي تدبير قسري كهذا, فمن أن تلتمس وتتلقى دعماً يتلاءم مع أهداف الميثاق ومبادئه”.

وإذا راجعنا مجموعة القرارات الصادرة عن الجمعية العامة لوجدنا أن هناك منذ العام 1975, نصاً يتكرر سنوياً ويتضمن إعادة تأكيد الجمعية “على شرعية كفاح الشعوب في سبيل الاستقلال والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية والتحرر من سيطرة الاستعمارية والأجنبية, ومن التحكم الأجنبي بكل ما تملك هذه الشعوب من وسائل, بما في ذلك الكفاح المسلح”.

إن ما يستدعي الانتباه لدى الاطلاع على هذه القرارات هو الوتيرة التصاعدية لإزدياد عدد الدول الموافقة على هذا النص. ففي سنة 1975، حظي هذا النص بموافقة 99 دولة ضد دولة واحدة هي “إسرائيل”, وامتناع 18 دولة عن التصويت.

وفي العام 1976 إرتفع عدد الموافقين إلى 109، وفي العام 1977 وصل العدد إلى 113، وفي العام 1980 وصل إلى 119 دولة.

وحذت لجنة حقوق الانسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة, حذو الجمعية العامة, فتبنت النص نفسه في دورتها 36 القرار رقم 5 تاريخ 15/2/1980.

وهكذا تكون المقاومة قد دخلت ضمير الانسانية التي أسبغ عليها الرأي العام العالمي الشرعية، وكرستها نصوص قانونية في اتفاقية دولية عديدة.

بقلم الدكتور : عبدالله ديب