قانون الأحوال الشخصية العُماني أعطى حقوقًا للمرأة المطلقة، فما هي؟
أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي

يُقال بأنّ الطلاق أبغض الحلال عند الله، لما فيه من تفكيك للأسرة، وتشتت للأطفال والأبناء، ويؤثّر عليهم نفسيًا حينما يبتعدون عن أحد والديهم، كما يضرهم اجتماعيًا فقد لا يتخالطون مع أقرباء أمهم أو أقرباء والديهم. ونادرًا ما ينظر الزوجان في لحظة غضب على أن الطلاق أمرٌ ضار للأسرة، بل يستمر كل منهما في المطالبة بالطلاق والابتعاد دون اللجوء لأسس الصلاح والوفاق بينهما، وإعطاء مهلة من الوقت حتّى تهدأ النفوس. فالرجال غالبًا ما يتسرعون بلفظ الطلاق، ثم لا يجدون سبيلًا للرجوع عنه، بينما تزداد مصيبة المرأة عند تطليقها، وتدخل في دهاليز المحاكم طلبًا لحقوقها بعد انتهاء الزواج الذي كان معاشرة بين طرفين دامت فترة من الوقت. والطلاق في الإسلام هو: حل عقدة النكاح من طرف الزوج بتلفظه بلفظة الطلاق مرة أو اثنتين أو ثلاث، وبعد الثالثة لا تحق له زوجته إلّا حينما تتزوج بآخر. وبلفظة واحدة، تنهار أسرة كاملة، ويتدمر كيان جسدي، لكن قد تطلب المرأة الطلاق لضيقٍ في عيشها، وعدم تمتعها بحقوقها في بيت زوجها، فتلجأ إلى أهلها، وفي هذا العصر السريع والتكنولوجي كثرت قصص الطلاق، وارتفعت نسبته، وتضلّ المرأة تأمل في نيل حقوقها بعد الطلاق، ولكن ما هي هذه الحقوق وكيف تأخذها؟

من حق الزوجة المطلقة أن تبقى في بيتها لمدة ثلاثة شهور حتّى تنقضي هذه المدة، ولا يحق للزوج إخراجها من بيته، وذلك لقول الله تعالى “لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن”، وفي الفترة التي تلتزم بها بالبيت، يجب على زوجها أن يصرف عليها وينفق.

وقد وردت حقوق المرأة بعد وقوع الطلاق في المادة (90) من قانون الأحوال الشخصية اذ نصت بـ :-“يصدر القاضي المختص بعد وقوع الطلاق بناء على طلب ذوي الشأن أمرا بتحديد نفقة المرأة أثناء عدتها ، ونفقة الأولاد ، ومن له حق الحضانة وزيارة المحضون ، ويعتبر هذا الأمر مشمولاً بالنفاذ المعجل بقوة القانون ، وللمتضرر الطعن في هذا الأمر .

ونصت المادة (91) من القانون ذاته بـ :-” تستحق المطلقة المدخول بها المتعة حسب يسر المطلق” .

وتكون حقوق المرأة المطلقة التي وردت في قانون الأحوال الشخصية كالآتي:-

1/نفقة العدة

2/نفقة المتعة

3/الصداق المؤخر

4/الحضانة ونفقة الأولاد أو الرؤية والزيارة والاستزارة

1- نفقة العدة:

المعتدة إما معتدة من طلاق رجعي، وإما معتدة من طلاق بائن بينونة صغرى، وإما معتدة من طلاق بائن بينونة كبرى ، وإما معتدة من وفاة .

أولاً: نفقة المعتدة من طلاق رجعي .

المطلقة رجعياً – في خلال أجل عدتها – زوجة حكماً لأن الله تعالى قال ” وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ” وما دامت زوجة حكماً وهي في العدة يكون لها النفقة والكسوة والسكنى أيام عدتها بلا خلاف عند الفقهاء حتى أنها إذا مات زوجها أو ماتت هي – في خلال أجل عدتها توارثا ، والأكثر من ذلك أجاز لها الفقهاء أن تتزين لمطلقها رجعياً خلال أجل العدة لعله يرجع إليها قال تعالى ” وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ” .

ثانياً: نفقة المعتدة من طلاق بائن بينونة صغرى .

المعتده من طلاق بائن بينونة صغرى – إذا كانت حاملاً – لها نفقة على مطلقها باتفاق الفقهاء – والنفقة هنا بكل أنواعها – قال تعالى ” اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولاتضاروهن لتضيقوا عليهن , وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن “. فالأمر بالإسكان والإنفاق ورد في المطلقة الحامل حتى تضع حملها . أما إذا كانت المطلقة بائناً غير حامل فالمالكية يقولون بعدم النفقة لها ولا الكسوة , إنما لها المسكن لقوله تعالى : ” اسكنوهن من حيث سكنتم” لأنها بائن لا رجعه لها ولا يتوارثان ، وابن العربي يؤكد أن الله أطلق في السكنى لكل مطلقة ، وإنما لما ذكر النفقة قيدها بالحمل فدل ذلك على أن المطلقة بائناً لا نفقة لها .

القانون في المادة (52) منه نص بـ ” تجب على الزوج نفقة معتدته – ما لم يتفق على غير ذلك – والمعتدة في النص جاء عاما ليشمل معتدة الرجعي والبائن الحامل والحائل .

والنفقة في النص لفظ عام يشمل النفقة التي وردت بالمادة (44) من القانون- الطعام والكسوة والمسكن والتطييب ، وكل ما به مقومات حياة الإنسان حسب العرف .

إذا وقع الطلاق ثم اتفقت المطلقة مع مطلقها على أنها لا نفقة عدة لها صح الاتفاق بشرط أن تعتد العدة المقررة شرعاً ، لأن العدة كأثر للطلاق لا يجوز إسقاطها أو الاتفاق على عدمها .

2-نفقة المتعة:

نفقة المتعة هي حق من الحقوق الشرعية للمرأة المطلقة، وهي عبارة عن المال الذي يدفعه الزوج ( المطلِّق ) عوضاً عن ترك الزوجة ومفارقته لها ويكون هذا العوض بسبب ما يصيبها من ألم وليرفع عنها وصف الإساءة.

وسبب وجوب المتعة هو النصوص الصريحة مثل قوله تعالي:{{ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ }} البقرة ( 236 )

ولذلك كان لزاماً علينا عند الحديث عن نفقة المتعة إلقاء الضوء على عدة نقاط مهمة لذلك قسمت حديثي هذا إلى عدة نقاط تتمثل في:

أولاً: تعريف نفقة المتعة

المتاع فى اللغة :

المتاع: كل ما ينتفع به ويرغب في اقتنائه كالطعام والثياب وأثاث البيت والمال .

وأمتع الرجل مطلقته : أعطاها المتعة بعد الطلاق .

ومتعة المرأة : ما يعطيه الزوج لزوجته بعد الطلاق لتنتفع به كالمال والخدم .

والمتعة في اصطلاح الفقهاء :

هي ما يعطيه الزوج لزوجته عند طلاقها، تطييباً لنفسها عما يرد عليها من ألم، وتسلية لها عن الفراق.

ثانياً : حكم نفقة المتعة

وجوب المتعة قبل الدخول يكون بديلاً عن وجوب نصف المهر في عقد الزواج الذي صحت فيه التسمية وهذا ما أوضحه نص الآية : ” لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ” البقرة (236).

ومفهوم ذلك أن المرأة التي طلقت قبل الدخول أو الخلوة وسمي لها مهراً فإنه يجب لها نصف المهر وهذا هو ما يفيده قوله تعالى “وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ” البقرة (237)

فلما انعدمت التسمية أو لم تصح جعلنا البديل هو المتعة .

ثالثاً : سبب وجوب نفقة المتعة

اتفق جمهور الفقهاء على وجوب نفقة المتعة لكل مطلقة قبل الدخول والخلوة الصحيحة ، إذا لم يسم لها مهر ، وذلك لقوله تعالى ” لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ” .

ومما يدل على وجوب المتعة للمطلقة قبل الدخول ولم يسم لها مهر ، هو الأمر بها في قوله سبحانه ” وَمَتِّعُوهُنَّ ” والأمر يقتضي الوجوب ، حتى تقوم الدلالة على الندب ، ولأن مهر المثل يجب للزوجة بمجرد العقد عليها في هذه الحالة ـ وهي حالة عدم التسمية ـ والمتعة هي بعض مهر المثل ، فتكون واجبة ، كما يجب نصف المسمى في حال الطلاق قبل الدخول ، إن كانت هناك تسمية مهر ، فالمتعة إذًا بمنزلة نصف المسمى ، ولأنه قد لحق هذه المرأة بالعقد والطلاق قبل الدخول ابتذال ، فكان لها المتعة بدلاً عن الابتذال وتخفيفاً عنها .

رابعا :- موقف القانون العماني من المتعة

أخذ قانون الأحوال الشخصية العماني في المتعة بالمذهب الشافعي والمذهب المالكي ، حيث نصت المادة (91) من ذات القانون :-“تستحق المطلقة المدخول بها المتعة حسب يسر المطلق“.

حيث إن القانون العماني أخذ باستحقاق المدخول بها المتعة سواء كانت قد سمي لها مهر أو لم يسم ، لأن المتعة قصد بها تطييب خاطر المطلقة التي طلقها زوجها دون رضاها وبعد أن دخل بها.

3- الصداق المؤخر:

عرف القانون في المادة (21) من قانون الأحوال الشخصية بأن الصداق هو ما يبذله الزوج من مال بقصد الزواج.

والصداق ملك خاص للزوجة في مقابل الاستمتاع بها وقد أكدته المادة (23) من ذات القانون بأن الصداق ملك للمرأة تتصرف فيه كيفما شاءت وأرادت.

ونصت المادة (24/أ) بأن الاتفاق على تأجيل الصداق أو تعديله يكون حين العقد بمعنى أن الاتفاق يكون وقت عقد الزواج بزيادة الاجل أو انقاصه.

وقد جرى العرف بين الناس على تأجيل بعض من الصداق، وهذا العرف يحدد الاجل الذي يتفق عليه الزوجان بالنسبة لاستحقاق اجل الصداق –فقد يكون لاجل محدد بعقد الزواج- وعند عدم التحديد يكون لاقرب الاجلين الطلاق او الوفاة.

عليه تستحق المرأة المطلقة صداقها المؤخر بعد وقوع الطلاق ان كان تم الاتفاق على اجل للصداق ولم يحدد له اجل.

4-الحضانة ونفقة الأولاد أو (الرؤية والزيارة والاستزارة):

تعرَّف الحضانة في القانون العماني بأنها حفظ الولد ورعايته بما لا يتعارض مع حق الولي في الولاية على النفس وهذا التعريف جاء في المادة (125) من قانون الأحوال الشخصية. وفي الاصل تكون حضانة الأطفال للأبوين معا ما دامت العلاقة الزوجية قائمة ، إلا أن الحضانة تقتصر على طرف معين اذا ما شابت العلاقة الزوجية بعض المشاكل وفضت بالطلاق ، ففي هذه الحالة تنتقل الحضانة إلى الأم إذا انطبقت عليها شروط الحضانة الواردة في قانون الأحوال الشخصية.

وقد نظم قانون الأحوال الشخصية الحضانة وذلك حرصا من المشرع على استقرار حياة المحضونين مهما كانت الظروف ، فقد اشترط القانون في الشخص الذي يتولى الحضانة عدة شروط هي (العقل ، والبلوغ ، والأمانة، وخلوه من الأمراض المعدية الخطيرة) ، وأضاف شرطا على المرأة هو أن تكون غير متزوجة بزوج أجنبي عن المحضون إلا إذا رأى القاضي خلاف ذلك بما يحقق مصلحة المحضون. كما اشترط في الرجل الذي يتولى الحضانة أن يكون عنده من النساء من يصلح ليتولى الحضانة كأمه أو أخته أو زوجته الأخرى.

وتستمر الحضانة للأم حتى يتم المحضون الذكر السابعة من عمره ، والأنثى حتى البلوغ ومع ذلك أجاز القانون للقاضي أن يقرر بخلاف ذلك اذا تبين له ان مصلحة المحضون تكون في البقاء مع أمه حتى وإن تزوجت بزوج أجنبي. ولا يحق للحاضن السفر بالمحضون خارج الدولة إلا بموافقة الولي وإن امتنع الولي فيُرفع الامر للقاضي.

وفي ظل استمرار الحضانة مع الام فان الاب ملزم بدفع نفقة الاولاد المحضونين شاملة المأكل والمشرب والتطبيب والمسكن وغيرها من المستلزمات الضرورية، وتستمر نفقة الاولاد الى ان يبلغ الذكر سن الرشد ما لم يكن طالب علم يواصل دراسته بنجاح معتاد والانثى حتى تتزوج ما لم تلتحق بالعمل.

فإن لم تتوافر شروط الحضانة في الأم فان لها الحق في زيارة الاولاد واستزارتهم ورؤيتهم وفقا لما يقرره القاضي. وفي الأصل فإن الحضانة من واجبات الأبوين معا ما دامت الزوجية قائمة بينهما ، فإن افترقا فهي للأم ثم للأب ثم لأم الأم ، ثم لأقرباء المحضون وفق الترتيب التالي : (خالته ، ثم جدته لأبيه وإن علت ، ثم أخته ثم خالة أمه ثم عمة أمه ثم عمته ، ثم عمة أبيه ، ثم خالة أبيه ، ثم بنت أخيه ، ثم بنت أخته ، ويقدم في الجميع الأخ الشقيق ، ثم الأخ لأم ، ثم الأخ لأب ما لم يقدر القاضي خلاف ذلك بما يحقق مصلحة المحضون.

وحرصا من المشرع على مصلحة المحضون فإن دعاوى الحضانة تتجدد بحسب مستجدات الأحوال وأوضاع المحضون وذلك بما لا يتعارض مع القانون المنظم لمسائل الحضانة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت